بسم الله الرحمن الرحيم
السلام على من اتبع الهدى
القصد من الامامة في هذا لموضوع هي الأمامة الكبرىللمسلمين ، أعني الخلافة والحكم ، والقيادة والولاية .
فالإمامة عند الشيعة ، هي أصل من أصول الدّين لما لها من الأهمية الكبرى والخطورة العظمى وهي قيادة خير إمة أخرجت للنّاس وما تقوم عليه القيادة من فضائل عديدة وخصائص فريدة أذكر منها ، العلم والشجاعة والحلم والنزاهة والعفة والزهد والتقوى والصلاح الخ .
فالشيعة يعتقدون بأن الإمامة منصب إلهي يعهد به الله سبحانه إلى من يصطفيه من عباده الصالحين ليقوم بذلك الدور الخطير إلا وهو قيادة العالم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وعلى هذا كان الإمام علي بن أبي طالب إماماً للمسلمين بإختيار الله له ،
وقد أوحى لرسوله لكي ينصّبه علماً للناس ، وقد نصّبه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ودلّ الأمة عليه وبعد حجة الوداع في غدير خم ، فبايعوه « هذا مايقوله الشيعة » .
أمّا اهل السنّة والجماعه فيقولون أيضاً بوجوب الإمامه لقيادة الأمّة ، ولكنّهم يجعلون للأمة حق إختيار إمامها وقائدها ، فكان أبو بكر بن أبي قحافه إماماً للمسلمين بإختيار المسلمين أنفسهم له بعد وفاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي سكت عن أمر الخلافة ولم يبينّ للأمّة شيئا منها وترك الأمر شورى بين النّاس .
أين الحقيقه
إذا تأمّل الشخص في أقوال الطرفين وتمعّن في حُجج الفريقين بدون تعصّب فسوف يقترب من الحقيقة بدون شك وها أنا سوف أستعرض وإياكم الحقيقة التي وصلت اليها على النحو التالي :
1 - الإمامة في القرآن الكريم : قال الله تعالى : وإذ إبتلى إبراهيم ربّهُ بكلمات فأتمهنّ قال إني جاعلك للناس إماماً ، قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين (سورة البقرة آية 124 ) .
في هذه الآية الكريمة يبّيُن الله لنا بأنّ الإمامة منصبٌ إلهي يعطيه الله لمن يشاء من عباده لقوله : جاعلك للناس إماماً كما توضّح الآيه بأن الأمامة هي عهد من الله لا ينالها إلا العباد الصالحين الذين إصطفاهم الله لهذا الغرض لإ نتفائه عن الظالمين الذين لا يستحقّون عهده سبحانه وتعالى .
وقال تعالى : وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا اليهم فعل الخيرات وإقام الصلاه وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ( سورة الأنبياء آية 73 ) .
وقال سبحانه وتعالى : وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون (سورة السجدة آيه 24 ) .
وقال أيضاً : ونريد أن نمنّ على الذين إستضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين .
(سورة القصص آيه 5 )
وقد يتوهّم البعض بأن مدلول الآيات المذكوره يُفهم منها بأن الإمامة المقصودة هنا هي النبّوه والرساله وهو خطأ في المفهوم العام للإمامة ، لأن كل رسول هو نبي وإمام وليس كل إمام رسول أو نبي ! .
ولهذا الغرض أوضح الله سبحانه تعالى في كتابه العزير بأن عباده الصالحين يمكن لهم أن يسألوه هذا المنصب الشريف ليتشرّفوا بهداية النّاس وينالوا بذلك الأجر العظيم قال تعالى : والذين لا يشهدون الزور وإذا مرّوا باللغو مرّوا كراماً والذين إذا ذُكّروا بآيات ربّهم لم يخرُّوا عليها صُمَّا وعمياناً ، والذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعيُنٍ وأجعلنا للمتقين إماماً (سورة الفرقان آية 71 ـ 74 ) .
كما ان القرآن الكريم إستعمل لفظ الإمامة للتدليل على القادة والحكّام والظالمين الذين يُضلّون أتباعهم وشعوبهم ويقودونهم الى الفساد والعذاب في الدنيا والآخرة ، فقد جاء في الذكر الحكيم ، حكاية عن فرعون وجنوده ، قوله تعالى : فاخذناه وجنوده فنبذناهم في أليمّ فأنظر كيف كان عاقبة الظالمين وجعلناهم أئمة يدعون الى النّار ويوم القيامة لا ينُصرون ، وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنةً ويوم القيامة هم من المقبوحين (سورة القصص آية 41 ـ 42 )
وعلى هذا الأساس فقول الشيعة هو الأقرب لما أقره القرآن الكريم لأن الله
سبحانه وتعالى أوضح بما لا يدع مجالاً للشكّ بأنّ الإمامة منصب إلهي ويجعله الله حيث يشاء وهو عهد الله الذي نفاه عن الظّالمين وبما إنّ غير علي من صحابة النبي قد أشركوا فترة ما قبل الإسلام فإنهم بذلك يصبحون من الظالمين ،فلا يستحقّون عهد الله لهم بالإمامة والخلافة ، ويبقى قول الشيعة بأنّ الإمام علي بن أبي طالب إستحقّ وحده دون سائر الصحابة عهد الله بالإمامة لأنّه لم يَعبُد إلا الله وكرّم الله وجهه دون الصحابة لأنه لم يسجد لصنم ، وإذا قيل بأنّ الأسلام يجبّ ماقبله ، قلنا نعم ولكن يبقى الفُرق كبيراً بين من كان مشركاً وتاب ، ومن كان نقيّاً خالصاً لم يعرف إلا الله .
2 ـ الإمامة في السنّة النبوية : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الإمامة أقوالاً متعدّدة رواها كّل من الشيعة والسنة في كتبهم ومسانيدهم فمرّة تحدث عنها بلفظ الإمامة ومرّة بلفظ الخلافة وآخرى بلفظ الولاية أو الإمارة .
جاء في الإمامة قوله صلى الله عليه وآله وسلم :
« خيار أئمتكم الذين تحبّونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم » .
قالوا يارسول الله أفلا ننابذهم بالسيف فقال « لا ما أقاموا فيكم الصلاة » (صحيح مسلم ج 6 / 24 باب خيار الأئمة وشرارهم . ) .
وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم :
( يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنونّ بسنّتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس » (صحيح مسلم ج 6 /20 باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن ) .
وجاء في الخلافة قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم :
« لا يزال الدين قائما حتّى تقوم الساعه أو يكون عليكم إثنا عشر خليفه كلّهم من قريش » (صحيح مسلم ج 6 /4 باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش ) .
وعن جابر بن سمرة قال سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : « لايزال الإسلام عزيزاً إلى إثنا عشر خليفة ثم قال كلمه لم افهمها فقلتُ لأبي ، ما قال ؟ فقال كلّهم من قريش » (صحيح مسلم ج 6 /3 وصحيح البخاري ج 8 / 105 وص 128 ) .
وجاء في الإمارة قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم :
ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف بريء ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع قالوا: أفلا نقاتلهم قال : لا ما صلّوا » (صحيح مسلم ج 6 / 23 باب وجوب الإنكار على الإمراء ) .
وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم في لفظ الإمارة أيضاً :
« يكون إثنا عشر أميراً كلهم من قريش » (صحيح البخاري ج 8 /127 باب الإستخلاف ) .
وجاء عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم محذراً أصحابه :
« ستحرصون على الإمارة وستكون ندامه يوم القيامة فنعم المرضعةُ وبئسِت الفاطمةُ » (صحيح البخاري ج 8 / 106 باب مايكره من الحرص على الإمارة) .
وجاء الحديث أيضاً بلفظ الولاية .
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :
« ما من وال َيلي رعيّةٌ من المسلمين فيموت وهو غاشً لهم إلا حرّمَ الله عليهالجنّة » (صحيح البخاري ج 8 /106باب مايكره من الحرص على الإمارة) . كما حدث صلّى الله عليه وآله وسلّم بلفظ الولاية :
(لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم إثنا عشر رجلاً كلّهم من قريش » (صحيح مسلم ج 6 ص 3 باب الخلافة في قريش) .
وبعد هذا العرض الوجيز عن مفهوم الإمامة أو الخلافة التي إستعرضتها من القرآن الكريم ومن السنّة النبّوية الصحيحة بدون تفسير ولا تأويل ، بل إعتمدتُ على صحاح أهل السنّه دون غيرهم من الشيعة لأنّ هذا الأمر ( أعني الخلافة في إثني عشر كلهم من قريش ) عندهم من المسلّمات لا غبار عليها ، ولا يختلف فيها إثنان منهم ، مع العلم بأنّ بعض علماء أهل السنّة والجماعة يصرحون بأن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم قال :
« يكون بعدي إثنا عشر خليفة كلهم من بني هاشم » .
(ينابيع المودة ج 3 /104) . وعن الشعبي عن مسروق قال بينما نحن عند أبن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ قال له فتى :هل عهد اليكم نبيكم كم خليفة يكون من بعده قال : إنك لحديث السنّ وإن هذا شيء ما سألني عنه أحد قبلك ، نعم عهد إلينا نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم إنه يكون بعده إثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل … » (ينابيع المودة ج 3 /105 ) .
وبعد هذا فلنستعرض أقوال الفريقين على صحّة إدّعاء كلّ منهما من خلال النصوص الصريحة ، كما نناقش تأويل كلّ منهما في هذه المسألة الخطيرة التي فرقت المسلمين من يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى يومنا هذا ، وقد نشأ من ذلك إختلاف المسلمين الى مذاهب وفرق ومدارس كلامية وفكرية ، بعد أن كانوا أمّة واحدة . فكل خلاف وقع بين المسلمين سواء في الفقه أو في التفسير للقرآن أو في فهم السنّة النبوية الشريفة منشؤه وسببه الخلافة وما أدراك مالخلافة التي أصبحت بعد السقيفة أمراً واقعاً يُستنكر بسببها أحاديث صحيحة وآياتّ صريحه وتُخْتلقْ من أجل تثبيتها وتصحيحها أحاديث أخرى لا أساس لها في السنّة النبوية الصحيحة ، وهذا يذكرني بإسرائيل والأمر الواقع ذلك إن الرؤساء والملوك العرب إجتمعوا وإتفقوا أن لا إعتراف بإسرائيل ولا تفاوض معها ولا سِلْمّ فما أُخِذَ بالقوّة لا يستردّ بغير القوة وبعد سنوات قليلة إجتمعوا من جديد ليقطعوا هذه المرّة علاقاتهم مع مصر التي إعترفت بالكيان الصهيوني وبعد سنوات قليلة أعادوا علاقاتهم مع مصر ولم يطعنوا بعلاقتها بإسرائيل مع أنّ أسرائيل لم تعترف بحق الشعب الفلسطيني ولم تغيّر شيئاً من موقفها بل زادت في تعنّتها وضاعفت قمعها للشعب الفلسطيني ، فالتاريخ يعيد نفسه وقد إعتاد العربُ التسليم بالأمر الواقع .
ترقبو البقية