الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فهذه محاضرة بعنوان الغزو الفضائي ، والمقصود به الغزو الثقافي والأخلاقي الذي تتعرض له الأمة الإسلامية من الفضاء ، عبر وسائل الإعلام المتطورة .
· علماء التاريخ يقولون إن البشرية قد مرت بثلاثة أطوار ، أو ثلاثة موجات ، منـذ أن وجدت على هذه المعمورة .
الطور الأول أو الموجة الأولى : الطور الزراعي .
الطور الثاني أو الموجة الثانية : الطور الصناعي .
وأما الطور الثالث أو الموجه الثالثة فهي التي نحن في أولها ، وهي ما يسمى : ثورة الاتصالات والمعلومات .
و هذه الموجة التي كتب الله تعالى علينا أن نعايشها ونشهد فتنها العظيمة ، هي أعظم فتنة مرت على وجه المعمورة منذ خلق الله تعالى آدم عليه السلام ، إلى يومنا هـــذا ـ والله أعلم بما يحمله المستقبل ـ ذلك أنه كلما اقتربت الساعة عظمت الفتن ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم ) .
حتى إذا كانت الساعة قاب قوسين أو أدنى ، صكت العالم أجمع ، أعظم فتنة تمر على البشرية منذ خلق الله الدنيا ، إلى قيام الساعة ، وهي فتنة المسيح الدجال التي قال عنها صلى الله عليه وسلم ، إنها أعظم فتنة منذ خلق الله تعالى آدم إلى قيام الساعة .
ولهذا شرع لنا أن نستعيذ بالله تعالى من شر فتنة المسيح الدجال ، ومن شر فتنة المحيا والممات في آخر كل صلاة قبل التسليم .
وفتنة المسيح الدجال فتنة عامة لكل أهل زمانه ، إلا من عصم الله تعالى ، وفتنة المحيا والممات هي فتنة لكل إنسان في كل عصر ، وهي ما يفتن به في محياه من ألوان الفتن ، كما قال صلى الله عليه وسلم تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأيما قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء ،وأيما قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء ، حتى تصير القلوب على قلبين أبيض مثل الصفا ، لا تضره فتنة مادامت السموات والأرض ، وأسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ، ولاينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه .
وهذه الفتنة التي هذه الموجة العارمة التي نعيشها ـ شأنها شأن كل فتنة يتعرض لها بني آدم ـ هذه الفتنة لها دعاة ، وأهداف ، ووسائل ، وآثار ونتائج ، ولكل فتنة دعاة ـ وهم الدعاة على أبواب جهنم في كل عصر ـ ولكل فتنة وسائل ، كما أن لها آثارا ونتائج .
أما كبير دعاة كل فتنة ، وهو أول داع لكل فتنة على وجه الأرض ، فهو الشيطان ، إبليس اللعين ، كما حكى الله تعالى عنه في القرآن ، أنه قال : ( يا بني آدم لايفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ، ينزع عنهما لباسهما ليريهما سواءتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ) .
وتأمل قوله تعالى : ( ينزع عنهما لباسهما ليريهما سواءتهما ) ففي هذه الآية الكريمة ، أمران :
(يريهمـــا ) وهي : فتنة النظر .

(سواءتهما) وهو : كشف العورة .

إذن كانت خطة الشيطان أن يفتنهما بالنظر إلى العورة ، فهي أذن أول فتنة دخل منها الشيطان على الإنسان ، وهي اليوم أعظم وأخطر فتنة يبدأ بها الشيطان مستغلا ما يسمى بموجة الاتصالات والفضائيات والإنترنت ، يبدأ بها لينتهي بالبشرية إلى حضيض الضلال وفساد العقيدة والأخلاق .

والشيطان يسخر لدعوته ، سماسرة ودلالين ، يسخرهم الشيطان لتبليغ دعوتـــــه ، كمـــــا قال الله تعالى ( وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد ).

وقال تعالى ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن ،يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) ، وقال تعالى ( قل أعوذ برب الناس ، ملك الناس ، إله الناس ، من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ) ، والمعنى أعوذ بالله من الوسواس ، الذي يكون من الناس ، كما يكون من الجن أيضا ، وكلاهما من جنود إبليس الذين يرسلهم لاضلال البشريـــة

واليوم أعظم ما يوسوس في صدور الناس : هو هذه الفتن التي تحملها وسائل الإعلام ، فهي تنتشر في ظلمات الليل كالشياطين ، وتهبط على الناس ، في بيوتهم تحمل ، كل ضلال وإضلال يفسد العقيدة والإيمان ، وكل عري وتفسخ يفسد الأخلاق ، ثم يحول الإنسان إلى مثل الأنعام ، بل أضل سبيلا .

وقادة هذه الفتنة التي تحملها وسائل الإعلام عبر الفضائيات والإنترنت هم العالم الغربي الذي تقوده أمريكا ، التي عشعش فيها الشيطان وباض وفرخ واتخذ من رجالها ودولتها وإعلامها خيلا ورجالا وصوتا لينشر فتنته في الأرض .

وأما هدفها فقد وصفه الله تعالى بقوله في محكم التنزيــــل : ( ولأضلاهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ، ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ، ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا ، يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ) .

أي آمرهم أن يجعلوا الأنعام قربانا لآلهتهم التي يعبدونها من دون الله ، لانهم كانوا يقصدون إذن الناقة ، يقصدون بذلك تميزها لتكون قربانا للأصنام ، كما آمرهم أن يغيروا فطرة الإنسان من التوحيد إلى الشرك ، ومن العبودية لله تعالى والاستقامة على طاعته ، إلى العبودية للشيطان وابتاع منهجه .

وأما وسائلها فهي وسائل الإعلام ، مثل الفضائيات والإنترنت ، ذلك أن هذه الوسائل ، سلاح ذو حدين ، فاستعملها الشيطان لدعوته ، ويمكن أن يستغلها الدعاة إلى الله تعالى لدعوتهم أيضا.

وأما نتائجها فهي بث العقائد المنحرفة والكفر والإلحاد والزندقة والجنس والدعارة والتفسخ والعري ومساوئ الأخلاق .. الخ .

و باختصار نتائجها وآثارها هي : إحداث أكبر قدر من التلويث في المجتمعات الإسلامية .

1ـ تلويث العقيدة

2ـ تلويث الأخلاق

أما كيف يحدث هذا التلويث .

فإنه يحدث عبر مراحل :

المرحلة الأولى : النظر .

المرحلة الثانية : ميل القلب .

المرحلة الثالثة : إلف المنكر ، الاطمئنان إليه ، والتعود عليه .

المرحلة الرابعة : اقترافه وفعله .

المرحلة الخامسة : إدمان القلب للمنكر ، وشغفه به، وتشربه .

المرحلة السادسة : رؤيته معروفا ، ورؤية المعروف منكرا .

المرحلة السابعة : وضع شريعة للشيطان ، قوانين تعاقب من يعترض على المنكر ، وينهي الناس عنه ، ويحاربه .

وتأمل كيف تبدأ خطوات الشيطان بالنظر ، ثم لا يرضى من بني آدم حتى تنتهي خطواته بتشريع شريعة هي دين الشيطان ، يستعبد بها بني آدم ، ويطمس فطرتهم .

وتكونه النهاية المأساوية للغزو الفضائي هي :

1ـ اتخاذ إله الغرب الجديد ، وهو حب الدنيا ،وعبادة شهواتها ، وملذاتها ، اتخاذه إلها جديدا للناس في العالم الاسلامي بل العالم أجمع تحت شعار ( العولمة الثقافية ) ، ثم يسبحون بحمده بكرة وعشيا ، عبر استقبالهم لهذه الفضائيات ، التي تحمل ظلمات الضلال ، يملي عليهم بها الشيطان دينه الباطل ، ويصرف بها قلوبهم عن عبادة الله تعالى الواحد القهار .

2ـ محاربة عقيدة الولاء والبراء ، وتقويض اعتزاز المسلم بالانتماء إلى دينه الإسلامي ، واستبدال ذلك بانتمائه إلى لاشيء ، لاشيء سوى حب هذه الحياة الدنيا وملذاتها وزينتها .

3ـ وعلى مستوى الأخلاق :

هو باختصار إحلال أخلاق الغرب ومفاهيمه محل الأخلاق الإسلامية ومفاهيمها ، ومن الآثار السريعة المشاهدة لهذا الغزو :

ـ انتشار التبرج وإفساد المرأة .

ـ انتشار الزنى ( التبرج ـ الاختلاط ـ المعاكسات ) .

ـ الأمراض الجنسية الشذوذ …الخ .

جهاد هذا الغزو الفضائي :

يجب على كل مسلم أن يتعلم خمسة مفاهيم قرآنية مهمة :

المفهوم الأول : أن الله تعالى أراد من خلق الحياة الدنيا إبتلاء الإنسان ، ولهذا خلق الشيطان ، ثم أرسل الرسل ، ليتحقق بتعارض دعوة الشيطان ، وجهاد الرسل وأتباعهم لفتنته ، يتحقق الغرض من الابتلاء ، ويتميز الناس إلى مؤمن وكافر ، وبر وفاجر .

المفهوم الثاني : أن الصراع بين الحق والباطل ، ماهو إلا انعكاس للحقيقة التي دل عليها المفهوم الأول ، وأنه صراع لن يتوقف حتى تنتهي الدنيا ، يمثل الحق فيه الرسل وأتباعهم ، ويمثل الباطل الشيطان وجنوده .

المفهوم الثالث : أن الله تعالى كتب أن يكون الحرب بين الحق والباطل مداولة ، تارة ينتصر الحق ، وتارة يبتلي الله تعالى أهل الحق ، بجولة للباطل ، كما قال تعالى ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ، وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ) .

المفهوم الرابع : أن الحق لابد أن يكون له الانتصار الأخير والنهائي ، ولا تنتهي الدنيا حتى يختمها الله تعالى بانتصــار الحق ، كما قال تعالى ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) ، فصولة الباطل ساعة ، وصولة الحق إلى قيام الساعة .

المفهوم الخامس : أن الله تعالى إنما ينصر الحق بجهاد المؤمنين ، كمــا قال تعالى ( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم ) وكما قال ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ) .

ومن هنا فالواجب على المؤمنين ، جهاد فتنة الشيطان ، وذلك بسلاح الدعوة إلى الإسلام ، بكل ما أتوا من وسائل متاحة ، فيجب عليهم منازلة جنود الشيطان ، بسلاح الإعلام ، فيستغلون الفضائيات أيضا لنشر دعوة الرسل ، ومفاهيم القرآن ، وأخلاق الإسلام .

وكذلك يستغلون الإنترنت ، بل كل وسيلة مشروعة ، يقتحمونها ليصارعوا ويجاهدوا فيها فتنة الشيطان ، وليدعوا الناس إلى الحق والخير والهدى الذي جاء به القرآن ، وليس ثمة حل لما يتعرض له العالم الاسلامي من غزو فضائي إلا صده ودفعه بغزو فضائي مضاد ، يحمل الدعوة الإسلامية في قالب عصري ، يخاطب الناس بما يعقلون ، ويقدم لهم مفاهيم الإسلام بما يفهمون ، ويفند فتنة الباطل ، ويفضح مافيها من زخرف خداع .

وهذا الجهاد واجب على كل قادر ، وقــد قال صلى الله عليه وسلم ( جاهدوا المشركين بألسنتكم وأموالكم وأنفسكم ) .

وليس بالضرورة أن تكون ثمرة هذا الجهاد هداية الناس جميعا ، بل ثمرته أن يهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حي عن بينة ، وهذه ثمرة دعوة الرسل جميعا ، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين .


http://www.h-alali.net