منذ ان استضاف برنامج تلفزيوني فرنسي على القناة الثانية مؤلفه تييري ميسان، صحافي التحقيقات الذي درس العلوم السياسية واصدر كتابين حول سيرة حياة وزير الدفاع الفرنسي الاسبق شارل ميون ووزير الداخلية الفرنسي الاسبق شارل باسكوا. ويشكك المؤلف بالكثير من الطروحات الامريكية حول ما جرى يوم 11 سبتمبر بل ويؤكد انه لم تتحطم اي طائرة على مبنى «البنتاجون في ذلك اليوم». يقول المؤلف في مقدمة كتابه:«الرواية الرسمية ـ الامريكية ـ للاحداث لا تصمد امام التحليل النقدي. وسوف نبرهن على انها ليست سوى عملية «مونتاج» وتسمح المعلومات التي نقدمها في بعض الحالات ان تبين الحقيقة. اننا ندعوكم الى عدم اعتبار عملنا هذا حقيقة نهائية. بل وندعوكم الى التشكك، ولا تثقوا الا بحسكم النقدي».

هل تتذكرون الاعتداء على البنتاجون؟ لقد كانت تلك الاحداث من الخطورة بحيث انه كان من غير الممكن، تحت وقع المفاجأة، القيام بالالتقاط الفوري لتناقضات الرواية الرسمية الامريكية التي طرحت في هذا الصدد.


يوم 11 سبتمبر 2001 قبيل الساعة العاشرة حسب توقيت واشنطن العاصمة اذاعت وزارة الدفاع الامريكية بيانا مقتضبا جاء فيه مايلي: «لاتزال وزارة الدفاع تواجه الهجوم الذي تعرضت له هذا الصباح في الساعة 08.35 ولا يتوفر حتى الان اي رقم حول عدد الضحايا اما الجرحى فقد تم نقلهم الى المستشفيات القريبة، وقد اعرب وزير الدفاع دونالد رامسفيلد عن تعاطفه مع اسر الضحايا الذين قتلوا وجرحوا من جراء هذا الهجوم المشين وهو يؤمن قيادة العمليات انطلاقا من مركز القيادة في البنتاجون، ولقد جرى اخلاء المبنى من موظفيه بينما تتصدى مصالح التدخل في حالات الطواريء التابعة لوزارة الدفاع وللمناطق المجاورة للنيران وتقدم الاسعافات الاولية الضرورية، التقديرات الاولية للخسائر كبيرة، مع ذلك ينبغي ان تفتح وزارة الدفاع ابوابها غدا حيث تم تجهيز اماكن بديلة للعمل عوضا عن اقسام المبنى المصابة».


للوهلة الاولى للوهلة الاولى تبدو الوقائع جلية ولا تحتمل اي نقاش مع ذلك وعندما يتم التوغل في التفاصيل تغدو الايضاحات الرسمية مثيرة للتشوش ومتناقضة.


وقد اوضح المراقبون الجويون للطيران المدني لصحافيي الـ «كريستيان سيانس مونيتور» في 17 سبتمبر 2001 انه حوالي الساعة 8.55 كانت الطائرة البوينج قد خفضت مسار طيرانها الى ارتفاع 29 الف قدم، ولم تستجب للتعليمات بحيث اعتقد المراقبون في البداية ان هناك عطلا الكترونيا ثم قام الطيار الذي استمر بعدم الاجابة على النداءات، بفتح الراديو بشكل منقطع مما سمح بسماع صوت رجل ذي لهجة عربية قوية كان يهدده، وعندها استدارت الطائرة نحو واشنطن، ثم فقد المراقبون الاتصال معها.


وحسب التعليمات السارية قام المراقبون الجويون المحليون بابلاغ ادارة الطيران المدني بخطف الطائرة وكان اغلبية المسئولين على المستوى القومي غائبين، حيث كانوا قد ذهبوا الى كندا لحضور مؤتمر مهني، وفي التضارب الذي ساد في ذلك اليوم، اعتقد المسئولون المناوبون في مقر الادارة الفيدرالية للطيران المدني، ان الابلاغ يخص الطائرة الثانية التي كان قد تم خطفها نحو نيويورك، وبعد مرور نصف ساعة فهموا ان الامر يتعلق بطائرة ثالثة جرى خطفها، وابلغوا بذلك السلطات العسكرية لقد كان ذلك الاهمال سببا في ضياع 29 دقيقة ثمينة.


وعندما تمت مساءلة الجنرال ريشار ماير يوم 23 سبتمبر من قبل لجنة القوات المسلحة في الكونجرس، لم يستطع ان يحدد الاجراءات التي كان قد تم اتخاذها للتصدي لطائرة البوينج، وانتهى البرلمانيون الى نتيجة مفادها انه لم يتم اتخاذ اي اجراءات لكن هل يمكن تصديق بان جيش الولايات المتحدة بقي سلبيا اثناء الاعتداءات؟ ويوم 14 سبتمبر نشرت قيادة قوى الدفاع الجوي في امريكا الشمالية تصريحا لسد الثغرات التي ظهرت في ذاكرة الجنرال ريشار ماير، واشار ذلك التصريح الى انه لم يتم اخبارها بعملية خطف الطائرة الا عند التاسعة و 24 دقيقة، وانه قد تم مباشرة اصدار الاوامر مباشرة لطائرتين من طراز «اف ـ 16» مقاتلتين من قاعدة «لانجلي» في فرجينيا باعتراض الطائرة البوينج لكن القيادة الجوية لم تكن تعرف اين توجد تلك الطائرة واعتقدت انها تريد ان تقوم باعتداء اخر في نيويورك ثم ان طائرة مقاتلة كانت قد اقلعت من القاعدة الرئاسية في سانت اندروز، وانها صادفت طائرة البوينج «المخطوفة» وانها قد تعرفت عليها ولكن جاء ذلك متأخرا.


لكن على الرغم من هاتين الروايتين ـ اي روايتي الجنرال ماير وقيادة قوات الدفاع الجوي ، هل يمكن تصديق ان منظومة الرادار العسكري الامريكي لم تكن قادرة على تحديد موقع البوينج في منطقة يبلغ قطرها عشرات الكيلو مترات فقط، وانه يمكن لطائرة مدنية كبيرة ان تنجو من طائرة اف ـ 16 المقاتلة التي تلاحقها؟ ثم اذا كانت الطائرة المخطوفة قد استطاعت تجاوز الحاجز الاول، فإنه كان يفترض اسقاطها عند اقترابها من البنتاجون والذي لاشك ان اجراءات الحماية المتخذة حوله هي بمثابة سر عسكري؟ مثلما هو الامر بالنسبة للبيت الابيض غير البعيد، لاسيما وان عدة احداث قد وقعت عام1994 خاصة هبوط طائرة من طراز «سيسنار ـ 150 ل» كانت قد حطت في حديقة البيت الابيض ومن المعروف ايضا ان التجهيزات المضادة للطيران كانت تدار انطلاقا من القاعدة الرئاسية في سانت اندروز.


يقول كولونيل فيك وارزنسكي الناطق الرسمي باسم البنتاجون: «لم نكن نعي ان تلك الطائرة تستهدفنا وانني اشك كثيرا في انه قبل الثلاثاء 11 سبتمبر 2001 كان هناك من يمكن ان يتوقع وقوع مثل هذا الحدث».


هكذا، اذن، وبعد ان أفلتت تلك الطائرة من ملاحقيها، انهت رحلتها على البنتاجون.


وطائرة البوينج 757 ـ 200 هي طائرة ضخمة تستطيع ان تقل 239 مسافراً وطولها 47.32 متراً وعرضها 38.05 متراً ووزنها مملوءة 115 طناً وتصل سرعتها الى 900 كيلو متر بالساعة.


اما البنتاجون فهو اكبر بناء اداري في العالم يعمل به كل يوم 23000 شخص. وقد تم بناؤه بموقع غير بعيد عن البيت الابيض. ولكن على الضفة الاخرى لنهر البوثوماك، وهو بهذا غير موجود في واشنطن وانما في ارلنجتون بولاية فيرجينيا المجاورة.


ان طائرة البوينج لتسبب اكبر قدر من الخسائر كان يفترض ان تصطدم بسقف البنتاجون.


وكان ذلك هو الحل الابسط بسبب مساحة ذلك السقف الكبيرة، لكن على العكس من ذلك قرر الارهابيون ان يضربوا واجهته على الرغم من ان علوها لا يبلغ سوى 34 متراً.


كانت تلك الطائرة قد اقتربت من الارض وكأنها كانت تريد الهبوط. ومع احتفاظها بوضع افقي، هبطت تقريباً بصورة شبه عمودية من دون ان تخرب المصابيح الموجودة على الطريق المجاور لموقف سيارات البنتاجون.


وعند انخفاض مستوى الطيران تنفتح آلية الهبوط اوتوماتيكياً.. وعلى الرغم من ان علو هذه الآلية يبلغ 13 متراً اي ما يعادل ثلاثة طوابق، فان الطائرة قد صدمت واجهة المبنى على ارتفاع الطابقين الارضي والاول. وهذا يتطلب ان يكون قد تم نزع آلية الهبوط قبل ان تهبط الطائرة على قاعدة البنتاجون. وهذا كان «كما يبين غلاف الكتاب» من دون ان تخرب عشب الحديقة الانيق او الجدار، او موقف السيارات او مهابط طائرات الهليوكبتر.وعلى الرغم من وزن الطائرة وسرعتها فانها لم تحطم سوى الحلقة الاولى من البناء.. لكن البنتاجون كله احس بالصدمة. ثم ان وقود الطائرة المخزن في الجناحين قد اشتعل، وانتشرت النيران في المبنى. لقد لاقى 125 شخصاً حتفهم، يضاف لهم الـ 64 شخصاً الذين كانوا يستقلون الطائرة.


وتشاء الصدفة «؟» ان تصدم الطائرة جزءاً من البنتاجون كان يجري ترميمه وبحيث يضم هذا القسم مركز قيادة البحرية الجديد. كانت عدة مكاتب شاغرة، وكان البعض فيها يضم عدداً من العاملين الذين كانوا يقومون باعمال الترميم. وهذا ما يفسر واقع ان اغلبية الضحايا كانوا من المدنيين، ولا يوجد سوى جنرال واحد بين الضحايا العسكريين.


بعد نصف ساعة من الصدمة انهارت الطوابق العليا.


رواية يصعب ابتلاعها


هذه العناصر الاولى للحدث تبقى معقولة بدرجة محدودة، ولكن بقية الرواية الرسمية غير ممكنة بوضوح.


واذا قمنا بعملية تصور شكل الطائرة في الصورة المأخوذة بواسطة الاقمار الصناعية فإننا نلاحظ ان مقدمة ـ أنف ـ طائرة البوينج هي التي دخلت وحدها في المبنى. اما جسدها وجناحاها فقد ظلا في الخارج. اي ان الطائرة قد توقفت من دون ان تضرب الواجهة بجناحيها اذ انه لا تبدو أية آثار سوى تلك التي تركتها مقدمة الطائرة. وهذا يعني انه ينبغي رؤية جسد الطائرة وجناحيها خارجاً على العشب.


واذا كانت مقدمة الطائرة مصنوعة من توليفة تذوب سريعاً واذا كان الجناحان ـ اللذان يحتويان الوقود ـ قابلين للاحتراق، فان بدن الطائرة مصنوع من مادة يمكن مقارنتها بتلك التي تستخدم في صناعة السيارات. ونتيجة الاحتراق ينبغي ان تترك هيكلاً متكلساً. واذا تمت العودة الى الصورة الخاصة بوكالة الاسوشيتدبرس «المنشورة على غلاف الكتاب» فانه يمكن مشاهدة انه لم تكن هناك طائرة، هذا على الرغم من انه كان قد تم التقاط الصورة بعد دقائق فقط من الاعتداء، حيث تبدو سيارات الاطفاء وقد وصلت، لكن رجال الاطفاء لم يكونوا قد انتشروا بعد؛ ولم تكن الطوابق العليا للمبنى قد انهارت.


واثناء المؤتمر الصحافي الذي عقد في 12 سبتمبر حدد ضابط اطفاء منطقة ارلنجتون بلوجر الموقف بأن رجاله قد كافحوا لمنع انتشار الحريق في مبنى البنتاجون، ولكن تم استبعادهم عن المكان المحدد للاصطدام. إذ أن الفرق الخاصة التابعة للوكالة الفيدرالية للتدخل في الاحوال المأساوية الطارئة هي التي تدخلت في موقع التماس مع الطائرة.


وقد دار اثناء ذلك المؤتمر الحديث السريالي التالي : ـ صحافي: ماذا بقي من الطائرة؟ ـ الكابتن بلوجر: في المقام الاول مسألة الطائرة كانت هناك نتف من الطائرة رأيناها من الداخل اثناء عمليات مكافحة النار التي اتحدث عنها. ولكنها لم تكن بقايا كبيرة. بتعبير آخر لم تكن هناك قطع كبيرة من جسد الطائرة او ماشابه ذلك.


ـ الصحافي: «هناك قطع من الطائرة تنتشر في كل مكان وحتى على الطريق المجاور ـ قطع صغيرة جداً. هل تعتقد بان الطائرة قد انفجرت لحظة الصدمة بسبب الوقود او ....».


ـ الكابتن بلوجر: «انني افضل عدم الخوض في هذا الموضوع. فلدينا عدد من شهود العيان الذين يستطيعون اخبارك بشكل افضل فيما جرى للطائرة اثناء اقترابها. فنحن لا نعرف انا، لا اعرف».


هكذا وعلى الرغم من ان عدداً من الرسميين والبرلمانيين والعسكريين قد زعموا انهم قد شاهدوا سقوط الطائرة، فانه ليس هناك من رأى اي قطعة منها، ولا حتى آلية الهبوط. ليس هناك سوى بقايا صغيرة من المعدن. اما عدسات حراسة موقف سيارات البنتاجون، فانها لم تر ايضاً طائرة البوينج في اي لحظة أو من اي زاوية.


ولنلخص الرواية الرسمية

، لقد استطاعت طائرة بوينج مخطوفة الهرب من طائرة اف ـ 16 كانت تلاحقها واستطاعت اختراق جميع وسائل الدفاع الجوي لواشنطن. وانها قد حطت بصورة عمودية على موقف سيارات البنتاجون مع محافظتها على الوضع الافقي لتصدم واجهته على مستوى الطابق الارضي. ولم تدخل سوى مقدمتها في البناء اذ توقفت قبل دخول جناحيها. اما جسدها فقد تلاشى مباشرة. اما الوقود الموجود في جناحيها فلم يحترق الا المدة التي ادت الى اثارة حريق في المبنى...


كذبة بعد اخرى

مع كل الاحترام الذي ينبغي علينا تقديمه للمكانة العالية لـ «شهود العيان» من رسميين وبرلمانيين، فانه يصعب قبول مثل هذه الرواية. ثم ان هذه الرواية قد جرى تركيبها بالتدريج، كذبة بعد اخرى. واذا تمت العودة الى التصريح الاولى للبنتاجون فانه يبدو ان الامر لم يكن يتعلق بطائرة بوينج، اما نظرية «الطائرة الانتحارية» فلم تظهر الا بعد نصف ساعة. ثم ان رئيس الاركان نفى قيام الطائرات المقاتلة باعتراضها. وبعد يومين اخترعت قيادة الدفاع الجوي لامريكا الشمالية حكاية ضياع الـ اف ـ 16 وابتعادها عن هدفها.


ان الرواية الرسمية هي مجرد دعاية. لكن هناك 125 شخصاً قد لقوا حتفهم في البنتاجون وان طائرة ركاب كانت تقل 64 راكباً قد اختفت. فما هو اذن سبب الانفجار الذي حدث في البنتاجون؟ وما هو مصير الرحلة 77 للخطوط الجوية الامريكية؟ وهل مات ركابها؟ فاذا كانت الاجابة بنعم، فمن الذي قتلهم؟ ولماذا؟ واذا كان الجواب بالنفي فأين هم؟ انها اسئلة كثيرة على الادارة الامريكية الاجابة عنها؟ ينبغي التساؤل بصفة خاصة عما تحاول الرواية الرسمية إخفاءه، وعندما قامت قناة السي ان ان التلفزيونية في اليوم التالي بعد الاعتداءات بسؤال الجنرال ويسلي كلارك القائد الاعلى السابق لقوات الحلف الاطلسي اثناء حرب كوسوفو اجاب: كنا على علم منذ فترة بان مجموعات ما كانت تخطط لهجوم على البنتاجون وبالطبع لم نكن نعرف ما يكفي من معلومات للتحرك، ان هذا التأكيد المبهم لم يشر ابدا الى اي معتد خارجي، وانما الى التهديدات الصادرة عن اوساط اليمين المتطرف الامريكي ضد البنتاجون، كما انه يسمح باستشفاف وجود مواجهات سرية تمزق الطبقة السياسية في الولايات المتحدة.


كلام مبارك وفي 15 سبتمبر 2001 التقت قناة «السي.ان.ان» التلفزيونية بالرئيس المصري حسني مبارك الذي لم تتوافر لديه انذاك المعلومات التي نمتلكها الان بالمقابل كانت لديه معلومات سرية حول التحضير للاعتداءات وكان قد نقلها قبل عدة اسابيع للحكومة الامريكية.


قال الرئيس حسني مبارك في مقابلة لم يكن هناك اي جهاز استخبارات في العالم يستطيع القول انهم سوف يستقلون طائرات مدنية ورحلات تجارية جوية برفقة عسكريين لتحطيمها بذلك على برجي مركز التجارة الدولية والبنتاجون واولئك الذين فعلوا ذلك من المفروض ان يكونوا قد حلقوا فوق تلك المنطقة من اجل معرفة العقبات التي سيصادفونها عند الطيران على ارتفاع منخفض بطائرة تجارية كبيرة وذلك قبل ان يصيبوا البنتاجون في موقع محدد.


لابد ان هناك من درس ذلك بشكل جيد، وحلق طويلا فوق المنطقة ويستمر الحوار بين السي.ان.ان ومبارك.


ـ سي.ان.ان: هل تريد ان توحي بأن الامر قد يتعلق بعملية داخلية، وهل استطيع ان اسألك من يمكن ان يكون وراء هذا برأيكم؟ ـ مبارك: بصراحة، إنني لا اريد الخروج بنتائج سريعة انتم في الولايات المتحدة عندما تلقون القبض على احدهم تسري الشائعات بسرعة وتقولون: هذا ليس مصريا هذا سعودي او غير ذلك، وهؤلاء جميعا عرب والناس يعتقدون بأنهم من العرب، من الافضل التروي والانتظار.


وهل تتذكرون اوكلاهوما سيتي؟ لقد سرت الشائعات مباشرة لاتهام العرب، بينما لم يكن العرب هم الذين فعلوا ذلك، كما تعرفون فلننتظر ولنر إلام ستؤدي نتائح التحقيق ولان هذه الامور التي تم اقترافها في الولايات المتحدة، فإنه ليس من السهل على طيارين كانوا قد تلقوا تدريبهم في فلوريدا، وهناك الكثيرون الذين يتدربون من اجل الحصول على رخصة قيادة الطائرة لكن هذا لا يعني انهم قادرون على القيام بمثل هذه الاعمال الارهابية انني اتحدث لكم كطيار سابق، انني اعرف هذا جيداً ولقد قمت بقيادة طائرات ضخمة وطائرات مقاتلة واعرف هذا جيدا، وهذه ليست امورا سهلة، كذلك اعتقد بأنه ينبغي عدم الخروج بالنتائج على عجل.


واذا كانت ادارة بوش قد زورت الاعتداء على البنتاجون كي تخفي مشكلات داخلية، فهل قامت ايضا بإخفاء بعض العناصر الخاصة بالاعتداءات على مركز التجارة الدولية بنيويورك؟



فرنسي على القناة الثانية مؤلفه تييري ميسان، صحافي التحقيقات الذي درس العلوم السياسية واصدر كتابين حول سيرة حياة وزير الدفاع الفرنسي الاسبق شارل ميون ووزير الداخلية الفرنسي الاسبق شارل باسكوا. ويشكك المؤلف بالكثير من الطروحات الامريكية حول ما جرى يوم 11 سبتمبر بل ويؤكد انه لم تتحطم اي طائرة على مبنى «البنتاجون في ذلك اليوم». يقول المؤلف في مقدمة كتابه:«الرواية الرسمية ـ الامريكية ـ للاحداث لا تصمد امام التحليل النقدي. وسوف نبرهن على انها ليست سوى عملية (مونتاج) وتسمح المعلومات التي نقدمها في بعض الحالات ان تبين الحقيقة. اننا ندعوكم الى عدم اعتبار عملنا هذا حقيقة نهائية. بل وندعوكم الى التشكك، ولا تثقوا الا بحسكم النقدي».

فلنتذكر اولاً الكيفية التي تم بها تقديم اعتداءات 11 سبتمبر 2001، يوم الثلاثاء ذاك وعند الساعة الثامنة وخمسين دقيقة قطعت قناة الـ «سي. ان. ان» بثها العادي كي تعلن بأن طائرة نقل مدنية قد صدمت البرج الشمالي من مركز التجارة الدولي بنيويورك، وبما انه لم تكن هناك عملية تصوير حيّة فإن القناة عرضت على الشاشة صورة ثابتة لسطوح نيويورك تسمح برؤية الدخان يتصاعد من بعيد من البرج.


تم الحديث اولاً عن حادث ارتطام. حادث طيران عادي، فشركات النقل التي كانت على حافة الافلاس اصبحت تهتم اقل فأقل بصيانة طائراتها. هذا بالاضافة الى عدة مواطن خلل اخرى بحيث ان الذي كان يمكن ان يقع قد وقع بالفعل.


مع ذلك لم تستثن قناة الـ «سي. إن. إن» ان يكون الحادث ليس عرضياً.. وربما ان الامر يتعلق بعمل ارهابي.. اذ لايزال الناس يذكرون يوم 26 فبراير 1993 عندما انفجرت شاحنة مفخخة في محطة وقوف السيارات بالطابق الارضي لمركز التجارة العالمي مما ادى الى مقتل ستة اشخاص وجرح ألف اخرين. وقد تم تحميل مسئولية هذا الانفجار للشيخ عمرعبدالرحمن.


هكذا اعتبر معلقو قناة الـ «سي. إن. إن» بانه اذا كان ارتطام الطائرة بالبرج الشمالي هو اعتداء ارهابي فمن المحتمل ان يكون برأيهم، من تدبير الملياردير السعودي السابق اسامة بن لادن الذي كان قد دعا عبر عدة فتاوى انطلاقاً من افغانستان الى ضرب امريكا واسرائيل، اعتباراً من عام 1996.


ولقد بدأت القنوات التلفزيونية الامريكية الواحدة تلو الاخرى بثها المباشر انطلاقاً من نيويورك. وعند الساعة التاسعة وثلاث دقائق. صدمت طائرة نقل مدني اخرى البرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي. لقد حدث الانفجار في الوقت الذي كانت فيه قنوات تلفزيونية عديدة تبث صورة البرج الشمالي الذي تلتهمه النيران. هكذا قامت بتصوير العملية التي قامت بها الطائرة الثانية من مختلف الزوايا وعاش ملايين المشاهدين في العالم الحدث مباشرة. كانت الولايات المتحدة الامريكية تواجه اذن عملية عدوان عليها فوق اراضيها. وقد قامت سلطات مرفأ نيويورك، خشية ارتكاب عمليات بواسطة السيارات المفخخة، باغلاق جميع الجسور والانفاق في حي مانهاتن. (كانت هناك اذن خشية ارتكاب اعتداءات على الارض!). وعند الساعة التاسعة و40 دقيقة، انذرت شرطة نيويورك السكان بامكانية ان تقوم طائرات اخرى بضرب ابراج جديدة. وعلى تمام الساعة العاشرة حيث تم الاعلان عن هجوم اخر استهدف مبنى البنتاجون في واشنطن، وبنفس اللحظة كان البرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي ينهار حيث يشاهده مباشرة الملايين على شاشات التلفزة. ثم وفي الساعة العاشرة و 29 دقيقة كان دور البرج الشمالي بالانهيار. لقد غطت غيمة من الغبار سماء مانهاتن واشير عندها الى احتمال وقوع عشرات الآلاف من الضحايا. ان الحرارة الكبيرة التي اطلقها احتراق وقود الطائرتين ادت الى ذوبان البنى المعدنية.


اغلق حاكم نيويورك «جورج باتاكي» جميع المكاتب الرسمية واستدعى الحرس الوطني. وقد قال «رودولف جولياني» رئيس بلدية نيويورك بالهاتف لمحطة «نيويورك وان» موجهاً حديثاً لابناء مدينة نيويورك: «على اولئك الذين لا يتواجدون في هذه اللحظة بحي مانهاتن، ان يبقوا في منازلهم او مكاتبهم. واذا كنتم في مركز الاعمال، فما عليكم سوى ان تتوجهوا بهدوء الى خارج منطقة الهجوم، وتحركوا بهدوء كي لا تعيقوا عمل عمليات الانقاذ. علينا ان ننقذ اكبر قدر ممكن من الارواح.


كانت هناك جماهير غفيرة تقدر بعشرات الآلاف من الاشخاص تجتاز آنذاك الجسور (التي كان قد تم اغلاقها امام سير العربات) هرباً من حي مانهاتن.


وعند الساعة 1720 انهارت العمارة السابعة من مركز التجارة العالمي رغم انها لم تكن قد اصيبت بأية طائرة ولم يؤد الانهيار الى مقتل اي شخص، كانت مصالح الطوارئ في نيويورك تعتقد بأن البناء قد اصابته الاضرار بسبب انهيار البرجين الاولين، وكانت هناك ابنية مجاورة اخرى مهددة بالانهيار، هذا وكانت بلدية نيويورك قد طلبت ثلاثين الف كفن.


بعد ظهر ذلك اليوم وفي الايام التالية كان قد تم تركيب سيناريو الهجوم حيث قيل بأن مجموعات من شبكات ابن لادن موزعة بفرق مؤلفة من خمسة اشخاص، وكانوا مزودين بمشارط كانوا قد قاموا بخطف الطائرات، ثم انقضوا على برجي مركز التجارة العالمي بـ «طائراتهم الانتحارية».


للوهلة الاولى تبدو الوقائع لا يرقى لها الشك ولا تحتمل اي نقاش. مع ذلك بقدر ما نغور في التفاصيل تبدو التناقضات اكثر فأكثر.


لقد حدد مكتب التحقيقات الفدرالي الامريكي «اف. بي. آي» الطائرات انها من طراز بوينج 767 تعود ملكية الاولى للخطوط الجوية الامريكية ـ امريكان ايرلاين ـ كانت تقوم بالرحلة 11 من بوسطن الى لوس انجلوس وتعود ملكية الثانية لشركة يونانية ايرلاين وكانت تقوم بالرحلة 175 من بوسطن الى لوس انجلوس ايضاً، وكانت هاتان الشركتان قد اعترفتا بأنهما قد فقدتا الطائرتين. وبفضل وجود مسافرين كانوا يحملون معهم هواتف خلوية ـ نقالة ـ واستطاعوا ان يتحدثوا هاتفياً مع ذويهم خلال العملية تمت معرفة ان القراصنة قد جمعوا الركاب في مؤخرة الطائرة كما يجري عادة من اجل عزل مقصورة القيادة. وقد كان الامر سهلاً بسبب وجود عدد قليل من المسافرين بواقع 81 مسافراً بالنسبة للرحلة 11 و 56 بالنسبة للرحلة 175 وبحيث ان كلاً من الطائرتين كانت تستطيع ان تقل 239 راكباً. وتدل المعلومات التي كشف عنها المسافرون بواسطة هواتفهم المحمولة بان القراصنة لم يكونوا يمتلكون سوى السلاح الابيض باستثناء الرحلة 93 التي كانت قد انفجرت طائرتها فوق بنسلفانيا حيث كان القراصنة يحملون علبة قالوا انها تحتوي على قنبلة، وبعد ان تم اغلاق المجال الجوي للولايات المتحدة الامريكية هبطت جميع الطائرات التي كانت في الجو حيث قامت عناصر مكتب التحقيقات الفدرالي الامريكي بتفتيشها. وفي حالتين تخصان الرحلة 43 التي كانت تصل نيويورك بلوس انجلوس والرحلة 1729 بين نيويورك وسان فرانسيسكو تم العثور على مشارط شبيهة بالتي كان قد تم استخدامها في الطائرتين اللتين تحطمتا على برجي مركز التجارة العالمي وكان قد تم اخفاء تلك المشارط تحت المقاعد.. وحيث أكد المحققون بأن جميع القراصنة كانوا يمتلكون نفس النموذج «الموديل» من المشارط.. ثم كشفت رسالة الاستخبارات المركزية الامريكية «سي. آي. إيه» فيما بعد بأنه قد تم العثور في منزل كان اسامة بن لادن قد اقام به في افغانستان على كيس يحتوي على نفس النموذج من المشارط. مع ذلك من الصعب تصور ان اولئك الذين كانوا وراء تنظيم الاعتداءات قد اهملوا تزويد رجالهم بأسلحة نارية، ومما قد ينطوي على مخاطرة فشل عمليتهم جزئياً او كلياً: وهذا أمر يثير الدهشة لاسيما وانه من السهل اكثر اجتياز الرقابة في المطارات عند حمل مسدسات مما هو عند حمل مشارط. (ذلك إن المسدسات المصنوعة من مواد تركيبية لا تكتشفها اجهزة الرقابة في المطارات).


لماذا تطرح مثل هذه الاسئلة؟ انه من المعروف بأن المخيلة الجماعية تصور العرب بأنهم يحبون ذبح ضحاياهم. ووجود المشارط يسمح باستنتاج بأن القراصنة الجويين كانوا من العرب، وهذا لايزال بحاجة الى برهان.


وقبل ان تصل الطائرات الى نيويورك كان يتوجب عليها ان تطير على انخفاض كبير بحيث يستطيع القراصنة ان يروا الابراج مواجهة وليس من اعلى. اذ ان رؤية اية مدينة من اعلى تجعلها شبيهة بمخطط هندسي بشكل تختفي فيه جميع نقاط العلام البصرية، وبالتالي كان الهجوم على الابراج يتطلب بالضرورة اخذ موقع مسبق استعداداً للهجوم، وعلى انخفاض كبير جداً.


ولم تكن مسألة الارتفاع هي المطروحة وانما ايضاً الوضع الجانبي للطائرات ان عرض كل من البرجين هو ثلاثة وستين متراً و 70 سنتيمتراً. وعرض الطائرات هو 4760 متراً، طائرة البوينج 767 ، ويمكن ان تلاحظ على الفيديو بأن الطائرتين قد تحطمتا بدقة مركز هدفيهما وكان يكفي ان تنزاح الطائرة 5564 متراً كي تخطئ هدفها، وبسرعة وسطية 700 كيلومتر/ساعة يتم قطع هذه المسافة بثلاثة اعشار الثانية. ونظراً لقلة مرونة هذه الطائرات، فإن السيطرة عليها بهذه الدقة يمثل امتحاناً صعباً بالنسبة للطيارين المتمرسين، فما بالك بطيارين متدربين.


لقد وصلت الطائرة الاولى بمواجهة البرج تماماً، وباتجاه الريح، مما سهل ثبات مسارها. لكنه كان على الطائرة الثانية القيام بمناورة دوران معقدة، وخاصة في اتجاه معاكس لاتجاه الريح. لكنها صدمت ـ هي ايضاً ـ البرج بالارتفاع المحدد وبالوسط.


ان الطيارين الذين جرت مقابلتهم اكد القليل منهم قدرتهم على القيام بمثل هذه العملية واستبعدوا بشكل قطعي امكانية ان يقوم بها طيار متدرب (هاوٍ). مع ذلك توجد هناك وسيلة لا يمكن ان تخطئ من اجل اصابة الهدف. وتكمن هذه الوسيلة في استخدام مصدر «منارة» ارشاد اي باصدار اشارة انطلاقاً من هدف يجذب الطائرة التي يتم ارشادها بطريقة آلية «اوتوماتيكية». ثم إن وجود مصدر ارشاد في مركز التجارة الدولي قد جرى تأكيده من قبل اذاعات هواة سجلت اشاراته. وكان قد تم الكشف عنه لانه تداخل مع بث التلفزيونات التي كان لها هوائيات على البرجين، وربما انه من المحتمل قد جرى تفعيل ذلك المصدر في اللحظة الاخيرة من اجل عدم الكشف عنه وتدميره. ومن الممكن ان يكون القراصنة قد استخدموا مصدري ارشاد، اذ كان من الصعب ان يؤدي مصدر واحد الى ضبط مساري الطائرتين، بكل الحالات، كان ينبغي ان يكون هناك متواطئون على الارض، واذا كان هؤلاء المتواطئون موجودين بالفعل فلا حاجة لوجود عدة قراصنة على متن الطائرة اذ يكفي وجود فريق صغير من اجل توجيه الطائرة بواسطة الطيران الاوتوماتيكي. بل ولم يكن هناك ضرورة لوجود قراصنة اصلاً على الطائرة، اذ ان مجرد التوصل الى قرصنة حواسيب قيادة الطائرة قبل الاقلاع يسمح بالسيطرة على الطائرة في الجو بفضل تكنولوجيات منظومة «جلوبال هاواك» التي كانت وزارة الدفاع الامريكية قد اخترعتها. ان طائرة البوينج عندها تغدو بمثابة طائرة دون طيار.


لقد انهارت ابراج مركز التجارة العالمية. وتم اسناد التحقيقات للشركة الامريكية للهندسة المدنية وقد دل التقرير الأولي على ان الوقود الذي كان موجوداً في خزانات الطائرات اطلق باحتراقه حرارة هائلة ادت الى هشاشة البنية المركزية المعدنية للبرجين.


ان جمعيات اطفاء نيويورك رفضت هذه الاطروحة بقوة وكذلك رفضتها المجلة المهنية «فاير انجنريك». وتم التأكيد بأن تلك البنى المعدنية كان يمكنها ان تقاوم النيران لفترة طويلة. وقد اكد رجال الاطفاء بأنهم قد سمعوا انفجارات في قاعدة البناء وطالبوا بفتح تحقيق مستقبلي وتساءلوا عن المتفجرات التي كان قد تم تخزينها في الابنية، وفي حال عدم توفر الاجابة، عن تفجيرات اجرامية قام بها فريق على الارض. وكان خبير شهير من معهد التكنولوجيا هو «كان روميرو» قد اكد بأنه ما كان للانهيار ان يحدث سوى بواسطة المتفجرات، ولكنه تراجع امام الضغوط العامة.


وبكل الحالات لا يمكن لارتطام الطائرتين ان يفسر سقوط البناء الثالث، اي البرج 7، هذا وكانت الشركة الامريكية للهندسة المدنية قد استبعدت فرضية اهتزاز اساسه. ولم يعد السؤال هو: «هل جرى تفجيره؟» وانما «ما هي الفرضية الاخرى التي يمكن تقديمها؟».


وهنا يأتي السبق الصحفي سكوب الذي جاءت به صحيفة «نيويورك تايمز» وهو ان مركز التجارة العالمي الذي كان يسود الظن بأنه هدف مدني، انما كان يخبئ هدفاً عسكرياً سرياً. وبالتالي ربما ان آلاف الضحايا قد سقطوا لانهم كانوا بمثابة درع بشري دون ان يكونوا يدركون ذلك. فالبرج رقم 7، وربما أبنية اخرى ايضاً، كان بمثابة قناع لقاعدة تابعة لجهاز الاستخبارات الامريكية «سي. آي. ايه». ولقد كانت هذه القاعدة في سنوات الخمسينيات مجرد مكتب بسيط للتجسس على البعثات الاجنبية في هيئة الامم المتحدة. وقد طورت هذه القاعدة في ظل رئاسة بيل كلينتون من نشاطاتها لتهتم بالتجسس الاقتصادي في مانهاتن. وكانت اجهزة الاستخبارات الامريكية قد نقلت اهتمامها من التجسس المناهض للسوفييت الى الحرب الاقتصادية. واصبحت قاعدة الـ «سي. آي. إيه» في نيويورك المركز الاكثر اهمية في العالم للتجسس الاقتصادي. وقد كانت اعادة توجيه النشاطات هذه موضع احتجاج كبير من قبل الموظفين التقليديين في جهاز الاستخبارات وكذلك من قبل قيادة اركان الجيوش.


وفي لحظة اصطدام الطائرة الاولى ببرج مركز التجارة العالمي كان هناك ما بين ثلاثين ألفاً واربعين الفاً في البرجين، فكل برج كان يتألف من 110 طوابق يضم كل منها 136 موظفاً وعاملاً كحد ادنى. لقد صدمت الطائرة الاولى احد البرجين من بين الطابق 80 والطابق 85 والمتواجدون في هذه الطوابق لقوا حتفهم فوراً بفعل الصدمة او بسبب الحريق الذي تلاها. واولئك الذين كانوا موجودين في الطوابق الاعلى كانوا محاصرين، فالحريق كان يمتد نحو الأعلى. وفضّل البعض ان يلقوا أنفسهم في الفضاء بدلا من الموت حرقا بألسنة اللهب. وفي النهاية انهار البناء وهلك جميع اولئك الذين كانوا في الطوابق الثلاثين العليا وبحيث تم توقع عددهم الاجمالي بحوالي 4080 شخصاً على الأقل.


وتدل الاحصائيات الرسمية التي تم تقديمها بتاريخ 9 فبراير 2002 على ان اجمالي عدد الضحايا في البرجين هو «2134» شخصا «هذا الرقم يضم ضحايا الطائرتين من مسافرين وطواقم ورجال الشرطة والاطفاء الذين لقوا حتفهم عند الانهيار». ان هذا الرقم هو اقل بكثير من التقديرات الاولية لما يسمح بالاعتقاد بأنه، وعلى الرغم من المظاهر، لم يكن هدف الاعتداءات هو قتل اكبر عدد ممكن من الناس. بل على العكس توجب ان يكون هناك تدخل مسبق كي يكون اشخاص عديدون على الاقل من العاملين في الطوابق العليا، غائبين عن مكاتبهم لحظة التفجير.


هكذا كشفت صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية بتاريخ 26 سبتمبر 2001، بأن شركة «اوديجو» وهذه شركة رائدة في ميدان الرسائل الالكترونية، قد تلقت اتصالات هاتفية من مجهولين تحذر من وقوع اعتداءات نيويورك، وذلك قبل ساعتين من حدوثها، وكان مدير الشركة «ميشال كولر» قد اكد المعلومات للصحيفة وقد تم توجيه تحذيرات متنوعة للعاملين في البرج الشمالي، هذا وان لم يتلق الجميع بنفس الجدية.


وهنا نجد مخططا يمكن مقارنته بالمخطط الذي عرفته اعتداءات شهر ابريل 1995 ضد «اوكلاهوما سيتي» ففي ذلك اليوم، تغيب قسم كبير من العاملين في العمارة الفيدرالية لنصف نهار بحيث ان الاعتداءات لم تؤد سوى لسقوط 168 ضحية من جراء انفجار الشاحنة المفخخة. ومن المعروف اليوم بأن ذلك الاعتداء كان قد تم تنفيذه من قبل عسكريين ينتمون الى منظمات يمينية متطرفة مخترقة هي ايضا من قبل مكتب التحقيق الفيدرالي الامريكي.


في «اوكلاهوما سيتي» افسح مكتب التحقيقات الفيدرالية اذن المجال لارتكاب اعتداء كان على علم به لكنه حد من الخسائر.


ولنستمع الآن الى الاعتراف الغريب للرئيس جورج دبليو بوش اثناء لقاء في دورلاندو بتاريخ 4 ديسمبر 2001 جاء فيه: سؤال: الامر الاول الذي اريد قوله سيادة الرئيس هو انكم لن يكون لديكم ابدا فكرة عما فعلتموه ببلادنا. الامر الاخر ماذا كانت مشاعركم عندما تم ابلاغكم بالهجوم الارهابي؟ ـ الرئيس جورج دبليو بوش: «شكرا. جوردان. وانك لن تصدقني اذا قلت لك عن الحالة التي وضعني بها هذا الهجوم الارهابي. كنت في فلوريدا برفقة سكرتيري العام اندي كارد. في الواقع كنت في احد الصفوف للحديث عن برنامج فعال جدا لتعليم القراءة. كنت جالسا خارج الصف بانتظار لحظة الدخول ورأيت طائرة تصدم البرج ـ كان التلفزيون يبث برامجه بالطبع. وبما انني كنت أنا نفسي طياراً قلت لنفسي بان هذا فعل طيار مرعب.. وبأن الامر يتعلق بحادث رهيب. ولكن تم دخولي لحظتها الى غرفة الدرس ولم يكن لدي بعد الوقت للتفكير بما جرى. كنت جالسا في الصف عندما دخل سكرتيري العام، الذي تراه جالسا هناك، وقال لي: «هناك طائرة اخرى صدمت البرج. ان امريكا تتعرض للهجوم».


في الواقع. لم اعرف بماذا افكر في البداية. لقد زعرت في فترة لم تخطر لي فيها فكرة امكانية تعرض امريكا للهجوم ربما ان ابيك او امك كانا يفكران آنذاك مثلي. وخلال ذلك الوقت المتقطع القصير بدأت بالتفكير بما يعنيه الهجوم على أمريكا. وكنت اعرف انه عندما سيكون لدي جميع الوقائع بأنه قد تم الهجوم علينا، فإن الجحيم هو ثمن الهجوم على أمريكا».


هكذا اذن وحسب التصريحات الخاصة لرئيس الولايات المتحدة، فانه قد شاهد صور الاصطدام الذي قامت به الطائرة الاولى للبرج قبل ان يحدث الثاني. وهذه الصور لا يمكن ان تكون التي التقطها صدفة جول وجوليان ناوديث: في الواقع كان هذان الاخان قد ظلا يقومان بالتصوير في مركز التجارة العالمي طيلة النهار ولم يتم بث الصور التي التقطاها الا بعد ثلاث عشرة ساعة من قبل وكالة «جاما» كان الامر يتعلق اذن بصور سرية كان قد تم نقلها مباشرة الى قاعة الاتصالات التي كانت قد اقيمت في المدرسة الابتدائية تحسبا لزيارته.


لكن اذا كانت مصالح الاستخبارات الامريكية قد استطاعت تصوير الاعتداء الاول فهذا يعني بأنه كان قد تم ابلاغها به مسبقا. وفي هذه الحالة لماذا لم تفعل شيئا من اجل انقاذ ارواح مواطنيها؟

مؤلفه تييري ميسان، صحافي التحقيقات الذي درس العلوم السياسية واصدر كتابين حول سيرة حياة وزير الدفاع الفرنسي الاسبق شارل ميون ووزير الداخلية الفرنسي الاسبق شارل باسكوا. ويشكك المؤلف بالكثير من الطروحات الامريكية حول ما جرى يوم 11 سبتمبر بل ويؤكد انه لم تتحطم اي طائرة على مبنى «البنتاجون في ذلك اليوم». يقول المؤلف في مقدمة كتابه:«الرواية الرسمية ـ الامريكية ـ للاحداث لا تصمد امام التحليل النقدي. وسوف نبرهن على انها ليست سوى عملية «مونتاج» وتسمح المعلومات التي نقدمها في بعض الحالات ان تبين الحقيقة. اننا ندعوكم الى عدم اعتبار عملنا هذا حقيقة نهائية. بل وندعوكم الى التشكك، ولا تثقوا الا بحسكم النقدي».


فلنستعرض من جديد الرواية الرسمية لذلك اليوم الرهيب. ان روبرت مويللر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي ـ وبغية الرد على الاعتداءين اللذين عرفتهما نيويورك ـ قام بتنشيط خطة «كونبلان»، اذ جرى ابلاغ جميع الوكالات الحكومية بالكارثة، وطلب منها ان تظل متأهبة للاستجابة لتعليمات مركز العمليات والاعلام الاستراتيجي، التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي، ولمجموعة الرد على الاوضاع الكارثية وللوكالة الفيدرالية لادارة الازمات، ثم ان الامكنة الرئيسية لتجمع الجماهير والتي يمكن ان تكون مسرحاً لعمليات ارهابية قد جرى اخلاؤها واغلاقها.


فجأة، وعند الساعة العاشرة، اعطى الجهاز السرّي (أي المصلحة المكلفة بحماية الشخصيات الكبرى) معلومات تنذر بنموذج جديد من التهديدات وهو ان البيت الابيض والطائرة الرئاسية مهددان ايضاً، وتم نقل نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني الى غرفة القيادة الموجودة تحت الجناح الغربي للبيت الابيض، وتم في الوقت نفسه تفعيل خطة استمرار الحكومة. كما تم وضع القادة السياسيين الرئيسيين في الولايات المتحدة، وأعضاء الحكومة والكونجرس في اماكن آمنة، حيث قامت طائرات هليوكبتر تابعة للمارينز بنقلهم الى ملجأين كبيرين مضادين للاسلحة النووية كانا قد شيدا خلال الحرب الباردة.


اما الرئيس جورج دبليو بوش الذي كان بطريقه الى واشنطن غير خط سيره، اذ توجهت الطائرة الرئاسية التابعة لسلاح الجو التي كانت تقله نحو قاعدة باركسدال، في لويزيانا ثم الى قاعدة دونوت في نبراسكا التي تضم مقر القيادة الاستراتيجية الامريكية أي حيث يوجد سلاح الردع النووي. وكانت الطائرة الرئاسية قد انتقلت بين القاعدتين على ارتفاع منخفض، وسلكت مسارا متعرجاً، كما استقل الرئيس عند وصوله عربة مدرعة للوصول الى مقر القيادة.


بقيت اجراءات الأمن المفروضة حول كبار الشخصيات سارية المفعول حتى الساعة 18 حيث استقل الرئيس جورج بوش الطائرة للعودة الى واشنطن.


روايات يصعب ابتلاعها


لقد وصف نائب الرئيس ديك تشيني اثناء البرنامج الذي يقدمه الصحفي تيم روسيرت في «ان.بي.سي» يوم 16 سبتمبر الانذار الذي اصدره الجهاز السري وطبيعة التهديد القائمة مؤكداً، حسب شهادته نفسها، بأنه كان قد تم ابلاغه من قبل ضباط أمنه بأنه في خطر وبأنه قد تم اقتياده عنوة الى الملجأ في البيت الابيض.


وفي الوقت الذي كان يتم فيه «تخبئة» جميع اعضاء الحكومة والكونجرس، تم اخطار الجهاز السري بأن هناك تهديداً آخر ضد قيادة سلاح الجو، وان طائرة جديدة قد جرى خطفها، وهي تهدد بالارتطام بالطائرة الرئاسية.


ومرّة أخرى لا تصمد الرواية الرسمية أمام التحليل، ذلك ان شهادة نائب الرئيس ترمي الى تحديد هوية التهديد بوجود طائرات انتحارية تتجه نحو البيت الابيض وباتجاه الطائرة الرئاسية. انه يستأنف تكرار الكذبة الخاصة بالرحلة 77 والقائلة بتحطم طائرة على البنتاجون، بل ويضيف تخيلاته عن طائرة انتحارية تحلق فوق واشنطن بحثاً عن هدف. مع ذلك من الصعب قبول ان «الجهاز السري» الامريكي قد فكر بقيادة نائب الرئيس الى احد الملاجيء بدلا من تفعيل الدفاع المضاد للطيران. ومن المسلي أكثر، اختراع ديك تشيني لطائرة نقل مدني جديدة وهي تبحث كأحد فرسان رعاة البقر «الوسترن» عن الطائرة الرئاسية وهي في الجو، وذلك تحت نظر القوة الجوية الامريكية الجبارة.


ان هذه الرواية، على الرغم مما فيها من اشياء لا تبدو واقعية، لا تكفي لشرح السلوك الذي تم تبنيه، واذا كان التهديد يقتصر على طائرات انتحارية، فلماذا تتم حماية الرئيس من احتمالات الهجوم عليه حتى وهو في قاعدة استراتيجية؟ وكيف يمكن تصديق ان «الارهابيين» استطاعوا ان يأخذوا مواقعهم في أمكنة محمية الى هذا الحد؟لقد كانت شهادة ديك تشيني ترمي بشكل خاص الى الدفع باتجاه نسيان تصريحات الناطق الرسمي باسم البيت الابيض آري فليشر، وما كان قد أسر به كبير موظفي البيت الأبيض، كارل روف ان المعلومات التي قدماها تؤدي الى التساؤل عن احتمالات وجود تورط داخلي حيث لا تريد الدعاية الحربية ألا ترى الا اعداء خارجين.


ان الصحافة الصادرة يومي 12 و13 سبتمبر أكدت، وبالاعتماد على تصريحات الناطق باسم الرئيس آري فليشر ان الجهاز السري كان قد تلقى رسالة من المهاجمين اشاروا فيها الى انهم يريدون تدمير البيت الابيض والطائرة الرئاسية. ومما يثير الدهشة اكثر ما نشرته صحيفة «النيويورك تايمز» من أن المهاجمين كانوا قد أكدوا مصداقية ندائهم عبر استخدام الرموز التي تستخدمها الرئاسة في التعرف على الرسائل الموجهة لها وكذلك قنوات نقل المعلومات التي تستخدمها، أي الرئاسة. وما يثير الدهشة اكثر هو ما جاء في «وورلد نيت دايلي» (بتاريخ 20 سبتمبر 2001) نقلاً عن رسميين في الاستخبارات من قولهم بأن المهاجمين كانوا يمتلكون ايضاً منظومة الرموز التي تستخدمها مصالح أخرى مثل «مكتب الاستطلاع القومي» و«استخبارات القوى الجوية. والبرية والبحرية ومصالح استخبارات» وزارة الخارجية ووزارة الطاقة الامريكية. والجدير بالذكر ان كلاً من هذه المنظومات المركزة لم يكن يعرفها سوى عدد محدود جداً من الاشخاص. كما ان افتراض امتلاك المهاجمين لها يعني انه توجد وسيلة لاختراقها، أو أن هناك جواسيس قد تسللوا الى كل مصلحة من هذه المصالح الاستخبارية. ويبدو انه من الممكن تقنياً الوصول الى اعادة تركيب المنظومات المرمّزة للمصالح الامريكية بواسطة الحاسوب. اما «اللوغاريتمات» التي تم استخدامها في ذلك فقد يكون روبرت هانسن، العميل الخاص لدى مكتب التحقيقات الامريكية، والذي كان قد تم اعتقاله بتهمة التجسس في شهر فبراير من عام 2001 قد سربها، اما جيمس ووليس المدير السابق لجهاز الاستخبارات الامريكي الـ «سي.آي.إيه» فيعتقد انه قد تم الحصول على المنظومات المرمزة بواسطة جواسيس.


أسرار كلمة بوش بكل الأحوال فان مسألة الرموز تكشف عن وجود خائن أو عدة خونة على أعلى مستويات الدولة في امريكا. وهؤلاء وحدهم يمكنهم ان يسهلوا وجود اولئك الذين قد يمكنهم قتل الرئيس حتى داخل القواعد الاستراتيجية للقوات الجوية الامريكية، حيث اضطر الرئيس الامريكي الى ان يستقل سيارة مدرعة داخل هذه القواعد.


لكن اذا كان المهاجمون قد فعلوا ذلك فإن هذا يعني ان لهم هدفاً محدداً. وأن نداءهم كان يتضمن مطلباً ما او انذاراً اخيراً.. وبالتالي، إذا كان قد قبل ان التهديد قد انتهى في نهاية ذلك النهار فهذا يسمح باستنتاج أن الرئيس بوش قد فاوض ورضخ للمساومة. لكن ما هو أخطر من ذلك ان حصول المهاجمين على المنظومات المرمّزة الخاصة بالبيت الابيض وبالقوات الجوية هذا يعني قدرتهم على انتحال صفة رئيس الولايات المتحدة ما يعني ايضا امكانية اصدار الاوامر والتعليمات للجيوش بما في ذلك استخدام السلاح النووي. من هنا كانت الوسيلة الوحيدة كي يحافظ جورج بوش على جيوشه هي ان يوجد هو شخصياً في مقر القيادة الاستراتيجية الامريكية كي يعطي اي امر او أمر مضاد. ولنعد الان قراءة نص الكلمة التي سجلها الرئيس جورج بوش في قاعدة «باركسدال» وتم بثها فيما بعد عند الساعة 12.04 من قبل البنتاجون وجاء فيها: «أطمئن الشعب الامريكي إلى أن جميع اجهزة الحكومة الاتحادية تعمل على مساعدة السلطات المحلية من اجل انقاذ حياة الكثيرين ومساعدة ضحايا هذه الهجمات.


وينبغي ألا ينخدع أحد، فالولايات المتحدة سوف تلاحق وتعاقب مرتكبي هذه الاعمال الجبانة. وانني على اتصال دائم مع نائب الرئيس ومع وزير الدفاع ومع فريق الامن القومي ومع المستشارين حولي ولقد اتخذنا جميع الاحتياطات الامنية المناسبة من اجل حماية الشعب الامريكي. وقواتنا المسلحة في الولايات المتحدة وحول العالم هي في حالة التأهب القصوى، كما اتخذنا جميع الاحتياطات المطلوبة من اجل تأمين استمرارية عمل الدولة. ولقد اتصلنا بالقيادات السياسية لمختلف التيارات في الكونجرس وبالقادة العالميين كي نؤكد لهم بأننا سوف نفعل كل شيء وكل ما هو ضروري من اجل حماية امريكا والامريكيين.


ان تصميم امتنا العظيمة يواجه اليوم الامتحان ولكن عليكم ألا تنخدعوا فإننا سوف نجعل العالم يرى اننا سننجح في التغلب على هذه المحنة. وليبارككم الله».ما يثير الدهشة في هذه الكلمة هو ان الرئيس جورج بوش قد حرص، بشكل واضح على تجنب قول اي كلمة عن «ارهاب» او «ارهابيين» بل وأفسح المجال بأن يستشف المرء ان المسألة تتعلق بنزاع مسلح «كلاسيكي» أو أي شيء آخر ثم ان الحديث عن «مواجهة الامتحان» وانه سيتم التغلب والانتصار بدا وكأنه يريد ان يعلن عن كوارث جديدة. والمدهش اكثر انه لم يتفوه بكلمة واحدة عن اسباب غيابه عن واشنطن بما اعطى الانطباع بأنه قد هرب من خطر لا يزال يهدد أبناء وطنه.


العملية بنتبومب


بدأ مكتب التحقيقات اعتبارا من 11 سبتمبر 2001 بأوسع عملية تحقيق عرفتها الانسانية المعروفة باسم «بنتبومب» هذه الكلمة تجمع بين البنتاجون والابراج والقنابل» وعبأ لذلك التحقيق سبعة آلاف موظف من بينهم اربعة الاف من عملائه. هذا بالاضافة الى مساهمة وكالات اخرى تابعة لوزارة العدل. كما اعتمد بشكل خاص على مجموعة مصادر المعلومات خاصة من الـ «سي.اي.إيه» ووكالة الامن القومي ووكالة استخبارات الدفاع، كما تعاون مكتب التحقيقات الفيدرالي من جهاز «الانتربول» الدولي او مع اجهزة استخبارات البلدان الحليفة مباشرة.


وقد قدم مكتب التحقيقات الامريكي محمد عطا على انه الرأس المدبر للعملية. وكان قد أقام في اسبانيا وسويسرا والمانيا ثم وصل الى امريكا حيث بدأ تلقي دورات تدريبية لقيادة الطائرات في ميامي. وقد حرص ـ كما تم تقديمه ـ على انه يخفي تزمته الى درجة انه كان ربما قد تردد على ملهى «اولمبك جاردن» في لاس فيجاس، لكنه كان يشتري شرائط «فيديو» حول التدريب على قيادة طائرات البوينج كانوا وجدوها في حوزته مع كتب اسلامية ورسالة قديمة اظهر فيها نيته الاستشهاد. لكن هل يمكن تصديق هذه المعلومات واخذها على محمل الجد، ويتساءل المؤلف تيري ميسان، كيف يمكن لمحمد عطا أن يحرص خلال عشر سنوات على اخفاء هويته الحقيقية «المتزمتة» عن اجهزة الشرطة ثم يترك فجأة وراءه هذا القدر من الأدلة ضده؟! وما يثير السخرية أكثر تأكيد مكتب التحقيقات الفيدرالي انه وجد جواز سفر محمد عطا سليما تماماً في انقاض مركز التجارة العالمي! انها معجزة حقيقية.


من الواضح ان مكتب التحقيقات الفيدرالي يقوم بـ «فبركة» براهين. وربما انه ينبغي الا نرى في هذا سوى رد فعل جنوني لجهاز شرطة كان قد اظهر عدم فعاليته في منع حدوث الكارثة والذي يحاول بشتى الوسائل تحسين صورته.


هوية المهاجمين

ما يثير القلق اكثر من هذا بروز اشكالية حول هوية الانتحاريين. فالقائمة التي اعلنها مكتب التحقيقات الفيدرالي والتي احتوت على 19 اسما كانوا جميعهم من العرب المسلمين وكانوا قد نالوا حظا من التعليم واغلبهم من السعوديين، باختصار بدا انهم قد تحركوا على قاعدة القناعة ومن اجل خدمة اهداف آمنوا بها، وليس على قاعدة اليأس. لكن تلك القائمة كانت موضع نقاش اذ اعلنت سفارة السعودية في واشنطن ان العديد من الاسماء المدرجة بها يوجد اصحابها في البلاد أو في بلدان اخرى، بل ان وليد الشهري الذي يعيش في الدار البيضاء قد اجرت صحيفة «القدس العربي» الصادرة في لندن مقابلة معه، وصرح الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي للصحافة قوله: «لقد ثبت بأن خمسة من الذين احتوتهم قائمة مكتب التحقيقات الفيدرالي لا علاقة لهم بما جرى»، وصرح الامير نايف وزير الداخلية لوفد امريكي رسمي بقوله: «حتى الآن، لا يوجد اي برهان على ان لهم ـ اي الـ 15 سعودياً ـ علاقة بـ 11 سبتمبر. اننا لم نتلق حتى الآن اي شيء من الولايات المتحدة».


فمن اين جيء بهوية الارهابيين؟ اذا كانت المرجعية هي قوائم الضحايا التي نشرتها شركات الطيران، فان من المدهش ان اسماء قراصنة الجو ليست من بينها. وكأنه قد جرى سحبهم من القائمة كي لا يبقى فيها سوى «الابرياء فقط» وطواقم الطائرات. كما ان قوائم المسافرين كما تم الاعلان عنها هي غير كاملة او لم يتم التعرف على هوية عدد منهم واذا كانت المرجعية هي البيانات الصادرة عن الشركات الجوية ليوم 11 سبتمبر فاننا نلاحظ بأن الرحلة «11» نقلت 81 مسافرا والرحلة «175» نقلت 56 مسافرا والرحلة «77» نقلت 58 والرحلة «93» نقلت 38 مسافرا. وبالتالي كان من غير الممكن فعليا ـ ماديا ـ ان يكون على متن طائرة الرحلة «11» اكثر من ثلاثة ارهابيين وعلى متن طائرة «93» اكثر من ارهابيين اثنين. وهذا يعني ان عدم وجود اسماء قراصنة الجو على قوائم المسافرين لا يعود الى حصر «الابرياء فقط» وانما لانهم بكل بساطة لم يكونوا بينهم.بكل الاحوال، يرى مؤلف هذا الكتاب، ان جميع الفرضيات تبقى مفتوحة. وكما في جميع القضايا الاجرامية، السؤال الاول المطروح هو «من يستفيد من الجريمة؟».غداة يوم الاعتداء لوحظ ان مناورات قد جرت خلال الايام الستة السابقة. اذ انخفض سعر سهم شركة «يونايتد اير لاين» المالكة للطائرتين اللتين صدمت احداهما البرج الجنوبي لمركز التجارة الدولي والتي سقطت في بنسلفانيا بنسبة 42% وبشكل مصطنع. وكذلك انخفضت اسهم شركات «امريكان اير لاين» المالكة للطائرتين اللتين تحطمتا على البرج الشمالي لمركز التجارة الدولي «وافتراضا» على البنتاجون بنسبة 39%. بنفس الوقت لم تشهد اية شركة جوية اخرى في العالم حركة مماثلة، سوى شركة «كي. ال. ام» بحيث يمكن استنتاج انه ربما كان قد جرى اختيار احدى طائرات هذه الشركة لعملية خطف خاصة.وبدت حركة مماثلة حول سندات شركة «مورجان ستانلي دين وانر» حيث زاد بيعها بنسبة 12 ضعفا خلال الاسبوع الذي سبق الاعتداءات. وهذه الشركة تحتل 21 طابقا في مركز التجارة العالمي. ونفس الامر بالنسبة لشركة «ميريل لينش» التي يوجد مقرها في بناية قريبة من البرج ومهددة بالانهيار.. وايضا اسهم شركات التأمين المتورطة اي «مونيخ ري» و«سويس» و«اكسا» واذا كانت الحسابات المصرفية المجمدة منذ عام 1998 لا تسمح بتوفر الاموال المطلوبة لشراء الاسهم والسندات المعنية فقد ظهر بأن القسم الأكبر من العمليات «فاز به» «البنك الالماني دوتش بانك» وفرعه الامريكي للاستثمار «اليكس براون».هذه الشركة كان يديرها حتى عام 1998 «ا.ب.كرونجارد» كابتن «المارينز» الذي اصبح مستشارا لدى مدير الـ «سي.اي.إيه» والشخصية الثالثة في وكالة الاستخبارات الامريكية. والملفت للانتباه هو ان مكتب التحقيقات الفيدرالي لم ينقب طويلا بل تخلى عن التنقيب، في هذا الاتجاه. وفي المحصلة دعم اطروحة الهجوم الخارجي وحاول اعطاءها المصداقية عبر تقديم قوائم سريعة لقراصنة الجو وفبركة وثائق لجعلها مقنعة «جواز سفر محمد عطا، والتعليمات التي وجدوها لدى الانتحاريين ... الخ». ويرى مؤلف هذا الكتاب بأن مهندسي هذه العملية كان «روبير مويللر» الذي كان الرئيس جورج دبليو بوش قد عينه مديرا لمكتب التحقيقات الفيدرالي قبل اسبوع فقط من اعتداءات 11 سبتمبر. ويبقى السؤال: «هل كان التحقيق هذا يبحث عن محاكمة عادلة او انه اجري من اجل طمس المسئوليات الامريكية ـ الامريكية وتبرير عمليات عسكرية مستقبلا؟»

منذ ان استضاف برنامج تلفزيوني فرنسي على القناة الثانية مؤلفه تييري ميسان، صحافي التحقيقات الذي درس العلوم السياسية واصدر كتابين حول سيرة حياة وزير الدفاع الفرنسي الاسبق شارل ميون ووزير الداخلية الفرنسي الاسبق شارل باسكوا. ويشكك المؤلف بالكثير من الطروحات الامريكية حول ما جرى يوم 11 سبتمبر بل ويؤكد انه لم تتحطم اي طائرة على مبنى «البنتاجون في ذلك اليوم». يقول المؤلف في مقدمة كتابه:«الرواية الرسمية ـ الامريكية ـ للاحداث لا تصمد امام التحليل النقدي. وسوف نبرهن على انها ليست سوى عملية «مونتاج» وتسمح المعلومات التي نقدمها في بعض الحالات ان تبين الحقيقة. اننا ندعوكم الى عدم اعتبار عملنا هذا حقيقة نهائية. بل وندعوكم الى التشكك، ولا تثقوا الا بحسكم النقدي».


عشية الحادي عشر من شهر سبتمبر 2001، توجه الرئيس الامريكي جورج بوش الى الامريكيين عبر التلفزيون، وقال: «لقد تم استهداف امريكا لانها المنارة الاكثر اشعاعاً للحرية والتقدم في العالم، ولن يستطيع احد ان يمنع هذا الاشعاع. ان بلادنا قد عرفت اليوم الشر الذي يشكل اسوأ ما في الطبيعة البشرية.. ولقد جاء ردنا بأفضل ما لدى امريكا عبر شجاعة فرق الانقاذ واظهار روح التعاون مع الاخر وتبرع الجيران بدمهم وتقديم المساعدات بشتى السبل.


واننا الان بصدد البحث للوصول الى اولئك الذين هم وراء هذه الاعمال البشعة. ولقد اعطيت الاوامر من اجل توظيف كل طاقاتنا في ميدان الاستخبارات والشرطة من اجل القبض على المسئولين وتقديمهم للعدالة. واننا لن نفرق بين اولئك الارهابيين الذين قاموا بهذه الاعمال واولئك الذين يحمونهم. ان امريكا واجهت اعداء في الماضي وسوف نواجههم نحن ايضاً. ولن ينسى احد منا ابداً هذا اليوم. ومع ذلك سوف نتابع دفاعنا عن الحرية وعن الخير والعدل في العالم. شكراً وطابت ليلتكم وليبارك الله امريكا».


خياران متناقضان

على الرغم من هذه الرسالة التي تؤكد على وحدة البلاد، وحيث لم تكن قد صدرت سوى الفرضيات حول المسئولية، فقد كان هناك خياران سياسيان متناقضان يرتسمان داخل الادارة الامريكية. كان هناك المعتدلون حول وزير الخارجية كولن باول ورئيس الاركان جنرال هوج شلتون والذين كانوا يطلبون القيام برد يتناسب مع عمليات الاعتداء، مثل ذلك الذي انجزته الولايات المتحدة عام 1998 عندما تم اطلاق صواريخ توماهوك من غواصات في الخليج على معسكرات للتدريب في افغانستان وعلى مصنع الشفاء في السودان، وذلك كرد على عمليات تفجير السفارتين الامريكيتين في دار السلام ونيروبي.


وكان هناك ايضاً تيار الصقور الذين اعتبروا مثل ذلك الرد المتناسب، غير مجد، ورأوا بأن المطلوب هذه المرة هو القيام بتدخل عسكري في افغانستان.. بل والذهاب الى ابعد بحيث يتم تدمير جميع مصادر التهديد الكامنة.


وكان هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكي الاسبق الذي كان قد اشرف على جميع العمليات السرية الامريكية خلال فترة 1969 ـ 1976 بمثابة الملهم لهؤلاء الصقور. وما ان انتهى الرئيس جورج بوش من توجيه كلمة للامريكيين حتى نشر كيسنجر وجهة نظره على موقع الانترنت الخاص بصحيفة «واشنطن بوست»، حيث وضع النقاط على الحروف وقال: «ينبغي تكليف الحكومة بمهمة القيام بالرد المنهجي الذي يؤدي، كما هو مأمول، الى نتيجة مثل تلك التي تلت الهجوم على بيرل هاربور، اثناء الحرب العالمية الثانية ـ والتدمير الكامل للمنظومة المسئولة عن هذا الهجوم. وهذه المنظومة هي عبارة عن منظمات ارهابية موجودة في عواصم عدد من البلدان، وفي عدد كبير من الحالات لا نعاقب البلدان التي تحمى هذه المنظمات بل ونقيم علاقات شبه طبيعية مع بعض هذه البلدان الاخرى. ولا نعرف حتى الان ما اذا كان ابن لادن هو الذي يقف وراء هذه الاعمال على الرغم من انها من نمط العمليات التي حملت اسمه. لكن ينبغي ان تدفع كل حكومة تأوي مجموعات يمكن ان تقترف مثل هذه الهجومات ثمناً غالياً، حتى ولو لم تكن هذه المجموعات قد شاركت في الاعتداءات».


وفي يوم 12 سبتمبر توجه الرئيس جورج بوش للصحافة من جديد كي يؤكد ان ما تعرّضت له الولايات المتحدة «ليس اعمال ارهاب، وانما هي اعمال حربية». ولذلك طالب الشعب الامريكي بالاستعداد لمواجهة عدو لا يشبه ابداً اي عدو اخر من الماضي. وبعد ان توعّد هذا العدو بأنه لن يستطيع الاختباء باستمرار، واذا كان يعتقد بأنه في مأمن فانه لن يبقى كذلك ابدياً»، اكد بأن «الولايات المتحدة ستستخدم كل امكانياتها من اجل الانتصار على هذا العدو».


وقد ختم الرئيس جورج بوش حديثه بالقول: «انني اشكر اعضاء الكونجرس من اجل صوتهم الموحد ودعمهم. ان امريكا موحّدة، وامم العالم المتعطشة للحرية تقف الى جانبنا. ان نضال الخير ضد الشر سيكون هائلاً. لكن الخير سينتصر».


كانت حكومات العالم كله، باستثناء وزارة الخارجية البريطانية التي كانت تزاود في تصريحاتها القتالية، ترقب بقلق كبير ردود فعل الرئيس جورج بوش. وقد فهمت بسرعة ان اجهزة الاستخبارات الالمانية والمصرية والفرنسية والاسرائيلية كانت قد حذرت الاجهزة الامريكية بما كان يتم تحضيره، لكن الـ «سي. آي. إيه» قللت كثيراً من التهديدات. وفي الوقت نفسه كانت تتكاثر التساؤلات حول مدى مصداقية التقارير، التي غدت غزيرة فجأة، التي كانت وكالة الاستخبارات الامريكية المركزية تعدها، وبنفس التساؤلات ايضاً حول التقدم ـ البالغ في سرعته ـ في تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي «الاف. بي. آي» كانت تسود لدى الجميع الخشية من ان يحدد الرئيس بوش المذنب بتسرع كبير وتدخل بلاده مباشرة في عمل عسكري كبير.. وهذا ممكن من اجل طمأنة الرأي العام الداخلي الامريكي.


في اليوم نفسه تبنى مجلس الامن التابع للامم المتحدة القرار رقم 1368 الذي اعترف بـ «الحق المشروع» للولايات المتحدة بالرد منفردة او جماعياً طبقاً لميثاق الامم المتحدة. ودعا القرار مختلف البلدان للعمل معاً من اجل تقديم الجناة للعدالة ـ المنفذين والمنظمين والرؤوس المدبرة ـ ومحاسبة كل من ساعد او دعم او آوى «الارهابيين». باختصار، اعترف مجلس الامن للولايات المتحدة ان تخرق اذا دعت الضرورة، سيادة الدول التي تحمي الارهاب. ومن اجل القبض على الارهابيين وتقديمهم للعدالة الدولية.


لكنه بالمقابل لم يسمح للولايات المتحدة بأن تنصب من نفسها كصاحبة الحق في القصاص او مهاجمة الدول وقلب الحكومات.


اخلاص لا طاعة

في المساء قررت الدول الاعضاء في الحلف الاطلسي اثناء اجتماع مغلق تقديم المساعدة للولايات المتحدة ـ وليس انخراط قواتها ـ من اجل مواجهة الهجوم الذي تعرضت له.. وقد كان ذلك الاجتماع متوتراً جداً اذ ان بعض الاعضاء اعتقدوا بأنه قد يكون ممكناً وجود علاقة لاناس داخل جهاز الدولة الامريكية بالاعتداءات ولذلك رفضوا الالتزام بـ «حرب ضد الارهاب»، لاسيما وانها حرب غير محددة الاهداف والمدى بشكل دقيق. وامام حالة القلق والمنحى الذي اخذته الاحداث اتصل الرئيس الفرنسي جاك شيراك بالرئيس الامريكي جورج بوش، وبعد ان اكد له ان فرنسا تبقى الحليف الاكثر اخلاصاً، وليس الاكثر طاعة، شرح له بأدب بأن قرار مجلس الحلف الاطلسي ليس «شيكاً على بياض» وانقياداً اعمى وراء السياسة الامريكية. وقد كرر الرئيس الفرنسي نفس الموقف في زيارة قام بها للولايات المتحدة ـ كانت مقررة منذ فترة طويلة وعقد بنفس الوقت مؤتمراً صحفياً بصحبة كوفي عنان الامين العام للامم المتحدة صرح فيه هذا الاخير بوضوح قوله: «ينبغي ان يكون الرد ـ الامريكي ـ ضد ارهابيين جرى التأكد من تورطهم وربما ضد الدول او المجموعات التي ساعدت هؤلاء الارهابيين».


وزادت الخشية، وبدت انها قد تأكدت، عبر ما جرى اثناء مؤتمر صحافي مشترك ساهم فيه وزير العدل «جون اشكروفت» ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي روبرت مويلر، لقد اكد رئيس الشرطة للصحافيين ضرورة عدم التعجيل بالتحقيق من اجل جمع البراهين الضرورية لادانة المشتبه بهم فقاطعه وزير العدل بفظاظة واعلن بأن الوقت يضغط وان مهمة مكتب التحقيقات الفيدرالي هي القاء القبض سريعاً على الارهابيين قبل ان يقترفوا اعتداءات اخرى.


في 17 سبتمبر ازدادت الاجواء توتراً بعد ان تم اخلاء البيت الأبيض جزئياً اثر انذار بوقوع عمل ارهابي وتم نقل نائب الرئيس ديك تشيني الى مكان بعيد وآمن. كان الانذار كاذباً أما القلق النفسي فحقيقي. بعد ظهر ذلك اليوم ـ التقى نائب وزير الدفاع «بول وولفوتيز» مع الصحافة.. وهو عملياً بمثابة الناطق باسم المجموعة الأكثر تشدداً من المحافظين داخل «اللوبي» العسكري الصناعي، وكان قد ناضل منذ سنوات من اجل «انهاء العمل القذر في العراق» وقد رأى في احداث 11 سبتمبر مبرراً سهلاً للخلاص من الرئيس صدام حسين. انه لم يحدد اثناء لقائه الصحفي اي هدف كافغانستان أو العراق. لكنه أشار إلى ان الرد الامريكي «سيكون حملة وليس عملاً معزولاً» وركز على القول: «إننا سنطارد هؤلاء ـ الارهابيين ـ واولئك الذين يدعمونهم حتى يتوقف ذلك. بهذه الطريقة ينبغي التحرك».


بالمقابل، وبدافع سحب البساط من تحت اقدام «الصقور» قام وزير الخارجية «كولن باول» بتقديم «ابن لادن» على أنه «المشتبه الرئيسي» وحضر على عجل تدخلاً ـ تمنى أن يكون محدوداً ـ في افغانستان. وطالب الباكستان بما يشبه الانذار لدعم امريكا ووضع كافة البنى الاساسية العسكرية تحت تصرّفها ووقف جميع العلاقات السياسية والاقتصادية مع النظام الذي كان قائماً في افغانستان.


لم يكن النقاش السائد في واشنطن جديداً. إذ كان النقاش حول تبني احد الخيارين (ضرب افغانستان او حرب شاملة ضد الارهاب) سائداً قبل الاعتداءات التي شهدها يوم 11 سبتمبر. ما حدث كان مبرراً للانتقال الى الفعل.


ومنذئذ اصبح النقاش يتلخص في معرفة عمّا اذا كان الرأي العام الامريكي يرضيه مجرد القيام بضربات لاهداف محددة أم ان صدمته كانت قوية الى درجة تجعله يقبل القيام بحرب طويلة الأمد. في المحصلة رأى استراتيجيو واشنطن بأن الصدمة السيكولوجية كانت قوية الى حد تسمح بتنشيط الخيارين معاً.


وبعودة إلى الوراء يشير المؤلف تيري ميسان الى فشل المفاوضات متعددة الاطراف في برلين، في منتصف شهر يوليو 2001، حول مستقبل افغانستان. يومها، وكما جاء على لسان «نياز نايك» سفير الباكستان السابق في باريس الذي كان قد ساهم في المفاوضات، بان الامريكيين قد صرحوا آنذاك - ساهم ثلاثة دبلوماسيين كبار امريكيين في المفاوضات بانهم سيجتاحون افغانستان في منتصف شهر اكتوبر وسوف يسقطون نظام طالبان.


وفي مطلع شهر سبتمبر وتحت غطاء المناورات السنوية في بحر عمان نشرت بريطانيا أكبر اسطول حربي لها منذ حرب الفولكلاند وجمعت قواتها بمواجهة الباكستان في عرض البحر. وقام الحلف الاطلسي من ناحيته، وبمناسبة مناورات «النجم الساطع» برايت ستار في مصر بنقل اربعين ألف جندي الى المنطقة. هكذا اذن كانت القوات الانجليزية، الامريكية قد أخذت مواقعها في المنطقة قبل اعتداءات 11 سبتمبر.


اما «الحرب ضد الارهاب» فقد كانت قيادة اركان الجيوش الامريكية قد حضّرت لها منذ فترة طويلة أثناء اللجوء مرتين إلى ما أسمته بـ «لعبة الحرب» حيث جرى الانخراط في «حروب وهمية» ووضع تكتيكات لها. لكن تم الغاء «لعبة الحرب» التي كانت مبرمجة مبدئياً لشهر يونيو 2001، الامر الذي فسره الرسميون المعنيون بمثابة اشارة للانتقال الى الفعل قريباً.


الأب الروحي

بعد ان يسهب مؤلف هذا الكتاب في سرد المرجعيات التي رددها الرئيس الامريكي جورج بوش في احاديثه المختلفة اعتماداً على قاعدة الايمان الديني اراد أن يجعل نفسه بمثابة الرئيس الروحي لامريكا وللعالم المتمدن.


وقد تحدث عن «التجديد الروحاني» وعن حاجة امريكا لهذا «التجديد الروحاني» وقد شارك برفقة زوجته واربعة رؤساء امريكيين سابقين هم بيل كلينتون وجورج بوش الاب وجيمي كارتر وجيرالد فورد وجميع اعضاء مجلس الشيوخ تقريباً في الصلاة بإحدى الكنائس من اجل ضحايا اعتداءات 11 سبتمبر.


وهذا ما حللته صحيفة «واشنطن بوست» في 24 ديسمبر 2001 بالقول: «للمرّة الأولى منذ ان اصبحت النزعة المحافظة الدينية حركة سياسية قد اصبح رئيس الولايات المتحدة هو رئيسها واقعياً ـ وهذا موقع لم يحتله حتى رونالدر ريجان الذي كان يحبه المحافظون الدينيون كثيراً. هذا وقد ساد مثل هذا التوجه في أوروبا ايضاً تضامناً مع الولايات المتحدة.


وفضلاً عما يشير إليه مؤلف هذا الكتاب من احتجاجات صدرت في امريكا واوروبا حول الوقوف «دقائق صمت» من أجل الضحايا الامريكيين بينما لا يحظى ضحايا المجازر في مناطق أخرى من العالم بأي سلوك مماثل. يؤكد ـ أي المؤلف ـ ان التعاطف مع «الحداد الامريكي» كان بمثابة «عملية سياسية تسعى لتحقيق هدف سياسي عبر استغلال المشاعر الدينية». اما الاعداد لمثل هذا العمل من اجل فرض حداد دولي فقد تم بصورة سرّية خلال شهر اكتوبر من عام 2001 (كما نشرت صحيفة «انتلجانس اونلاين» بتاريخ 14 فبراير 2002)، وكان قد تم سابقاً تأسيس «مكتب للتأثير الاستراتيجي في البنتاجون ترأسه الجنرال «سيمون بين ووردت» الرئيس السابق لهيئة كانت تهتم بالاخبار الدولية وتستخدم ادوات من بينها اذاعة «صوت امريكا». لقد عمل «مكتب التأثير الاستراتيجي» بكامل طاقته من أجل التأثير على الرأي العام العالمي وعلى الحكومات الغربية.


وصبيحة يوم 14 سبتمبر خوّل الكونجرس الرئيس بوش باللجوء الى استخدام كل قوة ضرورية ومناسبة ضد كل دولة أو منظمة أو شخص كان ـ كما ترى ـ قد حضر او سمح او نفذ أو سهل بالهجومات الارهابية المقترفة يوم 11 سبتمبر 2001، أو انه آوى مثل تلك المنظمات واولئك الاشخاص، وذلك من أجل الوقاية ضد أي عمل ارهابي دولي ضد الولايات المتحدة من قبل مثل تلك الدول أو المنظمات أو الاشخاص، وكانت قد تمت الموافقة على هذا القرار بإجماع ممثلي الشعب الامريكي في المجلسين باستثناء صوت واحد هو صوت النائبة الديمقراطية لكاليفورنيا بربارة لي، ومن دون نقاش تقريباً هكذا حصل الرئيس بوش على «كل السلطات الخاصة بحالة الطواريء» والتي لا تعني تماماً «سلطات الحرب» إذ كان عليه ان يبلغ الكونجرس قبل شن أية حرب ضد دولة أخرى. وعندما طلب الرئيس زيادة الاعتمادات المالية الخاصة للشروع بالاعمال العسكرية الأولى وافق النواب الامريكيون على مضاعفتها من 20 ملياراً الى 40 مليار دولار امريكي وبعد 5 ساعات من النقاش. وبتاريخ 20 سبتمبر وبحضور رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، اعلن الرئيس بوش رسمياً أمام النواب الامريكيين ان «اسامة بن لادن ومنظمته مسئولون عن اعتداءات 11 سبتمبر». كما اعلن بالوقت نفسه عن تأسيس «مكتب أمن التراب القومي» الذي يتمتع بمستوى وزاري ويخضع مباشرة لسلطته وحيث تحددت مهمته في «تنسيق استراتيجية قومية عامة وادارتها والاشراف عليها من أجل الدفاع عن البلاد ضد الارهاب والرد على اي هجوم محتمل». هذا وقد تم تعيين حاكم بنسلفانيا السابق «توم ريدج» رئيسا لهذا المكتب.


ومنذ تاريخ 12 سبتمبر صرّح وزير الدفاع الامريكي اثناء لقائه مع الصحافة بأنه ينبغي التعامل مع المعلومات بكثير من الحذر لان تقديمها في غير مكانها «يحدّ من حظوظ حاكم الولايات المتحدة» في رصد اولئك الذين قاموا بالعمليات وكذلك يمكن ان يكون مؤذياً من حيث انه «يعرّض للخطر حياة اولئك الذين سيقومون بالعمليات مستقبلا».


وعندما سأله احد الصحفيين بتاريخ 25 سبتمبر، إذا كان لديه النية للكذب كي يحتفظ ببعض الاسرار اجاب «رامسفيلد» بأنه يمتلك شخصياً من المهارة ما يجعله يتصرف بشكل آخر ولمساعديه أن يتصرفوا ويدبروا امرهم كما يستطيعون. قال: «ان هذا يذكرنا بالطبع بالتعبير الشهير لونستون تشرشل الذي كان يصرّح ـ لكن لا تذكروا اسمي. لا أريد ذلك فإذن لا تذكروه ـ لقد قال بإن الحقيقة غالية في بعض الاحيان الى درجة انه ينبغي ان يرافقها حشد كبير من الاكاذيب ـ وقد كان تشرشل يتحدث آنذاك عن مكان انزال القوات أثناء الحرب العالمية الثانية ومكانه».


تغيير أعدّ له طويلاً بتاريخ 28 فبراير 2002،

كتبت مجلة «نيويورك بوك ريفيو» التي تحظى بمصداقية كبيرة تقول:«منذ 11 سبتمبر عملت الحكومة الى اقرار قوانين عبر التصويت وتبنت سياسات واجراءات لا تتوافق مع قوانينا ومع القيم السائدة ولم تكن تخطر على الذهن فيما قبل». وما يؤكده مؤلف هذا الكتاب هو ان الرؤية الرسمية لاحداث 11 سبتمبر 2001 لا تسمح بتبرير مثل هذا التحول. فإذا كان الاعداء هم «فقراء» يختبئون في كهوف افغانستان فلماذا نخشى الحوار بين زملاء داخل البنتاجون؟ وكيف يمكن تصور ان حفنة من الارهابيين يمكنهم ان يجمعوا ويوظفوا معلومات متفرقة حول مشتريات السلاح ويستنتجون من ذلك خطط جيوش الولايات المتحدة؟ ثم لماذا يتم تعليق آلية العمل الاعتيادي للمؤسسات وحرمان البرلمانيين وحتى في جلسات مغلقة، من المعلومات التي لابد منها للحياة الديمقراطية؟ وهل نحن بالأحرى امام تغيير في النظام السياسي.. وتغيير تم الاعداد له منذ فترة طويلة قبل اعتداءات 11 سبتمبر 2001؟

على القناة الثانية مؤلفه تييري ميسان، صحافي التحقيقات الذي درس العلوم السياسية واصدر كتابين حول سيرة حياة وزير الدفاع الفرنسي الاسبق شارل ميون ووزير الداخلية الفرنسي الاسبق شارل باسكوا. ويشكك المؤلف بالكثير من الطروحات الامريكية حول ما جرى يوم 11 سبتمبر بل ويؤكد انه لم تتحطم اي طائرة على مبنى «البنتاجون في ذلك اليوم». يقول المؤلف في مقدمة كتابه:«الرواية الرسمية ـ الامريكية ـ للاحداث لا تصمد امام التحليل النقدي. وسوف نبرهن على انها ليست سوى عملية «مونتاج» وتسمح المعلومات التي نقدمها في بعض الحالات ان تبين الحقيقة. اننا ندعوكم الى عدم اعتبار عملنا هذا حقيقة نهائية. بل وندعوكم الى التشكك، ولا تثقوا الا بحسكم النقدي».


صبيحة الحادي عشر من شهر سبتمبر 2001، وعندما لم يكن أحد قد فهم ما يجري من خلال الصور التي بثتها قناة الـ «سي. إن. إن» الاخبارية وما اذا كان الأمر يتعلق بحادث طيران ام بعملية ارهابية، اشار معلقو هذه القناة التلفزيونية الى امكانية ان يكون المسئول عنها هو اسامة بن لادن. ثم شيئاً فشيئاً أصبحت هذه الفرضية هي السائدة، اذ ان اعتداءات تتسم بهذا القدر من «البربرية»، كما ردد المعلقون والرسميون الامريكيون، لا يمكن ان تكون الا من فعل «همجي غريب تماماً عن العالم المتمدن».


وتحولت الاشاعة، خلال ساعات قليلة، عملياً الى نوع من الخبر اليقين اعادته الصحافة الى مصادر حسنة الاطلاع عموماً او مصادر قريبة من التحقيق. واخذت بعد ذلك صيغة رسمية بعد ان اعلن وزير الخارجية الامريكي «كولن باول» بان «ابن لادن» هو في واقع الامر «المشتبه به الرئيسي» قبل ان يتدخل الامريكي جورج بوش نفسه لتغدو بمثابة ادانة معلنة.


من القطيعة الى العداء

كانت الولايات المتحدة قد أهملت كثيراً مصير افغانستان بعد هزيمة الاتحاد السوفييتي ورحيل جنوده عن اراضيها، وتركت هذه البلاد بين ايدي «قادة الحرب» من الذين كان بعضهم قد جاء من مختلف مناطق العالم العربي والاسلامي للنضال ضد الجيش الاحمر ولربما ان ابن لادن قد توقف عندئذ عن التعاون مع الأطراف الامريكية، وهو التعاون الذي كان قد بدأ منذ عام 1979 في افغانستان. واعتباراً من «القطيعة» بدأت مسيرة «العداء» التي شكلت احداث الصومال في عام 1992 الحلقة الرئيسية الاولى فيها اذ ان بعض اولئك الذين كانوا قد ساهموا في العمليات ضد السوفييت في افغانستان ساهموا في عملية أدّت الى مقتل تسعة عشر جندياً امريكياً مما اضطر الجيش الامريكي للرحيل عن الصومال، اي انه بعد السوفييت جاء دور الامريكيين.


وفي يونيو من عام 1996 لقي تسعة عشر جندياً امريكياً حتفهم في انفجار وقع بقاعدة الخبر بالسعودية، ووجهت الولايات المتحدة اتهامها لابن لادن كمسئول عن ذلك التفجير. وفي 7 اغسطس 1998 تم تفجير السفارتين الامريكيتين في دار السلام بتنزانيا ونيروبي بكينيا وكانت الحصيلة هي 290 قتيلاً و4500 جريح. ومرّة اخرى اتجهت الاتهامات الامريكية الى ابن لادن. وقد ردّت ادارة بيل كلينتون على هاتين العمليتين باطلاق 75 صاروخاً على معسكرات للتدريب في جلال أباد وخورست بافغانستان وعلى مصنع الشفاء للأدوية في السودان. وأعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي الامريكي عن جائزة مقدارها خمسة ملايين دولار لـ «رأس ابن لادن»، كما تم تجميد جميع امواله. وفي 12 اكتوبر 2000 هوجمت المدمرة الامريكية «كول» في ميناء عدن باليمن مما اودى بحياة 17 من جنود المارينز وجرح 39 اخرين. ومرة اخرى كان المتهم هو ابن لادن. وفي 8 مايو 2001 اعلن وزير الدفاع الامريكي ان العدو رقم واحد للولايات المتحدة لا يمتلك فقط الاسلحة البيولوجية والكيميائية. وانما هو على وشك تصنيع القنبلة النووية واطلاق قمر صناعي.


بالمقابل اعرب ميلتون بيردن الرئيس السابق لفرع الاستخبارات الامريكية في السودان خلال عقد التسعينيات الماضي، وأحد المسئولين الرئيسيين عن العمليات السرية لوكالة الاستخبارات الامريكية في افغانستان، عن شكوكه حيث قال في مقابلة مع مجلة «وونتلاين» ما مفاده: «ان تبسيط الأمور الى الحد الأقصى وتحميله ـ اي ابن لادن ـ مسئولية الاعمال الارهابية خلال العقد الماضي وجميعها انما يشكل استهزاء بعقل اغلبية الامريكيين. وهذا لا يشجع بالتأكيد حلفاءنا على حملنا على محمل الجد في هذا الشأن». ويتابع ميلتون بيردن الذي وجد هامش حرية اكبر في التعبير بعد احالته الى التقاعد عام 1994، قائلاً: «هناك الكثير من الخيال في هذا كله والذي صنع اسطورة ابن لادن لكن هذا يشكل جزءاً من المشهد. فنحن ليس لدينا عدو على مستوى قومي. ولم يعد لدينا عدو قومي منذ انهيار امبراطورية الشر ـ الاتحاد السوفييتي ـ عام 1991».


وضمن هذا السياق تم اتهام ابن لادن بانه وراء اعتداءات 11 سبتمبر 2001. لكن أمام حالة التشكك التي عرفتها حكومات عديدة اعلن كولن باول، وزير الخارجية الامريكي قوله: «اننا نعمل بجد وجهد من اجل جمع كل المعلومات القضائية والاستخبارية. واعتقد انه سيكون بوسعنا خلال مستقبل قريب نشر وثيقة تقدم بوضوح البراهين حول تورطه في الاعتداءات. ولكن هذه الوثيقة التي أعلن عنها وزير الخارجية الأمريكي مراراً لم تر النور ابداً.


وفي 4 اكتوبر 2001 قدّم رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير تقريراً لمجلس العموم تحت عنوان «مسئولية الاعتداءات الارهابية التي جرى اقترافها في الولايات المتحدة» وحيث نجد الحجة الوحيدة التالية: «ليس هناك اي منظمة اخرى تملك الحوافز وامكانيات القيام بمثل هذه الاعتداءات التي جرت يوم 11 سبتمبر سوى منظمة القاعدة». في اليوم نفسه صرّح وزير الخارجية الباكستاني رياض محمد خان بان «البراهين» التي قدّمتها الولايات المتحدة لحكومته تشكل قاعدة كافية لتقديم ابن لادن للمحاكمة». اما هذه البراهين فقد تم تصنيفها على انها «اسرار دفاعية» ولم يتم بالتالي الاعلان عنها على الاطلاق.


وفي 7 اكتوبر 2001 ابلغ سفيرا الولايات المتحدة وبريطانيا منظمة الامم المتحدة بان بلديهما قد شرعا بعمل عسكري ضد افغانستان. وقد كتب الامريكي جون نيجروبونت يقول: «ان حكومتي قد حصلت على المعلومات الواضحة والأكيدة التي تفيد أن منظمة القاعدة المدعومة من نظام طالبان في افغانستان قد لعبت دوراً مركزياً في الهجمات، إن هذه المعلومات «الواضحة الأكيدة» لم يتم تقديمها أبداً لمجلس الأمن.


الابتعاد عن الواقع

بعد شريط التسجيل المصوّر الذي تم بثه في 10 نوفمبر، والذي كشفت صحيفة «صنداي تلجراف» عن وجوده ويبدو فيه ما يشبه الاعتراف من قبل ابن لادن بمسئوليته عن الاعتداءات حيث اعتبر ان برجي مركز التجارة العالمي هما بمثابة «هدفين مشروعين» حيث يشكلان احد اعمدة الاقتصاد الامريكي وحيث أكد ان «بوش وبلير لا يفهمان شيئاً غير القوة».


وفي 9 ديسمبر 2001 اعلنت صحيفة واشنطن بوست على صدر صفحتها الأولى وجود شريط تسجيل مصوّر آخر. وكان قد قام احد المقربين من «العدو رقم واحد» للولايات المتحدة بتسجيله ويبيّن ردود فعل ابن لادن على احداث 11 سبتمبر 2001 ويثبت بشكل نهائي مسئوليته عن التخطيط لها. وقد اشارت وكالة رويتر للانباء إلى أن زعيم القاعدة قد اشار الى ان اغلبية قراصنة الجو لم يكونوا انتحاريين وكانوا يجهلون بانه ستتم التضحية بهم.


وقد قام البنتاجون ببث هذا الشريط المصوّر بتاريخ 13 ديسمبر 2001 حيث يدلي ابن لادن باعترافات تتطابق تماماً مع الرواية الرسمية الامريكية «التي ابعدتنا كثيراً عن الواقع»، كما يقول مؤلف هذا الكتاب، ويقول ابن لادن في هذا الشريط كنت اعتقد ان الحريق الذي سببه وقود الطائرات سيؤدي الى ذوبان البنية المعدنية للمركز التجاري العالمي مما سيؤدي الى انهيار القسم المصاب والطوابق التي تعلوه فقط. وكان هذا هو كل ما نأمله. كنا قد انجزنا عمل اليوم وبدأنا الاستماع للاذاعة «..» وغيّرنا المحطة كي نسمع اخبار واشنطن، حيث لم يأت اولاً اي ذكر للهجوم الا في نهاية نشرة الاخبار وأعلن المذيع ان طائرة قد صدمت للتو المركز التجاري العالمي.


وكان الاخوة الذين سمعوا الخبر في غاية الابتهاج. اما الاخوة الذين قاموا بالعمليات فكل ما كانوا يعرفونه هو ان عليهم القيام بعملية استشهادية، حيث كنّا قد طلبنا منهم الذهاب الى امريكا. لكنهم كانوا قد تدرّبوا ولم نكشف لهم عن العملية حتى اللحظة التي كانوا فيها هناك وكانوا يستعدون لركوب الطائرات.


ويتم التأكيد في نهاية هذا الشريط المسجل على ان الامريكيين قد اصابهم الرعب، وانهم اعتقدوا ان الأمر يتعلق بـ «انقلاب عسكري»، وهكذا يكون ابن لادن قد اعترف صراحة بمسئوليته عن الاعتداءات بل و«اعترف بأعمال لم تقع». وهنا يتساءل المؤلف عما اذا كان ابن لادن هو عدو للولايات المتحدة حقا ام هو أسطورة من صنع جهات امريكية.


وفي هذا السياق من التشكيك بنقل المؤلف عن مراسل الـ «سي. بي. اس» في 29 يناير 2002 قوله: «في الليلة السابقة للهجمات الارهابية في 11 سبتمبر 2001، كان ابن لادن في الباكستان «...». وكان قد تم ادخاله الى احد المستشفيات العسكرية سراً في روالبندي لاجراء فحوص طبية». وهنا يتساءل مؤلف هذا الكتاب حول السر الكامن وراء وجود الرجل الذي وضع مكتب التحقيقات الفيدرالي الامريكي خمسة ملايين دولار ثمناً لرأسه، وتم قصف معسكرات تدريب انصاره بالصواريخ، في الوقت نفسه في احد المستشفيات العسكرية الباكستانية في روالبندي، وتحديداً في ظل حماية الجيش الباكستاني نفسه.


وضمن السياق نفسه ينقل المؤلف عن صحيفة «تايم اوف انديا» الصادرة في التاسع من اكتوبر 2001 ان الجنرال احمد محمد مدير جهاز الاستخبارات الباكستاني كان قد حوّل في شهر يوليو 2001 مبلغ مئة الف دولار امريكي لحساب محمد عطا المتهم بانه كان قائد مجموعات الاستشهاديين يوم 11 سبتمبر 2001، بالولايات المتحدة. وما يؤكده مؤلف هذا الكتاب هو ان الكشف عن عملية تحويل الاموال هذه لم تثر اي سؤال في امريكا.


وفي 7 اكتوبر 2001 توجّه الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش الى الامريكيين عبر التلفزة كي يخبرهم بان «الحرب قد بدأت». لقد قال: «بناء على أوامري قامت القوات المسلحة للولايات المتحدة بالهجوم على معسكرات الارهابيين وعلى المنشآت العسكرية لنظام طالبان في افغانستان «....». ان صديقتنا المخلصة بريطانيا تساهم الى جانبنا بهذه العملية، كما ان اصدقاء جيدين اخرين، اذكر منهم خاصة كندا واستراليا والمانيا وفرنسا، اعلنوا عن استعدادهم لتقديم القوات بحسب سير العمليات كما ان اكثر من اربعين بلداً في الشرق الاوسط وافريقيا واوروبا وآسيا منحونا حق العبور في مجالهم الجوي والهبوط في مطاراتهم. كما ان الكثيرين منهم تعاونوا معنا على صعيد معلومات اجهزة استخباراتهم. اننا مدعومون من قبل الارادة الجماعية للعالم.


وسوف يلاحظ الشعب الافغاني المضطهد مدى سخاء الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها. اننا سنهاجم الاهداف العسكرية لكننا سنلقي في الوقت نفسه المواد الغذائية والطبية وغيرها لرجال ونساء واطفال افغانستان الذين يعانون من الجوع فالولايات المتحدة صديقة للشعب الافغاني..». وبالوقت نفسه كان رئيس الوزراء البريطاني يتوجه للانجليز كي يؤكد لهم بان قوات صاحبة الجلالة تقاتل في افغانستان الى جانب الامريكيين.


اللعبة الكبرى مجدداً

لكن في الوقت الذي بدأت رحى الحرب تدور في افغانستان، يؤكد مؤلف هذا الكتاب ان الصفقات التجارية بدأت وتعاظمت. اذ منذ انهيار الاتحاد السوفييتي واستقلال دول اسيا الوسطى عادت «اللعبة الكبرى» للظهور من جديد. وكان تعبير «اللعبة الكبرى» هذا قد خط طريقه بعد ان استخدمه الشاعر روديارد كيبلنج في القرن التاسع عشر للدلالة على الصراع من اجل النفوذ بين الامبراطوريات الكبرى في المنطقة، مع محاولة التجنب الكبير للدخول في مجابهات مباشرة.. هذا لاسيما وان منطقة اسيا الوسطى تمتلك ثروات بترولية كبيرة وثروات غازية ايضا، هذا بالاضافة الى الاحجار الثمينة وزراعة نبات الخشخاش.


وكان الرئيس جورج بوش قد شكّل فريقه الحاكم من دوائر المجموعات النفطية الكبرى. هكذا نجد ان مستشارته للأمن القومي «كوندو ليزا رايس» هي احد الكوادر السابقة لشركة شيفرون ـ فوكس كو»، كما ان وزير داخليته «جال نورثون» كان ممثلاً لمصالح شركة بريتش بتروليوم ـ اموكو. كما كان نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني ـ وهو الرئيس السابق لشركة هاليبورثون، اي اكبر شركة عالمية في ميدان التجهيزات البترولية ـ قد شكّل اعتباراً من شهر يناير 2001 مجموعة تطوير لسياسة الطاقة القومية التي تم اعتبار اجتماعاتها بمثابة أسرار دفاعية الى درجة ان صحيفة الـ «واشنطن بوست» قد وصفتها بانها «شركة سرية». وكان المعلقون يجمعون على الاعتقاد بان الهدف الرئيسي لهذه المجموعة هو استثمار الثروات النفطية والغازية في منطقة بحر قزوين.


وكان السؤال الرئيسي المطروح يتعلق بكيفية نقل النفط والغاز من دون التفاوض مع روسيا وايران، ولذلك برزت اهمية افغانستان التي كانت تعيش حالة اضطراب داخلي كبيرة منذ رحيل السوفييت عنها. كان من المطلوب بناء خط انابيب يصل بين بحر قزوين والمحيط الهندي. وفي ديسمبر من عام 1997 علّقت شركة «يونوكال» مشروع بناء هذا الخط بسبب عدم تفهم طالبان، وحيث فشلت كل المحاولات لايجاد حل على الرغم من تعيين جون ماريسكا، نائب رئيس الشركة سفيراً للولايات المتحدة في افغانستان. ولم يتوصل اللقاء متعدد الاطراف الذي تم عقده في المانيا في اواسط 2001 الى اتفاق حول مستقبل افغانستان. وقد شارك في ذلك الاجتماع ممثلون عن امريكا وانجلترا وباكستان وروسيا.


هندسة سياسية مختلفة

امام الوضع المعقد القائم في افغانستان تحسبت الولايات المتحدة للتخلص من القادة الرئيسيين للفصائل الافغانية وفي مقدمتهم الملاّ عمر والقائد أحمد شاه مسعود «الذي كان معروفاً بعدائه للامريكيين»، واقامة حكومة تكون بمثابة دمية بيدها، وحيث وجدت ان الملك الافغاني السابق ظاهر شاه يتمتع ببعض الشرعية، وحيث كان يعيش منفياً في ايطاليا منذ خلعه هكذا واعتباراً من يوليو 2001، تم البدء بالحديث عن الملك المخلوع وعن اعادة تعمير البلاد، وتتابعت المفاوضات في لندن ثم في جنيف تحت غطاء «المنتدى الانساني للبزنس» والذي كانت شركة «يونيكال» تغدق عليه الاموال.


حاولت باكستان، وخشية من ان تجد نفسها في مواجهة ضغوط امريكية ـ انجليزية قوية ـ ان تبحث عن حلفاء جدد قبل ان تهب العاصفة. وهكذا توجهت نحو الصين الباحثة عن منفذ على المحيط الهندي مقابل دعمها العسكري لباكستان. اثار هذا الامر حفيظة الامريكيين والانجليز الذين قرروا ان ينتقلوا بسرعة اكبر للهجوم قبل ان تعكر الصين صفو «اللعبة الكبرى» الراهنة. من هنا جاء الحضور الكبير للقوات البريطانية والاطلسية في المنطقة. وفي التاسع من شهر سبتمبر 2001 تم اغتيال القائد أحمد شاه مسعود، ثم جاءت اعتداءات 11 سبتمبر لتعطي الشرعية لعملية عسكرية لا يرى بها مؤلف هذا الكتاب سوى «حملة استعمارية تقليدية». لقد انتهت الحرب على قاعدة القرار 1378 الصادر عن مجلس الأمن الذي حدد في الوقت نفسه اطار محادثات «بون» في المانيا الذي توصلت فيه الفصائل الى صيغة للحكومة المؤقتة. لقد انتهت الحرب لكن اقوى جيش في العالم لم يستطيع ان يضع يده على «العدو رقم واحد» لامريكا التي كانت قد جاءت آلتها العسكرية القوية للقبض على هذا العدو المزعوم بينما هرب الملاّ عمر الى باكستان على متن دراجة نارية صغيرة.


وفي الوقت نفسه اصبح بامكان زراعة الخشخاش ان تزدهر وتكرّس معظم انتاجها للسوق الامريكية، كما عقدت الحكومتان الباكستانية والافغانية مؤخراً اتفاقاً لبناء خط انابيب آسيا الوسطى.. هذا هي النتائج الاساسية التي يحددها مؤلف هذا الكتاب للحرب الافغان