محصلــة عقــد مــــن الصـراع الدمـــوي بالجزائر
سبق لقسم الدراسات والأبحاث بالجزيرة.نت أن أعد دراسة مفصلة حول محصلة العنف الدموي بالجزائر في عقد التسعينيات وذلك بمناسبة الانتخابات التشريعية لماي 2002 ولأهمية هذه الدراسة ننشرها كاملة .



كان من نتائج الانقلاب على الديمقراطية في الجزائر بعدما ألغى الجيش الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية عام 1992 أن دخلت البلاد في حالة من الفوضى السياسية والأمنية تبعها تدهور اقتصادي كانت له نتائج اجتماعية وخيمة. هذا التقرير محاولة لعرض حصاد هذه السنوات.



فقدان الاستقرار السياسي والأمني

عاشت البلاد حالة من عدم الاستقرار السياسي خاصة في المناصب العليا للدولة مثل مناصب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء، فقد تولى الحكم منذ عام 1992 وحتى الآن أربعة رؤساء هم محمد بوضياف وعلي كافي واليامين زروال وعبد العزيز بوتفليقة. وأدار الحكومة ثمانية رؤساء ومئات الوزراء بعضهم كان لا يجلس في منصبه إلا لأقل من ثلاثة أسابيع، مما كان له انعكاساته على الأوضاع الأمنية التي اتخذت طابعا مسلحا نفذته الكثير من المليشيات المسلحة أشهرها المليشيات التابعة للقوات الخاصة في الجيش الجزائري والجماعة الإسلامية المسلحة ''جيا'' والجماعة السلفية للدعوة والقتال. وقد تسببت هذه العمليات في خسائر بشرية جمة.



الخسائر البشرية

قتل أكثر من مائة ألف جزائري -أكثرهم من المدنيين العزل ومن فئات عمرية مختلفة منها الأطفال والنساء وكبار السن- منذ عام 1992 وحتى العام الجاري .2002

وفي دراسة موثقة ''موسوعة المجازر الجزائرية'' قام بها 30 باحثا ينتمون إلى مؤسسة ''هوقار'' المتخصصة في متابعة حقوق الإنسان في بلاد المغرب العربي، تبين بعد فحص عينة من المجازر بلغ عددها 622 مجزرة ارتكبت في الفترة من 1992 إلى 1998 (تعريفهم للمجزرة أنها ما زاد عدد القتلى المدنيين فيها عن خمسة أشخاص)، تبين أن حوالي 420 مجزرة قتل في كل واحدة منها ما بين 5 و25 شخصا. وفي 12 مجزرة منها تجاوز عدد ضحايا كل واحدة منها 100 قتيل مثل مجزرة ''غليزان''، في حين ارتفع عدد الضحايا في مجازر أخرى ليتراوح بين 200 و300 قتيل مثل مجزرتي ''بن طلحة'' و''سيدي حماد''. أما مجزرة ''بني مسوس'' فوصل عدد القتلى فيها إلى أكثر من ,400 وفي 16 مجزرة زاد عدد القتلى في كل واحدة منها عن .500

وارتكب أكبر عدد من هذه المجازر عام 1997 حيث شهد ذلك العام حوالي 300 مجزرة، أي بمعدل مجزرة كل يوم تقريبا.

وتركزت أماكن هذه المجازر في العاصمة الجزائرية وما حولها إضافة إلى بعض ولايات الشمال والوسط والغرب مثل تيبازه والمدية والبليدة والشلف ومعسكر وسهل متيجة، ووصلت النسبة في ثلاث ولايات فقط هي الجزائر العاصمة والبليدة والمدية إلى أكثر من 50% من هذه المجازر.

هذه المناطق هي في الغالب المناطق التي حصلت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ على نسبة عالية من الأصوات، ويعتقد أن لها قواعد شعبية كبيرة هناك، وهو ما بات يعرف بـ''عمليات التطهير الانتخابي'' على غرار عمليات التطهير العرقي.

واختلفت أساليب القتل ما بين الذبح بالأسلحة البيضاء وإطلاق النار بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة. وأظهرت وسائل الإعلام العديد من الصور التي توضح وقوع بعض عمليات تمثيل بالجثث.

حالات الاختفاء

لم تقتصر عمليات العنف التي صاحبت إلغاء الانتخابات عام 1992 على القتل، بل انتشرت في البلاد أثناء العشرية الماضية ظاهرة اختفاء ناشطين سياسيين وصل عددهم حسب ''الجمعية الوطنية لعائلات المفقودين'' الجزائرية نقلا عن منظمة مراقبة حقوق الإنسان ''هيومن رايتس ووتش'' في تقريرها لعام ,2002 حوالي سبعة آلاف حالة.



الخسائر الاقتصادية

انعكست الأوضاع السياسية والأمنية على الأوضاع الاقتصادية، فرغم غنى هذا البلد العربي بالبترول والغاز (98% من الصادرات، وفي عام 2001 بلغ دخله من البترول فقط حوالي 22 مليار دولار)، فإن دوامة العنف والعنف المضاد أدت إلى وجود بيئة خصبة للفساد المالي والإداري وهو ما أثر بدوره في عملية التنمية برمتها.

ويكفي للدلالة على تردي الأوضاع الاقتصادية في الجزائر هذه اللمحات السريعة:



48 مليار دولار ديون.

18 مليون جزائري من جملة عدد السكان البالغ 30 مليونا يعيشون تحت خط الفقر.

14 مليونا يعيشون على أقل من دولار واحد فقط في اليوم.

ثلاثة مليارات دولار سنويا فجوة غذائية.

90% من الاحتياجات الغذائية للسكان تستورد من الخارج.

أربعة ملايين عاطل عن العمل من مجموع القوة العاملة البالغة تسعة ملايين.

5,1 مليون من العاملين يتقاضون حوالي ستة آلاف دينار جزائري شهريا (تعادل حوالي 80 دولارا(.

أكثر من نصف مليون تلميذ لم يلتحقوا بالدراسة في العام الدراسي السابق (2000/2001) بسبب عجز آبائهم عن توفير الضرورات اللازمة لهم من مأكل وملبس وأدوات مدرسية.

30% من الشباب الجزائري يعانون من العنوسة وتأخر سن الزواج، في حين يعاني سكان المدن الكبرى من أزمة طاحنة في الإسكان.

يتبين من هذه الأرقام أن الأوضاع السياسية والاقتصادية في الجزائر تسير من سيئ إلى أسوأ، وهو ما يجعل من تكاتف القوى السياسية لوقف شلال الدم المجنون ضرورة حتمية وفريضة اجتماعية.

إعداد/ محمد عبد العاطي



المصادر:

1. منظمة مراقبة حقوق الإنسان، تقرير عام 2002

2. الفساد السياسي والاقتصادي في الجزائر، عبد الحميد الإبراهيمي، رئيس وزراء الجزائر الأسبق ومدير مركز دراسات المغرب العربي بلندن، قناة الجزيرة.

3. موسوعة المذابح في الجزائر، عباس عروة، مؤسسة هوقار للدراسات والنشر، قناة الجزيرة.