النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: صحة حديث أبى هريرة فى زكاة رمضان والرد على من ضعَّفه فى جملة من أحاديث الصحيحين

  1. #1
    التسجيل
    19-03-2004
    المشاركات
    31

    صحة حديث أبى هريرة فى زكاة رمضان والرد على من ضعَّفه فى جملة من أحاديث الصحيحين



    ذكر أبو زكريا النووى فى كتابه البديع (( رياض الصالحين )) :
    183 : باب الحث على سور وآيات مخصوصة
    (1018) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله قَالَ : وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ ، فَأَخَذْتُهُ ، وَقُلْتُ : وَاللهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : إِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ ، وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ ، قَالَ : فَخَلَّيْتُ عَنْهُ فَأَصْبَحْتُ ، فَقَـالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ! مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ ؟ )) ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً ، فَرَحِمْتُهُ ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ ، قَـالَ : (( أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ ، وَسَيَعُودُ )) ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُـولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهُ سَيَعُودُ ، فَرَصَدْتُهُ ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ ، فَأَخَذْتُهُ ، فَقُلْتُ : لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ ، لا أَعُودُ ! ، فَرَحِمْتُهُ ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ ، فَأَصْبَحْتُ ، فَقَالَ لِي رَسُـولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ! مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ ؟ )) ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً ، فَرَحِمْتُهُ ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ قَالَ : (( أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ )) ، فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ ، فَأَخَذْتُهُ ، فَقُلْتُ : لأَرْفَـعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ، وَهَذَا آخِرُ ثَلاثِ مَرَّاتٍ : أَنَّكَ تَزْعُمُ لا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ ، قَالَ : دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهَا ، قُلْتُ : مَا هُوَ ؟ ، قَـالَ : إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ (( اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ )) حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ ، وَلا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ ، فَأَصْبَحْتُ ، فَقَالَ لِي رَسُـولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَـلَّمَ : (( مَا فَعَلَ أَسِيـرُكَ الْبَارِحَةَ ؟ )) ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ! زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللهُ بِهَا ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ ، قَالَ : مَا هِيَ ؟ , قُلْتُ : قَالَ لِي : إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ (( اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ )) ، وَقَالَ لِي : لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ ، وَلا يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ ، وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ )) ، قَـالَ : لا ، قَالَ : (( ذَاكَ شَيْطَانٌ )) . رواه البخارى .

    ضعَّف هذا الحديث حسان عبد المنان فى ذيل (( كتاب رياض الصالحين )) له ، طبعة المكتبة الإسلامية بالأردن .
    وقال : (( ولعل تعليق البخارى له بسبب ضعف عثمان بن الهيثم )) . وزعم أن : (( البخارى يتساهل أحياناً فى (( صحيحه )) فى ذكر أشياء فى الترغيب والترهيب فيها كلام )) .
    وإنما قـلت : له ـ أعنى لحسان ـ ، ولم أقل لشيخ الإسلام أبى زكريا النووى ، لأن الشيخ حسان ـ سامحه الله ـ عمد إلى الكتاب ، فمسخه مسخاً ـ ولا أدرى من سمح له أو لغيره بالتلاعب فى كتب التراث بمثل هذا ؟!! ـ ، ثم شطره قسمين :
    [ القسم الأول ] الأصل المهذََّب ، وأسمَّاه (( تهذيب الكتاب )) . وقال بلفظه : (( تهذيب الكتاب بصورة لا تخل بالمقصود ، بل تزيده دقة وفائدة ، ويسهل تناوله أكثر بين الناس دون إنقاص فائدة من فوائده ، لكى يقرأ الكتاب دون ملل فى وقت قصير )) . ثم ذكر صنيعه لتحقيق هذه المقاصد :
    1ـ (( حذف الآيات المتكررة المعنى واللفظ )) .
    2ـ (( حذف المكرر من الحديث فى الباب الواحد والاكتفاء منها بالأتم الأوفى )) .
    3ـ (( حذف المكرر من روايات الحديث الواحد إذا استوفت إحداها المعنى بتمامه )) .
    4ـ (( حذف الأحاديث الضعيفة من الكتاب كله )) .
    5ـ (( حذف أحاديث الباب بكاملها ، إذا كان الباب مكرَّراً فى معناه فى الكتاب )) .
    6ـ (( حذف تخريجات الإمام النووى ، والاكتفاء برموز ـ ذكرها ـ الرواة ، لأنى التزمت أن أحذف الأحاديث الضعيفة كلها من الكتاب )) .
    7ـ (( حذف شرح الإمام النووى عقب الحديث ، أو تغيير عباراته إن كان فيها غموض بعبارات أحسن وأوضح وأتمَّ )) .
    وهذه البنود المذكورة كلها بلفظ الشيخ حسان ـ سامحه الله ـ وعباراته ، حذف .. حذف .. حذف .. حذف .. ، ويبدو أن الشيخ مغرم بالحذف والشطب والكشط والمحو ، ولو كان ذلك تشويهاً لكتب التراث ومسخاً لأصولها . وأنا ، والذى أخافه وأخشاه ولا أعبد إلا إيَّاه ، لا أظلمه ولا أحاكمه ، والكتاب مطبوع ومتداول بأيدى طلبة العلم والعوام ، وإنما أترك الأمر لأساتذة تحقيق كتب التراث ومصنفات الأئمة الأفذاذ ، ووالله إننى لفى حاجة ماسة إلى مطالعة تعليقاتهم على هذا الصنيع بكتب الأسلاف ، وأسائلهم : هل تقبلون هذا وترضونه ؟ .
    [ القسم الثانى ] ذيل الكتاب . (( بيان الأحاديث الضعيفة من الكتاب الأصل )) .
    وفى هذا القسم ما فيه من الجرأة ، والإقدام ، وسلوك أوعر الطرق فى الحكم على الأحاديث المصطفوية ، والأخبار النبوية .
    هل تطمسون من السماء نجومها بأكـفكم أو تسـترون هلالَها
    أو تجـحدون مقالــةً من ربكم جبـريل بلَّغها النـبىَّ فـقالَها
    حـفظ الأوائـل للشريعة قدرها وأتيــتُمُ فأردتـُـمُ إبـطالَها
    ووالله لا أريد أن أسترسل مع خواطرى تجاه هذه الأغلاط ، رجاء رجوع الشيخ وغيره إلى الصواب .
    والقصد الآن : بيان الرد على تضعيف حدبث أبى هريرة المذكور ، والذى علَّقه إمام المحدثين فى (( صحيحه )) .
    فقد أخرجه البخارى فى (( كتاب الوكالة )) :
    بَاب إِذَا وَكَّلَ رَجُلا فَتَرَكَ الْوَكِيلُ شَيْئًا فَأَجَازَهُ الْمُوَكِّلُ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ أَقْرَضَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى جَازَ
    وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو عَمْرٍو ثنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه قَالَ : وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكره بهذا السياق .
    وأعاد ذكره معلَّقا فى موضعين من (( فضائل القرآن )) ، و(( بدء الخلق )) .
    قلت : وهذا إسناد معلَّق صحيح ، وعثمان بن الهيثم العبدى أبو عمرو المؤذن البصرى من قدامى شيوخ البخارى ، ومن طريقه وصله ابن خزيمة فى (( صحيحه ))(2424) قال : حدثنا هلال بن بشر البصري بخبر غريب غريب حدثنا عثمان بن الهيثم مؤذن مسجد الجامع حدثنا عوف به مثله .
    وأخرجه كذلك النسائى (( الكبــرى ))(6/238/10795) و(( عمل اليوم والليلة ))(959) عن إبراهيم بن يعقوب ، والدارقطنى (( مجلس إملاء فى رؤية الله تبارك وتعالى ))(548) عن إسحاق بن الحسن الحربى ، والبيهقى(( شعب الإيمان ))(2/456/2388) و(( دلائل النبوة )) عن السرى بن خزيمة ، جميعاً عن عثمان بن الهيثم به .
    وهذا الحديث أحد تعاليق البخارى عن مشايخه ، ولم يوصله لإحدى ثلاثة أسباب :
    ( أولها ) إما أنه لم يسمعه من شيخه ، وإنما حمله عن أحد شيوخه الثقات عنه .
    ( ثانيها ) وإما أنه سمعه منه فى المذاكرة ، ولم يرى أن يسوقه مساق الأصول .
    ( ثالثها ) وإما أنه سمعه منه وشكَّ وتردد فى سماعه ، فعلَّقه عنه ولم يسنده .
    فإن يكن الأول ، فأقرب من رواه منهم بالبخارى : هلال بن بشر البصرى ، وهو ثقة متقن ، ولم يروى عنه فى (( الصحيح )) ، وإنما روى عنه فى (( التاريخ الكبير )) .
    قال الحافظ ابن حجر(( تغليق التعليق ))(3/295) : (( هذا الحديث قد ذكره ـ يعنى البخارى ـ في مواضع من كتابه مطولا ومختصرا ، ولم يصرح في موضع منها بسماعه إياه من عثمان ابن الهيثم . وقد وصله أبو ذر الهروى فقال : حدثنا أبو إسحاق المستملي ثـنا محمد بن عقيل ثـنا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب قال ثنا عثمان بن الهيثم بهذا الحديث بتمامه .
    وأخبرني به أبو بكر بن إبراهيم بن محمد بن أبي عمر بقراءتي عليه أخبــركم أبو نصر بن جميل في كتابه عن أبي القاسم بن أبي الفرج أن يحيى بن ثابت بن بندار أخبره أنا أبي أنا الحافظ أبو بكر بن غالب أنا الحافظ أبو بكر الإسماعيلي ثنا عبيد الله بن محمد بن النضر اللؤلؤي ثنا الحارث بن محمد ثنا عثمان بن الهيثم المؤذن ح قال الإسماعيلي وأخبرني الحسن بن سفيان حدثني عبد العزيز بن سلام سمعت عثمان بن الهيثم ثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال : وكلني رســول الله صلى الله عليه وسلم . وأخبـرنا به عاليا عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله عن زينب بنت الكمال أن يوسف بن خليل الحافظ كتب إليهم أنا أبو جعفر محمد ابن إسماعيل الطرسوسي عن أبي علي الحداد أنا أبو نعيم ثنا محمد بن الحسن ثنا محمد بن غالب بن حرب ثنا عثمان بن الهيثم فذكره بطوله.
    ورواه ابن خزيمة عن هلال بن بشر الصواف ، والنسائي عن إبراهيم بن يعقوب كلاهما عن عثمان بن الهيثم به ، فوقع لنا بدلا عاليا )) اهـ .
    قلت : فهؤلاء ثمانية من الأثبات الرفعاء أسندوه عن عثمان : هلال بن بشر البصرى ، وإبراهيم بـن يعقوب الجوزجانى ، وإسحاق بـن الحسن الحربى ، والسرى بـن خزيمة ، وعبد العزيز بن المنيب ، وعبد العزيز بن سلام ، والحارث بن محمد بن أبى أسامة ، ومحمد ابن غالب تمتام .
    ورجـال هذا الإسناد ثقات مشاهير ، خلا عثمان بن الهيثم بن جهم بن عيسى بن حسان ابن المنذر بن عائذ العبدى العصرى ، أبو عمرو البصرى المؤذن ، فإنه ثقة يخطئ وربما خالف ، قال أبو حاتم : كان بأخرة يُلَقَّن . وقال الدارقطني : صدوق كثير الخطأ .
    وذكره ابن حبان فى (( ثقاته ))(8/453/14393) ، واحتج به هو وشيخه أبو بكر بن خزيمة فى (( صحيحهما )) ، وسبقهما إلى ذلك إمام المحدثين أبى عبد الله البخارى .
    فقد أخرج له البخارى فى (( صحيحه )) خمسة أحاديث مسندة موصولة ، هاك بيانها :
    ( الأول ) قال البخارى فى (( كتاب الحج )) : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَ ذُو الْمَجَازِ وَعُكَاظٌ مَتْجَرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلامُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ (( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ )) فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ .
    ( الثانى ) وقال فى (( كتاب اللباس )) : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَوْ مُحَمَّدٌ عَنْهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ سَمِعَ عُرْوَةَ وَالْقَاسِمَ يُخْبِرَانِ عَنْ عَائِشَةَ قَـالَتْ : طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ بِذَرِيرَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِلْحِلِّ وَالإِحْرَامِ .
    ( الثالث ) وقال فى (( كتاب الأيمان والنذور )) : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَوْ مُحَمَّدٌ عَنْهُ عَـنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حَدَّثَهُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ ، إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ ، فَقَالَ : كُنْتُ أَحْسِبُ يَا رَسُولَ اللهِ كَذَا وَكَذَا قَبْلَ كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ قَامَ آخَرُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ كُنْتُ أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا لِهَؤلاء الثَّلاث ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( افْعَلْ وَلا حَـرَجَ )) لَهُنَّ كُلِّهِنَّ يَوْمَئِذٍ ، فَمَا سُـئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ إِلا قَالَ : (( افْعَلْ وَلا حَرَجَ )) .
    ( الرابع ) وقال (( كتاب المغازى )) : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَـنِ الْحَسَنِ عَـنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ : لَقَدْ نَفَعَنِي اللهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْجَمَلِ ، بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِـلَ مَعَهُمْ ، قَالَ : لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ : (( لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً )) .
    ( الخامس ) وقال (( كتاب النكاح )) : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ )) .
    فهذه جملة أحاديث عثمان بن الهيثم البصرى المسندة الموصولة فى (( الجامع الصحيح )) وكلها قد توبع عليها ولم يتفرد ، مما يدل على :
    ( أولاً ) ضبطه وحفظه وموافقته فى الأغلب للحفاظ من أصحاب : ابن جريج ، وعوف الأعرابى .
    ( ثانياً ) انتقاء إمام المحدثين لأحاديثه التى أتقنها وضبطها ولم يُخالفْ عليها ، ومجانبته أوهامه وما أخطأ فيه ، وخالف سائر الحفاظ الأثبات .
    وبهذين الاعتبارين ، جزم إمام المحدثين بصحة تعليق حديثه عن أبى هريرة السالف ، سيما وقد توبع عليه ، كما سيأتى بيانه .
    وأما قول أبى حاتم عنه : صدوق كان يتلقن بآخرة ، وقول الدارقطني : كان صـدوقا كثير الخطأ ، فأعدل وأحكم دلالة لمعناهما أنه ينبغى تمييز صحيح حديثه من سقيمه ، وأعرف الناس بذلك البخارى ، فهو من قدماء شيوخه ، وقد سبر أحوالهم ، وعرف أقدارهم ، وميز أحاديثهم ، فحمل منها أصحها ، وجانب ضعافها وما يُنكر منها .
    ونزيدك بياناً وإيضاحاً لهذه الدلالة ، بذكر أربعة أحاديث مما أنكروا على عثمان بن الهيثم البصرى ، فجانبها إمام المحدثين :
    ( الأول ) أخرج الطبرانى (( الكبير ))(7/225/6937) قال : حدثنا علي بن عبد العزيز والفضل بن الحباب قالا ثنا عثمان بن الهيثم المؤذن ثنا هشام بن حسان القردوسي عن الحسن عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من قتل عبده قتلناه ، ومن جدع عبده جدعناه )) .
    وأخرجه الحاكم (4/408) من طريق محمد بن يحيى بن المنذر ومحمد بن غالب بن حرب قالا ثنا عثمان بن الهيثم المؤذن ثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من قتل عبده قتلناه ، ومن جدع عبده جدعناه )) .
    قلت : وهذا منكر من حديث أبى هريرة ، ومحفوظ من حديث سمرة ، وكأن عثمان بن الهيثم كان يخطئ فيه أحياناً .
    ( الثانى ) أخرج البيهقى (( شعب الإيمان ))(2/118/1345) من طريق السري بن خزيمة نا عثمان بن الهيثم ثنا عوف عن محمد عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على بلال ، وعنده صبرة من تمر ، فقال : (( ما هذا يا بلال )) ، قال : تمر ادخرته ، قال : (( أما تخشى يا بلال أن يكون له بخار في نار جهنم ، أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش أقلالا )) .
    قال أبو بكر : (( خالفه روح بن عبادة ، فرواه عن عوف عن محمد قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بلال فوجد تمرا ادَّخره ... فذكره مرسلاً )) اهـ .
    ( الثالث ) أخرجته بيبى بنت عبد الصمد الهرثمية (( جزء بيبى ))(111) من طريق عباد بن الوليد بن يزيد الغبري حدثنا عثمان بن الهيثم المؤذن ثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( سبعة في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله : رجل ذكر الله عز وجل خاليا ففاضت عيناه ، ورجل يحب عبدا لله لا يحبه إلا لله عزَّ وجلَّ ، ورجل قلبه معلق بالمساجد من شدة حبه إيَّاها ، ورجل يعطي الصدقة بيمينه يكاد أن يخفيها من شماله ، وإمام مقسط في رعيته ، ورجل عرضت امرأة نفسها عليه ذات جمال ومنصب فتركها لجلال الله عز وجل ، ورجل كان في سرية قوم فالتقوا العدو فانكشفوا فحمى أدبارهم حتى نجا ونجوا واستشهد )) .
    قلت : وهذا منكر إسناداً ومتناً ، وفى ألفاظه غرابة ، والمحفوظ حديث خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبى هريرة ، ومن هذه الطريق رواه الشيخان .
    ( الرابع ) أخرجه أبو بكر القطيعى (( جـزء الألـف دينار ))(210) قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عامر بن قيس بن عاصم المنقري البصري حدثنا عثمان بن الهيثم المؤذن حدثنا عوف الأعرابي عن الحسن عن جابر بن سمرة قال : رأيت رسول الله ليلة إضحيان وعليه حلة حمراء ، وكنت أنظر إليه وإلى القمر ، فكان في عيني أزيـن من القمر .
    قـلت : وخالفه أشعث بن سوار ، فرواه عن أبى إسحاق السبيعى عن جابر بن سمرة ، وهو المحفوظ .
    وقد أردنا مما ذكرناه من أوهام عثمان بن الهيثم التوثق لصنيع البخارى فى انتقائه لأحاديث شيوخه الصحاح ومجانبة ضعاف أحاديثهم ، ومن جملة هؤلاء عنده عثمان بن الهيثم .
    ومما يليق ذكره بهذا المقام ، ما قاله الحافظ ابن حجر عن عبد الله بن صالح كاتب الليث فى (( مقدمة الفتح ))(1/414) : (( ما يجئ من روايته عن أهل الحذق كيحيى بن معين ، والبخارى ، وأبى زرعة ، وأبى حاتم فهو من صحيح حديثه ، وما يجئ من رواية الشـيوخ عنه فيتوقف فيه )) اهـ .
    وهذا التعليل الفائق الصحة مستغنٍ بوضوحه عن بيان دلالته عند من له إلمام ولو يسير بمعارف أهل الجرح والتعديل ، ومن خالف وجه دلالته فليس له معرفة بأصول هذا العلم الدقيق من علوم الشريعة .
    ومن نوافل الإفــادة أن نوقفك على بعض دلالات هذا التعليل ، بذكر راوٍ ممن أخرج له البخارى فى (( صحيحه )) حديثاً واحداً على وجه الإنتقاء والاحتجاج ، مع الجزم بضعفه وشدة وهيه وتدليسه الفاحش ؛ أعنى الحسن بن ذكوان وهو صاحب أوابد كما قال يحيى بن معين ، وقال الأثرم : (( قلت لأبى عبد الله أحمد بن حنبل : ما تقول فى الحسن بن ذكوان ؟ ، قال : أحاديثه أباطيل ! يروى عن حبيب بن أبى ثابت ولم يسمع من حبيب ، إنما هذه أحاديث عمرو بن خالد الواسطى )) ، ونقلوا عن يحيى القطان قوله عنه : يحدث عندنا بعجائب ! . فإذا كان هذا حال الحسن بن ذكوان عند هؤلاء سيما يحيى القطان إمام النقاد ورأس طائفة الجرح والتعديل ، فما تأويل قول ابن عدى فى (( كامله ))(2/317) : (( أن يحيى القطان حدَّث عنه بأحرفٍ ، ولم يكن عنده بالقوى )) ؟ .
    وإذا كان الحسن بن ذكوان موسوماً بالتدليس مشهوراً به ، وقد أورد له أبو أحمد بن عدى فى (( كامله ))(5/125) أربعة أحاديث دلسها عن عمرو بن خالد الواسطى الكذاب الوضاع :
    [ أولها ] الحسن عن حبيب بن أبى ثابت عن عاصم بن ضمرة عن على عـن النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم : (( من سأل مسألة عن ظهر غنى استكثر بها من رضخ جهنم ، قال : وما ظهر غنى ؟ ، قال : عشاء ليلة )) .
    قال أبو أحمد : (( قال لنا ابن صاعد : وهذا الحديث رواه الحسن بن ذكوان عن عمرو بن خالد عن حبيب بن أبي ثابت بهذا الإسناد )) يعنى أنه دلَّسه ، فأسقط منه عمرو ليوهم حمله وروايته عن حبيب ! .
    [ ثانيها ] بهذا الإسناد قال : (( نهى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم عن كل سبع ذي ناب ، وكل ذي مخلب من الطير ، وعن ثمن الميتة ، وعن لحوم الحمر الأهلية ، وعن كسب البغي وعسب الفحل )) ، وفى رواية (( وعن المياثر الأرجوان )) ، وفى أخرى (( وثمن الخمرة )) .
    قال أبو أحمد : (( وهذا الحديث يرويه الحسن بن ذكوان عن عمرو بن خالد ، وعمرو متروك الحديث ، ويسقطه الحسن من الإسناد لضعفه )) .
    [ ثالثها ] الحسن عن حبيب بن أبى ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : (( أنَّ النَّبىَّ صلَّى الله عليه وسلَّم نهى أن ينتفض فى برازٍ حتى يتنحنح )) .
    [ رابعها ] بهذا الإسناد والسياق وبزيادة (( ونهى أن يمشى فى خفٍ واحدٍ أو فى نعلٍ واحدٍ ، وأن ينام على طريق ، وأن يلقى عدواً له وحده إلا ان يضطر ، فيدفع عن نفسه )) .
    وقال أبو أحمد : (( وهذه الأحاديث التي يرويها الحسن بن ذكوان عن حبيب بن أبي ثابت نفسه ، بينهما عمرو بن خالد ، فلا يسميه لضعفه )) .
    فإذا كان ذلك كذلك ، فما وجـه رواية إمام النقاد يحيى القطان عن الحسن بن ذكوان هذا الحديث الواحـد الذى انتــقاه إمـام المحدثين أبى عبد الله ، وأودعه (( كتاب الرقاق )) من (( صحيحه ))(4/139. سندى ) فقال :
    حَدَّثـنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى ـ يعنى القطان ـ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ حَدَّثـنَا أَبُو رَجَاءٍ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، يُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ )) .
    ربما يكتفى بعضهم بما ذكره الحافظ ابن حجر فى (( هدى السارى )) بقوله : (( والحسن بن ذكوان تكلم فيه أحمد وابن معين وغيرهما ، وليس له فى البخارى سوى هذا الحديث برواية القطان عنه مع تعنته فى الرجال ، ومع ذلك فهو متابعة )) ! .
    وأقـول : وتمام هذا التوجيه وكماله أن نقول :
    (1) أن الحسن بن ذكوان قد صرَّح فى الحديث بالسماع ، فانتفت تهمة تدليسه .
    (2) أن كون الحديث من رواية يحيى القطان عنه ، وهو أعرف الناس بما يصح من حديثه ، وما ينكر ، فهو من صحاح حديثه .ومما يفيده هذا التوجيه : أن انتقاء الصحيح من أحاديث الضعفاء والمجروحين هو مما توافرت عليه همم الجهابذة النقاد أمثال : يحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بن مهدى ، ويحيى بن معين ، والبخارى ، وأبى حاتم وغيرهم من أئمة هذا الشأن . ومن لم يقف على مثل هذه المعرفة الدقيقة الواعية ، فليس ممن مارس هذا العلم ، فضلاً عن إتقانه ، بله الولوج فى معترك المناظرة مع هؤلاء الفحول الجهابذة فيما ذهبوا إليه من تصحيح الأخبار المصطفوية .
    والخلاصـة ، فإن حديـث عثمان بن الهيثم الذى علَّقه إمـام المحدثين ، واحتج به فى (( صحيحه )) ، هو من الصحيح المنتقى من أحاديث عثمان بن الهيثم ، وعليه علامة تصحيح إمـام المحدثين وأستاذ العارفين أبى عبد الله البخارى .
    أبو محمد أحمد شحاته السكندرى
    www.shehata.netfirms.com
    www.alhamama.netfirms.com

  2. #2
    التسجيل
    18-07-2003
    الدولة
    بـلاد الـiـiـiــام , دمشق ..
    المشاركات
    3,356

    Re: صحة حديث أبى هريرة فى زكاة رمضان والرد على من ضعَّفه فى جملة من أحاديث الصحيحين

    ما شاء الله عليك ..

    جزاك الله خيراً أخي الحبيب أبو محمد .. والســـلام ..

  3. #3
    التسجيل
    19-03-2004
    المشاركات
    31

    Re: صحة حديث أبى هريرة فى زكاة رمضان والرد على من ضعَّفه فى جملة من أحاديث الصحيحين

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سهم الاسلام
    ما شاء الله عليك ..


    جزاك الله خيراً أخي الحبيب أبو محمد .. والســـلام ..
    الأخ الفاضل / سهم الإسلام

    شكر الله لكم حسن إعتقادكم بى ، وصدق مشاعر الود والمحبة لمن يتحرى الصواب ويرشد إليه .
    ونفعنا وإياكم بما علمنا ، وعلمنا ما جهلنا ، إنه مجيب قريب .
    أبو محمد أحمد شحاته السكندرى
    www.shehata.netfirms.com
    www.alhamama.netfirms.com

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •