النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع:

  1. #1
    التسجيل
    04-08-2003
    المشاركات
    3

    شبهات وردود حول الشيعة الإمامية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله و بركاته


    موقف أهل البيت من الغلاة

    ان اعظم شئ على الشيعة هو حمل فرق الغلاة عليهم وإضافتها إليهم, وأستطيع ان اثبت بان تلك الفرق الضالة قد آزرتهم السياسة, وسهلت لهم الطرق ليصلوا إلى غايات في نفوسهم من الوقيعة في الشيعة, والحط من كرامة أهل البيت (عليهم السلام), إذ كانوا لا يستطيعون ان ينالوا من عقائدهم أو ينقصوهم بشيء, والأمر واضح كل الوضوح, فان مذهب أهل البيت لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, وتعاليمهم هو المحور الذي يدور عليه نظام الإسلام فكان دخول الغلاة في صفوف الشيعة حركة سياسية أوجدتها عوامل من جهة والفتك بالإسلام من جهة أخرى, لان دخول الغلاة في الإسلام كان انتصاراً لمبادئهم, إذ لم يجدوا طريقاً للانتقام من الإسلام إلا باختراع المغالاة في بعض العقائد الإسلامية عندما عجزوا عن مقابلته بالقوة وجهاً لوجه, وانهزموا أمام قوم وطأوا أرضهم بأقدام لا تتأخر خطوة إلى الوراء أما بالموت أو الفتح, فأذلوا عزيزهم, واسروا ذراريهم, واخذوا منهم الجزية عن يد وهم صاغرون.

    وقد عالج أهل البيت (عليهم السلام) هذه المشكلة الخطرة, وعرفوا الدوافع التي دعت هؤلاء الكفرة إلى الالتحاق بصفوف الشيعة, واتضح لهم غايات خصومهم الذين يريدون ان يوقعوا بهم, فكان أهل البيت (عليهم السلام) يعلنون للملأ البراءة من الغلاة وجاهروا بلعنهم, وامروا شيعتهم بالتبرؤ منهم والابتعاد عنهم, وتلقى الشيعة تلك الأوامر الشريفة بالقبول والامتثال, فتعلنوا البراءة وملأوا كتبهم من التبرئ منهم, وأفتوا بحرمة مخالطتهم, واجمعوا على نجاستهم وعدم جواز غسل ودفن موتاهم وتحريم إعطائهم الزكاة, ولم يجوزوا للغالي ان يتزوج المسلمة, ولا المسلم ان يتزوج الغالية, ولم يورثهم من المسلمين وهم لا يرثون منهم.

    وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يلعن المغيرة بن سعيد ويصرح بكذبه وكفره, ولعن أبا الخطاب وأصحابه وجميع الدعاة إلى المبادئ الفاسدة, وكان هذا الإعلان من الإمام الصادق (عليه السلام) قد أوقف سريان دائها القاتل, ولم يبق من تلك الفرق إلا الاسم وبادت بمدة قصيرة.

    وقال (عليه السلام) لمرا زم: قل للغالية توبوا إلى الله فإنكم فساق كفار مشركون, وقال (عليه السلام) له: إذا قدمت الكوفة فات بشار الشعيري وقل له يقول لك جعفر ابن محمد: يا كافر يا فاسق انا برئ منك.

    قال مرا زم: فلما قدمت الكوفة قلت له يقول لك جعفر بن محمد: يا كافر يا فاسق يا مشرك انا برئ منك, قال بشار: وقد ذكرني سيدي. قلت: نعم ذكرك بهذا, قال: جزاك الله خيراً.

    ولما دخل بشار الشعيري على أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال له: اخرج عني لعنك الله, والله لا يظلني وإياك سقف أبداً, فلما خرج قال (عليه السلام): ويله ما صغر الله أحداً تصغير هذا الفاجر, انه شيطان ابن شيطان خرج ليغوي أصحابي وشيعتي فاحذروه, وليبلغ الشاهد الغائب اني عبد الله وابن أمته ضمتني الأصلاب والأرحام, وأني لميت ومبعوث ثم مسؤول.

    وكتب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ابتداء منه إلى أحد مواليه: اني أبرأ إلى الله من ابن نصير الفهري وابن بابه القمي فأبرأ منهما, واني محذرك وجميع موالي, ومخبرك اني العنهما عليهما لعنة الله, يزعم ابن بابا اني بعثته نبياً وانه باب, ويله لعنة الله سخر منه الشيطان فأغواه فلعن الله من قبل منه, يا محمد ان قدرت ان تشدخ رأسه فافعل.

    وقال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) يوماً لأصحابه: لعن الله المغيرة بن سعيد لعن الله يهودية كان يختلف إليها يتعلم منها الشعر والشعبذة والمخاريق, ان المغيرة كذب على أبي, وان قوماً كذبوا على مالهم! أذاقهم الله حر الحديد, فوا لله ما نحن إلا عبيد خلقنا الله واصطفانا ما نقدر على ضرر ولا نفع إلا بقدرته, ان رحمنا فبرحمته, وان عذبنا فبذنوبنا, ولعن الله من قال فينا ما لا نقول في أنفسنا, ولعن الله من ازالنا عن العبودية لله الذي خلقنا واليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا.

    وقال (عليه السلام): ان أبا منصور كان رسول إبليس: لعن الله أبا منصور, قالها ثلاثاً.

    وقال (عليه السلام): انا أهل بيت صادقون لا نعدم من كذاب يكذب علينا عند الناس يريد ان يسقط صدقنا بكذبه علينا, ثم ذكر المغيرة وبزيغ والسري وأبا الخطاب, ومعمر وبشار الشعيري وحمزة اليزدي وصائد النهدي, فقال: لعنهم الله اجمع وكفانا مؤنة كل كذاب.

    وعن حمدويه قال: كنت جالساً عند أبي عبد الله وميسرة عنده فقال له ميسرة: جعلت فداك عجبت لقوم كانوا يأتون إلى هذا الموضع فانقطعت أخبارهم وآثارهم وفنيت آجالهم.

    قال (عليه السلام): ومن هم؟ قلت: أبو الخطاب واصحابه, فقال (عليه السلام)- وكان متكئاً ورفع بنظره إلى السماء-: على أبي الخطاب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, فاشهد بالله انه كافر فاسق مشرك, وانه يحشر مع فرعون في اشد العذاب.

    وذكر عنده أصحاب أبي الخطاب والغلاة فقال (عليه السلام): لا تقاعدوهم, ولا تواكلوهم, ولا تشاربوهم, ولا تصافحوهم ولا توارثوهم.

    وقال (عليه السلام): ان من الغلاة من يكذب حتى أن الشيطان يحتاج إلى كذبه.

    وقال (عليه السلام): ان قوماً يزعمون اني لهم إمام, والله ما انا لهم بإمام مالهم لعنهم الله! أقول كذا ويقولون كذا, إنما انا آما من أطاعني, ومن قال بأننا أنبياء فعليه لعنة الله, ومن شك في ذلك فعليه لعنة الله(1).

    هذا بعض ما ورد في الغلاة الذين حاول خصوم آل محمد إلحاقهم بالشيعة لغاية الحط من كرامة المبدأ, وليظهروهم للملأ بابشع المظاهر وأشنعها, ويعلنوا للعالم ان الشيعة يعتقدون في الأئمة الألوهية, فلا يصلح عدهم من المسلمين فتراق بذلك دماؤهم وتنهب أموالهم, وكم حدثنا التاريخ عن تلك الفظايع السود, ومن أراد ان يعرف موقف الشيعة من طوائف الغلاة فليرجع إلى كتاب (روض الجنان) للشهيد الثاني المتوفي سنة 996 هـ, و(نهج المقال) للمرزا محمد الاستربادي المتوفي سنة 1026هـ، و(الانتصار) للسيد المرتضى المتوفي سنة 436 هـ, و(التهذيب) للشيخ الطوسي المتوفي سنة 460 هـ, و(السرائر) لابن إدريس المتوفي سنة 598 هـ، و(المنتهى) و(نهاية الأحكام) و(التذكرة) و(القواعد) و(التبصرة) للعلامة الحلي المتوفي سنة 726هـ, و(البحار) للشيخ المجلسي المتوفي سنة1011هـ, و(الدروس) للشهيد الأول المتوفي سنة 786هـ, و(جامع المقاصد) للشيخ علي الكر كي المتوفي سنة 940 هـ، و(الشرايع) و(المعتبر) و(المختصر النافع) للمحقق أبي القاسم الحلي المتوفي سنة 676 هـ، و(الجواهر) للشيخ محمد حسن المتوفي سنة 1266 هـ. وغيرها من آلاف الكتب الفقهية التي تنص بإجماع على كفر الغلاة ونجاستهم وبعدهم عن الدين ولا رابطة بينهم وبين الشيعة.

    كما ان كتب الرجال طافحة بذمهم والتبرؤ منهم ومن معتقداتهم, ويلعنونهم بلغة واحدة.

    فاملنا بأبناء المستقبل ان لا يركنوا إلى الأوهام والأباطيل وان يطلبوا الحقيقة, فالعلم يطلب منهم أداء رسالته, والحق يدعوهم إلى مؤازرته, فقد آن ان تماط عن العيون غشا وات التعصب التي منعتها من رؤية الحق وأبرزت الواقع معكوساً إذ هي كعدسة المصور فليعتدل الكتاب عن هذه السيرة الملتوية, وليغيروا خططهم ولغتهم في ذكر الشيعة, ولا يلتفتوا لأوضاع تلك العصور المظلمة التي جنت على الإسلام جناية لا تغفر, وملأوا القلوب بالأحقاد والضغائن, ونسبوا مبدأ التشيع إلى عبد الله بن سبأ اليهودي, وطعنوا بذلك على أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) الذين عرفوا بتشيعهم لعلي, ويتجاوز عددهم المئات وغيرهم ممن تكتم جرياً مع الظروف ومتابعة الأحوال, على ان كلمات اللغويين والمفسرين قد أجمعت على ان معنى الشيعة هي الموالاة لعلي اصبح علماً في ذلك.


    عبد الله بن سبأ:

    أما عبد الله بن سبأ, ذلك الشخص الوهمي الذي وصفوه بصفات البطولة والإقدام, وهو صاحب السلطة المطلقة في المجتمع الإسلامي, وقالوا عنه انه استطاع ان يسيطر على أهل مصر ويوقد منهم جيشاً لقتل الخليفة عثمان, وان أبا ذر تعلم منه, وعماراً أخذ بآرائه, وحرب الجمل من دسائسه, ووقعة صفين من تصلبه, ومبادئ التشيع من تفكيره... وقد ورد ذكره في كثير من الكتب حتى أصبحت قصته وكأنها حقيقة ملموسة وقضية واقعية.

    والذي يلفت النظر هو ان بعض الشيعة ترجموا له, وذكروه للتبرؤ منه, واخف عبارة يقولونها في ترجمته: عبد الله بن سبأ ألعن من أن يذكر.

    وإذا أردنا ان نرجع إلى واقع هذه الشخصية, وما لها من صلة في الواقع وذلك على ضوء البحث الدقيق, فان النتائج العملية تثبت لنا عدم ثبوت هذه الشخصية, وإنها أسطورة وحديثها حديث خرافة, وهي من مبتكرات التعصب الطائفي, ودسائس السياسة, للحط من قيمة مذهب أهل البيت (عليهم السلام), والوقيعة في شيعتهم.

    ولو ان هؤلاء الذين ذكروا عبد الله بن سبأ بتلك الصورة المدهشة, لينالوا من مقام الشيعة, وقفوا قليلاً أمام مصادر هذه الأسطورة, ومنحوا لها بعض الوقت من التأمل, لانكشف لهم الواقع وظهر ان المصدر الوحيد هو الطبري المتوفي سنة 310 هـ، ولم يسبقه أحد في ذكرها, والكل رواها عنه وهو يرويها عن سيف بن عمر بسلسلة مظلمة مجهولة, وسيف قد اجمع علماء الرجال على انه كذاب.

    ولنصغي الآن إلى حديث الأستاذ كرد علي حول مذهب التشيع وعلقة ابن سبأ به. يقول الأستاذ كرد علي في خطط الشام:

    عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة علي في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثل سلمان الفارسي القائل: بايعنا رسول الله على النصح للمسلمين والائتمام لعي بن أبي طالب والموالاة له. ومثل أبي سعيد الخدري الذي يقول: أمر الناس بخمس فعلوا بأربع وتركوا واحدة ولما سئل عن الأربع, قال: الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج, قيل فما الواحدة التي تركوها؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب.

    قيل له: وإنها لمفروضة معهن, قال: نعم هي مفروضة معهن.

    ومثل أبي ذر الغفاري, وعمار بن ياسر, وحذيفة بن اليمان, وذي الشهادتين خزيمة بن ثابت, وأبي أيوب الأنصاري, وخالد بن سعيد بن العاص, وقيس بن سعد بن عبادة.

    واما ما ذهب إليه بعض الكتاب من ان مذهب التشيع ابتداع عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء فهو وهم وقلة معرفة بحقيقة مذهبهم, ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة, وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله, وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم فيه, علم مبلغ هذا القول من الصواب, ولا ريب في ان أول ظهور الشيعة كان في الحجاز بلد المتشيع له(2).

    ويقول الإمام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء رحمه الله حول الغلاة ونسبتهم للشيعة:

    أما الشيعة الإمامية فيبرأون من تلك الفرق براءة التحريم, على ان تلك الفرق لا تقول بمقالة النصارى بل خلاصة مقالتهم بل ضلالتهم: ان الإمام هو الله سبحانه ظهوراً واتحاداً أو نحو ذلك مما يقول به كثير من متصوفة الإسلام ومشاهير مشائخ الطرق, وقد ينقل عن الحلاج والكيلاني, والرفاعي, والبدوي وأمثالهم من الكلمات- وان شئت فسمها كما يقولون شطحات- ما يدل بظاهره على ان لهم منزلة فوق الربوبية, وان لهم مقاماً زائداً عن الألوهية (لو كان ثمة موضع لمزيد) وقريب من ذلك ما يقول به أر باب وحدة الوجود أو الموجود.

    أما الشيعة الإمامية واعني بهم جمهرة العراق وإيران, وملايين المسلمين في الهند ومئات الألوف في سوريا والأفغان فان جميع تلك الطائفة من حيث كونها شيعة يبرؤون من تلك المقالات, ويعدونها من ابشع الكفر والضلالات وليس دينهم إلا التوحيد المحض, وتنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق, أو ملابسة لهم في صفة من صفات النقص والإمكان والتغيير والحدوث, وما ينافي وجوب الوجود والقدم والأزلية, إلى غير ذلك من التنزيه والتقدير المشحونة به مؤلفاتهم في الحكمة والكلام من مختصرة أو مطولة.

    وعلى أي حال فان الشيعة براء مما نسب إليها من الغلو, واما أهل المقالات في الغلو كالبيانية والمنصورية وغيرهم فان نسبتهم إلى الشيعة ظلم - وما اكثر الظلم للشيعة - وتهجم على أمة تدين لله بالوحدانية, ولمحمد بالرسالة, ولآله بالمودة.

    وأستطيع الجزم بان هذه الأمور لم تخف على أولئك القوم الذين اصبحوا يتهجمون على الشيعة بالطعن في عقائدهم, إذ نسبوا إليهم هذه المقالات الفاسدة التي يقول بها الغلاة. نعم انهم يعرفون الأمر ولكن الحق مر لا يمكن ان تتقبله أذواقهم, ولقد أعجزهم الأمر عن مؤاخذة الشيعة والطعن في عقائدهم, عندما وجدوا طرق المؤاخذات أمامهم مغلقة فلا يستطيعون منها النفوذ إلى مقاصدهم, فالتجأوا إلى هذه الخرافات والأباطيل التي لا تثبت أمام التدقيق والتحقيق.

    كيف يستطيعون مؤاخذة الشيعة ومنهم صحابة الرسول والتابعين لهم بإحسان: كأبي ذر الغفاري, وعمار بن ياسر, وجارية بن قدامة, وجابر ابن عبد الله الأنصاري, وحذيفة بن اليمان, وسلمان الفارسي, وصعصعة ابن صوحان, والمقداد الكندي وغيرهم.؟!!

    ومن الغريب ان اكثر الكتاب قد نسبوا لأصحاب الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) تأثرهم بآراء ابن سبا, وأي طعن على الإسلام وعلى رسوله (صلى الله عليه وآله) اعظم من هذا بأن يسيطر يهودي على عقول أصحاب النبي ومن تأدبوا بآدابه, واليك ما كتبه بعض كتاب العصر الحاضر عند ذكره لعبد الله بن سبأ ونسبة ظهور التشيع إليه, إذ يقول:

    ان هذا الشيطان هو عبد الله بن سبأ من يهود صنعاء, وكان يبث دعوته بخبث وتدرج ودهاء, واستكثر اتباعه بآخرين من البلهاء الصالحين المتشددين في الدين المتنطعين في العبادة إلى ان يقول: وعني بالتأثير في أبناء الزعماء من قادة القبائل واعيان المدن الذين اشترك آباؤهم في الجهاد والفتح, فاستجاب له من بلهاء الصالحين وأهل الغلو من المتنطعين جماعات كان على رأسهم في الفسطاط الفاقعي بن حرب العتكي, وعبد الحمن بن عديس البلوي, وكنانة ابن بشر بن عتاب, وعبد الله بن زيد بن ورقاء الخز اعي, وعمر بن الحمق الخز اعي, وعروة بن النباع الليثي, وقتير السكوني. وكان على رأس من استغواهم ابن سبأ في الكوفة عمرو بن الأصم, وزيد بن صوحان العبدي, والاشتر بن مالك بن الحارث النخعي, وزياد بن النضر الحارثي, وعبد الله ابن الأصم.

    ومن البصرة حرقوص بن زهير السعدي, وحكيم بن جبلة العبدي, وذريح بن عباد العبدي, وبشر بن شريح الحطم بن ضبيعة القيسي, وابن المحرش.

    أما المدينة فلم يندفع في هذا الأمر من أهلها إلا ثلاثة نفر, محمد بن أبي بكر, ومحمد بن حذيفة, وعمار بن ياسر(3).

    هكذا يقول, ونبرأ إلى الله مما يقول, ليت شعري أي جرأة اعظم من هذه الجرأة على أصحاب الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) ووصفهم بهذه الصفة بأنهم مخدوعين بدعوة ذلك الشيطان, واستجابوا لما جاء به هذا اليهودي المزعوم, وهم خريجو مدرسة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ودعاة الحق واتباعه, ولكن الشيطان خدع هذا الكاتب فجاء بهذا الافتراء وهو (يجادل بغير علم ويتبع كل شيطان مريد. كتب عليه ان من تولاه فانه يضله ويهديه إلى عذاب السعير).

    ونحن نأمل من كتابنا الذين يكتبون لذات الحق ولا يميل بهم الهوى, ولا تستولي عليهم النزعات الطائفية, ان يوجهوا عنايتهم لإظهار الحقيقة عند دراستهم لقضية ابن سبأ بان يدرسوها دراسة مؤرخ لا يتحيز ولا يتعصب, ولا يقصد إلا خدمة العلم وإظهار الحق, ويقف موقف المدقق على مصادرها ورواتها والظروف التي أوجدتها, ليتضح له الأمر, ويتميز الحق من الباطل.

    وأعود لاقول مؤكداً: ان قضية ابن سبأ أسطورة خرافية أوجدتها عدة عوامل للحط من تعاليم الإسلام والنيل من رجاله, بأنهم قد تأثروا بآراء رجل يهودي فأوردهم موارد الهلكة, من دون تميز وتفكير, إلى غير ذلك مما يؤدي إليه إيجاد هذه الخرافة من مناقضات.


    الهوامش:

    1- الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزيني ص 178.

    2- خطط الشام ج 6 ص 251 - 256.

    3- حملة رسالة الإسلام لمحب الدين الخطيب ص 23.

  2. #2
    التسجيل
    04-08-2003
    المشاركات
    3

    Re: شبهات وردود حول الشيعة الإمامية

    ماهو المقصود من الإرادة في آية التطهير؟


    ماهو المقصود من الإرادة في آية التطهير في قوله تعالى: {إنّما يريد الله . . .}

    في هذا الموضوع سنتناول دراسة معنى «الإرادة» والمقصود منها في الآية الشريفة ، وسنعرض في البداية لتوضيح معنى الإرادة التكوينية والإرادة التشريعية، ثمّ نبحث هل جاء في القرآن الكريم نوعا الإرادة هذان أم لا؟


    الإرادة التكوينية

    الإرادة التكوينية ـ كما هو ظاهر من اسمها ـ عبارة عن حقيقة الإرادة والحمل الشائع لها(1)، بمعنى أنّ ذات الباري سبحانه وتعالى أو الفاعل المريد من البشر له إرادة واقعية على إنجاز عمل ما.

    فالشخص له إرادة لتناول الطعام، ومنشأ هذه الإرادة هو تصوّر الشيء المراد والتصديق بالفائدة والنتيجة، ووجود الميل والرغبة ثمّ النيّة والعزم، وبعد ذلك الاندفاع وإرادة الشيء. فهو عندما تخطر في ذهنه فكرة تناول الطعام يستحضر فائدة هذا العمل، من شبع أو لذّة أو غرض صحيّ وطبّي، ثمّ يصدّق على صحّة ذلك أي يتحقّق من سلامة الفكرة، وتأتي النيّة والعزم على إثر هذه الرغبة النفسية، وحينما تبلغ الرغبة قمّتها ويصل الشوق(2) مداه فهو «يريد» الأكل. فـ «الإرادة» أمر يظهر بعد المقدّمات الخمسة المذكورة التي بعضها جزء من المبادئ التصوّرية، والبعض الآخر هو جزء الغايات.

    وحقيقة هذه الإرادة التكوينية أمر ممكن على الباري تعالى(3)، ومن صفات تلك الذات المقدّسة. ونقول: إنّ الله مريد، ولكن لا على تلك المقدّمات التي ابتنت عليها إرادة البشر، إذ يلزم ترتّب الإرادة الإلهية على تلك المقدّمات إنفعال ذاته المقدّسة وتأثّرها، وهو ممّا مردّه إلى النقص تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، ولكن حقيقة الإرادة التي هي عين العلم وعين الذات ـ على حدّ تعبير المحقّقين ـ فهي من صفات ذاته المقدّسة.

    وفي الإرادة التكوينية تتعلّق الإرادة بفعل المريد والطالب نفسه لا الغير، فالله يريد خلق العالم، أو إحداث زلزال، أو إفاضة الوجود على إنسان. والشخص يريد أن يأكل، أو يمشي، أو يتعلّم أو... ولكن هناك تفاوت بين إرادة الله وإرادة الإنسان، ففي الإرادة الأزليّة للبارئ تعالى لا يتخلّف المُراد عن الإرادة، ولابدّ من تحقّق كلّ ما أراده المريد، أمّا في الإنسان فالإرادة والمراد قابلة للتفكيك، وقد يتخلّف المراد عن الإرادة ولا يتحقّق لعلّة ما.


    الإرادة التشريعية

    الإرادة التشريعيّة هي إرادة شخص إنجاز عمل ما وفقاً لرضاه واختياره، كأن يريد الأب من ابنه أن يدرس، وحتّى يبلغ هذا الأمر مرحلة التطبيق والتنفيذ، فإنّه يطوي مقدّمات، فالأب تحكمه رغبة وشوق مؤكّد لأن ينشغل ابنه بالدرس، أو يعيش هاجس المحافظة على ابنه من التسكع واللهو وبالتالي الفساد، وصنع مستقلّ جيّد له، هذه الرغبة تدفعه لإصدار أمر الانشغال بالدراسة والنهي عن التسكع واللهو المنجرّ إلى الفساد.

    هذه الرغبة الملحّة وهذا الشوق المؤكَّد الذي يستتبعه الأمر والنهي هو الإرادة التشريعية، وفي ضوء الدراسة التي تمّت حول الإرادة التكوينية للباري تعالى نقول: إنّ الإرادة التشريعية لله سبحانه هي الأوامر والنواهي الشرعية.


    الإرادة التكوينية والإرادة التشريعية في القرآن الكريم

    نلمح في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تضمّنت الإرادتين، نستعرض بعضها باختصار، ونذكر أوّلاً بعض التي تشير إلى الإرادة التكوينية:

    1 ـ {إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}(سورة الحج الآية: 14). والإرادة في لفظة «يريد» في الآية الكريمة من قبيل الإرادة التكوينية، والمعنى أنّ إرادة الباري غير قابلة للتخلّف، وأنّ كلّ ما يريده الله سبحانه وتعالى متحقّق لا محالة.

    2 ـ {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}( سورة يس الآية: 82). وهذه الآية في غاية الوضوح على الإرادة التكوينية، وكيف أنّ الشيء يرتدي حلّة الوجود، والمراد يكتسب نور التحقّق بمجرّد توجّه العناية والرغبة الربّانية إليه.

    3 ـ {... إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}(سورة هود الآية: 107)، {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ* فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}(سورة البروج الآية: 15 ـ 16). وجملة «فعّال لما يريد» من مصاديق الإشارة إلى الإرادة الربانية التكوينية، إذ بمجرّد انبعاثها يتحقّق المراد، وما يريده الباري فهو ما سيقع ويتحقّق.

    كانت هذه نماذج من آيات مستفيضة تشير إلى وجود إرادة لله سبحانه، وأنّ هذه الإرادة مُنجزّة ومُتحقّقة قطعاً.

    ومن الآيات التي تتضمّن وجود إرادة تكوينية للإنسان وإمكان تخلّف المراد عن الإرادة في هذه الحالة، نذكر جملة منها:

    1 ـ {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(سورة الصف الآية: 8).

    2 ـ {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ}(سورة المائدة الآية: 37).

    وفي هذه الآيات يتّضح معنى أنّ الإرادة التكوينية للبشر ورغبتهم لا تتحقّق دائماً، وبطبيعة الحال فهي ليست نافذة بالضرورة، ويستفاد كذلك من هذه الآيات أنّ هذه الإرادة البشرية محكومة ومقهورة بالإرادة الأزلية للباري تعالى، وعندما تصطدم وتتعارض الإرادتان، فإنّ ما يريده الله هو ما سيجري ويتحقّق لا ما يريده الناس.


    أمّا الآيات التي تشير إلى الإرادة التشريعية، فمنها:

    1 ـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَر أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(سورة المائدة الآية: 6). من المسلّم أنّ الإرادة في هذه الآية الشريفة {يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} إرادة تشريعية، أي أنّ الهدف الإلهي من جعل هذه الأحكام هو تطهير الناس، إذن فالإرادة التشريعية هنا هي وضع أحكام الطهارة من غسل ووضوء وتيمّم، والهدف هو طهارة الناس من الحدث والخبث، وبديهي أنّ البعض سيمتثل لهذه الأحكام ويعمل بها، بينما سيعرض عنها آخرون ولا ينفذونها، أمّا لو كانت إرادة إلهية على نحو التكوين لما أمكن لأحد أن يتخلّف عن تطهير نفسه.

    وقد ذكرنا في معنى الإرادة التشريعية أنّها تتعلّق بفعل الغير ـ على ضوء إرادته واختياره ـ وفي هذه الآية اُضيفت إرادة الله سبحانه وتعالى إلى أفعال الناس، وغايتها أن يقوم المؤمنون وفق اختيارهم بالوضوء والغسل والتيمّم، وكون الإرادة هنا تعلّقت بفعل الإنسان، إذن لا ترديد أنّ الإرادة في هذه الآية {يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} إرادة تشريعية لا تكوينية.

    2 ـ {... فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُم الْعُسْرَ...}(سورة البقرة الآية: 185). وممّا سبق بيانه في الآية السابقة يتّضح أنّ «الإرادة» في هذه الآية من قبيل سابقتها تشريعية أيضاً، وأنّها بصدد وضع قانون الصيام وضوابطه المختلفة المتعلّقة بالسفر والحضر أو الصحّة والمرض، بما يخفّف على المضطرّين، ولا يوقعهم في العُسر والمشقّة، ويجعل الصيام مفروضاً على الجميع دون مراعاة للحالات الخاصّة، إذن الإرادة في الآية تتعلّق بتشريع الأحكام والفروض، وليست هذه إلاّ الإرادة التشريعيّة بعينها.


    الإرادة في آية التطهير


    بعد بيان نوعيّ الإرادة ، لننظر في آية {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} من أيّ القسمين هي؟

    ذهب بعض مفسِّري العامّة وكبار علمائهم إلى أنّ الإرادة في آية التطهير هي من قبيل الإرادة التشريعية، ويرجع هذا الرأي إلى ما افترضوه في أنّ مخاطب الآية هو زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله)، أو ما هو أعمّ من الزوجات وأهل البيت، وذلك لوقوعها في سياق الآيات التي كانت تحثّ الزوجات وترغبهنّ بأعمال معيّنة وتحدّد لهنّ تكاليفهنّ تجاه الرسول (صلى الله عليه وآله)، فافترضوا أنّ التطهير المشار إليه في الآية هو محصلة امتثالهنّ وقيامهنّ بما اُمرن به، وعلى هذا يكون الغرض من هذا التشريع (في الآية) تطهير زوجات النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) وتنزيههنّ عن الذنب وعصيان الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأنّه تطهير تشريعي يعقّب العمل الذي يقوم به المكلّف وفق اختياره ورغبته، لا تكويني سيتحقّق بإرادة الباري عزّوجلّ وبصرف النظر عن فعل ورغبة المكلّف.


    ماذا يقول سيّد قطب في ظلاله؟


    يقول في ذيل آية التطهير: «في العبارة تلطّف ببيان علّة التكليف وغايته، تلطّف يشي بأنّ الله سبحانه ـ يشعرهم بأنّه بذاته العلّية ـ يتولّى تطهيرهم وإذهاب الرجس عنهم; وهي رعاية علوية مباشرة بأهل هذا البيت، وحين نتصوّر من هو القائل ـ سبحانه وتعالى ـ ربّ هذا الكون، الذي قال للكون: كن فكان. الله ذو الجلال والإكرام، المهيمن العزيز الجبّار المتكبِّر. وأخيراً فإنّه يجعل تلك الأوامر والتوجيهات وسيلة لإذهاب الرجس وتطهير البيت، فالتطهير من التطهّر، وإذهاب الرجس يتمّ بوسائل يأخذ الناس بها أنفسهم ويحقّقونها في واقع الحياة العملي»(4).

    على هذا المبنى الذي يفرضه سيّد قطب في آية التطهير فلا سبيل أمامه إلاّ اعتبار الإرادة هنا تشريعية، إذ هو يفرض العلّة في التكليف إزالة الرجس والتحلّي بالطهارة، وعليه فإنّ الأوامر والنواهي التي جاءت بها الآيات السابقة للنساء كانت لتحقّق هذه الحالة، الحالة التي لن توجد وتتحقّق إلاّ من خلال العمل بتلك التكاليف، ومن ثمّ ليست إرادة الباري سوى تشريع الأحكام لهنّ، وهذا التشريع جاء لمجرّد إزالة الرجس وإيجاد الطهارة. ومع أنّ سيّد قطب يصرّح في بعض عباراته بأنّ الله سبحانه وتعالى باشر بذاته المقدّسة تطهير أهل البيت وتولّى إذهاب الرجس عنهم، (الله الذي يخلع الوجود على مخاطبيه بمجرّد «كن» فيكونون، وهذه العبارات لا تليق ولا تناسب إلاّ شأن الإرادة التكوينية، فالخطاب بـ «كن» من أبرز مصاديق الحالة التكوينية) لكن الرجل في بداية حديثه ونهايته جعل آية التطهير علّة وغاية لفرض واجبات وإلقاء تكاليف إلهية على نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وأنّ الامتثال لهذه التكاليف هو السبيل الوحيد للخلاص من الأرجاس والتحلّي بالطهارة، وهذا التركيب لا ينطبق إلاّ مع الإرادة التشريعية التي تبيّن لنا أنّها متعلّقة بفعل المكلّف. على هذا يمكننا القول: إنّ سيّد قطب يذهب إلى أنّ الإرادة الإلهية في آية التطهير تشريعية لكنّه لم يصرّح بهذا المعنى، كما أنّه جاء ببعض خصائص ومميّزات الإرادة التكوينية وطبّقها على الآية.


    هل الإرادة في آية التطهير تشريعيّة؟


    بعدما اتّضح أنّ كلتا الإرادتين ـ التكوينية والتشريعية ـ مذكورتان في القرآن الكريم، نقول: إنّ الإرادة في آية التطهير تكوينية بعدّة أدلّة:

    1 ـ ينبغي في تحديد معنى «إرادة» وغيرها من الكلمات ملاحظة الظهور النوعي لها، والمعنى الذي يشكّل الغلبة ويحقّق لنفسه حالة الأصل، بحيث يفتقر صرفه لمعنى آخر إلى القرينة، وعند خلوّ الذكر والإطلاق عن القرائن تُحمل الكلمة على معناها الظاهر. وممّا لا شكّ فيه أنّ ظهور «الإرادة» وشيوع استعمال هذا اللفظ في القرآن الكريم هو في المعنى التكويني، بحيث يمكننا القول: إنّ المعنى المقابل، أي التشريعي (أي نفس التكاليف الشرعية من أوامر ونواه) لم يكن في القرآن إلاّ نزراً يسيراً، ووفق ما تحرّيناه فإنّه من 138 مورداً ذكرت

    فيه «الإرادة» فقد استعملت في 135 مورداً في المعنى التكويني (ونقصد ـ بطبيعة الحال ـ الإلهي منه والإنساني)، واستعملت في 3 موارد فقط في المعنى التشريعي(5).

    من هنا نخلص إلى أنّه عند الشكّ في إحدى معنيي اللفظ، فإنّه يُحمل على ظاهره ما لم تكن هناك قرينة صارفة، وهكذا عند الشكّ في مدلول «الإرادة» في آية التطهير، وهل المراد منها التكوينية أم التشريعية، فإنّها تُحمل على التكوينية لأنّه مقتضى الأصل، لما ثبت من غلبة استعماله في هذا المعنى وبالتالي ظهوره فيه، اللهمّ إلاّ أن يُؤتى بقرينة تصرفه عن هذا الظاهر والأصل، ولا قرينة.

    2 ـ وهاك دليل آخر أكثر وضوحاً يحدّد معنى «الإرادة» في الآية الشريفة، وهو مبتن على الأساس الذي ذكرناه في التفريق بين نوعي الإرادة، والفصل المميّز لقسمي الإرادة ـ التكوينية والتشريعية ـ أي تعلّق الفعل في الإرادة التكوينية بالمريد نفسه لا بغيره، على عكس التشريعية التي تتعلّق فيها الإرادة بفعل الغير. وفي آية التطهير فإنّ المريد هو الله جلّ وعلا، والمُراد هو إذهاب الرجس والتطهير، والإذهاب والتطهير في الآية متعلّقان بالله، وهما من فعله وعمله، إذ يرجع الضمير في «ليُذهب» وفي «يطهِّركم» إلى الله سبحانه، وهو فاعل هذين الفعلين، وبناءً على هذا الأساس لابدّ أن يقال: عند تعلّق الإرادة على فعل المريد فهي تكوينية، والمريد هنا هو الله جلّ جلاله، فالإرادة إرادة إلهيّة تكوينية وليست تشريعية، إذ تتعلّق التشريعية بفعل الغير لا بفعل المريد.


    تساؤل


    يُثار هنا تساؤل حول ما قلناه في آية الوضوء والغسل والتيمّم {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}(سورة المائدة الآية: 6) من أنّ «الإرادة» فيها إرادة تشريعية، مع أنّها على نفس شاكلة «الإرادة» التي جاءت في آية التطهير، وقلنا: بأنّها إرادة تكوينية، فكما «الإذهاب والتطهير» هنا ـ في آية التطهير ـ من فعل الله (المريد) فهي هناك كذلك من فعل الله سبحانه، وفاعل «ليطهركم» ضمير يعود للباري تعالى(6).


    ردّ وتوضيح


    المسلّم في آية الوضوء والغسل والتيمّم أنّ الله سبحانه وتعالى في مقام تشريع ووضع قوانين الطهارات الثلاث واشتراطها في الصلاة. ويقتضي التناسب في الوضع والتقنين أنّ المقصود من التطهير هو رفع وإزالة القذارات العالقة أو الخارجة من جسم الإنسان، وما يتبعها من بلوغ الطهارة الواقعية والمعنوية، وبديهيّ أنّ إزالة هذه القذارات ورفع تلك النجاسات هو فعل الإنسان المكلّف لا فعل الله تعالى!

    ومن قرينة صدر الآية يتّضح أنّ غرض الباري تعالى هو سنّ ووضع «قانون الطهارة»، حتّى يتمكّن الناس ويعرفوا كيفيّة تطهير أجسامهم وإزالة القذارات عن أبدانهم، وبهذا نعلم أنّ «إرادته» تعالى ليست سوى تشريع هذا القانون، إذن الإرادة هنا تشريعية.

    3 ـ وردت كلمة «إرادة» واستُعملت في الآيات التي خاطبت زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله) في موضعين آخرين أيضاً: {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}(سورة الأحزاب الآية: 28)، {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ}(سورة الأحزاب: الآية 29)، والمسلّم أنّ الإرادة في هذين الموضعين تكوينيّة (بشرية)، وهذه قرينة اُخرى خاصّة تؤكّد مسألة ظهور المعنى في التكوينية، وكونه الأصل في آية التطهير التي تلي هذه الآيات، فالإرادة هي من النوع نفسه في جميع هذه الآيات (تكوينية) وتدور حول هذا المحور، بفارق أنّ المريد في الآيتين السابقتين هو نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وفي آية التطهير هو الله سبحانه وتعالى.

    4 ـ من المسلّم لدى الجميع (عند من قال: بأنّ الإرادة في آية التطهير تشريعيّة ومن قال: بأنّها تكوينيّة) أنّ هذه الآية الشريفة تشكِّل امتيازاً وخصوصيّة وتُعتبر تشريفاً ونوعاً من التفوّق والفضل لأهل البيت (عليهم السلام). فإذا قلنا: إنّ «الإرادة» في آية التطهير تشريعية فعلينا أن نحدّد موقع التشريع فيها، وبعبارة اُخرى: ما هي القوانين التي وضعها الشارع المقدّس في هذه الآية؟ هل تراها شيئاً آخر غير الحثّ على طاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) والتوجّه للآخرة والاهتمام بها، والإعراض عن الدنيا وعدم ارتكاب الفواحش والمعاصي؟ وهل هذه التكاليف تشكّل برنامجاً لأهل البيت (عليهم السلام) ونساء النبيّ (صلى الله عليه وآله)خاصّة أم أنّها أحكام وتشريعات تشمل جميع المسلمين والمسلمات، فأين التكريم والتشريف إذن؟ وأين التفوّق والفضل؟! فمن يقول: بأنّ الإرادة هنا في هذه الآية تشريعية لابدّ له من مخالفة إجماع المفسِّرين، واتّفاق العلماء على أنّ في الآية خصوصيّة وفضيلة ما لأهل البيت (عليهم السلام)! إذ إنّ حمل الإرادة على التشريعية يلغي أيّة مزيّة وخصوصيّة لأهل البيت (عليهم السلام)، إذ يعود شأنهم كشأن غيرهم من التكليف بالأحكام السابقة التي ثبت وجوبها على الجميع(7). من هنا لا محيص ـ لمجاراة المفاد المتّفق عليه من وجود خصوصيّة وفضيلة في الآية ـ من الإذعان بأنّ الإرادة في آية التطهير ليست تشريعية بل تكوينية.

    5 ـ ذكرنا آنفاً أنّ الآيات قسّمت عائلة النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلى فريقين:

    الأوّل: مجموعة زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وقد فرض عليهنّ برنامج تربوي معيّن، وبيّنت الآيات أنّ العمل بهذا البرنامج هو السبيل لبقاء انتسابهنّ لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وارتباطهنّ به، وإلاّ فمصيرهنّ الطرد والانفصال عنه.

    الثاني: هو أهل البيت(عليهم السلام) الذين تُعدّ العدّة لهم ليتبوّؤا زعامة المسلمين وقيادة خط الهدى والدين، وأنّ الله سبحانه هو الذي يتولّى هذا الإعداد وينهض باصطفائهم وهو يطهّرهم عن الرجس وينزّههم عن المعصية، وعلى هذا فإنّ آية {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ...} جملة اعتراضية ـ كما أسلفنا ـ جاءت في وسط آيات النساء انصبت رسالتها، ودار محورها على تسجيل ظاهرة معنويّة وحقيقيّة هي إرادة إذهاب الرجس عن هذا الفريق وتنزيهه.

    إذن فالإرادة هنا لا علاقة لها بأيّ نحو بالأحكام التي سبق تشريعها في سائر الآيات، ولا يمكن للآيات التي خاطبت زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله) أن تكون قرينة على الإرادة التشريعيّة في آية التطهير، بل هي باقية على معناها التكويني، وتُحمل على أصلها وظاهرها الذي كانت عليه.

    نعم، قد يسأل سائل: كيف صنّفتم هذا التصنيف وعلى أيّ أساس جعلتم «أهل البيت» فريقاً خاصّاً منحصراً بالسادة الخمسة صلوات الله عليهم؟ ... وفضلاً عمّا سبق بيانه، فإنّ جواب هذا السؤال سيأتيك مفصّلاً.


    حديث مع الآلوسي


    مع أنّ شهاب الدين محمود الآلوسي ـ مفتي بغداد المتوفّى سنة 1270 ـ ذهب إلى أنّ «الإرادة» في آية التطهير إرادة تكوينية، لكنّه في الوقت نفسه طرح إشكالاً على ذلك وتعاجز عن ردّه مكتفياً بالإثارة! إذ يقول:

    «... وقد يُستدلّ على كون الإرادة هاهنا بالمعنى المذكور (التشريعية) لا المشهور (التكوينية)، الذي يتحقّق عنده الفعل بأنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال حين أدخل عليّاً وفاطمة والحسنين رضي الله تعالى عنهم تحت الكساء: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً» فإنّه أيّ حاجة للدعاء لو كان ذلك مراداً بالإرادة بالمعنى المشهور (التكوينية)، وهل هو إلاّ دعاء بحصول واجب الحصول؟»(8).

    وحتّى لا نكون مثل الآلوسي الذي ترك سؤاله معلّقاً دون إجابة! نقول:

    سبق أن أثبتنا أنّ سياق الحديث وتركيب الكلام يُظهر أنّ عبارة «اللّهم هؤلاء...» في دعاء الرسول (صلى الله عليه وآله) جاءت لتحديد وبيان من هم المقصودون من «أهل البيت» (عليهم السلام)، فهو (صلى الله عليه وآله) يخاطب ربّه ويحدّد في خطابه أنّ «هؤلاء هم أهل بيتي» حتّى يعرف الناس من هم أهل البيت، ومن هم الذين أراد الله تطهيرهم وإذهاب الرجس عنهم(9)؟ وإلاّ فإنّ الإشكال (سؤال الآلوسي) نفسه، بل ما هو أكبر منه سيرد على الدعاء إذا ما افترضنا أنّ الإرادة الإلهية في الآية تشريعيّة وليست تكوينيّة! فما معنى أن يقول النبيّ (صلى الله عليه وآله) ويدعو (ويكون معنى دعائه على فرض الإرادة التشريعيّة): «اللّهم اجعل أهل بيتي مشمولين بأمرك ونهيك، وأبعدهم عن الآثار السلبية للنواهي بتشريع النهي وفرضه عليهم!؟» أوليست الآيات متوجّهة بالأصل بالخطاب والتكليف إليهم؟ حتّى يأتي النبيّ (صلى الله عليه وآله) ويتوجّه بالدعاء لله سبحانه أن: إلهي أشمل أهل البيت بهذه التكاليف! أليس هذا هو الفرض (على القول بالإرادة التشريعيّة)؟


    حديث آخر مع الآلوسي


    مع ما يُلاحظ على صاحب تفسير «روح المعاني» من مستوى علمي لا بأس به وما يُسجل له ـ عند مقارنته بعلماء العامة ـ من حظّ ونصيب في العلم والتحقيق، لكن يظهر أنّ التعصّب يعمي الإنسان ويشطط به في متاهات غريبة! فالرجل يذهب إلى أنّ «الإرادة» في الآية تكوينية، وأنّ عبارة «أهل البيت»(عليهم السلام) تعني وتشمل الخمسة أصحاب الكساء صلوات الله عليهم، وعندما يقف على مدلول الآية ومفادها، وأنّ الثمرة والنتيجة العلمية التي تخلّص منها هي عصمة عليّ وبنيه(عليهم السلام)وطهارتهم وفضلهم، فإنّ هذه الحقيقة الناصعة والآية الناطقة تهزّ الآلوسي وأضرابه بشدّة وتربكهم وتوقعهم في اضطراب! ومن هنا نجد كيف يورد التعصّب صاحبه المهالك، وكيف يقع الآلوسي هنا فيما يفقده توازنه ورصانته ويخرجه عن طوره! فيسعى سعي العاجز ويتعسف في توجيه الآية ليصرف هذه الفضيلة عن أهل البيت(عليهم السلام)ويخرجهم عن غطائها!

    خلاصة محاولته، وموجز كلامه: «... لأنّ المعنى حسب ما ينساق إليه الذهن ويقتضيه وقوع الجملة موقع التعليل للنهي والأمر نهاكم الله تعالى وأمركم; لأنّه عزّوجلّ يريد بنهيكم وأمركم إذهاب الرجس عنكم وتطهيركم وفي ذلك غاية المصلحة لكم، ولا يريد بذلك امتحانكم وتكليفكم بلا منفعة تعود إليكم، وهو على معنى الشرط، أي يريد بنهيكم وأمركم ليذهب عنكم الرجس ويطهّركم أن انتهيتم وائتمرتم، ضرورة أنّ اسلوب الآية نحو اسلوب قول القائل لجماعة علم أنّهم إذا شربوا الماء أذهب عنهم عطشهم لا محالة، يريد الله سبحانه بالماء ليذهب عنكم العطش، فإنّه على معنى يريد سبحانه بالماء إذهاب العطش عنكم إن شربتموه، فيكون المراد إذهاب العطش بشرط شرب المخاطبين الماء لا الإذهاب مطلقاً. فمفاد التركيب في المثال تحقّق إذهاب العطش بعد شرب الماء، وفيما نحن فيه إذهاب الرجس والتطهير بعد الانتهاء والائتمار; لأنّ المراد الإذهاب المذكور بشرطهما، فهو متحقّق الوقوع بعد تحقّق الشرط وتحقّقه غير معلوم، إذ هو أمر اختياري وليس متعلّق الإرادة»(10).


    جواب موجز :


    1 ـ إنّ الاعتراف بكون «الإرادة» من القسم التكويني، ثمّ تعليق ذلك على شرط الطاعة في الأوامر والنواهي هو تراجع وعدول عن هذا الإقرار والاعتراف، وبعبارة اُخرى: فإنّ فرض تلازم بين الإرادة التكوينية والطاعة هو بمثابة تحايل على القول بالإرادة التكوينية، ويُعدّ تقريراً وإمضاءً ضمنياً بأنّ الإرادة في الآية هي إرادة تشريعية، إذ إنّ المعنى ـ بلحاظ ذلك الشرط ـ يغدو: إنّ الله كلّفكم بأوامر ونواه وتعلّقت إرادته في تطهيركم على عملكم بتلك التكاليف تماماً، كما تتعلّق إرادة الله في سمو الإنسان وتكامله الروحي على أداء الصلاة، فـ «الصلاة معراج المؤمن»(11). إذن فالباري تعالى أراد «لأهل البيت»(عليهم السلام) الامتثال لأوامره ونواهيه حتّى يطهّرهم، كما أراد للإنسان أن يصلّي حتّى يعرج إليه، ولعمري هل تعني الإرادة التشريعيّة غير هذا؟! بناءً على ذلك فإنّ لازم تلك الملازمة عدول الآلوسي عن القول بأنّ «الإرادة» في آية التطهير تكوينيّة.

    2 ـ تكرّر القول بأنّ آية التطهير جاءت بين الآيات على نحو الجملة الاعتراضية، ومعنى ذلك أنّها أجنبية وغريبة عمّا سبقها ولحقها من الآيات، وأثبتنا أنّ هذا من الصور البلاغية التي لها عدّة أمثلة في القرآن الكريم، على هذا فإنّ الجملة الخارجية لا يمكنها أن تكون تعليلاً وشرطاً للآيات التي تكفّلت الأوامر والنواهي. وقد أجبنا بالتفصيل آنفاً على ما قد يثيره الآلوسي وأضرابه هنا من شُبهة مناسبة التدوين وإقحام آية التطهير في هذا الموضع، ولا داعي لتكرار القول بأنّ الآيات قسّمت عائلة النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى فريقين ولم يكن أنسب من هذا الموضع لبيان الفرق واستثناء «أهل البيت» (عليهم السلام) من مظانّ الانحراف والعصيان، وما اُثير من احتمالاته بحقّ زوجات النبيّ (صلى الله عليه وآله) لقطع الطريق على المغرضين من خلال دفع هذا الوهم، فأهل البيت (عليهم السلام) ليسوا كزوجات النبيّ (صلى الله عليه وآله)، ولا تنبغي ولا تصحّ المقارنة بينهما، ولم يكن أفضل من هذا الموضع لهذه الآية حتّى تؤدّي ذلك الدور.

    3 ـ إذا افترضنا الملازمة وقلنا: إنّما تتحقّق إرادة الباري في تطهير «أهل البيت» (عليهم السلام) عند امتثالهم لأوامر الله ونواهيه، فإنّ ذلك ينفي ويلغي أيّ امتياز وفضيلة تقرّرها الآية لهم (ومن المتّفق عليه بين الجميع أنّ الآية تشكّل فضيلة ومنقبة خاصّة «لأهل البيت» (عليهم السلام); لأنّ القاعدة سارية على جميع المسلمين، فإذا ما أطاعوا الله فإنّ النتيجة ستشملهم. وهل من الممكن أن يلازم التقوى مسلم ويطيع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويتجنّب القبائح ثمّ لا يكون محلاًّ لعناية الله تعالى، ولا يتطهّر ويبقى ملوّثاً بالأرجاس؟! هل يصحّ حصر نتيجة تلك المقدّمة في «أهل البيت»(عليهم السلام)فقط بحيث لو كانوا كذلك لأصبحوا هكذا؟! ألا يشكِّل هذا حالة من التفرقة وعدم المساواة؟ ألا يخلّ بالموضوعية والعدالة التي تفترض انطلاق الجميع في طريق السلوك والرقي الروحي من نقطة بدء واحدة، وتتاح لهم الفرصة على السواء بما يمكنهم نيل الأجر والرحمة واللطف الإلهي على قدر السعي والإخلاص؟ ألا يعني هذا أنّ الإسلام لا يفسح مجال التكامل وأسباب نيل السعادة وكسب الرضوان الإلهي أمام الجميع على السواء؟!

    وإذا قال الآلوسي: إنّ الوجه الذي تميّز به «أهل البيت» (عليهم السلام)هو أنّ الله سبحانه اختصّهم بالمزيد من العناية والاهتمام في قبول أعمالهم، وأنّ آية التطهير تزيدهم أملاً وتفاؤلاً في قبول صالح أعمالهم، ممّا لا يخدش بالمساواة ولا يثير الإشكال السابق.

    فنقول في الردّ عليه: ما هو الدليل على هذا المدّعى ومن أيّ مواضع الآية الشريفة انتُزع هذا المعنى؟ ولعمري هل علينا أن نختلق ونتعسّف إلى هذا الحدّ لنبرّر أوهام ومدّعيات ما أنزل الله بها من سلطان؟ فأين الأمل والمزيد من التفاؤل في قبول الأعمال من التطهير وإذهاب الرجس؟! هل الآلوسي بصدد تفسير الآية واستخراج مدلولها أم أنّه يريد تلفيق وتركيب معنى ينطبق على رأيه ويتوافق مع ما توهمته مخيّلته؟!

    إنّ البحث العلمي، وخصوصاً في تفسير الآية القرآنية يقتضي الموضوعية والحياد، بحيث يدخل المفسِّر البحث وهو خالي الذهن من قرار مسبق وعقيدة مُتبنّاة، فينظر في الآيات إلى ما يؤيّد رأيه ويحمّلها المعنى الذي يريد، وإذا ما اعترضته آية لا توافقه راح يحتال بكلّ حيلة ويتعسّف في تأويلها وتفنيد مدلولها حتّى يتحقّق مطلوبه! إنّ لهذه المسألة أهمّية كبيرة في فهم الأهداف القرآنية السامية، وعلى المفسِّر أن ينصاع ويتوافق مع المقاصد القرآنية لا أن يتلاعب في المعاني ويقلبها حتّى يبلغ مراده هو.

    وعلى كلّ حال وبالنظر لما سبق، يظهر بما لا يقبل الشكّ أنّ الإرادة في آية التطهير ـ بناءً على الظهور النوعي ـ هي إرادة تكوينية، وهي لطف إلهي خصّ به فريق «أهل البيت» (عليهم السلام) من عائلة النبيّ (صلى الله عليه وآله)بهدف إعداد هذه الثلّة لدور حفظ الدين وقيادة المسلمين، وما يشكّل امتداد خطّ الهدى بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وهذا المعنى والرأي موافق لظاهر الآية ولا يستلزم أيّ تأويل وتعسّف.


    الإرادة التكوينية والجبر


    ظنّ جماعة أنّ القول بالإرادة التكوينية يثير شبهة الجبر ولا يسمح بمعالجة مُقنعة لها، فعندما تتعلّق إرادة الباري الأزلية بطهارة «أهل البيت» (عليهم السلام)، فإنّ عصمتهم حتميّة ووقوع الذنب منهم محال عقلاً; لأنّ المراد لا يمكنه أن يتخلّف عن المريد (الله)، إذن صدور المعاصي عن «أهل البيت» (عليهم السلام) غير ممكن بل ممتنع، وهم مجبورون على الامتناع عن الذنب، مسيّرون على الطاعة فلا فضل ولا فخر لهم!(12).


    خروج من موضع الشبهة


    لقد سلك العلماء وطوى المحقّقون طرقاً شتّى لمعالجة شبهة الجبر والتخلّص من هذا الإشكال العويص(13)، ونحن يمكننا هنا اللجوء إلى اتجاه آخر في البحث هو إخراج الآية من مورد الشبهة أصلاً، وهو ما يغنينا عن ولوج مسألة الجبر وتخريجاتها، وبشيء من التدقيق في مفاد الآية الشريفة نرى أن لا وجود للشبهة حتّى نبحث عن مخرج لها!

    بماذا تتعلّق إرادة الحقّ تعالى في الآية الكريمة؟ إذا كان متعلّق الإرادة هو «إبعاد» الرجس والذنب عن «أهل البيت» (عليهم السلام) لا منعهم عن ارتكابه والوقوع فيه هل يبقى لشبهة الجبر محلّ؟ إذا كان مفاد الآية هو أنّ الباري أراد إضفاء الحصانة من الذنوب على «أهل البيت» (عليهم السلام)وأنّه تعالى متولّي هذا الأمر والقائم على تحقيقه لكان للشبهة محلّ، ولكن بشيء من التأمّل في الآية نرى أنّ القرآن الكريم يقول: {يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ}.

    إنّ إعراب كلمة «ليُذهب» هو مفعول به، وهي ذاتها التي جاءت في آيات اُخرى تارةً محلاّة بـ «اللام» وتارةً بـ «أنْ»، على سبيل المثال، فقد جاءت في سورة التوبة: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}(سورة التوبة الآية: 55)، وفي السورة نفسها: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا}(سورةالتوبة الآية: 85)، وبملاحظة الآيتين يتبيّن أنّ «اللام» في الآية الاُولى ليست للغاية بل هي بمعنى «أنْ»، التي جاءت في الآية الثانية، ولا ترديد في أنّ {أنْ يُعذّبهم} في الآية الثانية هي مفعول به للفعل «يريد» (على التأويل بالمصدر، أي: يريد عذابهم).

    وهكذا في مواضع اُخرى من القرآن الكريم: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}(سورة الصف الآية: 8)، ومن هذا القبيل الآية: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}(سورة التوبة الآية: 32)، ونستنبط من هذا التفاوت في التعبير اتحاد المعنى بين «اللام» و«أن» في مثل هذه الموارد، وبالنتيجة هو مفعول به للفعل «يريد الله».

    وبهذا البيان اتّضح أنّ متعلّق الإرادة في آية التطهير هو الإذهاب المراد به الإبعاد، أي أنّ الله أراد إبعاد الرجس عن «أهل البيت» (عليهم السلام)، بمعنى إيجاد فاصل بينهم وبين المعاصي والأرجاس، إذن التدخّل الإلهي كان من هذه الزاوية فقط، تدخّل يوجد مسافة تفصل بين المعاصي و«أهل البيت» (عليهم السلام)، فلا تدنو منهم المعاصي ولا تقربهم الأرجاس. على هذا فإنّ إرادة الباري لم تنعقد على عدم فعلهم الذنوب بل على إيجاد المسافة الفاصلة التي تنزّههم وتبعِّدهم عن الذنوب.

    والوضع المقابل لهذه الحالة هو وجود قرب بين بعض الأشخاص وبين المعاصي والذنوب، هناك اُناس يقفون دائماً على أعتاب المعاصي والأرجاس، وهذا الموقف وهذه الحالة هي مدخل التعاسة ومبعث الشقاء، من هنا فإنّ القرآن ينهى عن الاقتراب من الذنوب حيث لا يعود ثمّة فاصل بين الاقتراب من الذنب واقترافه! وذلك في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}(سورة الانعام الآية: 151).

    إذن فمفاد آية التطهير هو إبعاد الرجس عن «أهل البيت»(عليهم السلام)(وسيأتي معنى الرجس)، ولا يخلو ـ بطبيعة الحال ـ هذا «الإبعاد» من عناية ولطف إلهي اختصّ به هؤلاء صلوات الله عليهم، ولكنّه لا يعني بأيّ حال من الأحوال سلبهم الإرادة والاختيار وعدم صدور المعصية عنهم جبراً، إنّ الفصل بين الإنسان والذنب ليس جبراً بل هو توفيق، ولم يشمل الباري تعالى الجميع بخاصّة عنايته ومخصوص لطفه، إنّه توفيق وفضل إلهي لا يؤتيه الله إلاّ من يشاء ولا يلقّاه إلاّ ذو حظّ عظيم.

    لقد مضت البُنية والحركة الاجتماعية لبعض الأفراد على نحو جعل حياتهم أقرب ما تكون لأجواء المعصية وفي معرض الفساد ومتناوله، فيعيشون إلى جوار الخمارات وفي أوساط تعجّ بدور اللهو والرذيلة، حقّاً إنّه لسوء توفيق وتعاسة تلازم عالم ومجتمعات اليوم حيث يعيش الناس في بيئة فاسدة ومحيط يغطّ بالفسق والفجور، ولكنّنا نجد أنّ في وسط هذا العالم المضطرب العاصف بالفساد مَنْ منَّ الله عليه ولطف به ففصل بينه وبين هذا الخضم المتلاطم ونجّاه من الوقوع في المعاصي، لاشكّ في أنّ هؤلاء مشمولون بلطف وعناية إلهية خاصّة، وهكذا «أهل البيت»(عليهم السلام) الذين شملتهم بلطف الرحمن ـ جلّ وعلا ـ أعظم عناية بظهور فاصل أبدي بينهم وبين مطلق الرجس، فانصرفوا عن توافه الأمور وأصبح بينهم وبين المعاصي بون شاسع لا تطويه ملايين الفراسخ، فلا يتلوّثون بالذنوب ولا تنالهم المعاصي، ولكن هذه الطهارة عن الذنب ليست أمراً قهرياً اُجبر عليه «أهل البيت»(عليهم السلام)، بل لما كانت أرواحهم السامية تسبح في بحر الفضيلة والطاعة بعيداً عن المعاصي والذنوب، فإنّ المعاصي والذنوب ـ المُبعدة والمنفية ـ لا تجد سبيلاً ولا تعثر على منفذ وملمز يمكنها من اختراق الحُجب الفاصلة بينها وبين تلك الأرواح الطاهرة، فلا يعتري ضمائرهم شيء من شوائب الأرجاس وكدر المعاصي!

    على هذا فإنّ دور الإرادة الإلهية كان مجرّد إيجاد الفاصل بين «أهل البيت» (عليهم السلام) والرجس(14) لا تحصينهم من الذنوب على نحو يسلبهم الاختيار ويُدخل الأمر في الجبر، والفصل ـ بطبيعة الحال ـ هو من قبيل اللطف الخاصّ والعناية، وهو ما يُعبّر عنه بـ «التوفيق»، ولا يصحّ بحال أن يوسم هذا التوفيق بالجبر.


    الهوامش:

    1- الشائع الصناعي: أي المتعارف في المحاورات والعلوم والصناعات، مثل «الإنسان كاتب» ويكون عند اتحاد الموضوع والمحمول في المصداق وتغايرهما من جهة المفهوم، ويقابله الحمل الذاتي الأوّلي: فالاتحاد بين الموضوع والمحمول في المفهوم، لكن المغايرة اعتبارية كالإجمال والتفصيل ونحوه، مثل «الإنسان حيوان ناطق»...

    2- وقد يتعلّق الشوق بنتيجة الفعل لا به، كما في تناول الدواء المرّ جدّاً أو في تحمّل عملية جراحية خطرة.

    3- ذكر العلاّمة الطباطبائي في نهاية الحكمة ص361 : «وقد تحقّق أنّ كلّ كمال وجودي في الوجود فإنّه موجود للواجب تعالى في حدّ ذاته، فهو (تعالى) عين القدرة الواجبية، لكن لا سبيل لتطرّق الشوق عليه، لكونه كيفية نفسانية تلازم الفقد، والفقد يلازم النقص، وهو تعالى منزّه عن كلّ نقص وعدم. (ثمّ يقول): وكذلك الإرادة التي هي كيفية نفسانية غير العلم والشوق، فإنّها ماهية ممكنة والواجب تعالى منزّه عن الماهية والإمكان».

    4- في ظلال القرآن / سيّد قطب 5 : 2862 .

    5- أي بنسبة 2 % فقط، وقد قمت بإحصاء الموارد التي ذكرت فيها «الإرادة» ومشتقّاتها في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن فوجدتها 138 كما ذكر المؤلف.

    6- ممّن أثار هذه الشبهة الآلوسي صاحب تفسير روح المعاني، وزاد وأمعن حين قال: بل لعلّ هذا أفيد (للعصمة) لما فيه من قوله {وَلِيُتمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُم} فإنّ وقوع هذا الإتمام لا يتصوّر بدون الحفظ عن المعاصي! (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم 22 : 18).

    7- قد تكون في بعض التشريعات خصوصيّة وامتياز وما ينتزع منه الفضيلة والتفوّق للمكلّفين بها، من قبيل وجوب قيام الليل على النبيّ(صلى الله عليه وآله) وإباحة زواج أكثر من أربعة نساء له، وزيادة التكبيرات في صلاة الميّت على بعض الشهداء كحمزة بن عبد المطّلب(عليه السلام)، وحرمة الصدقة على ذريّة رسول الله(صلى الله عليه وآله).

    ولكن الملاحظ في الآيات محلّ البحث أنّ التشريعات التي جاءت بها لا تشكّل أيّة مزيّة وفضيلة للمخاطبين بها، ومجرّد الخطاب لا يعني أكثر من شأن النزول، وهي سيرة القرآن في بيان أكثر الأحكام والتشريعات السماوية، فإذا ما شُرع على سبيل المثال وجوب التوجّه إلى القبلة في جميع الصلوات وحيثما كان الإنسان إثر حادثة معيّنة (روى جابر قال: بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله)سرية كنت فيها، فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة منّا: قد عرفنا القبلة هي هاهنا قبل الشمال وخطوا خطوطاً، فلمّا أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فلمّا قفلنا من سفرنا سألنا النبيّ(صلى الله عليه وآله) عن ذلك فسكت فأنزل الله تعالى: (وَللهِِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)(سورة البقرة 2 : 115، مجمع البيان 1 : 320، بحار الأنوار 84 : 31) فهل يعني أن لهؤلاء النفر فضيلة أو مزيّة اكتسبوها بكونهم سبباً لبيان الحكم وشأناً لنزول الآية؟ كلاّ بطبيعة الحال.

    نعم، قد يقال: إنّ مضاعفة الأجر عند الإحسان ومضاعفة العقاب عند الإساءة ممّا ورد في الآيات يمكن عدّه نوعاً من التميّز لنساء النبيّ، ولكن لا يخفى أنّ هذا التميّز خارج عن نطاق التشريع ولا يمس الوضع القانوني، وأنّه يتعلّق ببعد آخر هو نتيجة العمل، لا العمل (التكليف المتعلّق بالتشريع) نفسه ممّا لا يُعالج الثغرة والإشكال على القائلين بالإرادة التشريعية هنا.

    8- روح المعاني في تفسير القرآن 22 : 18 .

    9- هذا هو غرض النبيّ (صلى الله عليه وآله) من هذا الدعاء، وإلاّ فنتيجته وثمرته من حيث التحقّق تحصيل حاصل (وقد اُوفيَ المطلب حقّه في مواضع اُخرى من البحث، فراجع الصفحات السابقة)، وقد يكون هناك وجه آخر لمثل هذه الأدعية (المضمونة النتيجة) هو الإقرار بالفقر والحاجة لاستمرار الفيض ومواصلته ودوام العطاء الإلهي، فالداعي يعلم أنّ الله خلع عليه الوجود وأفاض عليه الجوارح ووهبه النعم تكويناً، ولكنّه يسأل الله ويدعوه استمرارها ومواصلة الإنعام بها وعدم زوالها، وقد يُنزّل الدعاء في مثل هذه المواضع منزلة الشكر والحمد على النعمة.

    10- روح المعاني في تفسير القرآن 22 : 19 .

    11- بحار الأنوار 82 : 248 ح1 و ص 303 ح2 .

    12- الإشكال لا يختصّ بهذا المورد (آية التطهير) فقط، وإنّما يشمل جميع القضايا الأزليّة كاختيار الأنبياء ومنح الاستعدادات الأوّلية والكمالات الخلقية من جمال الهيئة وسلامة الحواس والفطنة والذكاء، بل وصفاء الروح واعتدالها.

    13- نشير باختصار إلى بعض الردود والحلول التي يطرحها علماؤنا لهذه الشبهة:

    منها: أنّ الله اطّلع في علمه فرأى عبادتهم وخلوصهم وكمالهم، ووقف بعلمه على ما سيبلغونه من مراتب القرب فخلع عليهم العصمة، فهي إذن عن جدارة واستحقاق، ولمقابل قاموا بأدائه (في علم الله).

    ومنها: أنّ الأمر منوط الظرف والوعاء، من حيث إنّ مبدأ الحقّ فيّاض والخير متدفّق منه غير منقطع، وإنّما يغترف كلٌّ على قدر إنائه ووعائه، وما يحصّلون عليه من عصمة وعلم وكرامة و... إنّما اغترفوه من بحر جود الباري عزّوجلّ، واستحوذوا عليه لسموّهم وعلوّ هممهم ولم يكن الخالق ليبخل على أحد، فقد وهب الله العصمة للجميع ولكن من تلقاها هم الأئمّة والأنبياء(عليهم السلام)فقط، إذن هو نتيجة سعي ووفق أساس لا يخدش العدالة الإلهية ولا يناله الجبر.

    ومن الآراء في هذا الباب، أنّهم صلوات الله عليهم كانوا قبل قانون العمل والمجازاة، حيث كانوا ولم يكن شيء، وقد تواترت الروايات في هذا المعنى (من قبيل ما جاء في الزيارة الرجبية والزيارة الجامعة الكبيرة)، وما قام عليه الدليل الفلسفي من أنّهم العقل والفيض الأوّل حيث الفضل للمقام لا العمل، فكمالات العصمة والعلم والولاية من مستلزمات ذلك المقام ومقتضياته، فهم التجلّي التام لله ولابدّ للمرآة التي يتجلّى الله فيها أن تكون صفاءً تامّاً وطهراً كاملاً خالية من أيّ كدر للمعصية، وإلاّ لفقدت صلاحيتها كمجال للتجلّي الإلهي، وهناك وجوه ومعالجات اُخرى.

    14- وهذه الحالة ليست ضرباً من الإبهام والوضع الغريب، بل هي حالة معهودة ومعروفة عند سائر المؤمنين، وتشكِّل أملاً وأمنية دائمة يرجونها، فيكرّرون في أدعيتهم ويسألون الله سبحانه إبعاد الأرجاس والذنوب عنهم، ويدأبون على الاستعاذة من «إبليس» مصدر الأرجاس والذنوب «نعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، والرجيم أي: المطرود والمنفي المُبعد.


  3. #3
    التسجيل
    04-08-2003
    المشاركات
    3

    Re: شبهات وردود حول الشيعة الإمامية

    براءة الامام علي (عليه السلام) من حديث الشراب الحرام


    هذا جزء مختصر في الرد على الحديث المفترى، الذي أشاعته الحشوية والناصبة بين الورى، من نسبة سيدنا ومولانا، يعسوب الدين، أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، إلى شرب الخمر ـ والعياذ بالله ـ والكشف عن اختلاقه وصنعه، ونبدا بالفصل التالي من هذا الرد:


    - فصل: طرق الحديث


    اخرج الترمذي في سننه(1) عن عبد بن حُميدٍ: قال: حدثنا عبد الرحمن ابن سعدٍ، عن جعفر الرازي، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السُلميّ، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما، فدعانا وسقلنا من الخمر، فأخذت الخمر منّا، وحضرت الصلاة، فقدموني فقرأت: قل ياأيها الكافرون لا أعبد ماتعبدون ونحن نعبد ما تعبدون، قال: فأنزل الله: (ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون).

    قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح.

    وأخرج أبو داود في (سننه)(2) عن مسدد قال: أخبرنا يحيى، عن سفيان، قال: أخبرنا عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السُلميّ، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام): أن رجلا من الأنصار دعاه وعبد الرحمن بن عوف، فسقاهما قبل أن تحرّم الخمر، فأمهم علي (عليه السلام) في المغرب وقرأ: (قل ياأيها الكافرون) فخلط فيها، فنزلت: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون).

    وأخرجه النسائي في (سننه)(3) عن عمر بن علي، عن أبن مهدي، عن سفيان نحوه.

    وأخرج أبن جرير في (تفسيره)(4) عن المثنى، قال: حدثنا الحجاج بن المنهال قال: حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن حبيب: أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما وشرابا، فدعا نفراً من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) فأكلوا وشربوا حتى ثملوا، فقدموا عليا (عليه السلام) يصلي بهم المغرب، فقرأ قل ياأيها الكافرون أعبد ما تعبدون وأنا عابد ما عبدتم لكم دينكم ولي دين، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون).

    وأخرج بن جرير في (تفسيره)(5) أيضا عن محمد بن بشارٍ قال: حدثنا عبد الرحمن: حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن، عن علي (عليه السلام): أنه كان هو وعبد الرحمن ورجا آخر شربوا الخمر، فصلى بهم عبد الرحمن، فقرأ: (قل ياأيها الكافرون) فخلط فيها، فنزلت: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون).

    وأخرج أبن المنذر عن عكرمة في قوله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) قال: نزلت في أبي بكر وعمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف وسعد، صنع علي لهم طعاما وشرابا فأكلوا وشربوا، ثم صلى علي بهم المغرب، فقرأ: (قل ياأيها الكافرون) حتى خاتمتها، فقال: ليس لي دين وليس لكم دين، فنزلت: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)(6).

    وأخرج أيضاً(7) عن موسى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا بن حماد، قال: حدثنا بن نضر، عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السُديّ قال: نزلت هذه الآية: (يسألونك عن الخمر والميسر) ـ الآية، فلم يزالوا بذلك يشربونها حتى صنع عبد الرحمن بن عوف طعاماً، فدعا ناساً من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) فيهم علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقرأ: (قل ياأيها الكافرون) فلم أفهمها، فأنزل الله عز وجل يشدد في الخمر (ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون)... إلى آخره.

    وأخرج أحمد في (مسنده)(8) عن سُرَيج ـ يعني ابن نعمان ـ قال: حدثنا أبو معشر، عن أبي وهب، عن أبي هريرة، قال حُرمت الخمر ثلاث مرات، قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) المدينة وهم يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، فسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنهما، فأنزل الله على نبيه (صلى الله عليه وآله): (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) إلى آخر الآية، فقال الناس: ما حرّم علينا، إنما قال: (فيهما إثم كبير) ىوكانوا يشربون الخمر، حتى إذا كان يوم من الأيام صلى رجل من المهاجرين أمّ أصحابه في المغرب خلط في قرآءته، فأنزل الله فيها آية أغلظ منها ( ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) ـ الحديث.

    وأخرج ابن جرير(9) عن هنّاد بن السريّ، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثني أبو معشر المدني، عن محمد بن قيس فذكر نحوه.

    وأخرج البزّار في (مسنده)(10) عن أحمد بن محمد بن سعيد الأنماطي، عن عبد الرحمن بن عبد الله سعد الدشتكي، عن أبي جعفر الرازي، عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن، عن علي (عليه السلام) قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً، فدعانا فأكلنا وشربنا من الخمر، فلما أخذت الخمر فينا وحضرت الصلاة أمروا رجلا فصلى بهم فقرأ: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون). قال البراز: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن علي (عليه السلام) متصل الإسناد إلا من حديث عطاء بن سائب، عن أبي عبد الرحمن.

    قال: وإنما كان ذلك قبل تحريم الخمر، فحرّمت من أجل ذلك(11).

    قال: لا يخفى عليك ما في هذا الحرف الأخير من كلامه، فإن القوم رووا ما يفيد أن تحريم الخمر لم يكن بسبب هذه القصة، بل لأمر آخر يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

    وأخرج الحاكم في (المستدرك)(12) عن محمد بن علي بن دحيم الشيبانيّ، قال: حدثنا أحمد بن حازم الغفاريّ، حدثنا أبو نعيم وقبيضة، قالا: حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن، عن علي (عليه السلام) قال: دعانا رجل من الأنصار قبل تحريم الخمر، فحضرت صلاة المغرب فتقدم رجل فقرأ: (قل يا أيها الكافرون) فالتُبس عليه، فنزلت: (لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون)، الآية.

    وأخرج في (المستدرك)(13) أيضا عن أبي عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ، قال: حدثنا علي بن الحسن، حدثنا عبد الله بن الوليد، حدثنا سفيان.

    قال الحاكم: وحدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبريّ، حدثنا أبو عبد الله البوشنجي، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي، عن علي (عليه السلام) قال: دعانا رجل من الأنصار قبل أن تحرم الخمر، فتقدم عبد الرحمن بن عوف وصلى بهم المغرب، فقرأ: (قل يا أيها الكافرون) فالتبس عليه فيها، فنزلت: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى).

    قال الحاكم: هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقد اختلف فيه على عطاء بن السائب من ثلاثة أوجه، وهذا أوّلها وأصحها.

    و(الوجه الثاني) حدثناه أبو زكريا العنبريّ، حدثنا أبو عبد الله البوشنجي، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن، عن علي (عليه السلام) أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر يشربون الخمر، فصلى بهم عبد الرحمن بن عوف، فقرأ: (قل يا أيها الكافرون) فخلط فيها فنزلت: ( لا تقربوا الصلاو وأنتم سكارى).

    و(الوجه الثالث) حدثنا العنبري، حدثنا أبو عبد الله البوشنجي، حدثنا مسدّد بن مسرهد، أنبأنا خالد بن عبد الله، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن، أن عبد الرحمن صنع طعاما، قال: فدعا ناسا من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)فيهم علي بن أبي طالب، فقرأ: قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ماتعبدون ونحن عابدون ماعبدتم، فأنزل الله عز وجل: ( ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون).

    قال الحاكم14) هذه الأسانيد كلها صحيحة، والحكم لحديث سفيان الثوري، فإنه أحفظ من كل من رواه عن عطاء بن السائب.

    وأخرج الواحدي في (أسباب النزول)(15) عن أبي بكر الأصبهاني، قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، قال: حدثنا أبو يحيى، قال: حدثنا سهل بن عثمان، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الإفريقي، قال: حدثنا عطاء، عن أبي عبد الرحمن، قال: صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما ودعا أناسا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فطعموا وشربوا، وحضرت المغرب فتقدم بعض القوم فصلى بهم المغرب فقرأ: (قل يا أيها الكافرون) فلم يقمها، فأنزل الله تعالى: ( ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون).

    هذا ماوقفنا عليه من طرق الحديث، على العجالة، ولا يخلو كل منها من مقال، فلنبين ذلك على حسب ما يسعه المجال.




    - فصل: مناقشة الروايات

    فأما رواية الترمذيّ، ففي طريقها أبو جعفر الرازي التميمي ـ مولاهم ـ يقال: أسمه عيس بن أبي عيسى ماهان، وقيل عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان.

    قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ليس بقوي في الحديث، وقال عبد الله بن علي المديني عن أبيه: هو نحو موسى بن عبيدة.

    قلت: قد قال ابن المديني في موسى بن عبيدة: إنه ضعيف الحديث، حدّث بأحاديث مناكير(16) .

    وقال عمرو بن علي الفلاّس: أبو جعفر الرازيّ فيه ضعف، وقال أبو زرعة: شيخ يَهِمُ كثيرا، وقال النسائي والعجليّ: ليس بالقويّ، وقال ابن حبّان: كان ينفرد عن المشاهير بالمناكير، لا يعجبني الاحتجاج بحديثه إلا فيما وافق الثقات، وقال الساجيّ: ليس بمتقنٍ، وقال عمرو بن علي وابن خرّاش: سيّئ الحفظ، وقال ابن معينٍ: يكتب حديثه ولكنه يخطئ(17) .

    وفي الطريق أيضا عطاء بن السائب، قال شعبة: ثلاثة في القلب منهم هاجسٌ: عطاء بن السائب ويزيد بن أبي زيادٍ ورجل آخر، وقال أبو طالب عن أحمد: من سمع منه قديما فسماعه صحيح، ومن سمع منه حديثا لم يكن بشيءٍ.

    قال: وكان يرفع عن سعيد بن جبير أشياء لم يكن يرفعها.

    وقال وهيب: لما قدم عطاء البصرة قال: كتبت عن عبيدة ثلاثين حديثا، ولم يسمع من عبيدة شيئا، وهذا اختلاط شديد.

    وقال شعبة أيضا: حدثنا عطاء بن السائب ـ وكان نسياً ـ وقال ابن معين: ليث بن أبي سليم ضعيف، ومثله عطاء بن السائب، وجميع من سمع من عطاءٍ بعد الاختلاط(18) .

    وذكر العجليّ: أن عطاء بآخره كان يتلقن إذا لقنوه في الحديث، لأنه كان غير صالح الكتاب، وقال أبو حاتم: في حفظه تخاليط كثيرة، رفع أشياء كان يرويها عن التابعين ورفعها إلى الصحابة، وقال الدارقطني في (العلل): اختلط ولم يحتجوا به في الصحيح، ولا يحتج من حديثه إلا بما رواه الأكابر، شعبة والثوريّ ووهيب ونظراؤهم(19) .

    ثم إن ابن السائب قد تفرد بهذا الحديث عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب ابن ربيعة السلمي القارئ، وقد قال ابن أبي حاتم عن أبيه: ليست تثبت روايته عن علي (عليه السلام) وعن الواقديّ: أنه شهد مع علي (عليه السلام) صفّين ثم صار عثمانياً(20).

    فإذا كان حال الرجل ـ عن القوم(21) ـ فكيف يعول عليه ويركن إليه في حديثه هذا عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، بل إنه يكون متهما في ذلك بلا ريب، هذا إن ثبتت روايته عنه عليه الصلاة والسلام، وإلا فهو أول الكلام.

    ومن هذا وأضرابه تذعن بأن أبا عيسى الترمذي لا ينبغي الا سترواح إلى تصحيحاته وتحسيناته للأحاديث، لتساهله في ذلك، وقد حكم على هذا الحديث بأنه حسن الصحيح مع ما ترى في إسناده من الوهن، وكم له في هذا الباب من زلّةٍ نبّه عليها أهل هذا الشأن(22).

    حكى الإمام الزيلعي في (نصب الراية)(23) عن ابن دحية أنه قال في كتابه (العلم المشهور): كم حسّن الترمذي في كتابه من أحاديث موضوعة وأسانيد واهيةٍ.

    وقال الحافظ شمس الدين الذهبي بترجمة إسماعيل بن رافع المدني في (ميزان الاعتدال)(24) ـ بعدما حكى تضعيفه عن جماعة من أئمة الجرح والتعديل ـ: ومن تلبيس الترمذي أنه قال: ضعفه أهل العلم.

    وقال أيضا بترجمة كثير بن عبد الله المزني المدني من (الميزان)(25) بعد ذكر رواية الترمذي من حديثه: (الصلح جائز بين المسلمين) وتصحيحه: لايعتمد العلماء على تصحيح الترمذي.

    وقال أيضا بترجمة يحيى بن يمان العجلي الكوفي ـ عقب ذكر حديث من طريقه ـ حسنه الترمذي مع ضعف ثلاثةٍ فيه ـ فلا يغتر بتحسين الترمذي، فعند المحاقة غالبها ضعاف(26) .

    قلت: لقد صدق الذهبي وبر، وناهيك بهذا الحديث شاهد صدقٍ على ما ذكر، فالله المستعان.

    وقال الشيخ العلامة أبو العلى محمد بن عبد الرحمن المباركفوري في مقدمة (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي)(27) : أعلم أن الإمام أبا عيسى الترمذي ـ مع إمامته وجلالته في علوم الحديث، وكونه من أئمة هذا الشأن ـ متساهل في تصحيح الأحاديث وتحسينها.

    وأما رواية أبي داود، ففي إسناده ـ مضافا إلى عطاء وأبي عبد الرحمن السلمي ـ سفيان بن سعيد الثوري، وهو وإن سمع من عطاء قبل الاختلاط بيد أنه مشهور بتدليس التسوية.

    قال الخطيب البغدادي: كان الاعمش وسفيان يدلسان تدليس التسوية، وهو شرّ أنواع التدليس وأقبحه ـ كما قال الحافظ العلائي ـ.

    وقال الحافظ ابن حجر: لا شك أنه جرح، وإن وصف به الثوري والأعمش فلا اعتذار أنهما لا يفعلانه إلا في حق من يكون ثقة عندهما، ضعيفا عند غيرهما(28).

    وقال البقاعيّ: سألت شيخنا: هل تدليس التسوية جرح؟ فقال: لا شك أنه جرح، فإنه خيانة لمن ينقل إليهم وغرور(29) .

    وفي ترجمة يحيى بن سعيد القطان من (تهذيب التهذيب)(30): قال أبو بكر: سمعت يحيى يقول: جهد الثوريّ أن يدلس عَلَيّ رجلا ضعيفا فما أمكنه، قال مرةً: حدثنا أبو سهل، عن الشعبي، فقلت له: أبو سهل محمد بن سالم؟ فقال: يحيى، ما رأيت مثلك، لا يذهب عليك شيء.

    ثم إن الثوري قد عنعن في حديثه هذا عطاء، ولم يذكر سماعا منه، وقد تقرر في محله أن المدلس لا يقبل من حديثه إلا ما صرح فيه بالسماع، فتنبّه.

    ومما ذكرنا ظهر لك الحال في رواية النسائي أيضا.

    وأما رواية ابن جرير الأولى: ففي إسنادها حمّاد بن سلمة(31)، وقد نقل ابن القطان عن العقيلي أنه قال: سماع حماد بن سلمة من عطاء بن السائب كان بعد الاختلاط(32).

    وفي إسنادها أيضا ـ مع إرساله ـ ابن السائب السلمي، وقد قضينا الوطر من الكلام عليهما آنفاً.

    وأما روايته الثانية، ففي سندها ـ مضافا إلى رجلين ـ محمد بن بشار بن عثمان البصري المعروف ببُندارا يكذب فيما يروي عن يحيى ـ يعني القطّان ـ .

    وقال القواريري: كان يحيى بن معين يستضعفه، وقال أبو داود: لولا سلامة فيه لترك حديثه، وقال محمد بن سيار: كان يقرأ من كل كتاب، وقال عبد الله بن علي المديني: سمعت أبي وسألته عن حديث رواه بندار عن ابن مهدي بإسناده مرفوعا، فقال: هذا كذب، وأنكره أشد الانكار، وقال حدثني أبو داود موقوفا.

    وقال عبد الله بن الدورقي: كنا عند ابن معين وجرى ذكر بندار، فرأيت يحيى لا يعبأ به ويستضعفه، قال: ورأيت القواريري لا يرضاه، وقال كان صاحب حمامٍ(33).

    وأما روايته الثالثة، ففي إسنادها ـ المرسل ـ أسباط بن نصر الهمداني، قال حرب: قلت لأحمد: كيف حديثه؟ قال: ما أدري، وكأنه ضعفه، وقال أبو حاتم: سمعت أبا نعيم يضعفه، وقال: عامة أحاديثه سقط مقلوب الأسانيد، وقال النسائي: ليس بالقويّ، وقال الساجي في (الضعفاء): روى أحاديث لا يتابع عليها عن سماك بن حرب، وقال ابن معين: ليس بشيء.

    وقد أنكر أبو زرعة على مسلم أخرجه لحديث أسباط هذا(34).

    وفي إسنادها أيضا السدي، ضعفه يحيى بن معين، وقال ايضا: في حديثه ضعف، وقال الجوزجانيّ: كذّاب، وقال ابو زرعة: لين، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال الطبريّ: لا يحتج بحديثه(35) .

    وأما رواية ابن المنذر، فإسنادها ينتهي إلى عكرمة البربري ـ مولى ابن عباس ـ، وقال سعيد المسيب لغلامه برد: يا برد، لا تكذب عليّ كما يكذب عكرمة على ابن عباس.

    وعن يزيد بن أبي زياد قال: دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة مقيد على باب الحُشّ، قال: قلت ما هذا؟ قال: إنه يكذب على أبي.

    وعن عطاء الخراساني قال: قلت لسعيد بن المسيب: إن عكرمة يزعم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تزوج مميمونة وهو محرم، فقال: كذب مخبثان.

    وقال يحيى بن سعيد الانصاري: كان كذابا، وقال إبراهيم بن المنذر عن معن ابن عيسى وغيره: كان مالك لا يرى عكرمة ثقةً، ويأمر أن لا يؤخذ عنه.

    وعن الشافعي: أن مالكا كان سيئ الرأي في عكرمة ثقةً، وقال: ولا أرى لأحد أن يقبل منه.

    ونقل الإسماعيلي في (المدخل): أن عكرمة ذكر عند أيوب من أنه لا يحسن الصلاة، فقال: أيوب: أوَكان يصلي؟! وقال ابن أبي ذئبٍ: كان عكرمة غير ثقةٍ(36).

    قلت: وهو مع ذلك مبتدع ضالّ ـ لا غفر الله له عثرة ولا أقال ـ فقد كان يرى رأي الخوارج ـ وهم كلاب النار(37) الذيم مرقوا من الدين مروق السهم من الرمية، كما أخبر الصادق المصدق (صلى الله عليه وآله) في الحديث المتفق على صحته(38) ـ فقيل: كان يرى رأي الأباضية ـ وهم من غلاة الخوارج ـ وقيل: كان يرى رأي نجدة الحروريّ، وكان نجدة من أشد الخوارج عداوةً لأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، وقيل: كان يرى رأي الصفرية، وهم من غلاة الخوارج أيضا(39) .

    ولما ذكر الشهرستاني في كتاب (الملل والنحل)(40) رجال الخوارج كان عكرمة أول رجل عده منهم.

    فإذا كان هذا الشقي المخذول من ألد خصوم أمير المؤمنين (عليه السلام) وأشد الدعاة إلى عداوته ومناوءته، والسعاة في تظليل الناس عنه، فلا غرو أن يبهته بما لفترى عليه من الإثم، ويعزوه إلى برّأة الله منه.

    على أن حديثه هذا منقطع الإسناد أيضا كما لا يخفى، فأي حجة تنهض به يأولي الألباب؟

    وأما رواية أحمد، ففي طريقها ابو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني، قال عمرو بن علي: كان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه ويضعفه ويضحك إذا ذكره وقد قالوا: من تركه يحيى تركناه(41)ـ وقال أحمد: حديثه عندي مضطرب، لا يقيم الإسناد، وقال ايضا: ليس بذاك، وقال بن معين: ليس بقوي في الحديث، وقال ايضا: ضعيف يكتب في حديثه الرقاق، وكان أميا يتقى من حديثه المسند، وقال أيضا: ضعيف إسناده ليس بشيئ، ويكتب رقاق حديثه، وقال ايضا: ليس بشيئ، أبو معشر ريح، وقال البخاري: لا أروي عنه شيئا، وقال صالح بن محمد: لا يسوى حديثه شيئا، وقال ابن سعد: كان كثير الحديث ضعيفا، وقال أبو داود: له أحاديث مناكير، وقال الخليلي: ضعفوه في الحديث(42).

    وفي طريقها أيضا أبو وهب ـ مولى أبي هريرة ـ وهو مجهول(43).

    وأما أبو هريرة الوسي، فقد بسط الكلام بشأنه ـ بما لا مزيد عليه ـ سيدنا الإمام أبن شرف الدين العاملي رحمه الله ورضي عنه وأرضاه، في تأليف مفرد بيّن فيه زيف أحاديثه وكشف عن حال مروياته، فمن شاء فليرجع إليه فإنه نسيج وحده.

    وأما رواية ابن جرير الرابعة، ففي إسنادها المنقطع يونس بن بكير بن واصل الشيباني، قال الآجري عن أبي داود: ليس هو عندي بحجة(44)، وكان يأخذ ابن إسحاق فيوصله بالأحاديث، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال مرّةً: ضعيف، وقال الجوزجاني: ينبغي أن يتثبت في أمره، وقال الساجي: كان ابن المديني لا يحدث عنه، وقال أحمد بن حنبل: ما كان أزهد الناس فيه وأنفرهم عنه، وقال أحمد بن محمد بن محرز: قلت لابن أبي شيبة: ألا تروي عنه؟ قال: كان فيه لين(45) .

    وفي الإسناد أيضا أبو معشر المدني نجيح بن عبد الرحمن السنديّ، وقد مر الكلام عليه آنفاً.

    وأما شيخه محمد بن قيس المدني، فقد قال ابن معين: ليس بشيئ، لا يروى عنه(46).

    وأما رواية البزّار، ففي سندها ابو جعفر الرازي وعطاء بن السائب وأبو عبد الرحمن السلمي، وهؤلاء قد تقدم الكلام عليهم وتبين لك حالهم فيما سلف.

    وأما روايات الحاكم، فإن في طريقها سفيان الثوري وابن السائب والسلميّ، ورابعها مرسل أيضا(47)، وفيه خالد بن عبد الله الطحان وقد ضعفه ابن عبد البر في (التمهيد)(48) فظهر بذلك تساهل الحاكم في تصحيح هذه الاحاديث.

    وأما رواية الواحدي، ففي طريقها ـ المنقطع، المنتهي إلى أبي عبد الرحمن السلميّ ـ أبو عبد الرحمن الإفريقي عبد الله بن عمر بن غانم الرعينيّ ـ قاضي إفريقية ـ قال أبو حاتم: مجهول(49)، وكذا قال الذهبي في (الميزان)(50) وقال أبن حبان في (الضعفاء)(51) روى عن مالك ما لم يحدّث به مالك قط، لا يحل ذكر حديثه ولا الرواية عنه في الكتب إلا على سبيل الاعتبار.

    قلت: والظاهر أن سماعه من عطاء كان بعد الاختلاط، بمقتضى ما تقدم.

    هذا، وقد قال الحافظ زكيّ الدين المنذريّ في (المختصر سنن أبي داود)(52) بشأن حديث الباب: أخرجه الترمذي والنسائيّ، وفي إسناده عطاء بن السائب، لا يعرف إلا من حديثه، وقد قال يحيى بن معين: لا يحتج بحديثه، وفرق مرة بين حديثه القديم وحديثه الحديث، ووافقه على التفرقة الإمام أحمد.

    قال المنذريّ: وقد اختلف في إسناده، فرواه سفيان الثوري وأبو جعفر الرازي عن عطاء بن السائب مسندا، ورواه سفيان بن عيينة وإبراهيم بن طهمان وداود بن الزبرقان عن عطاء فأرسلوه.

    فتحصل مما ذكرنا أن هذه الحاديث غير ثابتة من جهة الإسناد البتة، والله المستعان.




    فصل: في متون هذه الأحاديث

    وأما متون هذه الأحاديث، فقد وقع فيها أختلاف واضطراب أيضا، ففي رواية أبن المنذر عن عكرمة أن عليا (عليه السلام) كان هو الداعي، وفي رواية الترمذي وأبن جرير والواحدي ورواية عند الحاكم أنه كان عبد الرحمن بن عوف، وفي رواية أبي داود وروايتين عند الحاكم: أن الداعي رجل من الأنصار.

    واختلف أيضا في إمام القوم الذي صلى بهم يومئذ، فعند الترمذي وأبي داود وابن جرير وابن المنذر ورواية الحاكم، أن عليا (عليه السلام) صلى بهم فخلط في قراءته. وعند النسائي وابن جرير أيضا وروايتين عند الحاكم أن عبد الرحمن بن عوف صلى بهم.

    وفي رواية أحمد عن أبي هريرة، وابن جرير عن محمد بن قيس، والواحدي، ورواية عند الحاكم: أُبهم أسم المصلي بهم.

    وقد ذكر الحافظ المنذري في (مختصر سنن أبي داود)(53) الاختلاف الواقع في متن هذا الحديث، فقال: وأما الاختلاف في متنه، ففي كتاب أبي داود والترمذي ما قدمناه، وفي كتاب النسائي وأبي جعفر النحاس أن المصلي بهم عبد الرحمن بن عوف، وفي كتاب أبي بكر البزار: أمروا رجلا فصلى بهم، ولم يسمه، وفي حديث غيره: فتقدم بعض القوم.

    ونحو ذلك كلام الحافظ ابن حجر في (الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف)(54).

    ولا ريب أن مثل هذا الوهن والإضطراب الواقع في هذه المتون والأسانيد قادح في أصل الأحاديث، موجب لسقوطها عن الاعتبار عند أهل هذا الشأن، فما كان هذا حاله كيف يؤخذ به ويعول عليه؟ أم كيف يصحح ويودع في (السنن) وأمهات دواوين الإسلام؟! نبؤونا يا أولي البصائر والأحلام.

    فصل: دلائل على افتراء هذه الرواية:

    وإذا تحققت أن هذه الأحاديث لم يثبت شيء منها البتة، فاعلم أنها مندفعة أيضا من وجوه عديدة نذكرها مستعينين بحول الله تعالى وقوته.

    فأول ما يبطلها ويدفعها ما رواه الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بإسناده إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ثلاث ما فعلتهن قط ولا أفعلهن أبدا: ما عبدت وثنا قط، وذلك لأني لم أكن لأعبد ما يضرني ولا ينفعني، ولا زنيت قط، وذلك لأني أكره في حرمة غيري ما أكره في حرمتي، ولا شربت خمرا قط، وذلك أني لما يزيد في عقلي أحوج مني إلى ما ينقص منه(55) .

    وعن بريد الأسلمي قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): قال جبرائيل: إن حفظة عليّ تفتخر على الملائكة لم تكتب عليه خطيئة منذ صحباه.

    وقال الحسن: والله ما شرب الخمر قبل تحريمها(56) .

    ويدل على افتراء هذه الحكاية، وبرائة الإمام علي ّ (عليه السلام) ونزتهته مما عزي إليه ـ زورا وبهتانا ـ من شرب الخمر، قول الله عز سلطانه في آية المباهلة: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ). (سورة آل عمران: الآية 61).

    ولا خلاف بين أهل الإسلام في أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يدع للمباهلة سوى الحسنين وأبوهما صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

    أخرج مسلم في (صحيحه)(57) عن سعد ابن أبي وقاص ـ في حديث ـ قال: لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: (اللهم هؤلاء أهلي).

    والمراد ب(أنفسنا) عليّ (عليه السلام) خاصة، لانه (صلى الله عليه وآله) لم يدع للمباهلة ـ التي هي من قواعد النبوة ومؤسساتها ـ من الرجال أحدا غيره، ولاريب أنه ليس المراد به أم نفس علي (عليه السلام) هي نفس النبي (صلى الله عليه وآله) لبطلان الآتحاد، فيكون المراد مثله ومساويه إلا في النبوة.

    قال الإمام الطبرسي58) ولا يجوز أن يكون المعنى به النبي (صلى الله عليه وآله) لانه هو الداعي، ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه، وإنما يصح أن يدعو غيره.

    قال الشيخ الطبرسي: وإذا كان قوله: (وأنفسنا) لا بد أن يكون إشارة إلى غير الرسول (صلى الله عليه وآله) وجب أن يكون إشارة إلى علي (عليه السلام)، لانه لا أحد يدعي دخول غير أمير المؤمنين والسيدة الزهراء وولديهما في المباهلة.

    وهذا يدل على غاية الفضل، وعلو الدرجة، والبلوغ منه إلى حيث لايبلغه أحد، إذ جعله الله نفس الرسول، وهذا ما لا يدانيه فيه أحد ولا يقاربه.

    وقد حكى الفخر الرازي ذلك في (تفسيره)(59) ولم يناقش فيه، مع أن دأبه التشكيك في الضروريات، وما ذلك إلا لظهور هذا الامر ووضوحه ـ والله الحمد ـ حتى عند إمام المشككين.

    فاذا ثبت مساواة الإمام علي (عليه السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله) فيما عدا النبوة، ثبت أنه (عليه السلام) لم يشرب الخمر قط، لثبوت العصمة المطلقة له بذلك كثبوتها له (صلى الله عليه وآله)، ولم يثبت أن الأنبياء (عليهم السلام) شربوا الخمر في وقت أصلا ـ كما قال الآلوسي(60) ـ بل أن ذلك مقطوع به، لا يرتاب فيه ذو تحصيل لمكان العصمة التي هي من لوازم النبوة الضرورية.

    ومما يرد هذه الفرية، ويدفع هذه القصة المكذوبة، أن الله تبارك وتعالى قد وصف الخمر في كتابه العزيز بأنها رجس ـ أي قذر تعاف عنه العقول(61) ـ فقال عز وجل: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (سورة المائدة: الآية 90).

    والرجس ـ كما عن بن عباس ـ عمل الشيطان وما ليس لله فيه رضىً(62) .

    وقال الراغب الأصفهاني: الرجس الشيء القذر، والرجس من جهة الشرع الخمر والميسر(63) .

    وقال بن عطية: الرجس أسم يقع على الأثم والعذاب وعلى النجاسات والنقائض، فأذهب الله جميع ذلك عن أهل البيت (عليهم السلام).

    وقال الأزهري: الرجس اسم لكل مستقذر من عمل وغيره.

    وقال ابن منظور في (لسان العرب)(64): الرجس قذر، وكل قذر رجس، وقد عبر به عن الحرام والفعل القبيح والعذاب زاللعنة والكفر.

    وكيفما كان، فالرجس محرم العين، وقد أذهبه الله تعالى عن أهل البيت (عليهم السلام) ـ ومنهم الإمام علي (عليه السلام) ـ وطهرهم منه تطهيرا، كما في آية التطهير (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً). (سورة الأحزاب: الآية 30)، فثبت عصمة أمير المؤمنين (عليه السلام) من تناول الخمر وتعاطيه.



    فصل: في أسباب نزول آية تحريم الخمر

    إن سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون)، إذ قد صح أن سبب نزولها أمر آخر غير ما جاء في تلك الأحاديث.

    فقد أخرج أبن شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي ـ وصححه ـ والنسائي وأبو يعلى وأبن جرير وأبن منذر وأبن أبي حاتم والنحاس في (النسخ والمنسوخ) وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم ـوصححه ـ والبيهقي والضياء المقدسي في (المختار)(65) عن عمر أنه قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فإنها تذهب المال والعقل، فنزلت: (يسألونك عن الخمر والميسر) التي في سورة البقرة، فدعي عمر فقرأت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت الآية التي في سورة النساء: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)، فكان منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أقام الصلاة نادى أن لاتقربن الصلاة سكران، فدعي عمر فقرأت عليه، فلما بلغ: (فهل انتم منتهون) قال عمر: انتهينا انتهينا.

    وقد عدوا ذلك من موافقات عمر للقرآن(66) .

    فهذا الحديث الصحيح ـ عند القوم ـ قد أفصح عن سبب نزول الآية، ألا وهو سؤال عمر أن يبين الله لهم في الخمر بيانا شافيا، ودفع ما اختلفه بعض من لا خلاق له من أن سبب نزول الآية كان شرب الإمام علي (عليه السلام) للخمر مع نفر من الصحابة، وتخليطه في قراءة سورة الكافرون في الصلاة، فتنبه هداك الله وسددك.



    فصل: شبهة

    واعلم ـ رحمك الله ـ أن الخمر ما زالت محرمة في جميع الأديان والشرائع الحقة، وهذا هو ثابت المقطوع به عند أئمة العترة الطاهرة سلام الله عليهم أجمعين، وعليه انعقد إجماع أهل الحق قاطبة، وهذا يبطل القول بأن الخمر كانت مباحة في شريعة الإسلام ثم نسخ ذلك واستقر التحريم.

    فعن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال: ما زالت الخمر في علم الله وعند الله حرام، وأنه لا يبعث الله نبيا ولا يرسل رسولا إلا ويجعل في شريعته تحريم الخمر، وما حرم الله حراما فأحله من بعد إلا للمضطر، ولا أحل الله حلالا قط ثم حرمه(67) .

    وروى زرارة بن أعين عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قالا: مابعث الله عز وجل نبيا قط إلا وفي علم الله تبارك وتعالى أنه إذا أكمل له دينه كان فيه تحريم الخمر، ولم تزل الخمر حراما(68) .

    وعن محمد بم مسلم قال: سُئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الخمر، فقال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن أول ما نهاني عنه ربي عز وجل عن عبادة الأوثان وشرب الخمر وملاحاة الرجال(69) .

    هذا، ولكن جمهور مخالفينا على أن الخمر كانت مباحة في هذه الشريعة ثم حرمت، نعم حكى النووي في (شرح صحيح مسلم)(70) عن بعضهم أنه قال: إن السكر لم يزل محرما، لكن تعقبه النووي فقال: إنه باطل لا يعرف أصلا.

    وقال الخطيب الشربيني الشافعي في (مغني المحتاج)(71): قيل كان المباح الشرب إلى ما لا ينتهي إلى السُّكر المزيل للعقل، فإنه حرام في كل ملةٍ، حكاه ابن القشيري في (تفسيره) عن القفال الشاشي.

    قلت: هذا باطل مردود، فإن شرب الخمر لم يزل محرما في جميع الشرائع.

    ثم أن النووي غفل عما قال، فنقل احتجاج الجمهور على تحريم جميع الأنبذة المسكرة ـ ساكتا عليه ـ: بأن الله تعالى نبه على أن علة تحريم الخمر كونها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة(72).

    وهو يقتضي أن يكون التحريم قد وقع بمكة ـ على أقل الأحوال ـ لأن الصلاة فرضت بها في أول الإسلام، وإلا فكون الخمر تصدّ عن ذكر الله تعالى يقتضي تحريمها في الأزل، لأن ما يصد عن ذكر الله يلزم العبد اجتنابه، وهذا مطرد في جميع الشرائع والأديان، وفي كل عصر وزمان.

    وذكر الخطيب الشربيني في (شرح المنهاج)(73) اختلاف أصحابه الشافعية في أن شرب المسلمين للخمر في أول الإسلام، هل كان استصحابا منهم بحكم الجاهلية أو بشرع في إباحتها، قال: فرجح الماوري الأول، والتووي الثاني.

    وأنت خبير بأن مارجحه النووي لا دليل عليه من جهة الشرع، لأن إباحة الخمر ـ عنده ـ في أول الإسلام، إما أن يكون ثابتة باستصحاب الشريعة السابقة، ولا سبيل إلى إثباته مطلقاً.

    وإما أن تكون ثابتة بنص من الشارع، ولا نص بالإتفاق.

    وإما أن تكون ثابتة بالتقرير والسكوت وعدم الإنكار، وقد يستدل له بما مر من حديث أبي هريرة ـ عند أحمد ـ(74) قال: حرمت الخمر ثلاث مرات، قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) المدينة ـ وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر ـ فسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ذلك فأنزل الله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر) فقال الناس: لم تحرم علينا؟ إنما قال: (فيهما إثم كبير) فكانوا يشربون ـ الحديث.

    على أن تحريم الخمر ـ عند أكثرهم ـ كان بعد أُحد(75) وذكر ابن إسحاق أنه كان في وقعة بني نضير، وهي بعد وقعة أُحد وذلك سنة أربع على الراجح(76) ، وجزم الدمياطي في (سيرته) بأن تحريم الخمر كان سنة الحديبية، والحديبية كانت سنة ست، وقيل بعد غزوة الأحزاب بأيام(77)، وكانت سنة خمس، وإسلام أبي هريرة كان عام خيبر(78) سنة سبع من الهجرة النبوية المباركة، فمن أين شهد التحريم؟

    نعم استظهر الحافظ ابن حجر في (شرح البخاري)(79) أن تحريم الخمر كان عام الفتح سنة ثمان، لكنه خلاف مشهور عندهم.

    وقد يستدل أيضا بما أخرجه أبو داود الطيالسي في (مسنده)(80) عن محمد بن أبي حميد، عن أبي توبة المصري، قال: سمعت أبن عمر يقول: نزلت في الخمر ثلاث آيات، فأول شيء نزل: (يسألونك عن الخمر والميسر) فقيل: حرمت الخمر، فقيل: يا رسول الله ننتفع بها ـ كما قال الله عز وجل ـ فسكت عنهم، ثم نزلت هذه الآية: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) فقيل: حرمت، فقالوا: يا رسول الله، إنا لا نشربها قرب الصلاة، فسكت عنهم، ثم نزلت: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حرمت الخمر.

    وفي إسناده: محمد بن أبي حميد، قال أحمد: أحاديثه مناكير، وقال ابن معين: ضعيف، ليس حديثه بشيء، وقال الجوزجاني: واهي الحديث ضعيف، وقال ابن معين والبخاري والساجي: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبوزرعة: ضعيف الحديث، وقال أبو حاتم: منكر الحديث، ضعيف الحديث، ويروي عن الثقات المناكير، وقال أبو داود والدارقطني: ضعيف، وقال ابن حبان: لا يحتج به(81) .

    على أن الخطيب البغدادي قد روى في (تاريخه)(82) عن عائشة قالت: لما نزلت سورة البقرة نزل فيها تحريم الخمر، فنهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ذلك.

    فإن قيل: إنكم قد رويتم أيضا نحو هذين الحديثين(83).

    قلنا: هو حديث مرسل مضمر، فلا يقاوم الأحاديث المتقدمة الدالة صريحا على كون الخمر لم تزل محظورة في جميع الشرائع والأديان.

    وكيف ما كان، فحرمة الخمر مما تطابقت عليها الشرائع الحقة القويمة، والعقول السليمة، والفِطَر المستقيمة، وإذا كان الأمر في الواقع كذلك، وأمنعت فيما ذكرناه لك إمعان المنقب الباحث، تحققت كذب ما عزي إلى أشرف الخلق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) من تناوله أم الخبائث.

    والعقل السليم أيضا قاضٍ بقبح تناول الخمر وتعاطيها، لمفاسدها ومضارها، فلذلك لم يزل عقلاء بني آدم جتنبونها أشد اجتناب، فلا يقربونها ولا يحومون حولها.



    الخاتمة:

    وإذ بينا لك بطلان هذا الحديث من جهة الصناعة، فاعلم أن الحاكم النيسابوري قد أشار ـ وكفى به حاكما عدلا ـ إلى بطلان هذه القصة في (المستدرك على الصحيحين)(84) فقال: أخبرنا محمد بن علي بن دحيم الشيباني، حدثنا أحمد بن حازم الغفاري، حدثنا أبو نعيم وقبيصة قالا: حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن ابي عبد الرحمن، عن علي (عليه السلام) قال: دعانا رجل من الأنصار قبل تحريم الخمر، فحضرت صلاة المغرب فتقدم رجل فقرأ (ةقل يا أيها الكافرون) فالتبس عليه فنزلت: (لاتقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون)، قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي على تصحيحه.

    ثم قال الحاكم: وفي هذه الرواية فائدة كبيرة، وهي أن الخوارج تنسب هذا السكر وهذه القراءة إلى أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) دون غيره، وقد برأه الله منها، فإنه راوي هذا الحديث.

    قلت: والذي يهون الخطب ويسهل الأمر أن شانئي أمير المؤمنين (عليه السلام) ومبغضيه ـ قبحهم الله ـ قد وضعوا في ذمّه ما هو أعظم من هذه الأكذوبة وأشنع، ورموه بما هو أنكى من هذه الفرية وأفظع ـ وأن كانت هي أيضا عظيمة ـ.

    فقد روى عبد الرزاق عن معمر قال: ما تصنع بهما وبحديثهما؟ الله أعلم بهما، إني لأتهمهما في بني هاشم(85) .

    فروى الزهري أن عروة بن الزبير حدثه، قال: حدثتني عائشة قالت: كنت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ أقبل العباس وعلي، فقال: يا عائشة، إن هذين يموتان على غير ملتي، أو قال: ديني.

    وروى الزهري أيضا عن عروة أن عائشة حدثته، قالت: كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله) إذ أقبل العباس وعلي فقال: يا عائشة، إن سرك أ تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا، فنظرت فإذا العباس وعلي بن أبي طالب(86).

    وحكى الحافظ ابن حجر بترجمة حريز بن عثمان الرحبي الحمصي من (تهذيب التهذيب)(87) عن إسماعيل بم عياش قال: سمعت حريز بن عثمان يقول: هذا الذي يرويه الناس عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال لعلي (عليه السلام): (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) حق، ولكن أخطأ السامع، قلت: فما هو؟ فقال: إنما هو : (أنت مني بمزلة قارون من موسى) قلت: عمن ترويه؟ قال سمعت الوليد بن عبد الملك يقوله على المنبر.

    وحكى الأزدي في (الضعفاء)(88) : أن حريز بن عثمان روى أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما أراد أن يركب بغلته جاء علي بن ابي طالب فحل حزام البغلة ليقع النبي (صلى الله عليه وآله).

    قال الأزدي: من كانت هذه حاله لا يروى عنه.

    وقال ابن عدي في (الكامل)(89): قال يحيى بن صالح الوحاظي: أملى علي حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) حديثا في تنقيص علي بن ابي طالب (عليه السلام) لا يصلح ذكره، حديث معتل منكر جدا، لا يروي مثله من يتقي الله، قال الوحاظي: فلما حدثني بذلك قمت عنه وتركته. ثم أعجب من قوم يصفون هذا الكذاب الأشر بالثقة وصحة الحديث.

    وبالجملة فالنواصب والخوارج لم يألوا جهدا في الحط على أمير المؤمنين وسيد الوصيين والوقيعة فيه والنيل منه، وحديث تناوله الخمر من هذا القبيل، كما لا يخفى على من أنار الله قلبه وأوضح له السبيل.

    ولله در من قال:

    عليّ على الإسلام والدين نشا***ولا عبد الأوثان قط ولا انتشــــــــــــا

    وقد عبد الرحمن طفلاً ويافعاً***وذلك فضل الله يؤتيه مـــن يشـا(90)




    الهوامش:


    1- سنن الترمذي: 5/83 ح 3026، كتاب تفسير القرآن، باب: ومن سورة النساء ـ الدر المنثور: 2/164 ـ 165.

    2 - سنن أبي دادو: 2/350 ح3671 كتاب الأشربة، باب تحريم الخمر.

    3- كما في تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف:7/70 ـ ولكنا لم نقف عليه في المطبوع من السنن الكبرى والصغرى للنسائي، وانظر: الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف: 44.

    4- جامع البيان في تفسير القرآن: 5/61.

    5- جامع البيان: 5/61.

    6- الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور: 2/165.

    7- جامع البيان: 2/212.

    8- مسند أحمد: 2/351.

    9- جامع البيان: 7/22.

    10- البحر الزاخر: 2/211.

    11- البحر الزاخر: 2/212.

    12- المستدرك على الصحيحين: 2/307 ـ كتاب التفسير.

    13- مستدرك على الصحيحين: 4/142 ـ كتاب الأشربة.

    14- المستدرك على الصحيحين: 4/142 ت 143، كتاب الأشربة.

    15- أسباب النزول: 184.

    16- تهذيب التهذيب: 5/572 ـ 573.

    17- تهذيب التهذيب:6/325.

    18- أنظر: التقييد والإيضاح: 423 ـ 424.

    19- تهذيب التهذيب: 4/131 ـ 133.

    20- تهذيب التهذيب: 3/122.

    21- وأما عندنا ـ معاشر الإمامية ـ فقد عده البرقي في (رجاله) من خواص أمير المؤمنين (عليه السلام).

    22- ولمحمد ناصر الدين بن نوح الألباني كتاب (ضعيف سنن الترمذي).

    23- نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية: 2/217 ـ 218.

    24- ميزان الاعتدال في نقد الرجال: 1/227.

    25- ميزان الاعتدال: 3/407.

    26- ميزان الاعتدال: 4/416.

    27- تحفة الأحوذي (المقدمة): 275.

    28- تدريب الراوي في شرح تقريب النواويّ: 1/188.

    29- فتح المغيث بشرح ألفية الحديث: 82.

    30- تهذيب التهذيب: 6/139.

    31- كما في الكافي الشاف: 44.

    32- تهذيب التهذيب: 4/132.

    33- هدي الساري: 459 ـ تهذيب التهذيب: 5/48 ـ ميزان الاعتدال: 3/490.

    34- تهذيب التهذيب: 1/137.

    35- تهذيب التهذيب: 1/199 ـ 200.

    36- تهذيب التهذيب: 4/169 ـ 170.

    37- الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير: 252 ح 4148.

    38- فضائل الخمسة من الصحاح الستة: 2/444 ـ 449.

    39- تهذيب التهذيب: 4/169.

    40- الملل والنحل: 100.

    41- تهذيب التهذيب: 6/140 ـ ترجمة يحيى بن سعيد القطان.

    42- تهذيب التهذيب: 5/611 ـ 612، الكافي الشاف: 59.

    43- مسند أحمد بتعليق الشيخ أحمد بن محمد بن شاكر: 16/254.

    44- تذكرة الحفاظ: 1/327.

    45- تهذيب التهذيب: 6/275.

    46- تهذيب التهذيب: 5/265.

    47- تلخيص المستدرك على الصحيحين: 4/142 ـ كتاب الأشربة.

    48- تهذيب التهذيب: 2/63.

    49- الجرح والتعديل: 5/110.

    50- ميزان الاعتدال: 2/464.

    51- كتاب المجروحين: 2/39.

    52- مختصر سنن أبي داود: 5/259.

    53- مختصر سنن أبي داود: 5/259.

    54- الكافي الشاف: 44.

    55- درر الأحاديث النبوية بالأسانيد اليحيوية: 160.

    56- الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم: 1/188.

    57- صحيح مسلم ـ كتاب فضائل الصحابة ـ باب من فضائل علي (عليه السلام) ـ، فضائل الخمسة من الصحاح الستة: 1/290 ـ 291.

    58- مجمع البيلن في تفسير القرآن: 2/453.

    59- مفاتيح الغيب: 8/91.

    60- روح المعاني: 2/114.

    61- روح المعاني: 7/15.

    62- مجمع البيان: 8/356.

    63- معجم مفردات ألفاظ القرآن: 193.

    64- لسان العرب: 3/38 ـ مادة (رجس).

    65- الدر المنثور: 1/252، وصححه علي بن المديني أيضا ـ أنظر: فتح الباري: 8/129.

    66- تاريخ الخلفاء: 122 ـ 123، الصواعق المحرقة: 99.

    67- الأصول الستة عشر ـ أصل زيد النرسي: 58 ـ مستدرك الوسائل: 17/43.

    68- الكافي: 6/395.

    69- أمالي الصدوق: 339 كتاب الأوائل للسيوطي.

    70- شرح صحيح مسلم: 8/213.

    71- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: 4/186.

    72- شرح صحيح مسلم: 8/219.

    73- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: 4/186.

    74- مسند أحمد: 2/315.

    75- الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 3/87 ـ مغني المحتاج: 4/186.

    76- فتح الباري: 10/34 ـ نيل الاوطار: 8/193.

    77- روح المعاني: 2/112.

    78- أسد الغابة في معرفة الصحابة: 6/320.

    79- فتح الباري: 8/128 ـ 10/34، وانظر: الغدير في الكتاب والسنة والأدب: 7/102.

    80- مسند أبي داود الطيالسي: 264 ـ نيل الأوطار: 8/191 ـ 292.

    81- تهذيب التهذيب: 5/87.

    82- تاريخ بغداد: 8/358 ـ الدر المنثور: 1/252.

    83- الكافي: 6/406 ـ 407.

    84- المستدرك على الصحيحين: 2/307 ـ كتاب التفسير.

    85- شرح نهج البلاغة: 4/64.

    86- شرح نهج البلاغة: 4/63 ـ 64.

    87- تهذيب التهذيب: 1/466.

    88- تهذيب التهذيب: 1/467.

    98- الكامل في ضعفاء الرجال: 2/453 ـ تهذيب التهذيب: 1/467.

    90- الصراط المستقيم لمستحقي التقديم: 1/188.









  4. #4
    التسجيل
    13-01-2003
    المشاركات
    1,850

    Re: شبهات وردود حول الشيعة الإمامية


    السلام عليكم .. .. كيف الحال ؟

    عزيزي العزيز .. موضوعك ماقريته بس تصفحته على السريع , لكن لفت نظري نقطتين حبيت أوضحها ,,

    تقول :

    وان أبا ذر تعلم منه

    باباه .. أبو ذر توفي في أوائل العشرينيات من الهجرة , أما أبن سبأ طلع في ال35 .. ..

    وتقول :
    5 ـ ذكرنا آنفاً أنّ الآيات قسّمت عائلة النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلى فريقين:

    الأوّل: مجموعة زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وقد فرض عليهنّ برنامج تربوي معيّن، وبيّنت الآيات أنّ العمل بهذا البرنامج هو السبيل لبقاء انتسابهنّ لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وارتباطهنّ به، وإلاّ فمصيرهنّ الطرد والانفصال عنه.

    الثاني: هو أهل البيت(عليهم السلام) الذين تُعدّ العدّة لهم ليتبوّؤا زعامة المسلمين وقيادة خط الهدى والدين، وأنّ الله سبحانه هو الذي يتولّى هذا الإعداد وينهض باصطفائهم وهو يطهّرهم عن الرجس وينزّههم عن المعصية، وعلى هذا فإنّ آية {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ...} جملة اعتراضية ـ كما أسلفنا ـ جاءت في وسط آيات النساء انصبت رسالتها، ودار محورها على تسجيل ظاهرة معنويّة وحقيقيّة هي إرادة إذهاب الرجس عن هذا الفريق وتنزيهه.

    أقرى الآية من جديد , يالله معاي :
    يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًاِ
    (32)وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًاِ(33)وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًاِ

    لاحظ عزيزي , الآية من أولها لين تلاها عن زوجات الرسول .. فكيف بالله عليك أن يضع الله أهل البيت في وسط الأوامر والنواهي لأمهات المؤمنين .. ..
    طبعاً بتقول لي : طيب ليش الظمير جمع مذكر ؟ ليش ماقال منكن ؟ .. ..
    ببساطة : الرسول صلى الله عليه وسلم هو من آل البيت .. .. فهو الضمير المذكر .. ..
    ياسبحان الله , دين يقوم على تفسير آيه , والأدهى أنه خطأ ..

    طيب خذ تفاسير أأمة المسلمين .. :
    وقرن في بيوتكن) معناه الأمر لهن بالقرار والسكون في بيوتهن وألا يخرجن (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) التبرج: أن تبدي المرأة من زينتها ومحاسنها ما يجب عليها ستره مما تستدعي به شهوة الرجل (وأطعن الله ورسوله) في كل ما هو شرع [وأطعن رسول الله فيما يأمركن به من شؤون الدنيا] (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) أوصاكن الله بما أوصاكن من التقوى والطاعة، ليذهب عنكم يا أهل بيت النبوة الإثم والذنب المدنسين للأعراض، الحاصلين بسب ترك ما أمر الله به، وفعل ما نهى عنه (ويطهركم تطهيراً) من الأرجاس والأدران. وأهل البيت المذكورون في الآية، قال ابن عباس وعكرمة وعطاء وسعيد بن جبير: هن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وهو الحق، لأن الآية نازلة فيهن، وما قبلها وما بعدها هو فيهن أيضاً، وليس في شيء من ذلك ذكر لعلي وزوجته وأولاده رضي الله عنهم.



    ..

  5. #5
    التسجيل
    04-08-2003
    المشاركات
    3

    Re: شبهات وردود حول الشيعة الإمامية

    بسمه تعالى

    نعم أنا أوافقك على أن ماكان قيل الآية المقصود به زوجات الرسول صلى الله عليه و آله وسلم ولكن إعلم أن من وسائل حفظ القرآن من التحريف هو كون الآية ضمن موضوع آخر حتى لا يتسنى للعابثين بالقرآن أن يحرفوه كما قال تعالى ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)) و معروف مامر من بني أمية و بني العباس على أهل البيت عليهم السلام فلو كانت هذه الآية بالصريح الواضح لكانت إيديهم العابثة وصلت لذلك أفهمت علي !!!

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 08-04-2004, 08:42 AM
  2. تاريخ مذاهب الشيعة الإمامية
    بواسطة : غيث الغيث , في منتديات اسلامية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 31-12-2001, 01:32 PM
  3. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 28-12-2001, 03:07 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •