ولا يخلو مرجع قديم أو جديد من اسم ناست كأستاذ الأجيال السابقة واللاحقة: اوبر، بوش، ديفنبورت، باريت، ماي، برادلي، وآخرين· ولا يختلف أحد على أهمية ناست في تاريخ فن الكاريكاتير السياسي، حتى أن الأمر لم يكن يمر بسلام بمجرد أن يسير في شوارع نيويورك· وحين استقال من عمله النشط في الكاريكاتير السياسي ووضع القلم جانبا ليتناول الفرشاة ليرسم، وعندما ظهرت فجوة واضحة وفقد ناست قوته الغامضة·
ولد ناست في لانداو بولاية بافاريا، وحين بلغ من العمر ستة أعوام جاء به والده، وكان يعمل موسيقيا في جيش بافاريا، إلى الولايات المتحدة الأميركية· وقد ظهرت بوضوح موهبته الفنية منذ أن كان صغيرا وتطورت بسرعة، وفي خلال عدة أشهر من الدراسة التي كان يتعلم فيها على يد تيودور كوفمان، بدأ بعدها يرسم اسكتشات إلى صحيفة فرانك ليزلي المشهورة وقت ذلك بالصور التوضيحية·
تقبل الكثيرون عمله وثمنوه منذ البداية· وقبل أن يصل إلى العشرين من عمره أرسلته صحيفة نيويورك نيوز المصورة إلى إنكلترا ليعمل على تقديم بعض الرسوم التوضيحية للمعركة السياسية التي كانت تدور في ذلك الزمن بين هينان وسايرز، وقد قام بتغطية الرحلة بمجموعة من الرسوم المضحكة التي جلبت له شهرة واسعة·
وقف إلى جانب هينان، الذي خسر المعركة، ففقد ناست تبعا لذلك عمله في مكتب نيويورك· لكن هينان كافأه بأن أخذه معه إلى إيطاليا للانضمام إلى غاريبالدي· وأثناء هذه الحملة أثرى الحرب بمجموعة من الصور كان يرسلها إلى عدد من الصحف في بلاده بالإضافة إلى إنكلترا وفرنسا، ونال ثقة غاريبالدي نفسه الذي أرسله في عدة بعثات دبلوماسية أكسبته الكثير من الجرأة والخبرة·
كان لتجربته في الحرب الإيطالية قيمة هائلة خلال حرب الانفصال، التي نشبت إثر عودته إلى أميركا· وبحماسته المعروفة، ناصر قضية الشمال، التي كان يقودها الرئيس إبراهام لينكولن مع كثير من أعضاء الكونغرس الذين لعبت رسومات ناست لهم أفضل دور في تجنيد الضباط لصالح الاتحاد·
ربما تكون رسمة السلام من أشهر رسوماته في هذه الفترة فقد خلقت انطباعا عميقا في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية· ظهرت هذه الرسمة عام ،1862 بعد الانتخابات مباشرة، في الوقت الذي كان الناس يطالبون فيه بالسلام مهما كلف الثمن·
وتمثل هذه الصورة قبرا لأحد جنود الاتحاد وعلى شاهدة القبر كانت تقف ولاية كولومبيا وهي تبكي· وفي أسفل القبر كان هناك رفيق للجندي المتوفى المخلص قد فقد ذراعيه· هذه الصورة أكسبت ناست شهرة واسعة، وتم نشرها بصورة كبيرة في ملايين من مستندات الحملة·

الخصوبة والمثابرة

بعد الحرب أصبح رسام كاريكاتير سياسيا، وربما كان ذلك خلال الحملة ضد تويد والفساد السياسي والمالي الذي كان منتشرا في نيويورك في ذلك الحين· كانت رسوماته قمة في الإبداع والسخرية الفنية· وأسبوعا بعد أسبوع، وبخصوبة مدهشة بدأت تتوالى رسومه الكاريكاتيرية ضد مناهضي ازدهار البلد، وكان له الدور الأكبر في هذه المعركة التي لعبت فيها جماعة تويد السياسية· وبدرجة معقولة كان يمتلك حسا بالمثابرة يمكننا أن نرصده في بعض المقالات والتعليقات الشخصية التي كان يدلي بها أو يكتبها بين الحين والآخر·
صمم رمز الحمار للحزب الديمقراطي، لكن كان أول ظهور له في كاريكاتير عام 1868 يمثل أندرو جونسون، أحد الديمقراطيين، وهو على شفا حفرة والعم سام يحاول أن ينقذه· ثم تم اقتراح الفكرة في رسم كاريكاتيري في صحيفة نيويورك هيرالد عن الحيوانات التي تهرب من حديقة الحيوان·
كما قام بالسخرية من أحد الزعماء الجمهوريين، تيلدن، ومثله بصورة رجل عجوز ضعيف يحضن طفلا هائجا في حجره· لكن هذه الدمية التي صنعها برسمه هذا لم يكتب لها النجاح كثيرا مثل رسمه الذي شاع عن تويد أو عن الزعيم جون كيلي وغيرهما من رموز سياسية كان يسخر منها أو يلبي حاجة الناس للسخرية ممن لا يوافق مشاعرهم أو يساير آراءهم·
وفي عام 1884 تحول اتجاهه السياسي ضد الحزب الجمهوري وكان يسخر من مرشحه، ستالوارت بلان، فكان يرسمه بثلاث ريشات بيضاء على قبعته العالية· وكانت هذه الحملة المضادة هي آخر ما رسمه ناست لصحيفة هاربر الأسبوعية في عام ،1887 ويعتبر كثير من النقاد أن مهنته قد انتهت أدبيا رغم أنه واصل الرسم لعدة صحف رئيسية في أميركا حتى وفاته·
وبالإضافة إلى خدماته الصحفية في عدد من الحملات الانتخابية لتأييد حزب أو لإسقاط آخر، كان ناست يهاجم كثيرا من المشكلات ذات الأهمية لقومية والعالمية، وكان يساند الموضوعات المختلفة التي يصنفها ويناقشها الكونجرس الأميركي بدعوى أنها تهم الناس·
وفي رسومه الكاريكاتورية البسيطة كان يعبر أيضا عن بعض المواقف الأجنبية التي تعني قطاعا من البشر مثل العلاقات مع الأسد البريطاني والدب الروسي· وقد رسم ناست صورة وحيدة لقيصر روسيا نيقولا في صحيفة لندن بونش· ويعود جزء من شهرة ناست إلى لقائه مدير صحيفة بونش تنييل الذي شجعه على تطوير رسومه والتفوق فيها على أقرانه·

الرسم بالتحليل النفسي

وكان ناست يتعرض دائما لهجوم سياسي حارق من أعدائه لكنه كان يرد عليهم بنفس الدرجة في صحيفته الأسبوعية· كان همه الأساسي في رسومه الكاريكاتورية هو السياسة، وبالاضافة إلى اشتراكه الكامل في الحملات الرئاسية برسومه الكاريكاتورية، كان يرسم مجموعة أخرى من الشخصيات الاجتماعية والأدبية بصورة من يعمد إلى تحليله نفسيا أكثر من ذلك الذي يلخص ملامحهم في الرسم·
وانتهى نشاط ناست المحموم في الرسم قبل أن يتولى روزفلت مقاليد السلطة في الحلبة السياسية، لكنه اشترك بأحد الرسوم عام 1884 وصورة في أحد رسوماته على صورة جندي شجاع·
ويمكننا أن نقول بأن الفضل في شهرة ناست يعود إلى تناوله موضوعات ذات أهمية كبيرة أكثر مما كان يفعل فنانو الكاريكاتير في ذلك الوقت· وفي حالة مدير بونش مثلا نجد أن الأفكار التي كان يتعرض لها في رسومه كانت تتفق عليها أصلا مجموعة من هيئة التحرير والتي كانت تصب الزيت لتشعل النار بالحياة السياسية·
ولا يمكن أن ننسى أن سخرية الفنان ناست قد طالته هو شخصيا، فقد صور نفسه واقفا أمام محكمة ذات مرة وتم الحكم عليه بالشنق في صالة التحرير بصحيفة هاربر، لكننا لا نعرف إن كانت هذه الرسمة قد نشرت أم لا لكنها محفوظة ضمن أرشيفه·
كان راتب ناست في صحيفة هاربر لعدة سنوات عشرة آلاف دولار، وهذا المبلغ كان أكبر بكثير من أي راتب يدفع لرسام كاريكاتير في ذلك الحين· ثم ارتفع راتبه بعد ذلك إلى 51 ألف دولار مما ساهم في زيادة رواتب الصحفيين جميعا في القرن الماضي·
وقد نشر ناست كتابا سماه الروزنامة، كان يرسمه جميعا بقلم الرصاص لكنه كان يحتوي على مجموعة من المقالات كان يكتبها عدد من أشهر الساخرين في عصره مثل بريت هارت وغوش بلينغز· كما قام بعمل رسومات توضيحية لعدد من الكتب لكنها لم تكن ناجحة أبدا·
رسم ايضا مجموعة من الكتالوجات حيث نجح فيها بدرجة أكبر·إلى جانب محاضراته في المدارس والجامعات والمنتديات العامة، وكان يدعم أحاديثه بمجموعة من رسومه الكاريكاتورية أمام جمهور المستمعين·
وربما كان أنجح رسوم ناست تلك التي ظهرت بتاريخ 3 سبتمبر 1864 بعد نهاية الحرب، ،وفيها ظهرت مجموعة من الزنوج تم إرجاعهم إلى عهد العبودية من جديد وتحت الرسم كتب التفاهم مع الجنوب· أما أشهر رسومه التي تتعرض لفترة حكم تويد ويصور فيها جماعة تويد تقف في دائرة ويشير كل منهم إلى الآخر، وكل منهم يرفع سبابته قائلا من سرق أموال الشعب؟ ونشرت في صحيفة نيويورك تايمز·
طيلة فترة حياته المهنية وحتى النهاية، كان ناست يكرس جزءا من وقته للرسوم الزيتية، بعض هذه الرسوم كان يعنونها الرحيل عن الحرب (1861)، زيارة لنكولن إلى ريشموند و الحرب الأهلية (1816 ـ 1865)· وفي عام 1879 كرمه ضباط الجيش والبحرية بإهدائه مزهرية فضية على شكله تكريما لخدماته التي نفعت الأمة·
لم يتلق ناست أي تعليم فني إلا فيما ندر· حين كان ولدا صغيرا عمل حارسا فترة في صالة فنون، وسمح له باستنساخ بعض من هذه اللوحات التي كانت تعجبه، ثم حضر قليلا من دروس الرسم لمدة تقل عن ستة أشهر في معهد تيودور كوفمان· وقد كتب ناست ذات مرة عن استفادته كثيرا من تلك الملاحظات التي كان يدونها بعد نسخه أي لوحة المرة تلو الأخرى حتى أنه كان يضعها في ملف بعنوان مستنسخات الرسم·