خروج بني إسرائيل من مصر:
بدا واضحا أن فرعون لن يؤمن لموسى. ولن يكف عن تعذيبه لبنيإسرائيل، ولن يكف عن استخفافه بقومه. هنالك دعا موسى وهارون على فرعون.
وَقَالَمُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِيالْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىأَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْالْعَذَابَ الأَلِيمَ(88) قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّسَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ(89) (يونس)
لم يكن قد آمن مع موسى فريق من قومه. فانتهى الأمر، وأوحي إلى موسىأن يخرج من مصر مع بني إسرائيل. وأن يكور رحيلهم ليلا، بعد تدبير وتنظيم لأمرالرحيل. ونبأه أن فرعون سيتبعهم بجنده؛ وأمره أن يقوم قومه إلى ساحل البحر (وهو فيالغالب عند التقاء خليج السويس بمطقة البحيرات).
وبلغت الأخبار فرعون أن موسى قد صحب قومه وخرج. فأرسل أوامره فيمدن المملكة لحشد جيش عظيم. ليدرك موسى وقومه، ويفسد عليهم تدبيرهم. أعلن فرعونالتعبئة العامة. وهذا من شأنه أن يشكل صورة في الأذهان، أن موسى وقومه يشكلون خطرافعلى فرعون وملكه، فيكف يكون إلها من يخشى فئة صغيرا يعبدون إله آخر؟! لذلك كان لابد من تهوين الأمر وذلك بتقليل شأن قوم موسى وحجمهم (إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) لكننا نطاردهم لأنهم أغاظونا، وعلى أي حال،فنحن حذرون مستعدون ممسكون بزمام الأمور.
وقف موسى أمام البحر. وبدا جيش الفرعون يقترب، وظهرت أعلامه. وامتلأ قوم موسى بالرعب. كان الموقف حرجا وخطيرا. إن البحر أمامهم والعدو ورائهموليس معهم سفن أو أدوات لعبور البحر، كما ليست أمامهم فرصة واحدة للقتال. إنهممجموعة من النساء والأطفال والرجال غير المسلحين. سيذبحهم فرعون عن آخرهم.
صرخت بعض الأصوات من قوم موسى: سيدركنا فرعون.
قال موسى: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).
لم يكن يدري موسى كيف ستكون النجاة، لكن قلبه كان ممتلئا بالثقةبربه، واليقين بعونه، والتأكد من النجاة، فالله هو اللي يوجهه ويرعاه. وفي اللحظةالأخيرة، يجيء الوحي من الله (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ) فضربه، فوقعتالمعجزة (فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) وتحققه المستحيل في منطق الناس، لكن الله إنأراد شيئا قال له كن فيكون.
ووصل فرعون إلى البحر. شاهد هذه المعجزة. شاهد في البحر طريقايابسا يشقه نصفين. فأمر جيشه بالتقدم. وحين انتهى موسى من عبور البحر. وأوحى اللهإلى موسى أن يترك البحر على حاله (وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ). وكانالله تعالى قد شاء إغراق الفرعون. فما أن صار فرعونوجنوده في منتصف البحر، حتى أصدر الله أمره، فانطبقت الأمواج على فرعونوجيشه. وغرق فرعون وجيشه. غرق العناد ونجا الإيمان بالله.
ولما عاين فرعون الغرق، ولم يعديملك النجاة (قَالَآمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَوَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) سقطت عنه كلالأقنعة الزائفة، وتضائل، فلم يكتفي بأن يعلن إيمانه، بل والاستسلام أيضا (وَأَنَاْ مِنَالْمُسْلِمِينَ) لكن بلا فائدة، فليس الآنوقت اختيار، بعد أن سبق العصيان والاستكبار (آلآنَوَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).
انتهى وقت التوبة المحدد لك وهلكت. انتهى الأمر ولا نجاة لك. سينجو جسدك وحده. لن تأكله الأسماك، ولين يحمله التيار بعيدا عن الناس، بل سينجوجسدك لتكون آية لمن خلفك.
فَالْيَوْمَنُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَالنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ(92) (يونس)
أسدل الستار على طغيان الفرعون. ولفظت الأمواج جثته إلى الشاطئ. بعد ذلك. نزل الستار تماما عن المصريين. لقد خرجوا يتبعون خطا موسى وقومه ويقفونأثرهم. فكان خروجهم هذا هو الأخير. وكان إخراجا لهم من كل ما هم فيه من جنات وعيونوكنوز؛ فلم يعودوا بعدها لهذا النعيم! لا يحدثنا القرآن الكريم عما فعله من بقى منالمصررين في مصر بعد سقوط نظام الفرعون وغرقه مع جيشه. لا يحدثنا عن ردود فعلهم بعدأن دمر الله ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يشيدون. يسكت السياق القرآني عنهم. ويستبعدهم تماما من التاريخ والأحداث.