سلفادور دالي ...مجنون في زمن الجنون





في العام 1989 توفي الفنان السوريالي سلفادور دالي عن عمر ناهز 84 عاما، وقد استحق كل الأوصاف التي أطلقت عليه كالعبقري المجنون الهذياني بنتيجة الأفكار والتصرفات والسلوكيات التي ميزت حياته الفنية والنظرية، وخاصة أثناء اقامته في الولايات المتحدة الأمريكية خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، حيث كانت صرعاته الإعلانية تحتل مركزا مرموقا في الصحافة مما جعل اسمه معروفا لدى الملايين من الأمريكيين، وكان قد رسم في بداية العقد الأربعيني لوحات عديدة لشخصيات مهمة وثرية ومشهورة، ولدت علاقته الوطيدة بمنتج الأفلام السينمائية جاك وارنر الذي رسم دالي صورة شخصية له تطلبت خمس سنوات من العمل المتواصل عليها، وقد احتوت أفلام هيتشكوك بعض المشاهد الحلمية التي صممها دالي لكنه لم يتمكن من انتاج الفيلم السينمائي الخاص به الذي كتب السيناريو له بعنوان »نقالة اللحم« وكان قد صمم ديكورات مسرحية وصمم ملابس لقطع بالية كما حاول الدخول إلى ميدان تصميم المجوهرات وألف أكثر من ثلاثين كتابا وصمم أزياء لعدة دور أزياء مشهورة وشارك في مؤتمرات ثقافية عديدة شملت مدنا أمريكية وأوروبية. ونتيجة لهذا النشاط الدائم بدأت جماعة السورياليين تبخيس قدر دالي الفني بإطلاق تسمية »حجب الدولارات« عليه وكانت جماعة السورياليين قد استقرت في نيويورك في تلك الفترة، وازداد الاهتمام الإعلامي بها، فخصص رئيس تحرير مجلة »VIEW« شارلز هنري فورد سلسلة من أعداد مجلته للتحدث عن السوريالية »فيو« والسورياليين، وقد أصدر الفنانون السورياليون فيما بعد في العام 1942 مجلتهم التي حملت عنوان »777« التي ساعدت في ابراز تأثيرهم على الحياة الثقافية في البلاد. ونتيجة التناحر فيما بين جماعة السورياليين وسلفادور دالي أبعد دالي من صفوف الجماعة فاستمر كفنان سوريالي منحرف تماما كما ذكر في مذكراته وانطلق غازيا السوق الدينية واتخذت الأشكال الفضائية التي تكشف عنها أوراق كرنب والصوفية النووية المحتواة في قرن وحيد القرن أهمية عظيمة في أعماله الجديدة، وفي هذه الفترة نرى دالي مترددا على مستوى القصد من أعماله كما على مستوى الأسلوب ، إذ أوجد الرباط بين فرويد والكثلكة الرومانية حقيقة جديدة تستند جزئيا على اعادة بناء الماضي وعلى الفظاظة التي يولدها العقل الباطني ، ولهذا نلاحظ حدوث تغييرات واضحة في أسلوبه كميله للرومانسية في تعامله مع الألوان أو تلطيف الأشكال التي كانت في السابق محددة بوضوح أكبر. وابتداء من العام 1950 بدأ دالي يعمل على نشر صوفيته الأمر الذي جعله يجتاز سلسلة من المراحل المختلفة والخضوع لتأثيرات فنية متعددة فمارس تأثيرا على اللاإرادية في التعبير التجريدي، وما مارسه في إنجاز رسوم لكتاب سرفانتس »دون كيشوت« مما تولده كرات مملوءة بالحبر تقذف على كليشية معدة للطباعة، هذا الأسلوب أعطى بعدا حيزيا جديدا للوصفة »صيد سمك التونة« أو »صعود القديسة سيسل« وغيرها من الأعمال الضخمة الموزعة في أنحاء العالم، وخلال هذه المرحلة أطلق سلفادور دالي نظرية جديدة هي »نظرية دالي الفضائية« التي أكد فيها إنها ستنفذ فن الرسم الحديث.
































الدون...