الفصل التاسع
"تباً! أين أبي وأمي وأخي؟"
"عمار! عمار!" كان هذا صوت أبي. أقبلت مسرعاً نحوه ، فوجدته هو وأمي بخير.. ولكن..!!
"أين أخي؟"
قالت أمي بصوت مخنوق من الدموع: "ما زال بالداخل"
صرخت: "لماذا لم تخرجاه؟ لماذا لم تخبراني منذ البداية؟!!!!!"
وركضت بكل قوتي نحو المنزل المحترق
صرخت أمي: "لا! توقف! لا أريد أن أخسر الاثنين! فليوقفه أحدكم!!"
لكنني تجاهلتها. الحقيقة أن المنزل كان في حالة سيئة جداً ، والموقف جاد! لهذا أمسكني زياد وشاهر وقاما بتطويقي.
"لا فائدة يا عمار"
"اتركاني!!!!"
"كف عن الحماقة! ألست ترى المنزل؟ إن كانت النجاة مكتوبة له فسينجو"
لكن لهفتي كانت شديدة. كان الأمر يحتاج إلى عشرة مثلهما حتى يوقفاني.
"اتركااااااااااانييييييييي!!!!!!"
وبقوة لا أدري كيف جاءتني دفعتهما معاً وتخلصت من تطويقهما وركضت إلى المنزل بكل قوتي. كان الباب مغلقاً ، فأطرته بركلة وتابعت الركض نحو المنزل. وعندما وصلت إلى غرفة والدي حيث يوجد أخي كنت سأموت من التعب.. نعم ، فلهفتي وجزعي أنسياني أنني لا أقدر أن أركض. الحمد لله ، أخي يبكي وهذا يدل أنه على قيد الحياة. لكنني أخذت أمشي متهاوياً وأخي في يدي ؛ بسبب الاختناق من جهة وبسبب عجزي من جهة أخرى. وصلت إلى الباب بمعجزة ، وإذ بالمفاجأة! جزء كبير من السقف انهار ساداً المدخل. المشكلة أنني كنت متعباً جداً على إزالته. توقف الزمن بالنسبة لي ، وتهاويت على ركبتي شاعراً بعجزي ، شاعراً بالقهر! بسبب عجزي وتعبي فشلت. لماذا؟ لماذا لا أقدر أن أركض؟ لماذا؟
كدت أبكي وأنا أنتظر مصيري المحتوم. أبكي بسبب عجزي! أبكي بسبب عجزي الذي وضعني في هذه المصيبة! ياليتني لم أكن عاجزاً هكذا! كل ما أحزنني أن تضحيتي ستذهب هباء.. لكن..
"هاااع!! بسرعة! أخرج!"
رفعت نظري إلى الباب لأرى المخرج! لم أصدق عيني!
"ماذا تنتظر؟ أسرع!"
رؤية المخرج دفعت بي قوة إضافية ، فخرجت بسرعة. الحمد لله ، لا خسائر.
وطبعاً وصلت الإطفائية بعد أن انتهى كل شيء. ليس هذا مهماً ، المهم أننا جميعاً بخير. الحمد لله.
هنا تكلم زياد شارحاً الموقف: "بعد أن دخلت أنت انهار جزء من السقف فقررنا أن وشاهر دفعه لإزاحته عن طريقك. هذا كل ما في الأمر"
"الحمد لله أن لدي صديقان وفيان مثلكما"
طبعاً سيتحدث الكثيرون عن عمار الحنون الذي يحب أخاه (وكأنه شيء غير طبيعي أن أحب أحي الصغير) لكن الموضوع هذه المرة كان جاداً! فيتحدثوا كما يشاؤون ، المهم أن أخي الصغير بخير والحمد لله.
"هاهاها! لاشك أنكم تحتاجون الكثير الكثير من النقود لتجديد المنزل!"
أجل ، لقد كان البروفيسور علام..
"حسناً لقد ربحت. أنا موافق"
وقبل أن يبتسم البروفيسور سمعنا صرخة
"لا! توقف! أهذا ما علمتك إياه؟"
لقد كان أبي! قل له: "ولكن يا أبي أنت ترى! سنحتاج المال لكي نجدد المنزل"
قال أبي: "لست أعلم لماذا يريد خلاياك أنت بالذات ، لكنه لن يستخدمها لخير أبداً. سيستخدمها ليضر البشرية لمصالحه الخاصة! أنا أفضل أن أنام في العراء على أن أساعده"
قال البروفيسور: "حسناً سأزيد العرض. سأعطيك مبلغاً من المال يمكنك من شراء قصر في منطقة فاخرة. اقبلوه أو ارفضوه"
صرخ أبي: "نحن نرفض! ثم ما الذي جاء بك إلى هنا؟"
هنا فقط انتبهت! هذا صحيح! ما الذي جاء به إلى هنا؟
"أنا الذي أحرقت البيت"
يا للوضاعة! يحرق بيتنا حتى يضغطنا مادياً لكي يحصل على بعض من خلاياي!
وتابع حديثه: "والقانون معي كما تعلمان"
"كلا! أنتم مثل أهلي! لا تنس أنك صديقي منذ الطفولة. ستبقون عندي إلى أن أجد لكم حلاً!"
كان هذا العم نبيل. والحقيقة أن والدي لم يجادله كثيراً ، لقد كان شخصاً صادقاً في زمن كثر قيه الكذابون. وكان هذا ما فعلناه. لقد تغيرت حياتنا هنا كثيراً ، وكان هذا اليوم جزءاً مهماً من حياتي.
"لكن يا أبي ، أنا أريد أن أعمل"
"قلت لك لا! مهما كان سوء حالتنا فلن يعمل أحد سوى أنا! أنا سيد هذا المنزل! أنا المسئول!"
"لكن يا أبي ، أنت ترى! لسنا حتى في منزلنا! هذه هي الحقيقة!"
هنا قال العم نبيل: "عيب عليك يا عمار! إن أباك صديقي وأخي ، وبيتي هو بيته"
"لا عليك يا أبا أحمد. الفتى محق. لا يصح أن نبقى في بيتك طوال الوقت"
"لكن يا أبا عمار... أنتم والله على الرحب والسعة! ثم إنك لم تقصر معي وقت الحاجة!"
"لا عليك يا صديقي ، لا عليك"
والتفت والدي إلي وقال: "هل أنت على استعداد لتحمل المسؤولية؟ العمل سيكون شاقاً ، وستضطر لترك الدراسة هذا العام لكي تعمل بكل طاقتك ، وأنا أيضاً سأعمل بكل طاقتي"
قلت: "نعم سأفعل ذلك إن شاء الله ، بل وأعرف المكان المناسب. سأعمل عند أحد الأثرياء. السيد قرشت النقاد"
وقرشت النقاد هو شخص ثري معروف في بلدتنا ، يدفع بسخاء لكن العمل لديه صعب وشاق جداً ، ولا يرضى بعمل لمدة تقل عن العام. عندما أعمل عنده سيؤمن لي الطعام والمسكن ، بالإضافة إلى الراتب ، لكن طبعاً مقابل العمل الشاق
"كلا يا ولدي! العمل هناك شاق جداً!"
"لكن يا أبي هذا هو الحل الوحيد ، نحتاج إلى النقود بأسرع وقت. ولا داعي لأن تخبر أمي أنني أعمل عنده. برر لها غيابي بأي حجة تراها – وبالنسبة للدراسة فلا تخف ، يمكنني الدراسة دون حضور المدرسة. إذا عملت بجد فسيسمح لي السيد قرشت إن شاء الله بحضور الامتحانات. ربما لن أنجح بتفوق كالعادة ، لكنني على الأقل أكون قد واصلت الدراسة ولم أنقطع عنها"
طبعاً وافق أبي ولكن على مضض ، وحتى هو كان عليه البحث عن عمل شاق آخر.
الفصل العاشر
عام كامل مضى من عمري وأنا لا أدري عن أهلي شيئاً. كل ما أفعله هو العمل الشاق ، كنه بصراحة شاق بطريقة إنسانية ، أعني ليس شاقاً إلى حد غير طبيعي كما يبالغ البعض. ثم إن السيد قرشت يبدو أنه أعجب بي وبإخلاصي في عمل.
قال لي ذا مرة: "أنت أول شخص يعمل لدي بجد ولا يحاول أن يسرقني أو يحتال علي"
قلت: "ولماذا أحتال عليك؟ أنا قبلت بالعمل والأجر والشروط ، فما المشكلة؟"
"لا أدري ، لكن الكثيرين يحاولون الاحتيال من مبدأ أن لدي الكثير من النقود ، ومهما سرقوا سرقات صغيرة فهي لن تؤثر ، وكأنني جمعت المال بالحرام أو بالحظ السعيد وليس من تعبي وعرق جبيني ، أو كأن لدي مصدراً لا ينضب من المال"
ثم تابع: "على كل حال أنا سمعت أن أباك قد أصلح المنزل الشهر الماضي ، أي أنك تعمل هذا الشهر فقط لإكمال شرط العقد. وبالمناسبة ، بعد أن ينتهي عقد عملك إن احتجت أي شيء مني أو أردت أن تعمل مرة أخرى فبيتي مفتوح لك"
طبعاً كانت هذه مفاجأة لي ، سألته: "شكراً لك يا سيدي ، ولكن لماذا؟"
"لا أدري ، لكنك شخص طيب وتستحق كل خير"
ربما قضيت عاماً بعيداً عن أهلي ، لكنني اكتسبت شيئين – تعرفت على إنسان طيب واكتسبت بعض الخبرة في العمل وخشونة الحياة ، وفي الحقيقة أنا لم أخسر الكثير. ألم أخبركم؟ لقد نجحت! أجل ، السيد قرشت كان يسمح لي بالذهاب إلى المدرسة لتأدية الامتحانات.
طبعاً كان لابد من الوداع, شعور قد يبدو متناقضاً كان إحساسي ذلك الوقت. هو خليط من الفرح والحزن. الحزن لأنني سأفارق السيد الطيب قرشت ، والذي أحسن معاملتي ولم يقصر معي – رغم قصاوة العمل أحياناً – ، والفرح لأنني سأعود إلى أهلي.. إلى بيتي.. إلى دياري.. إلى أصدقائي.. إلى مدينتي العزيزة! فلتهتزي أيتها المدينة!! عمار قادم إليك أخيراً!!!
ثم أظن أنه لا أحد سينظر إلي على أنني صغير بعد الآن. صار عمري خمسة عشر عاماً. أنا كبير في عيني ، لطالما كنت أكثر نضجاً من الجميع ، سواءً عقلياً أو عاطفياً. كنت أتمنى أن أتزوج منذ فترة ، ربما كان هذا هو الوقت المناسب لأصارح أهلي. لكن ماذا عن العواقب؟ أنا لم أصاح أهلي – في حياتي – بأي شيء ، فكيف ستكون ردة فعلهم؟ ربما سيغضب أبي وينهرني بشدة. لالالا ، لا أعلم ولا أريد أن أعلم. لا داعي للتفكير في هذا الموضوع. سأدفنه في صدري دهوراً ودهوراً كما أفعل بأي شيء أتمناه أو يجول بخاطري.
أتساءل ، كيف هو أخي الصغير؟ أمازال كما هو؟ إن الصغار حقاً يدخلون البهجة إلى البيوت. هذه هي الحقيقة. طبعاً لن يعرفني! هذا مستحيل ، لكنها ليست مشكلة على الإطلاق. سيعرف أنه لديه أخاً اسمه عمار حالما أصل.
كان في داخلي وجه يبتسم ، لقد كنت سعيداً جداً. كيف لا ، وأنا عائد إلى الجميع؟ لكن شخصاً ما أوقف هذه الأفكار. لقد كان البروفيسور علام ، وكان واقفاً وقفته المعتادة ، وتبدو ملامح الجد على أمارات وجهه.
"بروفيسور علام! ماذا تريد هذه المرة؟"
"اسمعني جيداً يا عمار ، علينا أن نتحدث. الأمر هام"
"لقد أتيت في الوقت المناسب ، أنا الآن في قمة سعادتي. يمكنك أ، تخرب لي هذه السعادة وتقلبها إلى مأساة"
"ماذا؟ لست أفهم؟"
"كيف لا تفهم؟
"حسناً ، يمكنني تفهم هذا. أنت الآن تريد رؤية أهلك. اذهب إليهم وارتح بضعة أيام ، وعندما تشعر أنك مسعد قابلني"
طبعاً كنت مستغرباً جداً من هذا التغيير المفاجئ. ماذا حصل له؟
تابع البروفيسور حديثه: "سأتركك الآن"
"مهلاً! أنا لست مستعداً ولن أسلمك خلاياي!"
"هاهاها. لم أعن استعدادك لتسليم خلاياك بكامل إرادتك ، بل أعني مقابلتي فحسب. سأشرح لك سر الطاقة في جسمك ، وعندها فقط يمكنك أن تغير رأيك أو لا. الأمر أولاً وأخيراً عائد إليك"
"وكيف أضمن أن هذه ليست إحدى ألاعيبك؟"
"لا تعليق"
"حسناً ، وماذا إن كنت لا أريد المقابلة؟"
"هذا الأمر عائد إليك. لكن ما الذي ستخسره؟ لن تخسر شيئاً ، بل ربما تخرج رابحاً"
"رابحاً ماذا؟"
"المعرفة"
"المعرفة؟؟؟!!!!"
"نعم ، المعرفة علم ، والعلم قوة. إلى اللقاء يا عمار"
طبعاً وقفت مشدوهاً ، والحقيقة أن كلامه ترك أثراً وفراغاً في نفسي
عدت إلى البيت أخيراً. كنت أتوقع استقبالاً حاراً ، لكن هذا لم يحدث... لقد كان استقبالاً عادياً بارداً ، وكأنني عدت من المدرسة وليس بعد غياب عام كامل عن البيت. لماذا؟ لماذا تفعلان هذا بي؟ أين العاطفة؟ لم البرود؟ أنا أحبكما كثيراً يا والداي ، لكن لماذا تفعلان هذا؟
لاحظت غياب أخي الصغير ، فسألت عنه فقالت لي والدتي: "إنه مع أخته سوسن ، صار متعلقاً بها بشدة"
بعد مدة طرق الباب ، فتحت أمي الباب. لقد كان شخصاً ما من عائلة العم نبيل. ربما كان الدكتور أحمد أو سوسن ، لكن المهم أن أخي كان معه (أو معها). دخل أخي سعيداً ، وكان يقول: "نن! نن!" ابتسمت أمي ، وقالت لي: "إنه يقصد سوسن"
شيء جميل. لقد صار أخي الصغير يتكلم. حسناً ربما هو ليس بمعنى الكلام ، لكنه كلام! أعني ، لقد بدأ يعبر عما بداخله! لقد كان يبدو سعيداً وهو يتحدث بحديثه الطفولي الذي لم ولن أفهم منه شيئاً ، لكن.. لا أدري ماذا أقول ، أنا سعيد جداً فحسب.
لكن هذه الأفكار لم تدم في رأسي ، إذ أن أخي قد انتبه لوجودي فصمت فجأة وكأن على رأسه الطير. طبعاً سيصمت ، كيف لا؟ وهناك غريب في البيت ، هذا الغريب هو أنا... لقد آلمني صمته كثيراً – رغم أنه أمر طبيعي – ولم أستطع منع نفسي من الألم.
قالت أمي: "سلم على أخيك عمار"
لكنه لم يتحرك ، بل ظل على وضعيته دافناً وجهه في أمي رامقاً لي ممسكاً بثوبها ورامقاً لي بطرف عينه. قلت: "لابد وأنه خائف مني ؛ فأنا بالنسبة له مجرد غريب"
اقتربت منه لأحمله وألاعبه لكنه تباعد عني أكثر
قالت أمي: "هل تريد أن تحمله؟"
قلت لها: "لا ، بل كنت ذاهباً إلى غرفتي لأنام ، وغرفتي هي ورائك كما تعلمين"
غداً سأذهب إلى بيت شاهر ، وسأتناقش مع شاهر وزياد بخصوص البروفيسور علام