الفصل السادس عشر
أخيراً جاء الصباح ، لم يزل زياد وشاهر يغطان في النوم. ابتسمت في قرارة نفسي ، وقررت الذهاب. دثرتهما جيداًً وذهبت.. إلى أين؟ لست أدري.. الحقيقة أنني محتار جداً... أين أذهب؟ ربما كان البيت أفضل مكان أذهب إليه..
"أين كنت يا بني؟" كان هذا أبي
قلت: "كنت أفكر في الخارج"
قال: "تعال معي ، أريد أن أتحدث معك"
هذا غريب.. ما الأمر؟
"اسمعني يا بني.. لقد أخبرني الملازم بكل شيء.. سأوكل لك أفضل محام معروف ، وبإذن الله سينتهي الأمر بسلام"
"لا تكلف نفسك يا أبي ؛ فما دام الأمر بيد القاضي وعلام فلا فائدة"
"لا تكن انهزامياً هكذا ، ثم إن الأمر بيد الله ، ولا تنس أن الملازم جلال يقف في صفك أيضاً"
"ونعم بالله يا أبي ، ونعم بالله"
ولكن قبل أن نكمل حديثنا ، إذا بمجموعة تطرق الباب بقوة هائلة حتى كادت أن تخلعه.. صرت أصرخ: "توقفوا! سنفتح الباب"
فتحت الباب وكانت مفاجأة! إنهم مجموعة من الشرطة!
"أنت عمار قاسم الحديدي؟"
"نعم ، هذا أنا ، لم يكن الأمر يحتاج إلى كل هذه الطرقات!"
لكنه تجاهل كلامي وكأنني لم أتحدث
"معنا أمر بالقبض عليك! وَضِّب ثيابك وتعال!"
ولو أن صفعة جاءت على وجهي فتردد صداها لما أحدثت التأثير هذا!
تلعثمت وأنا أقول: "مم.. ماذا؟"
صرخ أعلاهم رتبة: "أمصاب بالصمم؟ هيا أسرع فلدينا مشاغلنا نحن أيضاً!"
قلت متلعثماً: "ولكن لماذا؟ أليس الملازم جلال هو المسئول؟"
صرخ: "ليس هذا من شأنك!"
وهنا تدخل أبي ، والحمد لله أنه لم ينفجر حين صرخ:
"بل هو من شأنه! أنتم تلقون القبض عليه دون تهمة!"
صرخ الأعلى رتبة: "هذه هي الأوامر! ثم إنه ليس من شأنك!"
صرخ أبي: "كيف تقول أنه ليس من شأني؟ إنه ابني! لكن الكلام مع بشر مثلك لا يجدي نفعاً ، سأشكوك إلى رؤسائك"
يبدو أن الرجل هدأ ، وقال: "اهدأ يا سيدي ، أنا آسف على أسلوبي ، لكن الشكوى لن تجدي نفعاً.. هذه مذكرة القبض على ابنك.. أنا عنصر أنفذ الأوامر فحسب"
ألقى أبي نظرة على المذكرة فشحب وجهه ، يبدو أن المذكرة حقيقية.. لكنه رغم ذلك تمالك نفسه وقال: "هل لي أن أستفسر من الملازم جلال؟"
قال العسكري: "لا داعي يا سيدي ، الملازم جلال مات صباح اليوم حادث سيارة ، والفاعل مجهول"
هذا يفسر كل شيء.. فتح أبي فمه يريد الحديث.. يريد أن يقول شيئاً ما – لكنه لم يستطع.. ثم عاد وحاول الحديث ، هنا قاطعته أنا:
"لا فائدة يا أبي"
نظر إلي ، فتابعت: "لا فائدة.. أرجوك ، أنت تفهم ما أقصده.. لا توكل محامياً فستضيع جهودك هباءً.. الأمر يحتاج إلى أكثر من محام بارع.. هذا قدري"
ثم تذكرت شيئاً ، زياد وشاهر يحتاجان إلى بحث للمدرسة ، تباً لذلك المدرس ، لا يمل من إرهاقنا بالبحوث ونحن طلاب بالمدرسة!
"أيها الشرطي ، هل لي بطلب أخير؟ أريد استخدام أي جهاز حاسوب متصل بخط هاتف"
قال مستغرباً: "لك ذلك"
"لماذا؟" كان هذا زياد..
قلت: "ولم لا؟ ألستما صديقاي؟"
قال شاهر: "لكن.. وبظروفك هذه.. ورغم ذلك لم تنسنا... لا أدري ماذا أقول.."
كان يتحدث وكأنه على وشك البكاء ، قلت له:
"أرجوك لا تبكِ. لا أريد المزيد من الألم.. يكفيني ما أنا به الآن"
قال زياد: "لا تخش شيئاً.. أعدك بأننا سنساعدك"
قلت: "لست أحتاج إلى مساعدة"
قال: "هذا شعارك دائماً ، لكنني أعلم أنك تحتاج.. ثم ، ألسنا أصدقاء؟ سنتابع البحث عن أي شيء يمكنه أن يثبت براءتك"
قلت: "افعلا ما بدا لكما"
هنا ابتسم شاهر وقال: "هذه تعني نعم؟"
لم أتمالك نفسي من الابتسام ، وقلت: "لطالما كنتَ ذكياً"
ودعت الجميع ، لم يكن الوداع حاراً كما تتصورون ، بل كان الأمر كأنني ذاهب إلى مكان قري وعائد بعد قليل. حتى حمزة ، لم يحصل مني على أكثر من التفاتة ، لا أريد أن أتأثر عاطفياً ، فسأغيب كثيراً في السجن ، والحقيقة – مهما حاول زياد وشاهر ، فأنا أعلم أنهما لن يقدرا على فعل شيء. سأبقى في السجن ، هذا هو مصيري المحتوم ، لكنني إن شاء الله – رغم ذلك – سأخيب ظن البروفيسور ، لقد ازددت تمسكاً بما أريده. صحيح أن شخصيتي ضعيفة عموماً وأنني شخص طيب القلب ، لكن لست أدري.. الوحيد الذي أتصرف ضده بقوة هو البروفيسور علام ، لست أدري لماذا.. عموماً ، دعني من ذلك! كيف أفكر هكذا؟
ولكن مهلاً ، فكيف يجب أن أفكر؟ هل يجب أن أفكر بأنني حزين ومكتئب وذاهب إلى السجن؟ لست أدري ، لكن هذه الفكرة ترفض أن تعشش في مخي. هل بسبب عدم قوة علاقتي مع أهلي؟ أو لأنني أحب العزلة؟ ومن قال شيئاً عن العزلة؟ أنا أحب العزلة الاختيارية ، والسجن عزلة إجبارية.. ليس أمراً سهلاً أبداً...
وصلنا أخيراً ، وياليتنا لم نصل! بينما يقودني المأمور إلى زنزانتي وهو يملي علي القوانين – التي لم أفهم منها شيئاً بسبب جزعي – كان جميع المساجين ينظرون إلي ويصيحون بأصوات همجية! بل إن بعضهم صار يتحرش بي ، إما بدفعي أو بالعبث بشعري ، تباً! ليس من المفترض أن يضعوا غلاماً في سني في سجن كهذا ملئ بالمجرمين! الأمر مخيف حقا ، خاصة والكل يشير إلي بحركات قذرة! أنا أعرف ما الذي يحصل في هذه السجون للشباب الصغار ، فما بالكم بشخص مثلي؟ أنا مستعد لعمل أي شيء يجعلني أخرج من هذا السجن.. سأمنح الروفيسور خلاياي! ، بل وأي شيء يريده!
بعد أن دخلت زنزانتي ، جلست أفكر.. الحمد لله أنها كانت منفردة ، بل وغير مرئية لباقي المساجين ، فقكنت لا أرى زنزاناتهم ولا هم يشاهدون زنزانتي. حاولت النوم مراراً وتكراراً فلم أستطع, ماذا أفعل؟ أنا مجهد حقاً ، لقد مرت علي أكثر من ثلاثين ساعة وأنا مستيقظ ، ماذا أفعل؟
فجأة وجدت نفسي مقيداً إلى الجدار ، كيف حصل ذلك؟ كان الجميع ينظرون إلي ، والكل يضحك ويضحك ويضحك بجنون! البعض كان يضربني ، فكنت أصرخ ، لكن يبدو أن صراخي كان يزيد جنونهم فحسب!!
"كفى!!!"
لا فائدة.. "كفى!!! اتركوني!!!"
لا فائدة.. هنا ، جمعت نفسي ، وركزت بقواي ، وصرخت بأعلى صوت عندي:
"كفااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا"
نهضت تلقائياً.. ظننت أنني سأنفجر كما حصل في المدرسة ، لكن الذي حصل هو أنني نهضت. أظنني نمت أقل من ساعة ، وياليتني لم أنمها. حاولت النوم من جديد فلم أستطع ، كنت متأهباً ، وكلما كدت أغفو تخيلت أحد المساجين وهو يدخل إلى زنزانتي. لن أبقى هكذا.. السجن مخيف حقاً.. سأطلب مقابلة مدير السجن ، هو وحده يمكنه إيصالي إلى البروفيسور علام...
وفي مكان ما لم أكن أعرفه ، كان البروفيسور وصديقه القاضي معاً..
كان البروفيسور يقول: "ههههه ، سأدمره! سأجعله يعطيني ما أريد ، وسأبقيه في السجن ، وليحصل له ما يحصل. هذا جزاء كل من يرفض لي أمراً. أتظنني أجعله يخرج بعد أن دخل؟ مستحيل! إن قتله لن يشفي غليلي ، سيتدمر في السجن!"