الحلقة الأولى
عائلة عادية هي عائلتنا. اسمي هو عمار ، عمري هو 13 عاماً في هذا الوقت. لي أخ ولد حديثاً اسمه حمزة. توجد لي أم طبعاً ، اسمها عائشة. أبي اسمه قاسم ، وعمله هو حفر القبور وتغسيل ودفن الموتى.
لقد شاهدت الكثير من الموت والجثث ، حتى لم تعد رؤية الموت تؤثر بي ، وكأن قلبي صار حجراً - رغم صغر سني – (أو هكذا كنت أظن) ، لكنني كنت أحب أهلي وأصدقائي.
هناك رجل اسمه العم نبيل ، العم نبيل هذا هو صديق لوالدي ، وزوجته صديقة لأمي. ابنه الأكبر اسمه أحمد ، وهو طبيب مشهور في مستشفى كبير. ولديهم أيضاً ابنة اسمها سوسن ، وهي أصغر مني بعام ، ولقد كنا أصدقاء نلعب معاً كثيراً عندما كنا أصغر سناً. أما الآن وقد شارفنا على البلوغ فنحن لا نختلط معاً. عائلة العم نبيل عائلة متفهمة ومتدينة. وبالمناسبة سوسن هي أخت حمزة بالرضاعة.
لي صديقان في مثل عمري هما زياد وشاهر. زياد قوي الشخصية إلى حد كبير! لا أدري مم اكتسب قوة شخصيته. شاهر طيب القلب (لا يعني ذلك أنه غبي) إلى درجة كبيرة تشك معها هل هو إنسان أم مخلوق آخر؟
لقد اعتدت على كبت مشاعري ، دائماً ، وذلك ربما لأخفي الجزء الحقيقي من شخصيتي ، الجزء الذي يحتوي بداخله شخصاً رقيقاً مرهف الحس. لقد اضطررت أتخذ قرارات كثيرة لا أحبها ، وشعرت بتأنيب الضمير كثيراً وأنا أتخذ بعض القرارات ، لكن كل شئ يهون في سبيل إخفاء مشاعري.
كنت ألجأ لرفاقي وأصارحهم في حال حدوث مشكلة معي ، لكنني لم أكن أصارح أهلي إلا بالقليل ، وهذا لا يعني أنني لا أحبهم. تلك مسألة أخرى.
"زياد!!! هيا فلنعد معاً!!!" صحت منادياً صديقي وأن خارج من المدرسة.
فقال: "حسناً ، سأسبقك إلى السيارة"
قلت: "آآه ، يا ليت شاهر كان معنا بنفس المدرسة ، هيا بنا"
نعم ، فرغم صغر سني فقد كنت أقود سيارة ، وذلك بسبب مسؤولياتي الكثيرة الكثيرة الكثيرة جداً في البيت. لقد كنت أحمل مسؤولية كبيرة. فأبي الآن مريض ، وأمي أصيبت بمرض بعد ولادتها وصار عمر أخي الآن عام وهي لم تشف منه بعد ، وعلي الاعتناء بوالدتي المتعبة وأبي المريض وأخي الصغير وأيضاً الدراسة ؛ لهذا لم يكن لدي الكثير من الوقت للهو باستثناء وقت الاستراحة البسيط الذي في المدرسة فقط ، خاصة وأنني كنت لا أحب درس الرياضة وأفضل الجلوس وحدي على اللعب وذلك بسبب خلل بسيط في العظام بقدمي. كنت أستطيع المشي والوقوف ، لكنني لا أقدر أن أركض سوى القليل جداً.
لكن جزءاً مني كان سعيداً برغم ذلك ، فأبي علمني القيادة وعمري 13 عاماً ، ولدي سيارة تحت تصرفي. جزء مني كان يشعر بأنني رجل ، وهذا الجزء كان سعيداً. وعلاوة على ذلك ، لم أفكر يوماً باستغلال إمكانياتي ومسؤولياتي (كالسيارة) سوى بخدمة أهلي ، وتوصيل صديقي زياد من وإلى المدرسة فقط ، وليس أية مشاوير أخرى.
كنت أشعر بأنني أكبر من عمري ، وحتى عندما أقابل أو أحادث شخصاً في مثل سني فأنا أشعر أنني أكبر منه.
كنا في طريقنا عندما لفت نظري مشهد ، عدد كبير من الأولاد متجمعون وهم يصيحون "ووووو!" "نعااااام!" "آآآآآآه" "المزيييييد!!!!" ، فاتنتجت أنها معركة. ليست شيئاً جديداً ، لكن شيئاً فيها كان غير مألوف.
سألت أحد زملائي في الصف – وكان واقفاً يشاهد - : "ماهذا يا سعيد"؟
فقال: "إنه حمدان الأهوج ، يعاقب نبيل المسكين ، لم يواجهه رجلاً لرجل ، بل أحضر عشرة من رفاقه وبدؤوا بضربه جميعاً!!"
قلت: "ياللخسة! سأساعده!"
قال زياد: "ماذا؟ وماشأننا؟"
قلت: "حسناً سأوقف المعركة فقط وأربي حمدان الأهوج"
دخلت إلى منتصف المعركة وأخذت أصيح بصوتي العالي: "توقفواً! توقفوا أيها الحمقى جميعاً!!! وإلا!!!!!!"
ولدهشتي الشديدة توقف الجميع... صاح حمدان الأهوج: "وإلا ماذا أيها النحاسي؟"
قلت له: "ماسبب هذه المعركة؟ ولماذا تستعين برفاقك ولا تقوم بالعمل وحدك؟"
قال: "هذا ليس من شأنك أيها الصعلوك!"
هنا تدخل زياد وقال: "لم لا تعترف بالحقيقة؟ أنت تغار منه لأنه متفوق على الكل وهو غريب ليس من هذه البلدة!"
قال: "اصمت أنت وصديقك الأحمق!"
صاح زياد: "لا تنعته بالأحمق ياصغير! أنت جبان! تخاف من ولد مثل نبيل! لهذا تستعين برفاقك ليضربوه بينما أنت تقف ساكناً!"
قلت: "زياد ، ما الذي حدث لك؟"
قال لي: "اصمت أنت!!"
فالتزمت الصمت مشدوهاً
وتابع زياد: "أنا أتحداك أيها الجبان أن تعاركني وحدي.. رجلاً ضد رجل"
قال حمدان: "حسناً ، يا شباب هيا اضربوه شرباً مبرحاً"
قال زياد: "اسمعوني أنتم ، ليس بيني وبينكم شئ ، لكن إن اعتديتم علي فالويل لكم! هيا! أنا أتحداكم جميعا!!!!"
"هجووووم!!" وبدأت المعركة..
"لااااااااااااااااااااااااااا" كانت هذه الصرخة الوحيدة التي تطالب بإيقاف المعركة ، وكانت مني ، لكن ما من مجيب.
طبعاً لم تكن المعركة متكافئة. لقد نال زياد نصيباً وافراً من الضرب. ورغم أنني تدخلت ، لكن تدخلي لم يفده.لكن الحق يقال أنني رأيته يقاتل بشجاعة لم يسبق لها مثيل.
سألته: "لماذا افتعلت المعركة مع أنك كنت لا تريدها؟"
قال لي: "من أجلك طبعاً يا صديقي. لقد كنت موقناً أنهم سيضربونك ، كان ذلك واضحاً لا محالة. فقررت أن أحميك"
قلت له: "وماذنبك أنت؟ لماذا؟"
قال: "أنا صديقك ، ولن أنس المواقف التي دعمتني فيها معنوياً"
صمت في تأثر. هكذا كان زياد. عندما يمتد شئ ليضرب يدي فإنه يبرز وجهه حتى يصده. لقد كان دائماً يدعمني بآرائه القوية أيضاً.
اليوم التالي تغيب زياد بسبب أنه ذهب للمستشفى من كثرة الكدمات على وجهه. شعرت بتأنيب كبير للضمير.
في وقت الخروج كان هناك شخص غير زياد ينتظرني. لقد كان الأهوج ، ومعه رفاقه.
قال: "هاهاها ، أين صديقك؟ هل هو خائف؟"
قلت: "لا ، لقد تغيب وهذا الأمر يخصه"
قال: "ماذا؟ لا شك أنه خاف منا ومن أن ينال المزيد من الضرب"
هنا شعرت بالغضب! كيف يتحدث هكذا عن صديقي؟ راودتني رغبة كبيرة بأن أصفعه على وجهه ؛ لكني الحقيقة أنني كنت أجبن من أن أفعل.
وتابع حمدان الأهوج الحديث: "صديقك ليس رجلاً. إنه ولد! هاهاهاها"
ازداد غضبي ولم أملك سوى الصمت..
تابع: "أنا آسف فهو ليس ولداً. إنه فتاة!!! نيهاهاهاهاهاها"
وأخذ الجميع بالضحك والقهقهة.. "هاهاها فتاة! هاهاها"
وشعرت وكأن الأصوات كلها تتردد في رأسي ، هاهاها في رأسي.. وشعرت بطاقة كبيرة تجري في عروقي. ثم قفزت إلى ذهني صورة صديقي وكيف قاتل بشجاعة من أجلي. كيف أخونه هكذا؟ كيف؟؟ كيف؟؟؟؟!!!!
لا!! لا!!! لا!!!
طاقة البغض تزداد في أعماقي.. أغبقت عيني وصرت أتنفس بعمق وقوة وحرارة ، وأنا أشعر بالطاقة تزداد في أعماقي. طاقة الغضب.. طاقة البغض!!! لا أدري ماهي ، لكنني أشعر بها. أريد أن أخرجها... أريد أن أخرجها قبل أن تزداد... آآآآآآآآآآآآآآآآآآه!!!!!!!
"لاااااااااااااااااااااااااااا" هااااع!!!
"...."
"..."
ودوى الصمت.. لقد كان ما فعلته أشد من دوي القنبلة. لقد صفعت حمدان الأهوج صفعة قوية. ربما كانت كل ما أوتيته من قوة في ذلك الوقت. صفعته بينما كان يقهقه. هذا زاد من تأثيرها عليه. لست أصدق أنني فعلت ذلك.
"ماذا؟ كيف تجرؤ؟!!!!" سمعت هذه الصرخة منه ، ثم شعرت بمجموعة من المطارق وسمعت الكثير من أصوات الطرق ووجدت نفسي ممدداً على الأرض وسط الساحة الفارغة. نعم ، فقد ضربوني ضرباً مبرحاً ، لكنني كنت سعيداً. لقد كنت وفياً لصديقي. وفجأة إذا بحمدان يأتي ويقول: "لن أنس لك هذا ماحييت! أنت أول من يفعل ذلك بي"
يبدو أنها أثرت فيه أكثر مما توقعت. هذا أفضل.
فيما بعد ، علم زياد بالموضوع ، ورغم أنه لم يبد رضاه عن تعريض نفسي للخطر ، إلا أنني أعلم أنه في الحقيقة سعيد جداً.
بعد أسبوع قامت مدرسة شاهر بإجراء رحلة إلى مدرستنا. "انظر يازياد! أليس هذا شاهر؟"
قال زياد: "بلى!! شاهر!!! تعال إلى هنا!!!"
رآنا شاهر وقدم على عجل وابتسامة على وجهه وهو يقول: "عمار ، زياد ، كم أنا سعي..." ولم يكمل عبارته ، إذ أن لكمة بدت لنا وكأنها جاءت من الفراغ أصابت وجهه لتمحي تلك الابتسامة والفرحة. لقد كان الأهوج.
صاح زياد: "تباً لك!!"
صحت: "ماذا فعل لك؟!!!"
قال: "نيهاهاهاها. كنت أنتظر هذا اليوم ، اليوم الذي أضرب فيه الشلة كلها. اهجموا عليهم!!!"
أبعدت شاهر ، وقمنا أنا وزياد بالعراك.
رغم أنهم كانوا عشرة ، إلا أن شيئاً كان بي وأنا بالمعركة. كنت غاضباً جداً. لا ، الغضب كلمة قليلة جداً لوصف حالتي. لقد كنت أنا الأهوج! ربما كان هذا ما جعلني وحشاً! لم أقاتل هكذا من قبل! زياد كان يقاتل أيضاً ، وبشراسة ، لكن رغم ذلك ، كان هناك شئ بي ليس موجوداً بزياد ، ربما كانت الطاقة. الطاقة التي أشعر بها عبر صدري وظري ومؤخرة عنقي. الطاقة التي أشعر أنها تتدفق في عروقي.
عندما شعر حمدان أن المعركة ليست في صالحه أخرج سكيناً وطعن فيها زياد في يده ، "آآآآآآآآآآآآآآآآه!!" صرخة كبيرة خرجت من صديقي ، وبعدها هجم العشرة علي.
لم تكن الطعنة قاتلة طبعاً ، لكن مرأى الدم فجر شيئاً بي. رغم أن العشرة انقضوا علي فقد أبعدتهم جميعاً عني ، وصرت أضربهم بسرعة وقوة شديدة وأتلقى الضربات في نفس الوقت. يبدو أن تلقيهم للضربات على هذا النحو قد أخافهم بعض الشئ ، خاصة وأن جسدي كان يرتجف!! كنت أشعر أنني سأنفجر!!! سأنفجر!!
صرخ حمدان: "ماذا تفعلون أيها الجبناء؟؟ هيا اضربوه!!!"
لكنهم بدو مترددين خاصة بعدما فعلته.. لقد وقفت ، وشددت ظهري ، وأغلقت قبضتي بقوة ، وأغمضت عيني وأنا أضغط على أسناني وأشعر بالطاقة تجري بي وبقوة....
"هيا!!!!"
وبمجرد أن هجموا علي ، صرخت "آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه"
"آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه"
"آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه"
وأنا أصرخ وأصرخ كنت أشعر بحرارة. سقطت من الإجهاد وكانت المفاجأة!!
زياد وشاهر ينظران لي بذهول!! الأولاد العشرة باستثناء حمدان كانو ساقطين أرضاً ، ويبدو على بعضهم آثار حروق. بل إن حائط المدرسة نفسه بدت عليه آثار حروق!! حمدان لم يصبه شئ.. بل ألقى سكينه وولى هرباً.
لم يكن بعلمي أن شخصاً آخر كان يراقبنا ، وأن ماحدث كان فقط البداية.. البداية فحسب