صفحة 2 من 13 الأولىالأولى 123456712 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 16 إلى 30 من 183

الموضوع: بلا اتجاه

  1. #16
    التسجيل
    07-03-2004
    الدولة
    فـي بـيـتـنـا !! والله ..
    المشاركات
    424

    مشاركة: بلا اتجاه

    تسلم أخوي انا راحل على القصه الجميله


    واتمنى انك تكملها في اقرب وقت

















    والسلام...
    ((سبحان الله عدد ماكان ويكون وعدد الحركات وعدد السكون))

  2. #17
    التسجيل
    21-05-2005
    المشاركات
    100

    مشاركة: بلا اتجاه

    شكرا ً أخي JARRASH على المشاركة وهذا الفصل الرابع





    الفصل الرابع



    حمل ذكرى هذا اللقاء القصير معه إلى المخيم، وحدث نفسه بأنه سيكون بينه وبين سعد حوارات قادمة وجميلة، وسيتعرف كيف اكتسب صاحبه هذه القدرة العالية على التقاط الفكرة، ومعالجتها بلغة ساخرة جميلة، سيتعلم منه كيف يخلق شخصياته ويبث فيها روحا ً فتدب خارج الورق إلى العقول فتبدو وكأنها أطياف لمن حولنا، ولكن كل هذا سيكون عندما يعود والآن ليفرغ نفسه للإستمتاع بالجو والأرض المخضرة.



    كانوا نفس المجموعة التي جاءت الأسبوع الماضي، ومضت أيامهم كما تمضي عادة، لا مفاجئات وعندما قفل راجعا ً يوم الجمعة، كان يحس بالشوق والرغبة في الإسراع ليحادث سعد، كما تمنى أن يكون قد أضاف جزاءا ً جديدا ً من روايته.



    * * *



    جلس أمام الجهاز مساء الجمعة، جلده لازال رطبا ً من الماء، بعد الإستحمام السريع والوجبة الخفيفة التي تناولها أعطته شعورا ً بالرضى، وعندما دخل كان سعد موجودا ً، كتب بنقرات أصابعه النحيلة:



    حمد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



    حمد: مساء الخير.



    سعد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلا ً أهلا ً، الحمد لله على السلامة، من طول الغيبات جاب الغنايم.



    حمد: أي غنائم؟ كان إنك تبي ضبان وجرابيع، هذي غنائمنا.



    سعد: ههههههههه، مهوب أنت مسافر؟



    حمد: لا... أنا مخيم، عادتنا أنا ومجموعة شباب نخيم كل نهاية أسبوع من يوم الأربعاء العصر إلى عصر الجمعة.



    سعد: اها... وأنا على نياتي قلت الرجل شكله معتمر وإلا مسافر لديرته، أثرك تطارد ورى الجرابيع.



    حمد: ههههه، المهم، كيف الحال؟ بشرنا عنك؟ نزلت شيء جديد.



    سعد: بخير، تقصد الرواية؟ لا... لا... بكرة بنزل الفصل الجديد.



    حمد: والله لو تدري قد ايش أنا متحمس لروايتك، كنت أفكر فيها أمس الخميس، بصراحة أعجبتني كثير.



    سعد: من ذوقك.



    حمد: لا من جد، حتى إني اليوم جاي ناوي افتح معك تحقيق، ههههههه.



    سعد: ههههه، تحقيق في ايش غربلك الله.



    حمد: أبغى أعرف كيف وصلت لهالمستوى في الكتابة، لمن تقرأ، ولمن تكتب، كيف تأتي بالفكرة، لك طقوس في الكتابة، يعني أتمنى أعرف كل الأشياء التي أدت إلى أنه يكون لك مثل هذا الأسلوب الجميل.



    سعد: الله... الله... كل هذا؟ لا يكون ناوي تناسبني.



    حمد: ههههههه، لا أنا أتمنى أستفيد منك.



    سعد: طيب يا سيدي أرضيت غروري، لكن قبل ما أتكلم بقترح اقتراح.



    حمد: تفضل.



    سعد: أريد أن نكتب بالفصحى، لأنها لغة التفكير بالنسبة لي، وأحس الكتابة بها أسهل، فما رأيك.



    حمد: طيب... أقصد حسنا ً.



    سعد: ههههههه، عادي خذ راحتك لا تحمس بعدين يجيك شد وابتلش فيك.



    حمد: لا تخاف علي، المهم تكون مرتاح وأنا ماراح أقطع استرسالك، لكن لو سمحت لي بوقفك بين فترة وفترة حتى أسألك استيضاحا ً.



    سعد: حسنا ً، من أين أبدأ؟



    حمد: لمن تقرأ؟



    سعد: ليس المهم لمن أقرأ، صحيح أن أفكار الكتاب التي يبثونها الكتب قد تؤثر على الإنسان وتصوغ تفكيره، ولكن الأهم هو ما الذي أقرأه وكيف أقرأه.



    حمد: جميل.



    سعد: بالنسبة لي القراءة تعدت مرحلة البحث، فالقارئ عادة أنواع هناك الباحث عن المعلومة وهناك القارئ المستمتع، وهناك القارئ المتذوق، وأنا أصنف نفسي من الصنف الأخير.



    حمد: ما فهمت هذا التقسيم، ممكن توضيح.



    سعد: حسنا ً، القارئ الباحث عن معلومة، لا يهمه كاتب بعينه وإنما هو يدور بين الكتب باحثا ً عن معلومة محددة، أو موضوع محدد، وقد لا يخرج من عشرات الكتب إلا بصفحات معدودة.



    سعد: أما القارئ المستمتع فهو القارئ الذي يقرأ في لون واحد أو أكثر من ألوان الكتب لا يجاوزه، فهو مثلا ً يقرأ في الشعر فقط، أو يقرأ روايات، بمعنى أنه قارئ انتقائي يقرأ ما يعجبه فقط، ولاتهمه المعلومة.



    حمد: والقارئ المتذوق؟



    سعد: القارئ المتذوق، هو القارئ الذي عقد صلحا ً مع الحروف، فلم يعد يهمه ما يقرأ فهو يقرأ ويخرج من كل ما يقرأ مفيدا ً، أعطه رواية، كتابا ً سياسيا ً، كتابا ً نقديا ً، قصيدة، كتابا ً فيزيائيا ً يخرج منه بفائدة، ويفلسف الكتاب بطريقته الخاصة، أنا هذا الرجل.



    حمد: ما شاء الله... لا إله إلا الله، يعني انسان موسوعي.



    سعد: ههههه، لا ليس هذا المعنى، القارئ الموسوعي يهدف أولا ً لجمع المعلومة، فقراءاته تكون مركزة بعكس القارئ المتذوق فهو علاقته مع الحروف تتعدى إلى علاقة صداقة، فهو لا يهمه قدر ما عنده من المعلومات بقدر ما عنده من الروح التي اكتسبها والعقل الذي تفتح.



    حمد: يعني كذا أنت تقرأ في أكثر من مجال.



    سعد: بالضبط، أنا أفضل النظرة الشمولية للحياة، فلذلك لابد حتى تفهم الأحداث التي تقع حولك، لابد أن تكون لديك معرفة بدوافع الأحداث، سواءا ً كانت دينية أو اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، وعندما تأتي تكتب تستفيد من هذه المعارف في كتاباتك.



    حمد: ممتاز، طيب كيف تفيدك هذي الأشياء في كتابة الرواية؟



    سعد: عندما تكون نظرتك للواقع شمولية وفهمك للدوافع مبني على تعدد المسببات، فأنت تقدر تعطي أبطالك ورواياتك الأسباب الواقعية للتصرفات، ويصبح أبطالك ليسوا مجرد حبر على ورق أو اسماء مجردة، بل تحس بأنهم موجودين على أرض الواقع وربما يقطنون البيت المجاور لبيتك.



    حمد: لمن تكتب؟



    سعد: للقارئ بكل أنواعه، للقارئ المثقف الذي يقرأ ما بين سطوري، للشاب الحالم، للفتاة التي تفتش عن كلمة حب، للمقهورين وللسعداء، للضاحكين والباكين.



    حمد: طيب، تحدثت عن كتاباتك مرة مع أحد أصدقائي، وقال لي إنك كاتب رائع ولكن أسلوبك متعب وفلسفي وفوق مستوى القراء، بمعنى أنه قد تظن أنت أنك تكتب لكل هاللي قلت عنهم، لكن الواقع أن قرائك من الصفوة.



    سعد: هل أطلعت على بريدي؟ هههههه، يا عزيزي لو أطلعت على بريدي لرأيت أن كثيرين أرسلوا لي يمتدحون ما أكتبه ويسألونني عن رأيي في مواضيع شتى، أنا أرى أن ما أكتبه في المنتدى محاولة للتغيير، تغيير نمط كتابة الرواية الشعبية، ولي منهجي في ذلك.



    حمد: لحظة... لحظة... ايش... أقصد ماذا تعني بالرواية الشعبية وما هو منهجك في تطويرها.



    سعد: الرواية الشعبية يا عزيزي ما تراه أنت الآن على جنبات المنتدى، روايات كثيرة جدا ً، الكل يكتب الرواية بدون استثناء، حتى الذين لا يلمون بأصولها ولكن النقاد الآن منصرفون عنها، لماذا؟ لأنها مليئة بالغث ولغتها مغرقة في العامية، ولكن عندما نقوم نحن بمقاربة هذه الروايات إلى الروايات المنشورة، سنحصل على رواية شعبية قادرة على المنافسة والوصول للجميع، ثم إن هناك تجارب جميلة جدا ً، وروايات خرجت من نطاق الانترنت بعدما صقلت بالتجربة.



    حمد: ولكن هذا صعب يا سعد، لأنه أكثر كتاب الروايات في المنتديات هواة، هذا أولا ً وثانيا ً رواياتهم يا أما نسخ مكررة من بعض أو هزيلة وضعيفة.



    سعد: هذا في الوقت الحالي لحداثة التجربة، ولأننا ما زلنا في البداية، إذا الانترنت نفسه لم يمض على وجوده إلا بضع سنوات، فالرواية الشعبية الانترنتية لازالت جنينا ً يتخلق وسيأتي اليوم الذي تولد من رحم التجربة والخطأ، سيأتي اليوم الذي تنتج فيه المنتديات وبالعمل الجماعي روايات قوية بإمكانها النزول للسوق، حتى أني أحلم باليوم الذي أجد فيه رواية فاخرة الطباعة على أرفف المكتبات بقلم مجموعة من كتاب منتدى ( أقلام بلا اتجاه).



    حمد: رواية متعددة الكتاب؟ ما أدري لكن أحس الفكرة صعب تتحقق.



    سعد: لما لا؟ تخيل مجموعة شباب أحدهم يأتي بالفكرة ثم يتعاون معه البقية في صياغتها وتنقيحها والبحث عن مصادر المعلومات لتغذيتها ورسم شخصياتها وتدقيق أحداثها، ثم يكتبونها بأسلوب جميل ولغة جماعية راقية، ويعود البقية ليقرأوها وينقحوها.



    حمد: فكرة خيالية جدا ً وإن كانت حلما ً رائعا ً.



    سعد: لا أدري ولكني الآن أغالب لساني حتى لا أفشي لك سرا ً، ولكن ربما إحساسي بالراحة معك، وإعجابي بك سيجعلني أفشيه لك.



    حمد: ما هو السر؟



    سعد: لقد بدأت فعليا ً بتأسيس هذه الجماعة، بحكم أني المشرف على منتدى القصص والروايات، والآن بالإضافة لي يوجد عضوين انتقيتهما من المنتدى من أفضل الكتاب وخاطبتهما بالفكرة وقد وافقا بحماس.



    حمد: معقول؟



    سعد: نعم ولكني أحس بأننا ما زلنا بحاجة إلى عضوين آخرين حتى نبدأ الإنتاج، أفكر بأن تكون لي أنا وأحد الأعضاء الكتابة وللبقية المراجعة وطرح الأفكار، وبهذا الشكل سيكون لدينا انتاج نفخر به، وإذا نجحت التجربة بإمكاننا أن نرتب لنشرها بشكل علني وتعميمها، وربما الظهور في برامج تلفزيونية للحديث عنها.



    حمد: ما أصدق أذني هذا مثل حلم، طيب فيه إمكانية إني أنضم لكم؟



    سعد: بصراحة أنا أفكر بالشيء هذا منذ قرأت رسالتك، ولكن كيف أقدر أقنع الأعضاء الباقين، وأنت ليس لك شيء منشور في المنتدى.



    حمد: توني جديد، ما سجلت إلا من فترة قريبة.



    سعد: هذا قانون العضوية الأول وهو أنه لابد أن نضم الشخص إلينا على أساسين كتاباته والأساس الثاني أن يكون مسجل في المنتدى، لأننا كيف نحكم على كتابته ونحن لم نقرأ شيئا ً له.



    حمد: يعني لازم أكتب شيء وانشره بأسرع وقت.



    سعد: ليس أي شيء، اكتب فصل من رواية وانشره وأنا اقنع الأعضاء بضمك.



    حمد: طيب... راح أبدأ من اليوم، بصراحة أنا هذا مثل حلم لي، طيب... يا خي ضيعت صرت أخلط عربي على عامي على أردو، حسبي الله على عدوك أنا تحمست.



    سعد: ههههههههه، خذ نفس وركز أفكارك.



    حمد: طيب... الآن كيف راح تكون الجماعة هذي، وكيف راح تكون اجتماعاتكم، ومن الأعضاء فيها.



    سعد: الأعضاء ما راح أكشف لك اسمائهم حتى تنضم لنا، لكن الجماعة راح يكون مكانها المنطقة الشرقية لأنه حتى الآن فيه اثنين أنا وأحد الأعضاء من الشرقية، والعضو الثالث أو على الأصح العضوة من الرياض، والإجتماع راح يكون مرة في الشهر بالإتفاق، وهو إلزامي للشباب، أم البنات اللي راح ينضمن للجماعة فحضورهن يكون عن طريق التلفون.



    حمد: وكيف يكون العمل؟



    سعد: نبدأ أولا ً بطرح القصة والنقاش حولها ورسم تسلسل حوادثها الزمني، وشخصياتها، وبعد الإتفاق عليها نقوم برسم الشخصيات وتحديد معالمها، ثم بعد ذلك نجري الأبحاث الخاصة بوقائع الرواية وأماكنها، مثلا ً أفرض اتفقنا على كتابة رواية عن العصر العثماني، لابد من أن نكون ملمين بالأماكن والحياة اليومية في ذلك العصر والأزياء وغيرها، وبعد هذا كله نبدأ بالكتابة، وبعدها تأتي مرحلة المراجعة والتنقيح، ثم القراءة النهائية والإتفاق على الرواية وفي الأخير طرحها للطبع ونشرها.



    حمد: بصراحة فكرة عظيمة جدا ً، ولكنها محتاجة جهد كبير.



    سعد: وعمل جماعي، اليد الواحدة لا تصفق.



    حمد: طيب، لماذا عدد الجماعة محصور بخمسة، لماذا لا تطرح الموضوع في المنتدى في إطار مشروع ضخم يساعد فيه كل كتاب المنتدى، وينزل بأسمهم؟



    سعد: فكرت بهذا الشيء في البداية، ولكن مثل ما قلت لك أكثر الكتاب الحاليين هواة، والعمل بالشكل هذا سيتشتت، ثم إن الرواية سوف تكون مفضوحة ولا فائدة في طرحها للسوق، لأن بوسع أي شخص قرائتها من الموقع مباشرة.



    حمد: صحيح، ولكن باب الإنضمام للمجموعة مفتوح.



    سعد: أكيد، لو مثلا ً بدأنا بكتابة الرواية لكن رأينا أنه هناك كاتب في المنتدى سيفيدنا فإننا سنخاطبه ونحاول الإستفادة منه.



    حمد: وهذه الجماعة سيعلن عن نشاطها في المنتدى؟



    سعد: لم نقرر بعد، أنا أرى التكتم على الموضوع ومفاجأة الأعضاء في النهاية، وبعض الأعضاء يرون نشر الموضوع حتى نزيد حماس الأعضاء ونقوي المنتدى ونجذب الكتاب الذين قد يرغبون بالإنضمام للجماعة.



    حمد: بصراحة يا سعد لقد قلبت أفكاري.



    سعد: حلم جميل أليس كذلك؟



    حمد: جدا ً



    سعد: حلم يتحقق بإذن الله.



    حمد: طيب... وش الصعوبات التي تتوقع تواجهنا؟



    سعد: في البداية، سنواجه صعوبات في الإنسجام بين الأعضاء ومحاولة التفكير كواحد، مشكلة التكاسل التي ستصيب البعض بعد ذهاب فورة الحماس في البداية وخصوصا ً في المشاريع الطويلة مثل هذا.



    حمد: وكيف يتم التغلب عليها؟



    سعد: كل شيء في وقته حلو، وبعدين تقسيم العمل يساعد نوعا ما في حل مشكلة البطء، وبإمكاننا الحفاظ على فورة الحماس لو قمنا بتقسيم العمل إلى مراحل ونفذناها بشكل متتابع بحيث يحس الجميع بالإنتاجية ويتحمسون للنهاية.



    حمد: جميل جدا ً.



    سعد: وأتمنى أنك تكون معنا في العمل هذا.



    حمد: بإذن الله، سأبدأ من اليوم الكتابة، الله يعنني على البحث عن موضوع.



    سعد: حمد أنت لغتك جميلة، كل ما تحتاج إليه هو التركيز على الأفكار، حاول تبحث عن فكرة غريبة، وتعالجها بأسلوب جديد وستنجح بإذن الله.



    حمد: يعين الله.



    سعد: طولنا عليك.



    حمد: بالعكس هذي أبرك الساعات والله.



    سعد: الله يسلمك وننتظر جديدك.



    حمد: خير إن شاء الله.



    سعد: توصي شيء؟



    حمد: سلامتك.



    سعد: في أمان الله، مع السلامة.



    حمد: مع السلامة.



    * * * * * * * * *



  3. #18
    التسجيل
    21-05-2005
    المشاركات
    100

    مشاركة: بلا اتجاه

    الفصل الخامس



    أشعلته تلك المحادثة مع سعد، فلم يستطع النوم ليلتها، كان عقله يعمل بأقصى سرعة، يفكر بمشروع سعد الكبير، يحلم به، يتخيله واقعا ً محققا ً، ثم يكد مخه بحثا ً عن فكرة لرواية ينافس بها كبار المنتدى.



    أذن الفجر وهو بين النوم واليقظة، صلى وعاد إلى البيت وهو لا يكاد يرى طريقه من التعب، نبه أمه إلى أنه سيتغيب هذا اليوم عن الجامعة لأنه لم ينم، ثم ألقى بنفسه على السرير وغاب تحت دفقات الهواء البارد الذي كان يبثه المكيف.



    عندما فتح عينيه كانت الساعة قد جاوزت الحادية عشرة بدقائق، نهض وتمطى ثم اغتسل وتناول شيئا ً بسيطا ً من المطبخ حتى لا يفسد غدائه، ثم عاد إلى غرفته بكوب شاي وأفكار مضطربة.



    جلس أمام الجهاز وجعل يكتب حروفا ً ثم يمسحها بشرود وهو يستحث عقله بحثا ً عن فكرة جديدة، زفر بضيق ورشف رشفة من الشاي ليطرد من ذهنه مجموعة من الأفكار القديمة المستهلكة، قصص الحب مللنا منها – قال لنفسه – قصص المآسي ضج الانترنت منها وكذلك التلفاز، القصص الهزلية لا تناسب، فيما أكتب يا ترى؟



    * * *



    استسلم عندما أذن الظهر لعجزه ثم قام ليصلي، أحس براحة نفسية وسعة في صدره عندما ولج المسجد البارد والهادئ، وترك خلفه العالم الضاج بالحركة والأصوات، صلى ركعتين ثم أتبعهما بأخريين، قبل أن يتناول مصحفا ً ويبدأ بالقراءة بصوت هامس.



    التفت عليه شيخ كبير كان يصلي بجانبه وسلم عليه، أحس حمد بخشونة راحة يده، ولكن وجهه كان سمحا ً بلحية بيضاء طويلة وتجاعيد كللت الفم والعينين، عندما عاد لقراءة القرآن تساءل عن عدد السنين التي مرت على هذا الشيخ، وعن ماذا رأت عيناه طوالها؟ وما عساه يقول لي لو سامرته يوما ً وما عساه يقص علي؟



    عندما قضيت الصلاة وخرج عائدا ً إلى البيت كانت فكرة الرواية قد نبتت في رأسه، فكرة بسيطة – قال لنفسه – شيخ كبير يحكي تجاربه في الحياة، ولكن أين الإثارة؟ أمممم... دعني أرى يكون هذا الشيخ في شبابه قاطع طريق في فترة زمنية قبيل توحيد المملكة، ويقتل رفاقه في عملية فاشلة فيما يهرب هو إلى الجنوب ويختفى في الجبال، ثم... ثم ماذا؟ يتوب؟ نعم يتوب ويقرر طلب العلم ويصير معلم صبيان في قرية من القرى المنثورة على سفوح الجبال ثم يتزوج ثم... ثم يحس بالحنين إلى دياره فيعود غريبا ً ومعه عائلته، ثم... ثم يموت أحد أبنائه بمرض فيما يدخل الأبن الآخر المدرسة النظامية الجديدة ويبتعث للخارج، والأبن الأصغر يصبح ضابطا ً كبيرا ً، لحظة... لحظة... الشيخ هو بطل القصة وهو الذي يجب أن أركز عليه، ما شأني بأبنائه، حسنا ً... من جديد، قلت قاطع طريق ثم يتوب ثم ماذا؟



    كان قد وصل البيت وهو يعالج الأفكار والهواجس، أسرع قاصدا ً جهازه حتى لا تطير الكلمات منه، حسنا ً... لا بد من بداية قوية، الحروف الأولى من الرواية هي التي تجذب الناس غالبا ً.



    برقت الحروف فجأة في ذهنه كأنما انجابت عنها ظلل من السحاب كانت تحجبها، وبدأت أصابعه وكأنما أصابها مس فبدأت نقرها على لوحة المفاتيح يتسارع ويكتسب نغمة بعث الحروف:



    ( تلوى جهز في الرمل كصل كبير وهو ينطلق لتنفيذ أوامري، فيما لزم طراد مكانه منطرحا ً على الأرض مترقبا ً لإشارتي، عيني تسبران الركب الذي بدى في الأفق، قافلة... قافلة بعد كل هذه الأيام من الجوع والمسغبة.



    كمنا خلف عوشزة موحشة كرأس غول، يدي تقبض على البندقية، وجهز مازال يتلوى زحفا ً كالموت النازل، والقافلة تقترب حتى صرنا نسمع صوت حاديها، وثغاء أغنامها، وبكاء أطفالها.



    وعندما استدبرهم جهز، أحكمت التصويب ثم في لحظة برك البعير الذي يحمل المتاع وهو يهدر بعدما ثقبت عنقه رصاصتي، بدأ طراد وجهز يطلقان النار، وأفعمت الجو رائحة البارود، وكسى الدم الأرض وتناثرت أمتعة القافلة.......).



    تحلب ريقه من الإثارة، وبدأ يحس بهبات السموم وهي تحثي عليه الرمال، وبدأ يسمع هدير الجمال، وقعقعة السلاح، ورائحة البارود، ويكتنفه الليل الصحراوي القارس.



    انتشله صوت أمه وهي تدعوه إلى الغداء من خيالاته ، فنزل وجلس على السفرة شاردا ً، يستمع إلى أحاديث أبيه مع هيلة وملاعبته للمى، وثرثرة أخيه سعد التي لا تنتهي، ووشوشات عبير في أذن أمه بطلبات مكررة، أما هو فليس هنا، هو هناك خلف الآكام والآطام، يفترش الرمل ويتكئ على الصخور، ويشارك نزال وطراد وجهز الأكل من خبز منضج بالرماد ولبن حامض.



    - هيه، وين وصلت؟



    نبهته أمه من شروده، فقالت هيلة ضاحكة:



    - وصل البر أكيد.



    أغضى عينيه عن ابتسامات أخوته وأبويه، وضحكات لمى التي لم تفهم شيئا ً بالطبع ولكنها تضحك لضحكهم، تناول طعامه بسرعة ثم فر إلى غرفته.



    * * *



    مساءا ً، بكر بالعودة من عند أصدقائه، فتح الصفحات القليلة التي كتبها من روايته وجعل يتأملها ريثما يتصل بالانترنت، عاد له عبق التاريخ، وأطياف الماضي البعيد، مائة عام انقضت على التاريخ المفترض لروايته، نزال وطراد وجهز بدوا له كأشخاص حقيقين قابلهم وجالسهم، وربما طلبوا منه أن يساعدهم في قطع الطريق على قافلة.



    عندما اتصل أخيرا ً بالانترنت قصد المسينجر أولا ً، وعندما لم يجد سعد هناك، قصد المنتدى وكاد أن يقفز من الفرح عندما وجد الفصل الخامس لرواية ( صفحات حب تذروها الرياح) يتصدر الموقع، حفظ الفصل على سطح المكتب، وقطع الإتصال وبدأ يقرأ بعدما قام بطقوسه من إحضار مشروب وإطفاء النور.



    بدأ الفصل ببيت شعر (



    فهل غرك ِ أن حبك ِ قاتلي /// وأنك ِ مهما تأمري القلب يفعل ِ



    آه... آه... يا امرؤ القيس هل كابدت الذي أكابده - لا أظن - يا امرؤ القيس كنت أنت ابن ملك وشاعرا ً مرغوبا ً، وكنت... وكنت، مما يرغب فيك حبيبتك، أما أنا؟ فما أنا إلا سجين للحروف التي أرجو فكاكها، غريق في تقاسيم الكتب التي صار جسرا ً إلى قلب الحبيب.



    كنت أظن في أيامي السالفة السعيدة قبل أن يخترقني سنان الحب، أن البنات لا ينتظرن إلا فارسا ً يأتيهن ممتطيا ً فرسا ً أبيضا ً، حتى وقعت في غرام من أجبرتني على امتطاء الكتب؟ وسلكت طريق الحب وعرا ً وطفقت أدافع الحروف وأستبطن النصوص وأستذوق المشعور والمنثور، وأمضي طويلا ً... طويلا ً... أبتغي في تعاريج القوافي سبيلا، بوقت شحيح وفكر يشب قليلا ً... قليلا ً.



    تمر بي أيام يأس أطوح فيهن بالكتب، وأشتم الكاتب وما كتب، ثم أصفق الباب خلفي وأمضي لألف الشوارع شريدا طريدا، وعندما أعود ليلا ً أجد صفحات الكتب تلمع في الظلام التماعا ً وئيدا، ابصر فيه التماعة ثغر الحبيب عندما يتدفق منه الكلام قصيدا.



    الآن عرفت أني سأعض أصابعي يوما ً ندامة ً، وأنه سيأتي يوم سيكون لزاما ً علي فيه أن أجمع أشتات عواطفي وأرحل، ولكن بعدما يكون حبها قد خالط مني الشغاف، وأكون بعدها قد عفت كل النساء.



    اليوم بكيت، نعم أقولها هكذا وبكل بساطة بكيت كطفل غرير، رغم مرور سنوات طويلة على بكائي لآخر مرة، منذ غادرت عهد الطفولة المندرس وفتلت طوالع شارب يخط علامة الرجولة، تسألني ما الذي أبكاني؟ الذي أبكاني فصل من كتاب.



    لا تضحك... لا تضحك... أرجوك، لا تزد ضغثا ً على إبالة، القصة وما فيها أني كنت أتحدث مع نورا، فذكرت لي كتابا ً أعجبها كثيرا ً، فتحمست وطلبت منها اسمه لأقرأه، لا حبا ً في الكتاب ولا الثقافة، وإنما فقط لأمر بعيني على السطور التي مرت عليها عيناها، ولأبحث عن بقايا أنفاسها العطرة على السطور.



    قصدت المكتبة، ودفعت من دم قلبي 60 ريالا ً ثمنا ً له، واحتملت صفحاته الخمسمائة، وعدت لأكتشف أي طلسم هو، قلت بهلع - عندما قرأت الفصل الأول منه بلا فهم - لا ريب أن كاتبه عجوز تسعيني كره الدنيا فقرر ذات حقد أن ينتقم من كل البشر، قرر أن يقتل البراءة في الزهور، والضحكة في الثغور، فألف كتابه هذا، وأودعه كل غامض من اللفظ والمعنى، وتعمد التحوير والإنزلاق بين السطور.



    حتى غدى كل حرف أقرأه منه يجب ما قبله، فاختلطت علي الحروف وأصبت بالدوار، فأرجأته إلى الغد وعزوت عدم فهمي إلى التعب وقلة النوم، ولكني لم أزدد في الغد إلا خبالا ً، وعندما واطئت خيبة الأمل مني ذلة بكيت، بكيت كبرياء الرجل فيني وعجزي، تخيلت موقفي غدا ً وهي تسألني رأيي في الكتاب فأتلجلج وألوك الكلمات لوكا ً، وما عساي أقول؟ بكيت قلة حيلتي وضعفي، بكيت خزيي وعاري، بكيت تمكن الحب مني وأوجاع قلبي المحتل، ثم عندما انتهيت عدت وبكيت لأني بكيت على أمر لا يستحق البكاء.



    تمنيت أن تحط على نافذتي حمامة، لأقول لها كما قال الشاعر القديم:



    أقول وقد ناحت بقربي حمامة /// أيا جارتا لو تعلمين بحالي



    ولكن أين الحمام في هذه المدينة؟ لو فتحت نافذة غرفتي لوجدت أمامي كهربائيا ً فلبينيا ً يعالج الأسلاك في العمارة المقابلة، ولو أني تجرأت وشكوت له حالي لما زاد أن قال ( هادا بابا ما بي موسيكلا... أنتا في كلام هبو بأدين هدا كويس)، ولهززت رأسي شاكرا ً له هذه النصيحة الهادفة الثمينة............)



    * * *



    عندما أتى حمد على الفصل، والذي كان في مجمله وصف لمشاعر خالد وتباريح حبه لنورا، أحس بكآبة وزهد في كل شيء، تخيل كيف يمكن أن يؤذي الحب صاحبه.



    قام لينام، كان طراد ونزال وجهز والأبل الهائجة والليل الصحراوي، والقصائد النبطية حول النار، قد توارت خلف صورة مظلمة لشاب يحتضن كتابا ً بين يديه ويهتز ببكاء مكتوم، في بيت قديم قد نام أهله.



    * * *



    أمضى يومه يفكر بما قرأه، وعندما عاد ليلا ً إلى جهازه، وأعاد قراءة ما كتبه هو أحس بهزاله، قال لنفسه " فيما يعالج سعد في روايته موضوعا ً حساسا ً جدا ً بأسلوب جديد ونغمة جديدة، وينقل لنا مشاعر أبطاله بمنتهى الوضوح، أهرب أنا إلى عصر آخر وعالم آخر، إبل وصحاري وقطاع طرق، كل هذا كان هروبا ً، مجرد هروب من الواقع الذي لم أجرؤ على الكتابة عنه لأني لازلت أخاف الحديث والكتابة".



    فكر أن يمسح كل ما كتب، وكاد يفعل ذلك، ولكنه تراجع في اللحظات الأخيرة، وفر إلى النت يبحث فيه عما يجن هواجسه، وهناك كان سعد بإنتظاره على المسينجر:



    سعد: أهلا ً... أهلا ً.



    حمد: السلام عليكم.



    سعد: وعليكم السلام والرحمة، هلا والله.



    حمد: مساء الخير.



    سعد: مساء النور والسرور.



    حمد: حسبي الله على عدوك، يا خي الفصل اللي كتبته قلبني فوق تحت.



    سعد: هههههههههه.



    سعد: ليش؟ وش اللي صار؟



    حمد: أمس كتبت فصل، جزء من فصل لرواية وكنت أفكر أنزله اليوم، لكن بعد ما قرأت روايتك تراجعت.



    سعد: ليش تراجعت؟



    حمد: روايتي كانت عن قاطع طريق عاش قبل عشرات السنين وقصة حياته وغربته.



    سعد: ممتاز، جميل جدا ً، ليش تراجعت؟ وايش دخل الفصل اللي أنا كتبته؟



    حمد: يا خي حسيت الفصل اللي أنا كتبته تافه، وخارج الزمن.



    سعد: ليش؟



    حمد: أنت مثلا ً قصتك تعالج موضوع مهم وهو العلاقات عن طريق النت أما روايتي فأيش تعالج؟ موضوع قطاع الطرق المهم؟



    سعد: هههههههههههههه.



    حمد: من جد، حتى قبل شوي كنت بمسح اللي كتبته.



    سعد: أعقل بس، لا تمسح شيء بالعكس أنا أعجبني موضوعك ويهمني أقرأه.



    حمد: كيف أعجبك؟



    سعد: هذا نوع جميل من كتابة الرواية وصعب جدا ً... جدا ً، وعدد الكتاب اللي برزوا فيه قليل جدا ً، أنت عارف الشيء هذا؟



    حمد: أي نوع؟



    سعد: هذي تسمى الرواية التاريخية، حيث الكاتب يعالج أحداث تقع في زمن ماضي، وينقل صورة دقيقة لذلك العصر بجميع أبعاده المكانية والنفسية والإجتماعية، أنت يا حمد بدأت بالصعب الذي لم نصل له حتى الآن.



    حمد: لكن ما أكتبه بعيد عن الواقع.



    سعد: بالعكس ما تكتبه هو الواقع بعينه، أنت عندما تكتب عن قاطع طريق عاش قبل عشرات السنين، فأنت تتكلم عن الإنسان، الإنسان عندما يخطئ، الإنسان عندما يتحول إلى مجرم ووحش، والإنسان هو هو، في كل زمان ومكان ولكن تتغير الوسائل فقط.



    حمد: طيب أنت قلت صعب وين الصعوبة فيه؟



    سعد: ليس صعبا ً فقط وإنما معقد أيضا ً، مثلا ً قصتك هذه، في أي عصر؟



    حمد: ما قبل توحيد المملكة بقليل.



    سعد: انظر إلى ماذا تحتاج حتى تكون قصتك كاملة ومرضية، أولا ً إلى معرفة الأحوال السياسية والإجتماعية في ذلك الوقت، أسماء الأمكان التي وقعت فيها الأحداث لأنه ذلك الوقت لا يوجد مدينة اسمها الرياض أو كانت موجودة ولكن ليس بشكلها الحالي.



    سعد: لابد أن تعرف أيضا ً أسماء الأسلحة والملابس والأكل وأشياء كثيرة حتى تكون أمينا ً في نقل البيئة التي تدور فيها الأحداث، وأيضا ً تحتاج لتفسير الدوافع السلوكية لأبطالك بناءا ً على ظروفهم هم مو ظروفنا حنا.



    حمد: الله... الله... كل هذا؟



    سعد: أجل وش تحسب، مجرد تفتح الوورد وتكتب، يا حبيبي إثرك على نياتك.



    حمد: يا خي أنا اكتشفت فيك خصلة.



    سعد: الله يستر... وش هي؟



    حمد: تحب تعقد الأمور.



    سعد: ههههههههههههه.



    حمد: والله... يا خي وسع صدرك ولا تدقق.



    سعد: بالعكس " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا ً أن يتقنه"، الإتقان مطلوب حتى في كتابة الرواية.



    حمد: بس مهوب لهالحد، أسوي أبحاث عشان أكتب رواية، وين عايشين فيه، وش قالولك بصنع صاروخ.



    سعد: ههههههههههه. وليش مستهين بالرواية، أنت عارف أنه الرواية والكتابة عموما ً ممكن تأثر في الناس أكثر مما يؤثر فيهم كتاب علمي متخصص.



    حمد: ممكن... لكن إذا كل من كتب رواية سوى أبحاث كان ما أحد كتب رواية.



    سعد: وهذا اللي صاير الآن، أذهب إلى المكتبات يا عزيزي وأقرأ الروايات المرصوصة على رفوفها، سخافات... لا أقل ولا أكثر، لماذا؟ لأن الكاتب استهتر بالقارئ وكتب له أي كلام، للأسف أجد الروايات الغربية أكثر إتقان من الروايات العربية.



    حمد: عموما ً... أنت تغلبني في هالأمور، ولكن خلاصة رأيك أن أنشر الرواية؟



    سعد: أنا كان رأيي أنه اختيارك للموضوع جرئ وجديد، لكن الآن نأتي للمعالجة واللغة إذا كانت جيدة فتوكل على الله وأنشرها.



    حمد: طيب عندي رأي.



    سعد: ما هو؟



    حمد: اللي كتبته كله ست صفحات، بكمل الفصل وبرسله لك وعطني رأيك أنشره وإلا لا.



    سعد: توكل على الله، سأنتظر الفصل منك.



    حمد: طيب... بطلع الآن وأروح أكمله وأرسله لك الليلة.



    سعد: ما شاء الله... ما تلعب، حامي بحامي.



    حمد: ههههههههههه، توصي على شيء؟



    سعد: سلامتك، انتظر الفصل، ما راح أنام إلا لما أقرأه.



    حمد: خير إن شاء الله... مع السلامة.



    سعد: مع السلامة.



    * * *



    خلال الساعة التالية لهذه المحادثة، عاد حمد يتنسم رائحة الشيح والقيصوم، ويغوص في كثبان الرمال ومغاور الجبال، ويتسربل الليل البهيم، ويغير مع نزال على القوافل وينهبها.



    وعندما انتهى أرسل الفصل إلى سعد، ثم أوى إلى فراشه ونام وهو يحلم بكل ما كتبه ويعيش فصوله.



    * * *



    عندما نهض في الصباح كان أول شيء فعله هو الضغط على زر تشغيل الجهاز، دخل ليستحم وعندما خرج طلب الإتصال بالنت وجعل يلبس ملابسه ريثما يتم الإتصال، وعندما تم الإتصال قصد بريده بحثا ً عن رأي سعد في الفصل الذي كتبه، وعندما فتح البريد كانت رسالة قليلة الكلمات بإنتظاره، كل ما تقوله هو: " انشرها يا مجنون... انشرها".



    * * * * * * * * *



  4. #19
    التسجيل
    26-04-2003
    الدولة
    -(_)K..s..A(_)-
    المشاركات
    902

    مشاركة: بلا اتجاه

    مشكووور اخوي على الفصول الجديده

    في انتظار بقية الفصول
    وانا متااااااااااااااااااااااااابع لهذه الرواية يا مبدع !
    هلالي إلى الابد




  5. #20
    التسجيل
    07-03-2004
    الدولة
    فـي بـيـتـنـا !! والله ..
    المشاركات
    424

    مشاركة: بلا اتجاه

    ماشاء الله رووووعه واكثر من رووووعه



    واتمنى منك اخي ان تطول الجزء القادم

















    والسلام...
    ((سبحان الله عدد ماكان ويكون وعدد الحركات وعدد السكون))

  6. #21
    التسجيل
    21-05-2005
    المشاركات
    100

    مشاركة: بلا اتجاه

    الأخوين Trandeo & JARRASH

    شكرا ً لمتابعتكما وبالنسبة لتطويل الفصل القادم
    فالحقيقة أني وصلت الآن إلى الفصل الثامن في كتابتها فمن الصعب التطويل
    وشكرا ً لكما.

  7. #22
    التسجيل
    21-05-2005
    المشاركات
    100

    مشاركة: بلا اتجاه

    الفصل السادس



    أدرج الفصل الأول من الرواية، ثم أغلق النت وفر، فر من البيت ومن هواجسه، يمكننا أن نعتبر ذلك اليوم ساقطا ً من حساب أيامه، فقد كان يقوم بأعماله اليومية بحكم العادة، يمشي بحكم العادة، يذهب إلى الكلية بحكم العادة، يحضر المحاضرات بحكم العادة، لا يحاول إعمال ذهنه هربا ً من الهواجس، وإن كان يتساءل في لحظات الشرود، كيف سيستقبل الجميع الرواية؟ هل ستعجبهم؟ أم ستكون بالنسبة لهم مجرد رواية أخرى؟ لقد أعجبت سعد، ولكن ماذا عن البقية؟ هل؟ وهل؟ ثم عندما يتنبه يعاود الفرار.



    * * *



    عيل صبره أخيرا ً، ولذلك عندما وصل إلى البيت، قفز الدرج قفزا ً إلى غرفته، غير عابئ بأخته هيلة التي لاحقته بلسانها الحاد بعدما كاد يسقطها، ولكنه لم يسمعها، نسي كل شيء وهو يندفع إلى المنتدى ليريح قلبه.



    ولكن واجهته خيبة الأمل عندما وصل المنتدى، لم يكن هناك سوى رد يتيم على روايته التي تذيلت الصفحة الأولى، وحتى عندما فتح الرد لم تواسه كلماته القليلة " مشكور على الفصل الكيووووت ونتريا الياي".



    أغلق النت ونزل ببطء إلى الطابق السفلي، عندها تذكر جوعه وإرهاقه، فمضى إلى المطبخ ليخلط خيبته مع الأرز المودع في إناء محكم وقد بلله بخار الماء الذي تجمع على باطن الغطاء، تناول غداءا ً بئيسا ً، ولام نفسه على تسرعه " لو صبرت إلى الليل وأدرجت الفصل عندها لكان خيرا ً لي، لربما وجدت أحدا ً يقرأ لي، ولما قاربت قصتي الآن الصفحة الثانية، ولما اضطررت إلى استجداء الردود لها".



    ثم يعود ويقول " لا... لا... سيراها سعد وسيرد عليها، أنا متأكد من ذلك، الصبر... فقط الصبر، هو كل ما علي فعله"، حاول التشاغل باقي اليوم، ذهب إلى أصدقائه كعادته وأنفق ساعاته في سوقهم الفارغ، وعندما عاد تردد قليلا ً بين فتح المنتدى وبين التريث إلى آخر الليل، ثم حسم الأمر وفتح المنتدى والمسينجر في آن واحد.



    كانت الردود قد زادت اثنين، قصدهما ولكنه اصطدم بكلمات التشجيع الباهتة، " يالله أين الكتاب الكبار؟ أين سعد؟"، قصد المسينجر وهناك وجد سعد، وبنقرات متوترة كتب:



    حمد: السلام عليكم.



    سعد: وعليكم السلام، خلك معي لحظة حمد، معي مكالمة مهمة.



    حمد: طيب.



    مضت دقائق ثم عاد سعد ليكتب:



    سعد: معليش حمد أنا آسف الآن، مضطر أطلع، عارف أنه ما تكلمنا حتى الآن، لكن ظرف طارئ.



    حمد: لحظة... لحظة... حرام عليك أنا مولع هنا.



    سعد: هههههههه، ليه سلامات.



    حمد: شفت روايتي؟



    سعد: شفتها وبنتكلم عنها بعدين، بكرة.



    حمد: وأنا وش يصبرني إلى بكرة، ليه ما رديت علي.



    سعد: بقولك بكرة ليه، وبعدين أصبر الرواية توها جديدة ولا انعرفت، المهم أشوفك على خير، مع السلامة.



    حمد: مع السلامة.



    قالها حمد لنفسه لأن سعد كان قد ذهب، حاول حمد تقليد أبطال الروايات بأن يعض شفته غيظا ً، ولكنه اكتشف تحت طائلة الألم أن هذه عبارة روائية لا أكثر، لو كان مروان هنا لكان عضه بكل قوته على سبيل التنفيس.



    "هل سأنتظر إلى الغد؟" تساءل " يا الله... لقد كان اليوم يوما ً طويلا ً وعندما وجدت سعد في النهاية، ها هو يهرب مني، ما الذي حدث؟ لم هرب؟ هل عرض على مجموعته ضمي ورفضوا فهرب من مواجهتي؟ ربما لم تعجبهم القصة، فهي في النهاية مجموعة من الجمِال وقطاع الطرق، أف".



    * * *



    في الغد كانت روايته قد وصلت إلى الصفحة الثالثة وظل عدد الردود كما هو، ثلاثة ردود هزيلة الكلمات وذات حروف مجامِلة.



    ولذلك عندما وجد سعد في المسينجر، سلم عليه بفتور:



    حمد: السلام عليكم.



    سعد: وعليكم السلام، أهلا ً وسهلا ً بالروائي الجديد.



    حمد: كيف الحال؟ أي روائي جديد وكلام فاضي.



    سعد: الحمد لله بخير، وين حماس أمس، اليوم بارد، ههههههههه.



    حمد: والله من خيبة الأمل وضيقة الصدر، كنت متوقع ردود على الرواية على الأقل منك.



    سعد: ههههههههههههه. ولا خيبة أمل ولا شيء. اسمع.



    حمد: تفضل.



    سعد: أولا ً عذرا ً على اللي صار أمس كنت مشغول وطلعت بسرعة بدون ما نتكلم مع بعض.



    حمد: لا عادي.



    سعد: ثانيا ً الفصل جميل جدا ً، لكن اصبر المنتدى مثل ما أنت شايف مليء بالقصص والروايات، وصعب الناس تميز روايتك من البداية.



    حمد: اها.



    سعد: وثالثا ً أنا كاتب رد على روايتك، براجعه اليوم بإذن الله وبنزله.



    حمد: جميل.



    سعد: ورابعا ً موضوع انضمامك للمجموعة، حتى الآن لم يتم اجتماع، أنا أرسلت للأعضاء رابط روايتك، وبشوف آرائهم.



    حمد: طيب فيه ملاحظات على الفصل؟ ما فيه أحد قالك شيء عنه؟



    سعد: ههههههههههههه، سبحان اللي صبرك في بطن أمك تسعة أشهر، الرواية مالها إلا يوم نازلة وتبي الناس ترد عليك وتمدحك، اصبر.



    حمد: هههههههه.



    سعد: وملاحظاتي على الرواية بتجدها في الرد اللي بنزله.



    حمد: خير إن شاء الله.



    سعد: بس شف، ترى مسوي نفسي ما أعرفك، وردي عليك رسمي جدا ً، وأنت نفس القضية كأنه ما بيننا سابق معرفة وعيش ومسينجر.



    حمد: ههههههه، عشان ما حد يقول أنك واسطتي، هههههههه.



    سعد: هههههههه.



    حمد: طيب، انتظر ردك على أحر من الجمر.



    سعد: يا جمر أنت، جمر... وبعارين وقطاع طرق، أثرك وحشي وحنا ما ندري، كنت أحسبك دلوع أمك... طلعت سفاح.



    حمد: ههههههههه. المهم توصي شيء؟



    سعد: وين؟ تو الناس.



    حمد: بشوف دراستي اللي مهملها هاليومين.



    سعد: طيب قبل لا تمشي، بطلب منك طلب.



    حمد: آمرني.



    سعد: إذا ما فيه إحراج ممكن رقم جوالك، لأنه أنا أحس أن علاقتنا في الأيام القادمة أكبر من المسينجر.



    حمد: الساعة المباركة والله اللي تتصل علي فيها، هذا رقمي...........



    سعد: جزاك الله خير وراح اتصل فيك بعدين، ما أعطلك الآن، مع السلامة.



    حمد: مع السلامة.



    غادر سعد حمد وهو منتشي، كيف لا؟ وسعد قد تقبله كصديق وطلب رقم هاتفه، الآن سيستطيع سماع صوته وربما جاء يوم وجالسه فيه، سيتخلص من عبث لوحة المفاتيح، وسيداخل سعد، سيصبح سعد واقعا ً مجسدا ً وليس مجرد شبح نتي، والأيام تحبل وتضع.



    * * *



    أخي ضوء في آخر النفق



    قرأت الفصل الأول من روايتك المعنونة ب " سنوات منسية"، ووقفت متسائلا ً أمامها، هل نحن الآن نشهد ولادة كاتب مبدع، حروفك يا سيدي تبدو لي كالضوء في آخر النفق الطويل لمن أتعبه المشي وألتحف الألم.



    سيدي لم تخبرنا قبلا ً بأنك ستنقلنا إلى هناك، حيث تتلوى الأفاعي على الرمل، وحيث تغوص أخفاف الجمال في الكثبان وحيث يعلو هديرها، وتلمع الخناجر في الغسق وهي تبحث عن لحم تنغرس فيه.



    لم تخبرنا قبلا ً يا سيدي، لنأخذ للأمر عدته وأهبته، كنت أقرأ روايتك وأنا أرتدي ملابس النوم، فوجدتني أقف أمام نزال وطراد وجهز ووجهي يحمر خجلا ً، فيما الرياح والرمال تلسع جسدي.



    أعجبني في روايتك الفكرة غير النمطية، والخيار الصعب الذي اخترته، فالكتابة عن زمن ماضي تحتاج إلى أكثر من مجرد حروف وأسطر، تحتاج إلى قراءة مكثفة ومعايشة وجدانية.



    أعجبتني اللغة الشاعرية الجميلة، والوصف والذي وإن لم يلم بالتفاصيل ولكنه على الأقل قاربها، لن أستعجل فصولك، ولكني تمنيت أن تبدأ من هذا الفصل رسم شخصياتك، لأني رأيتك في هذا الفصل تركز على البيئة والصحراء، وعندما انتهى الفصل وجدنا أنفسنا لا نعرف إلا أسماء الأبطال، لم نعرف لم يفعلون ذلك، ولا بماذا يفكرون، ولا أي شيء حميمي عنهم.



    أرى خلف أفكارك وقلمك الكثير، ولكن ينقصك التركيز على التفاصيل، وإعطاء عناصر الرواية حقها بالكامل.



    سجلني قارئا ً مستمتعا ً.



    * * *



    كان خارجا ً من القاعة بعد نهاية المحاضرة المملة عندما وجد مروان أمامه، انتبه الآن أنه لم يره منذ أربعة أيام، لا بل خمسة، رآه لآخر مرة الجمعة الماضية عندما تركوا المخيم واليوم الأربعاء، هل مضى الأسبوع بسرعة؟ أم ماذا؟



    ابتسم مروان وصافحه وهو يقول عاتبا ً:



    - وين الناس يا القاطع؟ زعلان علينا؟



    - هلا والله... هلا والله، أنت اللي وين الناس؟



    - موجودين، أنت اللي ما لك شوفة، أمس وقبل أمس أدورك بعد المحاظرات ولا أحصلك.



    - دنيا ومشاغل الله يعين، وكيف حالكم؟



    - الحمد لله، ترى نتيجة الإختبار الأول طلعت.



    - لا... بشر عسى نتائجنا زينة؟



    وهكذا غاص الإثنان في أحاديث تتناول الإختبارات والمواد، وآخر الأحداث، حتى وصلا البهو الجامعي، حيث جلسا بعدما تناول مروان كأس شاي وتناول حمد عصير برتقال طازج.



    قال مروان محولا ً سياق الحديث بعد رشفة من الشاي:



    - كيف النت معك والمنتدى؟



    - نزلت فصل من روايتي؟



    - روايتك؟ ما شاء الله ومن متى صرت تكتب روايات؟ وبعدين ما علمتنا ولا شيء؟ ما لك حق.



    - لا... لا... الموضوع جاء بشكل سريع، وبعدين هي تجربة، ولا لي إلا يومين منزلها.



    - وش اسمها؟ عشان أقرأها وأضحك على أسلوبك.



    - اسمها " سنوات منسية" وبعدين بدري عليك تضحك علي، هذي الرواية تحتاج عشرين سنة عشان تكتب مثلها.



    - آآآآآآه... عشرين سنة، شرط أنك ناقلها من سلسلة قصص " أنا الطفل الصغير".



    - ههههههههههه، الله يرجك.



    - وش تتكلم عنه؟



    - اقرأها وتعرف.



    - طيب اطبع الفصل، وهاته معك للمخيم نقرأه ونشوف.



    - يصير خير.



    * * *



    عندما عاد إلى البيت قرأ رد سعد، فكر أن يكتب ردا ً سريعا ً، ولكنه أرجأ الفكرة إلى حين عودته من المخيم، حتى لا يكون الرد مرتبكا ً وغير مناسب، واكتفى بطباعة فصل روايته الوحيد.



    احتمل عدته، وودع أبويه وأخوته وانطلق في طريقه، كانت الشمس آخذة في المغيب عندما حاذى الطريق الصحراوي، فتح النافذة وجعلت يعب من الهواء الساخن الآخذ بالبرودة، وزفر بقوة مودعا ً الأسبوع الماضي بتعبه، ومستقبلا ً اليومين الأخضرين القادمين.



    كان شاردا ً يراقب تعرجات الأرض والظلال التي تتمدد عليها بفعل أشعة الشمس الأخيرة عندما تنبه على رنين هاتفه الجوال، أبطأ من سرعته وتناول الجهاز من جيبه، كان الرقم الذي يتألق على الشاشة رقما ً غريبا ً، ضغط زر فتح الخط الأخضر، ليتدفق صوت عميق هادئ إلى أذنه، عميق كأنه قادم من بئر معطلة في مفازة وعثاء.



    - السلام عليكم.



    - وعليكم السلام، هلا.



    - حمد؟



    - هلا... معك حمد.



    - كيف حالك حمد؟ أنا سعد.



    - أهلا ً... أهلا ً... أهلا ً، ما توقعت إنك بتتصل اليوم.



    - هل الوقت غير مناسب بالنسبة لك؟ تحب اتصل في يوم آخر؟



    - لا... لا... هذي الساعة المباركة، يالله حيه.



    - حبيت اسمع صوتك، وأيضا ً يكون معك رقم جوالي.



    - اها... يا هلا والله.



    - وضعت الرد اللي قلت لك عليه في المنتدى.



    - قرأته اليوم الظهر، الله يجزاك خير، بصراحة رد يبرد الكبد، وراح أرد عليك إن شاء الله برد يليق بك.



    - الله يخليك يا رب، إلا على فكرة حمد أنا جاتني فكرة مجنونة شوي، وقلت أشوف إذا تشاركني جنوني وإلا لا؟



    - تفضل، وش هي؟



    - ايش رأيك تتغدى معي بكرة في الشرقية؟



    - كيف؟ أتغدى معك؟



    - أنا فكرت نلتقي، وبصراحة الأيام القادمة بتكون أيام امتحانات وراح يمكن ننقطع بحدود الشهر عن بعض، وبصراحة الكلام عن طريق المسينجر، أو حتى الجوال ما هو كافي، فلذلك قلت أعزمك بكرة على الغداء لو حبيت عندنا في الشرقية، ونجلس مع بعض العصر والمغرب ولو حبيت حتى تنام عندنا أهلا ً وسهلا ً فيك.



    صمت حمد صمت القبور بعد كلمات سعد، وجعل عقله وقلبه يتنازع القرار في هذه الفكرة المجنونة، ولذلك عندما عاد صوت سعد يسأل:



    - حمد؟ ألو؟



    - معك؟



    - وش قلت؟ إذا يناسبك ممتاز، وإذا ما يناسبك خيرها في غيرها.



    - أنت فاجأتني... خلني أفكر... وأشوف ظروفي وأرد لك.



    - ممتاز... انتظر اتصالك وقرارك.



    وعندما أغلق سعد الجوال، ظل حمد ممسكا ً به عند أذنه، وقد أوقف السيارة جانبا ً والغبار يحيط بها، ومن يراه يظن أنه وقف ليتأمل الشمس التي بدأ قرصها يسقط، ولكن آخر شيء كان يشغل باله هو الشمس.



    * * * * * * * * *



  8. #23
    التسجيل
    07-03-2004
    الدولة
    فـي بـيـتـنـا !! والله ..
    المشاركات
    424

    مشاركة: بلا اتجاه

    ما شاء الله


    القصه يوم عن يوم وهي تزيد تشويق



    وانا آسف اذا قلت لك عجل ولا شئ



    اذا كان الوضع زي ماتقول انا اقولك خذ راحتك

















    والسلام...
    ((سبحان الله عدد ماكان ويكون وعدد الحركات وعدد السكون))

  9. #24
    التسجيل
    07-03-2004
    الدولة
    فـي بـيـتـنـا !! والله ..
    المشاركات
    424

    مشاركة: بلا اتجاه

    للرفع




















    والسلام...
    ((سبحان الله عدد ماكان ويكون وعدد الحركات وعدد السكون))

  10. #25
    التسجيل
    21-05-2005
    المشاركات
    100

    مشاركة: بلا اتجاه

    JARRASH


    شكرا ً لمرورك أخوي، والقادم أفضل بإذن الله


  11. #26
    التسجيل
    21-05-2005
    المشاركات
    100

    مشاركة: بلا اتجاه

    الفصل السابع



    غابت الشمس وحمد لازال في سدرته، وبدأ الظلام يجن المرئيات حوله بردائه الصفيق، والأفكار تعلو به وتحط، وبدأ السؤال الذي خلفته مكالمة سعد يغلف ذهنه " ماذا أفعل؟ ".



    كان الهواء يهب مدوما ً حاملا ً ذرات الغبار، والأعشاب والنباتات البرية تتأود وهي تمر ببدايات اليباس والتحول إلى هشيم ستذروه الرياح يوما ً، وحمد مازال هناك خلف المقود يفكر بعرض سعد.



    الفرصة التي يحلم بها منذ تعرف على سعد هاهي تأتيه بكل بساطة، كل ما عليه هو أن يقطع ال 400 كيلا ً التي تفصله عن الساحل الشرقي ويلتقيه، يجالسه، يتحدث معه، يراه ويتخذه صديقا ً من لحم ودم لا صديقا ً شبحيا ً.



    ولكن كيف يسافر ويترك أصدقائه والمخيم، ثم هل سيأذن له والداه بالسفر؟ قطعا ً لا، ثم لو أذنا له كيف سيقطع هذه المسافة وحيدا ً؟ فهو لم يسافر قط خاليا ً، كيف وكيف؟ وتداعت الأسئلة على ذهنه تداعي الجدار المقضوض.



    تنبه على الظلام الذي لفه وتداخل مع الموجودات من حوله، وأدركته وحشات القفر والليل والوحدة فأشعل أضواء السيارة وانطلق إلى المخيم، وإلى أصدقائه الذين تأخر عليهم، وهو يدافع الهواجس ويحاول التركيز على منعرجات الطريق، حتى وصل المخيم وقاطنوه قد صفوا يصلون بعدما ملوا انتظاره.



    توضأ وأدرك الركعة الأخيرة معهم، وعندما انتهوا من الصلاة، أقبلوا يسألونه عن حاله وعن تأخره، فتعذر بطارئ شغله، وانتهز فرصة انشغالهم بإعداد القهوة ليعود إلى كهوف ذهنه.



    " أذهب أو لا أذهب، هذه هي المعضلة"، قال لنفسه وهو يرتشف القهوة، " إن ذهبت فدون ذلك أراضي أقطعها، وأهلا ً أقنعهم، وإن رفضت وبقيت في مكاني ندمت بقية الأسبوع، ومن يدري فربما ندمت بقية العمر، آه يا سعد، ماذا فعلت بي؟ لقد كنت أعد نفسي لنهاية أسبوع أودع بها التعب والنصب، فجعلتني أستقبل ما منه فررت".



    * * *



    لاحظ أصدقائه شروده، وعدم مشاركته لهم أنشطتهم، لم يكن مهموما ً ولكنه كان في أرض أخرى أو عالم آخر، سألوه عما به ولكنه نفى أن يكون هناك شيء، فآثروا تجاهل الموضوع وعدم إزعاجه.



    تناولوا عشائهم، وشربوا الشاي حول النار، وجعلوا يتبادلون الحكايات والأقاصيص والسوالف، حتى تمكن منهم النوم، وبدأ عددهم حول النار يتناقص حتى لم يعد هناك سوى حمد.



    جافاه النوم رغم تعبه، وقاربت الساعة منتصف الليل، وأسئلته ما زالت معلقة بلا أجوبة، بلا نهاية مغلقة، قلبه يدفعه شرقا ً، وعقله يجذبه أرضا ً، وبين العقل والهوى معركة منذ كان الإنسان.



    غلب هواه على عقله عندما أدركه التعب، سيسافر ليلقى سعد هكذا قدر، فالفرص لا تأتي مرتين، سيسافر ضحى الغد، بعد الإفطار سيبلغ رفاقه أنه سيعود إلى المدينة لأن لديه عمل يقوم به هناك، ولن يخبر أمه وأباه بسفره، سيطويه في صدره وفي هذه البرية، وأما السفر وحيدا ً فرغم جزعه وتخوفه منه ولكن جاء اليوم الذي يجب أن يعتمد فيه على نفسه.



    استراح قليلا ً بعد هذا القرار، فتح جواله وكتب رسالة قصيرة إلى سعد " أنا قادم ضحى الغد"، وألقى الجوال بجانبه وانطرح بجانب النار الخابية، يتأمل النجوم التي تلمع كباقي الدمع في عين صبي، حتى غابت النجوم خلف جفنيه وهو يتردى في هوة النوم، وفي صمت الليل اهتز الجوال مستقبلا ً رسالة أقصر من سعد تقول " أهلا ً بك".



    * * *



    فتح عينيه في لحظة، وجد نفسه ما زال في العراء، والشمس قد بدأت رحلة الإرتفاع، وأصوات مروان وعبدالعزيز وهما يصنعان القهوة تصل إلى أذنه كأنها قادمة من الأعلى، من السماء.



    نهض متثاقلا ً، وهو ينظر بنصف عين فيما أغلق الأخرى إلى رفيقيه، اللذان انتبها له فبادره مروان قائلا ً:



    - ما شاء الله، مهيب العادة؟ نايم برى ومتأخر في القومة يالعصفور.



    قال حمد بصعوبة بعدما سعل عدة مرات حتى يجد صوته:



    - صليتوا الفجر؟



    - لا... نتحراك... أكيد صلينا، وعجزنا وحنا نقومك أنت والفطيس الثاني ناصر.



    تركهما وتوضأ وصلى متأثما ً، وعاد ليجلس وهو يحس بالألم في عظامه وعضلاته من قسوة الأرض، كان مروان قد توسط الزولية وجلس بجانبه عبدالعزيز وهما يشربان القهوة ويأكلان التمر مطوحين بالنوى.



    تناول الفنجال الذي مده مروان، وتناول تمرة واحدة لتخفف مرارته، فيما مروان يسأله:



    - عسى ما شر؟ تعبان؟



    - لا... ما فيني إلا العافية.



    - ما أدري أنا يوم قمت الفجر لقيتك نايم برى، حاولنا نقومك ولا قمت قلت شكله تعبان، وبعدين قمنا أنا وأبو سعود ولقيناك ما رحت في جولتك الصباحية، قلنا الله يستر لا يصير الطائر المشقشق تعبان بس.



    ضحك أبو سعود على وصف مروان الهازئ (الطائر المشقشق) فعاجله مروان:



    - وأخيرا ً تنزلت وضحكت يا أبو سعود وشفنا سنونك، حرام عليك يا خي لا بغيت تضحك المرة الثانية تلثم تراك فتنة، ترى قلبي ما يقوى على النعومة.



    - أقول وسع بس، ولا تبتلينا على هالصبح.



    - أفا يا بو سعود أفا، أنا أبتليك؟ هذا وأنا أحبك وأدعيلك دايم أن الله يزوجك مدام توسو.



    - وش مدام توسته أنت يا مخرف، أقول أعقل بس.



    - توست؟ أنا قلت توست؟ شكله بدأ مفعول الجوع يا بو سعود؟ وإلا تلمح أنك تبي توست على الفطور؟ عاد من وين نجيب لك توست بهالبران؟



    - والله النشبة مع هالدب المهبول، فكني منه يا حمد، تكفى.



    ولكن حمد كان في عالم آخر، حتى أنه لم يسمع ولا حرف من هذه المشاكسات الدائمة، كان يفكر في قراره مرة أخرى، فقرار الليل يمحوه النهار، وهواجس الليل تكتسي وضوح النهار فتكون أشد وأوجع.



    بدأ يحس الرهبة في صدره، والضعف في ساقيه، وانسداد النفس عن الأكل والكلام، وعندما زادت مشاكسات مروان وهجومه على أبو سعود، ضاقت نفسه فنهض مستأذنا ً حتى من دون أن يكمل فنجاله، وسار يبحث عن شجرة يحزم في ظلها أمره.



    بعد مئات الأمتار وجد ضالته في أثلة ضخمة، قد اسود جزء من جذعها بنار مجهولة، ونقش على جهة أخرى منه بخط مرتبك ( ذكريات أشواق + فاطمة + نوف 23/12/1425 هـ)، تناول غصنا ً يابسا ً وجلس على الأرض وجعل ينكت به الأرض وهو يفكر من جديد.



    " سأذهب... سأذهب، ولكن متى؟ سيقتلني الإنتظار إلى وقت الإفطار، لأفعلها الآن، نعم الآن، أنا لست جيدا ً في الإنتظار، سأفقد عقلي لو بقيت ساعة واحدة، سأتحرك الآن".



    عاد وقصد سيارته أولا ً وشغل المحرك، ثم عاد إلى مروان وعبدالعزيز اللذان ينظران إليه بإستغراب وقال بنفس منقطع:



    - برجع للرياض؟



    مروان: عسى ما شر؟ فيه شيء؟



    عبدالعزيز: وراك؟ عسى منتب تعبان.



    حمد: لا... أنا بخير ولا بي إلا العافية، بس فيه ظرف طارئ برجع للرياض بسببه، وبجي هنا الليلة إذا خلصت بإذن الله، توصون شيء.



    قالها وهو يفر هاربا ً إلى سيارته، فلحقه مروان وأمسك بيده وهو يهم بالركوب:



    مروان: حمد... خير إن شاء الله، الأهل فيهم شيء؟



    حمد: لا... الأهل فما فيهم إلا العافية، بس أنا صار لي ظرف طارئ وبروح الرياض وبرجع الليلة ما هنا إلى كل خير، لا تخاف، حتى أهلي ما راح أقولهم شيء عشان لا يخافون، الموضوع ما يستاهل.



    مروان: خير إن شاء الله... الله يوفقك، المهم طمنا عنك، في أمان الله.



    حمد: في أمان الله، سلم لي على الشباب إذا صحوا، ناصر ومحمد.



    ثم ناوله الفصل المطبوع والذي نسيه أمس في السيارة وهو يقول:



    حمد: سم هذا الفصل الأول من روايتي، بشوف رأيك فيه إذا رجعت الليلة.



    مروان: خير إن شاء الله.



    وانطلق بأقصى سرعته، وصارت أحشائه تثب مع وثبات السيارة على الطريق مسببة له ألما ً وضيقا ً، حتى وصل إلى الطريق الإسفلتي، وحالما اعتلاه انطلق يمينا ً حتى التقى الطريق بطريق آخر متجه إلى المنطقة الشرقية.



    * * *



    توقف عند أول محطة قابلته على طريق الدمام، طلب من العامل ملأ خزان الوقود، فيما نزل هو إلى البقالة الصغيرة التي غطى الغبار جدرانها وبضاعتها وحتى بائعها البنغالي.



    تناول مجموعة من المشروبات وقوارير الماء والكيك وألقاها في الكيس ودفع ثمنها حتى بدون أن ينظر إلى وجه البائع، وعاد إلى سيارته وانطلق بها بعدما دفع ثمن الوقود.



    * * *



    استقبل الطريق الآن، وجعل الإسفلت الذي بدأت الشمس تصليه يلمع كأنه مدهون بالزيت، جذب قارورة ماء وخلع غطائها بقوة كادت تسكب بعض الماء على ثيابه، عب منها بقوة العطش والحيرة والبال المشغول، زاد سرعة السيارة ودفع شريطا ً في المسجل حتى يفر من أفكاره التي آنست منه انفراده وسفره الطويل.



    تساءل عندما تعب من الفرار " هل كان قرارا ً صائبا ً؟"، " عقلا ً... لا، كان قرار هوى ً متسرع، أنا أعرف هذا، ولكن ما الذي سينجيني من لوم نفسي وعذلها إن أنا تركت هذه الفرصة تفر من يدي؟".



    أحس بضيق وداخله خوف عندما فكر " ماذا لو أن أمي وأبي علما بسفري دون إخبارهما؟ خصوصا ً أبي"، وبدأ يوم قديم مدفون وسط ركام الذكريات ينهض كعنقاء ويعود إليه محلقا ً متجسدا ً كأنه يرى مشاهده الآن.



    كان حينها في السابعة من عمره، وكان أبوه أيامها يعمل في عمله الرسمي صباحا ً وعمل إضافي بعد العصر ثم يعود ليلا ً متعبا ً مهدودا ً لينطرح في مكتبه حتى موعد نومه نصف الليل، لذلك كانوا لا يرونه إلا في الصباح عندما يوصلهم إلى المدرسة أو على مائدة الغداء للحظات قبل أن يغيب في بطن كتبه وأبحاثه، كان بعيدا ً عنه وعن أختيه هيلة التي كانت في الخامسة حينها وعبير التي كانت في الثانية من عمرها.



    وفي ظل ابتعاد الأب عن جو البيت فإنه من الطبيعي أن يتحول حمد إلى عفريت صغير، فطيبة الأم لم تكن لتردع شقاوة الطفل وبدايات نموه في ذلك الوقت، لذلك كان حمد يعتدي على أختيه ويشاكسهن، ويخرج إلى البقالة القريبة رغم تحذير أمه الدائم له خوفا ً عليه وتهديدها له بأن تخبر أباه، الذي لم يكن يزيد على تهديد حمد وتخويفه.



    حتى جاء ذلك اليوم، كان حمد عائدا ً من البقالة ذات صيف يحمل في يده ايسكريما ً يتقاطر على يده وتذوب الكريمة المنعشة في فمه، وعلى غير انتظار عاد أبوه بعد أن استأذن من عمله المسائي وصادفه في الشارع الضيق بجانب منزلهم.



    كان حمد ساهما ً عندما توقفت إلى جانبه سيارة أبيه على حين غرة، وسمع أبوه يزعق فيه " حمد؟ وش أنا قايل لك؟"، داخله الرعب فلم يتحرك وبقي الأيسكريم يذوب على أصابعه، فيما قفز أبوه من السيارة بكل الغضب والحنق وصفعه ملقيا ً بايسكريمه أرضا ً، وجاذبا ً إياه إلى السيارة.



    بدأ حمد يبكي واختلطت دموعه بناتج أنفه الذي سال، فيما أبوه يزعق فيه بعنف " كم مرة أعلمك؟ كم مرة أقولك؟ لا تطلع بالشارع، لا تضرب خواتك؟ هالحين أوريك"، وعندما دخلا البيت أمسكه أبوه بقوة ودفعه إلى الجدار، أحس حمد بقسوة أحجار الجدار وهي تضغط على رأسه الصغير وبقوة اليد التي هزته وأبوه يقول بصوت هامس مرعب وعيناه تغوصان في أعماقه " إن شفتك مرة ثانية طالع من البيت كسرت رجلينك، تسمع؟"، هز حمد رأسه الذي تلوث بنواتج عينيه وأنفه وبقايا الايسكريم على أصابعه وفمه، وهو يبكي بكل قوته، يبكي خوفه ورعبه، يبكي ذلته وهو يرى ابتسامة أخته هيلة الشامتة.



    أطلقه أبوه لتجذبه أمه إلى دورة المياه وتغسل وجهه ويديه، وهي لا تكف عن تأنيبه " كم مرة قلت لك، يا حمد يا وليدي ترى أبوك بيضربك، حمد خلك رجل، حمد خلك عاقل، هه وش استفدت الحين؟ أبوك ضربك وزعل عليك، الله يصلح قلبك وأنا أمك" لم يرد حينها اكتفى بالبكاء وعندما أطلقته قصد فراشه وجعل يبكي هناك حتى نام.



    أثرت فيه هذه الحادثة كثيرا ً، قد نقول أنها قتلت شقاوته وعبثه في لحظة، وربما كانت أول نقش في لوح غربته، صحيح أن أبوه استدعاه في اليوم التالي ونفحه قبضة ريالات كترضية، ولكنه ظل في نظره ذلك الرجل المخيف الذي لا يجب أن تصل الأمور إليه.



    كبر حمد وكبر معه هذا الخوف الغريزي، يخاف نظرات أبيه، يتوقف عن الضحك عندما يدخل، يخفي عنه كل شيء، لا يتحدث معه إلا عندما يجيب على أسئلته، ينفذ كل ما يطلبه منه بلا مناقشة، وكان دائما ً ما يحاول عزو علاقته الباردة مع والده إلى إنشغال أبوه الدائم في المكتبة وقراءاته وأبحاثه، ويحاول تناسي تلك الحادثة.



    بدأ هذا التحول مريحا ً للأب في البداية، فالولد الشقي المتعب أصبح هادئا ً مطيعا ً، تخلص من ثرثرته اليومية ونزقه واعتداءاته على أخواته، ولكن مع مرور السنين وخصوصا ً عندما اكتفى بعمله الرسمي وأصبح يقضي وقتا ً أطول في البيت، بدأ يدرك أنه وأد طفولة ابنه.



    نحى حمد ذكرياته بصعوبة وحاول التركيز على لقائه المرتقب مع سعد، هذا اللقاء المصيري للعلاقة الوليدة، ترى ما الذي جعل سعد يعرض عليه هذا العرض السريع وهما لم يعرفا بعضهما إلا من فترة بسيطة؟ هل سيكون سعد انسانا ً رائعا ً كما توحي كتاباته؟ أم سيكون مجرد خدعة قلم؟



    حاول تخيل شكل سعد؟ فكر بالصورة الذهنية التي رسمها عقله لسعد، كانت تمثل شابا ً بدينا ً أبيض اللون وله لحية خفيفة على خديه، ثم بدأ عقله يقوم بتعديلات مجنونة، أنقص وزن الشاب ثم أعطاه شاربا ً كثا ً ولونا ً أسمر، ثم أضاف لحية كثة ثم تراجع وحذفها، ثم مسح الصورة كاملة وتخيله يشبه (كولين فاريل) ولكن بشارب خفيف وبقايا لحية.



    أحس بتعب ذهني ونفسي حاول اطفائه بتجرع عصير برتقال طازج قد خفت برودته، وبمراقبة عداد لوحات الطريق وهو يتناقص، والطريق يمتد أمامه كأنه بلا نهاية، والشمس تزداد حرارة.



    * * *



    كان قد اقترب من الخُبر عندما رن جواله، قفز قلبه إلى فمه " من هذا؟ لا يكون أبوي ويبي مني شيء؟"، التقط الجوال وزفر بقوة عندما وجد رقم سعد، نفخ بقوة ومسح آثار الإضطراب من صوته ورد:



    - هلا.



    - هلا... حمد، السلام عليكم.



    - وعليكم السلام، هلا والله.



    - وين أنت؟



    - حول الخبر، قريب.



    - افا... أنا ما أقدر أشوفك اليوم، انشغلت وصار عندي ظرف طارئ.



    - ايششششششششششش؟



    - هههههههههه، امزح معك وراك انهبلت.



    - حسبي الله على عدوك، قاطع لي 400 كيلو، خاف الله فيني.



    - طيب يا عزيزي، أنت عارف الراشد، صح؟



    - صح.



    - طيب الوعد في مواقف الراشد، هناك نلتقي ومن هناك آخذك، على فكرة وش سيارتك؟



    - شيروكي أخضر.



    - خلاص تمام، كم تحتاج حتى توصل هناك.



    - ثلث ساعة وأكون هناك.



    - على بركة الله، والحمد لله على السلامة.



    - الله يسلمك.



    أغلق حمد الإتصال، وفعلا ً بعد ثلث ساعة كان يوقف سيارته في مواقف الراشد، وينزل منها والشمس تصلي رأسه من حرارتها، جعل يتلفت حوله بحثا ً عن شخص ينتظره ولكن لم يكن هناك أحد في الجوار، وتناهى إلى سمعه صوت أذان الظهر يرتفع من مسجد بعيد، فعاد إلى سيارته وجعل ينتظر تحت الهواء البارد الذي يبثه المكيف.



    * * * * * * * * *



  12. #27
    التسجيل
    21-05-2005
    المشاركات
    100

    مشاركة: بلا اتجاه

    الفصل الثامن



    في حي من أحياء مدينة الخبر يقع بيت قديم، وإن كان المار به لا يلاحظ قدمه بعد الترميمات التي طالت داخله وخارجه مؤخرا ً، والتهمت جزءا ً كبيرا ً من مدخرات صاحبه.



    يقطن هذا البيت الشيخ عبدالرحمن أو أبو وليد كما يناديه الجميع، وهو عجوز سبعيني جاء إلى المنطقة قبل خمسين سنة هاربا ً من نجد العطشى حينها، جاء فردا ً وتقلب في صنوف الشقاء والتعب، وذاق الغربة مكانا ً وزمانا ً وقلبا ً، حتى دقت السنون حَبَهُ وأنخلت دقيقه.



    ثم فتح الله له باب الرزق وأنعم عليه، فعاد إلى نجد بالمال ليتزوج ابنة عمه ( سلمى) التي كانت حينها ترفل في ربيعها الثامن عشر، بينما كان هو كهلا ً ثلاثينيا ً مجربا ً.



    مضت السنين وبطن (سلمى) يتكور ليقذف بالأطفال ثم يعاود الكرة حتى أوفى على سبعة أولاد وثلاث بنات، تبقى منهم الآن خمسة أولاد وبنتين، وليد ( البكر) وسليمان ( الذي يعمل اليوم في جدة) وعلي ( الذي نال شهادة الدكتوراة في (إقتصاديات البيئة والموارد الطبيعية) من جامعة ( وست فيرجينيا) في الولايات المتحدة الأميركية) ومحمد ( توفي رضيعا ً) و تركي وعبدالعزيز وبدر ( قتل في حادث سيارة)، أما البنات فوضحى ( ماتت بالجدري) وهند وأسماء.



    ثم بعد سنوات تزوج أبو وليد ابنة أحد أصدقائه، وزف إليها وقد قارب الخمسين رغم همسات أبنائه الكبار الغاضبة وبكاء ابنتيه، كانت الزوجة الجديدة تعمل معلمة في مدرسة ابتدائية في الدمام، جميلة وبيضاء ذات عرج خفيف أثر حادث سير كاد أن يقضي على حياتها قبل سنوات، ونجت منه بنفس وقدم معطوبة.



    ومن السنة الأولى أنجبت شيخة ( وهذا هو اسمها) ابنها الأول سعد ثم أتبعته بعدها بسنوات أخته نوال، قبل أن ينصحها الأطباء بالتوقف عن الإنجاب خوفا ً على صحتها المتدهورة، حيث كانت تعاني فقر في الدم و صداعا ً دائما ً يطرحها أرضا ً طوال اليوم، ويخلفها بمزاج عكر عندما يزول، فكان الشيخ يحمل طفليه الغريرين اللذين اكتسبا بياض أمهما وعينيها الحوراوين إلى بيته الآخر، ويتركهم وهو يوصي أم وليد بحسن معاملتهم والإنتباه لهم من مضايقات أبنائها الأشقياء، فتهز رأسها وهي تتمتم " خوش والله، عيالنا ما بزيناهم نبزى عيال الناس".



    اصطلح أبناء سلمى على تسمية أخوتهم من المعسكر الآخر ( أولاد الأبلة) بحكم أن أمهم معلمة، وفيما بعد عندما نبغ سعد في المدرسة حاز لقبا ً خاصا ً به هو ( الدافور).



    كان سعد يحس بالغربة مع أخوته، كان لهم محيط يختلف عن محيطه وجو لا يناسب جوه، ولكنه بدأ يحبهم ويعتمد عليهم وخصوصا ً بعدما دخل المدرسة وعاين التغير الذي يطرأ على معاملة الجميع له بعدما يعلمون بأنه أخ لعبد العزيز، الذي كان يلقب سرا ً بالبعير نظير ضخامة جسده وقوته الهائلة.



    ثم جاء المنعطف الكبير في علاقته بأخوته في السنة الثالثة الابتدائية، حيث أعاد أخوه بدر السنة راسبا ً في الرياضيات التي كان يسميها ( مادة إبليس)، فأصبحا في فصل واحد، وسرعان ما تآلف الأخوان ونسى بدر حزازات البيت وخلفها وراء ظهره وهو يرى اهتمام أخيه بمساعدته في حل الواجبات وتجاوز الامتحانات حتى استطاعا تخطي السنة معا ً.



    تركت شيخة ( أم سعد) التدريس بعد ولادتيها وزيادة متاعبها الصحية، وتفرغت لتربية ابنيها رغم نوبات الصداع المتكررة، وكان أن زرعت في ابنها سعد هوايتها التي منعها منها الصداع، القراءة المكثفة، فكانت تغرقه في الصيف الطويل بأعداد لا تنتهي من مجلات ميكي و بطوط وسوبرمان وغيرها من مجلات الأطفال، لتحقق هدفين أولهما تحويل الهواية إلى عادة عند ابنها والآخر تقليل خروجه من البيت وبعده عن نظرها.



    وبعد سنوات حَمِدَ سعد لأمه ذلك التصرف، وخصوصا ً بعدما فطم من القصص المصورة، وانتقل إلى قراءة روايات عربية أو عالمية ذات طبعات شعبية كان يحصل عليها في أيام الصيف الحارة والرطبة من مكتبة تبعد عن بيتهم ثلاثة شوارع.



    مع مرور السنوات بدأت قراءات سعد تتوسع لتشمل الجانب الديني والتاريخي والنفسي والأدبي، وخصوصا ً بعدما قدم له والده كهدية تخرج من الثانوية مجموعة ضخمة من الكتب في مجالات متعددة كانت نواة للمكتبة الوليدة.



    كانت العلاقة التي بدأت صغيرة بين سعد وبدر قد تحولت إلى حب أخوي نادر، كان بدر يفخر فيه بعقلية أخيه الصغير وذكائه واتساع معارفه، وكان يستشيره في كثير من الأمور متناسيا ً فارق السن بينهما.



    وكان سعد يبادله حبا ً بحب، فهو أقرب أخوته له، وأطيبهم قلبا ً، صحيح أنه كان يعجب بقوة عبدالعزيز وسطوته، ويفتخر بأخيه الدكتور علي الذي جاء بالدكتوراة من أمريكا، ولكن يبقى بدر على بساطته هو الأعز.



    قبل سنوات معدودة كانا يترقبان نتيجة الثانوية العامة، حينها جاء تركي حاملا ً الجريدة وهو يصيح " أهب عليك يا أبو دفرة جايب 96 %"، اختطف بدر الجريدة وبحث عن اسمه ثم عندما وجد معدله الهزيل ألقى بالجريدة جانبا ً وركل الأرض وهو يزعق " واوووووك... ياربييييه!!!! كله من مادة إبليس، هي اللي طيحت معدلي، والله حالة".



    قبل سعد في ( جامعة الملك فهد للبترول والمعادن)، فيما لم يجد بدر بدا ً من السفر للدراسة في جامعة الإمام بالقصيم مع أبناء عمه هناك، والتردد بين القصيم والشرقية في نهاية الإسبوع لزيارة أهله.



    حتى جاء ذلك اليوم الذي لم يعد فيه، وقبيل مغيب الشمس غادر الأب العجوز البيت متعجلا ً إثر مكالمة هاتفية يصحبه ابنيه وليد وعلي اللذين جاءا من منزليهما، وليد من الدمام وعلي من سكن الجامعة، وانطلقوا إلى الاحساء ليعودوا به ملفوفا ً بقماش بلله الدم، والأب العجوز قد أخضلت لحيته دموعه وهو يبكي بصوت خفيض ويحرك يديه كأنه يطرد نذر الموت التي خطفت ابنه.



    صلوا عليه ظهر الغد، ثم حملوه إلى المقبرة التي خيم عليها الصمت، وقفوا أمام القبر الفاغر ووضعوا النعش، ثم تقدم الذين لم يدركوا الصلاة فصلوا، ثم نزل سليمان - الذي جاء من جدة - ووليد ليضعاه في اللحد ويسدانه باللبن والطين، ثم أهالوا عليه التراب وأعلوا التراب بالبحص الأبيض.



    جاء سعد إلى المقبرة ذاهلا ً، يرمق ما يحدث بعيون جاحظة، الأصوات من حوله تخفت... وتخفت، لا يكاد يسمع هسيس المساحي وهي تهيل التراب، ولا تمتمات الدعاء التي تنطلق من الأفواه المحيطة به، كان يرقب تركي ولحيته ثائرة مغبرة، علي وقد تجرد من أبهة المنصب مشعثا ً مغبرا ً، أبوه وهو يتجلد ويملأ عينيه بالنظرات الأخيرة إلى ابنه، ابنه الذي أمضى سنوات طويلة يراه وهو يدرج أمامه.



    تواردت إلى ذهنه صور سريعة من حياة بدر، بكاءه عندما ألقاه تركي وعبدالعزيز في الماء ذات الشتاء على الكورنيش، عيناه اللتان كانتا تنعسان عندما كانا يذاكران الرياضيات، سندوتشات الفلافل التي كان يلتهمها ليالي الامتحانات وهو يقول " العقل ما يشتغل والبطن فاضي"، منظره وهو مغطى بالطين عندما تعثر في مزرعة خاله بالقصيم قبل سنوات إثر مطر غدق، الابتسامة التي تظهر على طرف فمه عندما يرد اسم بنت خاله التي يحبها ( خولة)، مئات الصور تواردت إلى ذهنه، وفي كل صورة منها يظهر بدر وهو يشع والأضواء حوله تخفت وتخفت حتى يصير وحيدا ً في العدم، بقعة ضوء في قفار العالم الموحشة.



    ترك فقدان الأخ والصديق أثره في نفسية سعد، فانعزل عن محيطه الخارجي، واستورف ظل مكتبته ولجأ إلى بطون الكتب يبثها حزنه وهمه، جعل يقلب في تاريخ الأمم، ويقرأ في وفيات الأعيان، يقلب آلاف الصفحات ليجد أسماء وتواريخ وفاة هي كل ما تبقى من أمم غبرت الدنيا وملأت ما بين الخافين ثم عادت إلى التراب وفنت فيه إلى أن يبعثها ربها جل في علاه.



    شكل ذلك اليوم علامة فارقة في حياة سعد، لأنه قرر فيه أن لا يعلق قلبه بإنسان فان ٍ، وخصوصا ً أن هذه المصيبة جاءت امتدادا ً لأزمة عاطفية عصفت بقلبه في مراهقته.



    مضى سعد في حياته غريبا ً أو كالغريب، ووفرت له عزلته ساعات يومه ليقرأ ويتقلب بين آلاف الصفحات، وكان صمته الحسي يقابل بانفجار كتابي يملأ صفحات كثيرة يلقيها عندما ينتهي في درجه ويقفل عليها ضنا ً بمشاعره على أي أحد حتى أخته نوال التي كان يحبها بعنف آلامه وبقوة الضغوط التي تعصف به.



    نوال التي تقترب في هذه الأيام من الثامنة عشرة، وتتفتح كوردة بيجونيا على حافة مرج، كانت قد اكتسبت جمال أمها وبياض بشرتها وعينيها وأنف أبيها، ودلال وخفة آخر العنقود، كانت المفضلة عند أبيها وعند سعد وحتى عند بعض أخوتها من المعسكر الآخر.



    نشأت نوال على محبة أخيها منذ كان يروي لها الحكايا في ليالي رمضان قبل أن تنام وهي محاطة بعرائسها، ومنذ كان يحضر لها حلوى العيد التي يملأ بها جيوبه ثم يفرغها بين يديها، محتفظا ً لنفسه بحلوى الكارميل فقط، وحتى عندما كبرا حفظت له الحب في قلبها رغم جنوحه إلى العزلة وانشغاله بنفسه.



    كانت تقنع منه بنظرة في اليوم عندما يقوم بتوصيلها إلى مدرستها، وبكلمة الشكر التي يلقيها بعجل عندما تحمل له في تلك العصاري الحارة كأس الشاي الذي يحبه من يدها، وهو متكئ على الجدار الأجرد وقد ألقى برأسه على يده وهو يقلب ناظريه في الكتب الملقاة حوله.



    كان خجلها يمنعها من أن تسأله عن سعد الذي كان يحملها بين يديه يوما ً ويركض في فناء المنزل وأنفاسها تتقطع من الضحك، عن سعد الذي يكبل يديها بيده بينما يعابث أنفها بريشة فتصرخ وتحرك أنفها وهو يضحك ويتقي رفسات قدميها، عن سعد الذي كان ينتظرها عند باب مدرستها الابتدائية ليحمل عنها حقيبتها ويمضي بها إلى البيت وهي لا تنفك عن الثرثرة، أين ذهب؟ وما الذي حل به؟



    تخفف سعد قليلا ً من مسوح العزلة التي توشحها عندما تعرف في الجامعة على شاب قادم من الجنوب، شاب خفيف الظل ومتحمس دوما ً يدعى عائض، وكان لتعارفهما قصة طريفة.



    كان سعد يومها قد نهض من الفراش متأخرا ً، وبهلع أدرك أنه تأخر عن اختبار قد أمضى أياما ً في الاستعداد له، فأنطلق كظبي في إثره وشق، وعندما وصل مواقف الكلية كان الاختبار قد بدأ منذ عشر دقائق فأوقف سيارته كيفما اتفق، وأنطلق ليؤدي امتحانه وعندما عاد لسيارته بعدها بساعتين وجد شابا ً طويلا ً أسمر وله لحية تكلل وجهه وتبعث على الارتياح، يتكئ على سيارة ( هايلوكس) ذات طراز قديم، قد سدت سيارته عليها طريق الخروج، احمر وجه سعد حرجا ً فيما بادره الشاب:



    - ما تخاف الله... ساد علي الطريق؟ ذلحينه لي ساعة وأنا موقف هنا.



    - آسف... أعذرني والله ما انتبهت، كنت مستعجل أبي ألحق الامتحان و...



    - يا ذي البلية... إنتى بتقص علي قصة حياتك؟ هيا ابعد السيارة من دربنا، خلينا نروح نشوف شغلنا.



    - لا حول ولا قوة إلا بالله، ابشر... ابشر.



    وأبعد سعد سيارته وهو يلوح بيده معتذرا ً، ولكن الشاب انطلق بدون أن يرد، تاركا ً سعد يلهبه الخجل ويمِرهُ الحرج.



    رآه بعدها بأيام جالسا ً في بوفية الكلية وبين يديه أوراق يقلبها، فاهتبل سعد الفرصة وقصد البائع واشترى كوبين من الشاي، ومضى إلى طاولته ليضع أحدهما أمام الشاب فيما احتوى الآخر بين كفيه وجلس على الكرسي المقابل وهو يقول:



    - سلام عليكم، عسى ما قطعتك عن شيء؟



    - اعقب ذا أنته؟ ما كفتك المرة الأولة؟



    ضحك سعد وقال وهو يضع الكوب على الطاولة:



    - رد السلام أول وبعدين عاتب.



    - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.



    - ما تعرفنا على الاسم الكريم؟



    - عائض.



    - والنعم فيك أخوي عائض، معك سعد... وصدقني يا أخوي أني ندمان على اللي صار، وأتمنى أنك تسامحني.



    - الله يحللك، مع إني وقفت في عز الحر ساعة كاملة.



    وجر هذا اللقاء إلى لقاءت أخرى، ووطدت الأيام صداقتهما، حيث تعرف سعد على هذا الإنسان الطيب والبسيط، حدثه عائض بلهجته المميزة عن بيتهم الذي يحتل قمة أحد جبال تهامة، حدثه عن أهله وأخوته وعن قريتهم، وأنشده بعض القصائد الجنوبية التي تردد في الأفراح بتنغيم ينفرد فيه أهل الجنوب.



    كان عائض شاعرا ً عاميا ً مبرزا ً، واشتهر بمشاركاته الشعرية و النثرية في أحد منتديات الانترنت، وكان يحاول إشراك سعد في هذا المنتدى ولكن سعد كان يؤجل ويسوف ويعتذر بالإنشغال وعدم وجود مادة صالحة للنشر.



    حتى قرر عائض ذات يوم أن يؤسس منتدى ً خاصا ً به، وطلب من سعد مساعدته، وتولي الإشراف على قسم القصص والروايات في المنتدى، رفض سعد في البداية وعرض المساعدة في التصميم فقط، قبل عائض هذا العرض مؤقتا ً، فقام سعد بتصميم الواجهة بمساعدة أخته نوال التي كانت إضافة إلى ذوقها الجميل تحمل شهادة قد في التصميم حصلت عليها من أحد المعاهد، وكانت النتيجة تصميم مزج بين رقة نوال ولمساتها الرفيعة وكلمات سعد التي صارت شعارا ً على صدر المنتدى ( أيها الداخلون هنا، دعوا لنا بعضا ً من حكاياكم، أليست حيواتنا حكايات يرددها الآخرون).



    عندما أطمأن عائض إلى تصميم المنتدى عاد للإلحاح على سعد بتولي الإشراف، وكان يردد وهو يمسك ذقن سعد ( طالب ذا اللحية الغانمة، ما تردني خايب) وسعد يضحك وهو يقول ( يا ربيه... والله يا أنت نشبة، يا أخي تراي منب مناسب، شف غيري)، ولكن عائض يعود من جديد حتى رضخ سعد أخيرا ً وقبل المنصب.



    خرج سعد من عزلته قليلا ً، بدأ يتحدث مع الأعضاء، يرد على مشاركاتهم، يكتب في المنتدى آرائه النقدية، ونتائج دراساته اللغوية التي يخرج بها من قراءاته حتى جاء اليوم الذي بدأ فيه بكتابة قصص قصيرة.



    خرجت القصص التي كتبها سعد عن إطار المعتاد، حيث اعتمد على أساليب ومواضيع لم يدرج عليه القراء ولم يتعودوها، وساعدته الخبرة التي تحصل عليها من القراءة لكبار كتاب القصة في العالم مثل ( تشيكوف، جي دي موباسان، ارنست هيمنجواي وغيرهم) في ذلك، ومع تتالي القصص حاز سعد جمهور لا بأس به، حتى صار يتلقى دعوات من أدباء خارج وداخل المنتدى بعضهم أصدقاء لعائض لحضور اجتماعاتهم التي تناقش الشأن الأدبي و التي كانت تعقد دوريا ً، ولكن سعد كان يتعلل بشتى العلل حتى يتجنب الحضور.



    لم تكن رغبته في العزلة وليدة خجل أو عدم ثقة بالنفس كما ظن البعض، بالعكس كانت نتاج ثقة زائدة بالنفس، وزهد في التعرف على الناس ومخالطتهم، كان يرى الشباب حوله في الجامعة وفي الحارة بقلوب وعقول فارغة، لا تتعدى اهتماماتهم الكرة والسيارات، وأوقاتهم ضائعة بين الأسواق والطرقات، يبحثون عن شيء مفقود، كان سعد متأكدا ً أنهم لن يجدوه يوما ً.



    فلذلك كان يرى أن الساعة التي يقضيها في غرفته وفي أحضان أوراقه خير من الساعات التي يقضيها مع عقول خاوية وألسن موبوئة بألفاظ رديئة، أو في نقاشات لا طائل ورائها.



    ثم جاءت الخطوة الثانية عندما فكر سعد في تطوير المنتدى، جاءت فكرة الرواية الجماعية في ذهنه، فنازعها في البداية ونبذها أياما ً بحجة أنها ستنتزعه من عزلته المريحة وأنها تخالف طبيعته، حتى تغلب هواه على عقله وقرر قراره على إنفاذها.



    كان هناك شاب يكتب في المنتدى وكان سعد معجبا ً باختياره للأفكار وأسلوبه في السرد وإن كان يعيب عليه لغته المتواضعة المغرقة في العامية، كان هذا الشاب يحمل معرف ( الليل)، اتصل به سعد عن طريق المسينجر وطرح الفكرة عليه، تحمس لها الشاب وأصبح العضو الثاني، ثم بدأت رحلة البحث عن العضو الثالث، اهتدى سعد بعد طول متابعة إلى كاتبة ذات لغة جميلة وشعرية رغم قلة مشاركاتها تدعى ( مجروحة بأهدابي)، وأرسل لها فكرة المشروع وخطة تطبيقه المتوقعة وانتظر أياما ً حتى جاءته الموافقة، تبقى مكان لعضوين آخرين وبدأ سعد يبحث من جديد.



    كان هذا عندما جاء اليوم الذي وجد فيه في بريده رسالة قصيرة، فتحها ليطالعه اسم غريب ( ضوء في آخر النفق)، نظر إلى عداد المشاركات وإلى تاريخ التسجيل، ليجد أنه مشترك حديث، قرأ الرسالة ببطء أعجبته أولا ً اللغة السليمة التي لم يتعود مثلها من المشاركين الجدد الذين يأتون بلغتهم اليومية معهم، كما جاء الكلام الذي تضمنته الرسالة ليلامس نرجسية خفية بدأت ترتع في روحه.



    قال سعد لنفسه " هذا كاتب يقول لي " لكم وددت أن أكون بطلا ً من أبطالك، أسير على هدي حروفك، وعندما انتهيت وقفت وتمنيت أن أعرفك، أن أحدثك، أن يسمح قلبك الذي صاغ حرفك بي كتلميذ لقلمك"، كل هذا قاله شخص لم يعرفني يوما ً، لم يلتقي بي لحظة، فقط هي حروفي التي أسكرته، جعلته يختط الحرف، يزن الكلمات، يتمنى الأماني، وإن من البيان لسحرا".



    تردد سعد قبل أن يرد على الرسالة، فكر بأن يرد ردا ً لطيفا ً يتخلص به من صاحب الرسالة ويتسق به مع رغبته في عدم مخالطة الناس، ولكنه فكر ترى ما الضير لو تحدثت معه قليلا ً؟ إن أعجبني وإلا تخلصت منه، لست ملزما ً بشيء.



    وهذا ما كان كما مر بنا، وتسارعت الأحداث حتى وصل سعد إلى دعوة حمد إلى اللقاء به في الشرقية، قد يستغرب كثير من الذين عاشروا سعد هذا التصرف الذي يخالف شخصيته، حتى سعد نفسه كان يتساءل " هل كان قرارا ً سليما ً؟".



    اندفاع سعد ودعوته لحمد يمكن تفسيرها عندما ننظر إلى الثقة المتنامية عند سعد، فسعد الذي انطوى مدة طويلة على نفسه يبنيها من الداخل، وجد عندما انفتح قليلا ً على الآخرين كل ترحيب وإعجاب، وجده عند رواد المنتدى وعند القراء وحتى عند بعض زملائه الذين تابعوا كتاباته، كل هذا دفعه إلى الثقة بنفسه، ثم جاءت رسالة حمد لترفعه إلى عنان السماء أستاذا ً ومعلما ً، فهل يحق لنا بعد هذا أن نتساءل ما الذي غير سعد؟



    سعد مثل أي انسان عندما يسكره العُجّب حتى يثمل فيجيء قراره كروأى الثمل يراها حقا ً حتى يفيق، والآن وهو متجه إلى مجمع الراشد في سيارته ( الماكسيما البيضاء) ليلتقي بهذا الشاب الذي رضي أن يقطع أكثر من 400 كيل كي يلقاه، كان يفكر بأنه كان قرارا ً حكيما ً.



    - وصل إلى المواقف متأخرا ً قليلا ً، رأى الشيروكي الخضراء تقف في طرف قصي، دفع سيارته نحوها وتقدم ببطء.



    * * * * * * * * *

  13. #28
    التسجيل
    27-04-2005
    الدولة
    بلا وطن!
    المشاركات
    2

    مشاركة: بلا اتجاه

    مرحبا انا راحل

    اليوم قرأت القصه من الاول للاخر بس يا ريت تكملها.. والله بنقهر اقرأ قصه وما الاقيلها نهايه

    وبالي يضل مشغول>> خخخخخخخ لك انطمي بكفي

    المهم القصه حلوه وبتشد الواحد >> تمدح فيك عشان تكملها

    بانتظار الجزء الجديد

    ارق تحياتي

  14. #29
    التسجيل
    07-03-2004
    الدولة
    فـي بـيـتـنـا !! والله ..
    المشاركات
    424

    مشاركة: بلا اتجاه

    الحقيقه ماأقدر اقول شئ



    بس الجزء هذا أروع جزء قريته



    وبالنسبه للمتابعين لا تشيل هم لأن الناس الحين في إختبارات واول ماتخلص تشوف الردود




















    والسلام...
    ((سبحان الله عدد ماكان ويكون وعدد الحركات وعدد السكون))

  15. #30
    التسجيل
    21-05-2005
    المشاركات
    100

    مشاركة: بلا اتجاه

    أختي بلو آيز

    لا تخافي سأكمل القصة بإذن الله، فأنا لم أكتبها إلا لأكملها.

    شكرا ً للقراءة

صفحة 2 من 13 الأولىالأولى 123456712 ... الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •