صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 16 إلى 28 من 28

الموضوع: مكتبة الحكايات الشعبية

  1. #16
    التسجيل
    31-01-2005
    المشاركات
    142

    مشاركة: مكتبة الحكايات الشعبية





    البغي الطهور



    كانت تعيش في قصر كبير عجوز، أمضت عمرها في الصوم والصلاة والعبادة وكانت تسهر على رعايتها خادماتها اللواتي لازمنها وأخلصن لها، واطمأنت نفوسهن إلى تقواها وورعها.

    وذات ليلة ماطرة شديدة البرد، من ليالي الشتاء القارس، قرع باب القصر، فنزلت إحدى الخادمات لتنتظر من في الباب، فإذا عجوز فقيرة بائسة، يظهر عليها الإرهاق والمرض الشديد، تستجدي وتتوسل طالبة من الخادمة أن تستأذن سيدتها في إيوائها، معترفة لها، كي ترق لحالها وتشفق عليها، بأنها كانت مومساً، فقدت زهرة شبابها في المبغى، ثم تشردت في الشوارع، لاتجد من يؤويها.

    وأسرعت الخادمة إلى السيدة تخبرها بالأمر، فأمرتها بطردها، فرجعت الخادمة خائبة لتخبرها بقرار سيدتها، فلم تجب العجوز بشيء، ومضت يائسة تحت المطر، والمرض يشل خطاها، فأشفقت عليها الخادمة، ودعتها إلى الدخول، ثم قادتها إلى حجرة صغيرة، تلقى فيها الحاجات المهملة، وطلبت منها أن تبقى فيها وتلزم الهدوء، ثم أحضرت لها بعض الطعام، ووعدتها أن ترجع إليها.

    وأسرعت الخادمة إلى سيدتها، وظلت إلى جانبها، تساهرها وتؤانسها حتى حان موعد نومها، فرافقتها إلى فراشها، وقدمت لها دواءها، ولما اطمأنت إلى نومها، تركتها وخرجت مسرعة إلى العجوز، ولما دخلت عليها، وجدتها في النزع الأخير، فوقفت إلى جانبها تواسيها وتعطف عليها، حتى لفظت الروح.

    وتنبهت الخادمة إلى المأزق الذي وقعت فيه، وبينما هي في حيرة من أمرها، إذا نسوة صبايا جميلات كالأقمار، يدخلن عليها، يحملن أباريق من فضة، وثياباً من سندس، ثم بادرن فغسلن العجوز ثم كفّنّها وحملنها وخرجن بها.

    ودهشت الخادمة لِمَا رأت وكأنها في حلم، ثم تنبهت إلى أرض الغرفة، فوجدت فيها بعض الماء، فأسرعت إلى مسحه وتنشيفه، قبل أن يشعر أحد بالأمر، ولكنها ذهلت أمام رائحة الماء العطرة، فقررت أن تجمع قليلاً منه في زجاجة صغيرة وأن تحتفظ به، فقد أدركت أن تلك العجوز ذات مكانة رفيعة عند ربها.

    ومرت الأيام، تلتها الشهور والأعوام، وذات يوم أفاقت الخادمات، فوجدن السيدة ميتة في سريرها، فقد باتت في الليل، وحيدة في غرفتها، من غير أن يكون ثمة أحد إلى جانبها، وبدأت الخادمات الاستعداد لتجهيز السيدة ودفنها، فاستدعين غاسلة خاصة، لتعمل في غسلها وتكفينها، وقد حضر بعض أقارب السيدة وقريباتها.

    ودخلت الغاسلة على السيدة لتباشر عملها في غسلها وتكفينها، ولكنها لم تلبث أن خرجت إلى الخادمات والقريبات وهي تشتم وتلعن للمقلب الذي أوقعنها فيه، فدهشت النسوة وسألنها عن الأمر، فاستنكرت عليهن أن يدخلنها على رجل ميت لكي تغسله، فأنكرن ذلك وأكدن أن الميت امرأة، ولكن الغاسلة أكدت أنها رجل، ثم طلبت إحضار رجل غاسل.

    وتم إحضار رجل غاسل ليغسلها، ولما دخل عليها، خرج مستنكراً دعوته، وأكد لهن أن الميت امرأة، وتكرر دخول الغاسلة والغاسل، عدة مرات، وفي كل مرة يؤكد الغاسل أن الميت امرأة، وتؤكد الغاسلة أن الميت رجل، إلى أن حار الناس في الأمر.

    وتذكرت الخادمة المرأة البغي، فأسرعت إلى الزجاجة الصغيرة، التي احتفظت فيها ببعض الماء الذي غُسِلَت به، وطلبت من الغاسلة أن تصبه على الميتة.

    وبعد أن صبت الغاسلة ماء الزجاجة على الميتة، تم غسلها وتكفينها وتجهيزها ثم دفنت بسلام.







    الشقي والتقي



    يحكى أنه كان لأحد الرجال الأتقياء، جار شقي، لا يتورع عن ارتكاب الفواحش، ما ظهر منها وما استتر، وكان مايزال شاباً عزباً، وأمه تهديه، وتنصح له بالزواج، وهو يرفض، ويستمر سادراً في شقائه.

    وذات يوم قرر الجار التقي أداء فريضة الحج، فهيأ نفسه للسفر، وأعد للحج عدته، وجهز نفسه، وودع أهله وأصحابه، ثم ودّع جاره، وانطلق مع القافلة.

    وكان السفر إلى الحج يستغرق أشهراً طويلة، إذ كانوا يسافرون على الجمال، فيمضون شهراً في الذهاب، وشهراً في الحج، وشهراً في الإياب، فكان الحاج يغيب عن أهله ثلاثة أشهراً أو أربعة.

    وفي غياب الجار التقي، قرر الجار الشقي الزواج، فطلب من أمه أن تخطب له، ففرحت الأم بقرار ابنها، وسعت تطوف باحثة عن فتاة تليق به، ثم استقر بها المطاف على فتاة، وتم الزواج، وتاب الشقي، واستقر، وترك ماكان فيه من قبل.

    وفي تلك الأثناء كان الجار التقي في الحجاز، يؤدي مناسك الحج، وبينما هو في الحرم الشريف، يطوف حول بيت الله الحرام، ويدعو الله، ذكر جاره، فدعا له بالهداية والصلاح، وإذا هاتف من السماء يقول له: “جارك الشقي سيدخل الجنة قبلك، وسيجد بابها مفتوحاً”، فذهل لما سمع، وفاضت عيناه بالدموع، وتمنى أن يعرف سر مغفرة الله تعالى له، وبات ينتظر العودة إلى بلده، ليلتقي جاره، ويسأله عما فعل، حتى عفا الله عنه.

    وانتهت أيام الحج، ورجع التقي إلى بلده، وأمضى بضعة أيام يستقبل الناس القادمين للقياه، ولما انتهت تلك الأيام، أسرع إلى جاره يسأل عنه، فلقيه، فسلم عليه، ودعاه إلى ضيافته، وقعد يحدثه عما جرى معه في الحرم الشريف، وسأله بالله أن يقص عليه ما كان من أمره، ومن سر مغفرة الله له، وفي البدء تردد الشقي، ولكنه لم يلبث أن حدثه، فقال:

    “طلبت من أمي أن تخطب لي، فقد قررت في غيابك الزواج، وما هي إلى بضعة أيام حتى اهتدت إلى فتاة، ثم كان حفل الزفاف، ودخلت على عروسي، ولم أمض معها بعض الوقت، حتى ظهرت عليها آثار ألم شديد، وسألتها، وإذا هي في المخاض، ودهشت، لِمَا رأيت، فتوسلت إلي أن أكتم أمرها، وقد آلمني كثيراً ما بدا عليها من وجع شديد، وهي تكتم ألمها، وتحبس صراخها، وترهق نفسها، حتى كان الفجر، فوضعت ولداً، فحملته تحت عباءتي، وخرجت، وأنا أدعي أمام أهلي أني ذاهب إلى صلاة الفجر، ولم ألبث أن عدت إلى البيت، لأدعي أمام أمي أني عثرت بهذا الطفل الوليد، ملقى على باب المسجد، فأخذته أمي وفرحت فرحاً شديداً، وقررت أن تعنى به، وتربيه، ثم علمت من عروسي أن ابن عمها كان قد غرر بها، ثم سلمت أمرها إلي، لأقرر مصيرها بما أشاء، فرقّ قلبي لها، وقررت أن أعيش معها، أخاً، من غير أن أمسها، وهي إلى اليوم معي، هانئة صابرة مطيعة، وأنا لا أقربها، وقد مضى على زواجنا ثلاثة أشهر، ولا أحد يعلم بما بيننا، غير الله وأنت”.

    وكان التقي يستمع إلى الشقي، والدموع تطفر من عينيه، ولما أنهى حديثه، قال له: “بارك الله فيك يا أخي، فقد غفر الله لك، ولكن لي عندك رجاء، آمل منك ألا يخيب”، فوعده الشقي ألا يخيبه، فتمنى عليه أن يباشر زوجته، وأن تصبح حلاًّ له، فبفضلها قد غفر الله له، وهداه إلى الحق والرشاد، فوعده الشقي بذلك.
    وعاش الشقي مع زوجته، في أهنأ حال، وأسعد بال، وأصبح تقياً ورعاً، يخاف الله ويخشاه، ورزق البنين والبنات، وأما الولد، فقد نشأ مع إخوته لأمه، يحظى بما يحظون به من عطف واهتمام.




    عقدة الإصبع



    كان في إحدى القرى زوجان يعيشان هانئين، أمضيا ردحاً من عمرهما لا يكدر صفو عيشهما شيء، فللزوج قطعة أرض يعمل في زرعها، وتدر عليهما من الغلال ما يكفيهما، والزوجة تمضي يومها في البيت، تطهو الطعام، وتربي الدواجن، ولكن كان ينقصهما شيء واحد هو الولد، فقد كانت المرأة عاقراً.

    وذات يوم تمنت المرأة أن تحمل بولد، ولو كان بطول عقدة الإصبع، ويبدو أن أمنيتهما قد تحققت، فحملت، ووضعت ولداً بطول عقدة الإصبع، وفرح الأبوان بالولد، وعنيا به، وأحاطاه باهتمامهما، حتى كبر وشب، ولكن طوله لم يتجاوز طول الإصبع الواحد.

    وذات يوم كانت الأم تعد فيه الطعام، زفرت، ثم قالت: “لو أني رزقت بولد ليس كعقدة الإصبع لكان حمل الطعام إلى أبيه في الحقل!!”، وعلى الفور رد عليها عقدة الإصبع، قائلاً: “ أنا سأحمل الطعام إلى أبي، وسأساعده في العمل”. ونظرت الأم مدهوشة، ثم قالت: “وكيف؟” فأجابها: “ضعي الطعام على ظهر الحمار، وأنا سأقعد في أذنه، وأقوده إلى الحقل”.

    ولم تصدق الأم ما قاله ابنها، ولكنها استجابت إليه، فوضعت الطعام على ظهر الحمار، ونطّ عقدة الإصبع إلى أذنه، فقعد فيها، ثم أخذ يصيح، وانطلق الحمار، وفي الطريق، كان عقدة الإصبع يوجهه، فيصيح به لينعطف إلى يمين أو شمال، أو ينبّه الناس كي يبتعدوا عن طريقه، وكان هؤلاء يدهشون لسماع الصوت وعدم رؤيتهم أحداً.

    ولما بلغ عقدة الإصبع الحقل، نادى والده، ولما سمع الأب النداء، دهش وأقبل على الحمار، يبحث عن ولده، ويطلب منه أن يظهر، ونط عقدة الإصبع من أذن الحمار إلى الأرض، فتلقاه والده، وحمله على يده، ثم قعد يتناول غذاءه معه.

    ومرت الأيام، سعد فيها الأبوان بابنهما وبما يمتاز به من حركة ونشاط، وبما يبد عليه من ذكاء، على الرغم من صغره، وضآلة حجمه، وذات يوم كان الأب يقود فيه ثوره، وقد ربطه إلى المحراث، ليحرث به الأرض، استعداداً لموسم الزرع، وكان عقدة الإصبع يسير إلى جانبه، وينط فوق أكوام التراب، وإذا كومة من التراب يقلبها سن المحراث فتنهال عليه وتردمه، وقبل أن تمتد إليه أصابع والده لتبحث عنه وتنقذه، كان قد أسلم الروح.

  2. #17
    التسجيل
    31-01-2005
    المشاركات
    142

    مشاركة: مكتبة الحكايات الشعبية





    الزوجة الوفية



    كان لأحد الأغنياء ولد وحيد، رباه خير تربية، ولما شب، وحان أوان زواجه، نصح له أن يختار لنفسه زوجة وفيّة، وأوصاه أن يسألها ليلة الزفاف: “أنا وأنت على الدهر، أم أنت والدهر عليَّ؟”، فإذا أجابته: “أنا والدهر عليك”، فما له سوى طلاقها، قبل أن يخلو بها.

    وخطب الفتى لنفسه فتاة، وفي ليلة الزفاف سألها ما أوصاه به أبوه، فأجابته: “أنا والدهر عليك”، فأصبح وقد طلقها، ثم خطب لنفسه فتاة أخرى، وكان من أمره معها ما كان مع الأولى، ثم خطب فتاة ثالثة، وقد عزم على العيش معها، ولو أجابته بمثل ما أجابته الأولى والثانية.

    وتحقق ما توقعه الفتى، فقد أجابته زوجته: “أنا والدهر عليك”، فكتم ذلك، ولما سأله أبوه عن جوابها على السؤال الذي أوصاه به، أجاب أباه بما يرضيه، ففرح الأب بذلك، واطمأن.

    وذات يوم نادى الأب زوجة ابنه، بعد خروج ولده، فأسرعت إليه تسأله ماذا يريد، فقادها إلى بركة في فناء الدار، وطلب منها أن ترفع سدادتها، ففعلت، وتسرب الماء كله، وإذا في قاع البركة باب، فتحه الأب، ودعا زوجة ابنه إلى النزول فيه، فنزلت، وإذا هي في سرداب تحت البركة، فيه أموال وذهب كثير، فالتفت إلى والد زوجها مدهوشة، فقال لها: “هذه الأموال كلّها لابني، وأنا أخشى ألاّ يحسن التصرف بها بعد موتي، ولذلك سأبقي أمرها سراً، لتعطيه منها شيئاً فشيئاً، عند الحاجة الشديدة”، ففرحت بذلك، ووعدته أن تكون وفيّة لوصيته، مخلصة لزوجها.

    ومرّت الأيام والزوجة تعنى بوالد زوجها، وتهتم به، إلى أن وافته المنية، فأخذت تطلب من زوجها كل يوم أمراً جديداً، ففي يوم تطلب منه شراء حلية لها، وفي يوم آخر تسأله شراء أثاث جديد للمنزل، وهكذا حتى نفد ماورثه من أبيه، وهي ما تزال تحتفظ بسر الأموال المدفونة تحت البركة، ولا تعطيه منها شيئاً، حتى جاء يوم أصبح فيه غير قادر على تلبية حاجاتها، وهي ما تزال تلح عليه بالطلب، وتسأله شراء الحاجات، فنزل إلى السوق، ووقف مع جماعة من البنائين، ينتظر أحداً يدعوه إلى العمل عنده، وكان من حسن حظه أن قدم رجل دعا البنائين جميعاً للعمل، وكان هو في جملتهم، وبعد فراغهم من العمل، بدأ كل واحد منهم يأخذ أجرته ويمضي، ولما جاء دور الفتى، استبقاه الرجل، إلى أن انصرف البناؤون جميعاً، فأعطاه أجرته مضاعفة، ثم دعاه إلى تناول طعام العشاء، ثم فاجأه الرجل بمعرفته لأبيه، وأنكر عليه حاجته إلى العمل في مهنة لا يتقنها، وأكد له أن لدى أبيه أموالاً لا نفاد لها، وأنه لا يشك في أن زوجته هي التي تخفي عليه موضع أمواله.

    ودهش الفتى لذكاء الرجل ونفاذ بصيرته، ثم سأله النصيحة، فدلّه الرجل على أمر طلب منه أن ينفّذه فور وصوله إلى البيت.

    وأسرع الفتى إلى زوجته وأخبرها -كما أوصاه الرجل- أنه أصبح لا يملك شيئاً من المال، ولا يقدر على الإنفاق عليها، وأنه مضطر إلى الرحيل إلى بلاد أخرى، ثم طلب منها مفتاح الدار، ووعدها أن يبيعها في صباح الغد، ليدفع لها صداقها كاملاً، وتصبح طالقة، فما كان من الزوجة إلا أن ناولته مفتاح الدار، وحملت صرّة ثيابها، ومضت إلى بيت أهلها.

    وعلى الفور رجع الفتى إلى الرجل، وكان قد أوصاه بذلك، فأخبره بالأمر كلّه، فطلب منه الرجل أن يمضي به إلى داره، ولما دخلها أسرع إلى البركة في الفناء، وفتح سدّادتها، ولما فرغ ماؤها، انكشف لهما الباب، ففتحه الرجل ودعا الفتى إلى الدخول، فذهل لما رأى من أموال وذهب، وبادر على الفور إلى نقلها إلى دار الرجل.

    وفي الصباح طلب الفتى من الدلاّل أن يعلن عن بيع داره بالمزاد، وتقاطر الناس إلى المشاركة، وكان أول المبادرين جاره القصاب، وقد أخذ يعلي في ثمنها ويغالي، حتى استقر البيع عليه، فقبض منه ثمن الدار، وسلمه المفتاح، وكان الرجل الذي نصح له بذلك واقفاً بجواره، فهمس له: “هذا هو عشيق زوجتك”، ثم دعاه إلى منزله، وطلب منه أن يتريث حتى المساء، ليريه أمراً عجباً.

    وفي الليل.. مضى الفتى إلى داره، يصحبه الرجل، وقد نصحه من قبل أن يحتفظ لنفسه بمفتاح آخر للدار، ففتح الباب ودخل، والرجل يتبعه، وأسرعا إلى السرداب تحت البركة، فوجد الفتى زوجته مذبوحة وملقاة في السرداب، فصعق وخاف، ولكن الرجل طمأنه، وقال: “لاشك في أن عشيقها القصاب قد ذبحها بعدما رأى السرداب فارغاً لا مال فيه، وما عليك إلا التريث حتى الصباح”.

    وفي الصباح كان القصاب يدق الباب على الفتى، وهو مقيم عند الرجل، يطلب منه أن يعيد إليه ثمن الدار، لأنه عدل عن شرائها، ونصح له الرجل أن يفعل، ففعل واسترد المفتاح.

    وعند ئذ تبين للفتى صدق الرجل، وصواب مايراه، فسأله النصيحة ثانية، فنصح له أن ينتظر إلى الليل، كي يحمل جثة زوجته المذبوحة ويرمي بها في البحر، أو أن يرفع الأمر إلى القاضي، فاختار الأمر الثاني.

    واعترف القصاب أمام القاضي بفعلته، وتم إعدامه، وتسلم أهل الزوجة جثة ابنتهم، وواروها التراب.

    وكان الفتى ما يزال مقيماً عند الرجل وقد اطمأن إليه، واستراح إلى ضيافته، فسأله النصيحة مرة ثالثة، فنصح له أن يبادر إلى الزواج، وكان الفتى قد رأى إحدى بنات الرجل، فطلب منه أن يزوجه ابنته، فوافق وشاور ابنته في الأمر، فوافقت، ولكن الرجل قال للفتى: “إنّ مهر ابنتي غال جداً”، فسأله عن مقداره، فأجاب الرجل: “قطع رطل من لحم فخذك”، وأعلن الفتى عن استعداده لذلك، ونادى ابنته أن أحضري السكين، فأحضرتها وهي لا تعرف الغاية منها، فطلب منها أبوها أن تساعده على قطع رطل من لحم فخذ الفتى، ليكون مهراً لها، فرفضت البنت ذلك، وأعلنت عن استعدادها لتقدم الرطل من لحم فخذها هي بدلاً من لحم فخذ الفتى، وعند ئذ أعلن الرجل أنه لم يفعل ذلك إلا ليعرف صدق الفتى في رغبته في الزواج من ابنته، وصدق ابنته أيضاً في رغبتها في الزواج من الفتى.

    ثم أخبر الفتى أنه شقيق أبيه، وأنه كان فقيراً، وأن أباه كان قد تنكر له، وأمضى حياته كلها من غير أن يتصل به.

    ثم تمّ زفاف الفتى إلى الفتاة، ابنة عمه، وعاشا في هناءة وسرورة، وقد فكر ذات يوم في سؤالها الذي كان أبوه قد أوصاه به، ولكنه لم يجد ضرورة للسؤال، فقد وجد في أفعالها ومواقفها خير جواب.





    كل إنسان يعمل بأصله



    في إحدى البوادي كان يعيش محمد مع أمه وزوجته، وكان عنده بعض الإبل يرعاها، وذات يوم، بينما يرعى إبله، سمع أنيناً وراء صخرة، وأسرع نحو الصوت، فرأى رجلاً ملقى، وليس في جسمه موضع إلا قد طعن، والدماء تنزف منه، فحمله، وأسرع إلى أمه، فطلبت منه أن يذبح على الفور إحدى النوق، وأن يجوّفها، ثم حملت الأم الرجل الجريح وأدخلته في جوف الناقة، وتركته ثلاثة أيام، ثم أخرجته، وإذا جروحه كلها قد التهبت، فأمرت ولدها أن يذبح على الفور ناقة ثانية، وأن يجوّفها، ثم وضعت الرجل الجريح داخلها، وتركته ثلاثة أيام أخرى، ولمّا أخرجته منها، كانت جروحه قد شفيت تماماً.

    وأراد الرجل مغادرة الأسرة، ولكن العجوز أصرت على بقائه في ضيافتهم أياماً أخرى، حتى تطمئن إلى شفائه تماماً، وحتى يسترد عافيته وأكدت له أنها بمنزلة أمه، وأن ولدها محمد كالأخ، وأن زوجة ولدها هي كالأخت، وكان تعدّ له الطعام بنفسها، وترعاه وتعنى به.

    وقد سرّ ولدها محمد به، وكان لا يكلّفه شيئاً، فيخرج هو مع الفجر لرعاية الإبل، ويرجع مع الغروب، ليشاركه السهر، ويتركه طوال النهار في البيت مع أمه وزوجته، يعدّ القهوة، ويستقبل من قد يمرّ بهم من ضيوف.

    وذات يوم أخبرت زوجة محمد حماتها بان الرجل، واسمه حسين، وقد تودّد إليها، وعبّر عن رغبة في نولها، فلامتها العجوز على ذلك، واتهمتها بسوء الظن، وأكدت لها أن الرجل ضيف، وأنه كالأخ بالنسبة إليها.

    ومرة أخرى، بعد يوم أو يومين، شكت زوجة محمد إلى حماتها أمر الضيف، وأكدت تعرضه لها، ومحاولته النيل منها، فبادرت العجوز إلى عتاب حسين، وأكدت له أنها ستخبر ولدها محمداً بذلك، إن هو عاد فتعرض لزوجة ولدها.

    ورجع محمد مع الغروب مع الإبل، فرأى الضيف حسين قاعداً وحده، والحزن ظاهر عليه، فسأله عن حاله، فعبّر عن رغبته في الرحيل، فقد برّح به الشوق إلى أهله، فما كان من محمد إلا أن قدّم ناقة ليمتطيها، وناقة أخرى تحمل زوادة الطريق وبعض الهدايا، ثم سار برفقته مسافة، وقبل أن يودّعه، قال له: “يا أخي يا حسين، أرجو أن تعمل دائماً بأصلك”.

    ورجع محمد إلى أمه وزوجته، وهو يحسّ بشيء من الاكتئاب لأنه فقد صديقاً له.

    ووصل حسين إلى ديار أهله، فاستقبلوه بفرح كبير، وسألوه عن سرّ هذا الغياب، فأخبرهم عن رجل غني جداً، يملك إبلاً كثيرة، ويعيش وحده، كان قد اختطفه، وأجبره على الإقامة عنده، ليتخذ منه خادماً، ولكنه استطاع أن يفرّ تحت جنح الظلام، وحسبه دليلاً على ذلك ما يسوق معه من ناقتين، وأخذ يشجع قومه على غزو ذلك الرجل، والإغارة عليه، ثأراً لنفسه، وطمعاً فيما يملك من إبل، وظلّ يزين لهم الإغارة عليه، حتى أقنعهم.

    ومع الفجر، شنّت قبيلة حسين غارة شعواء على خيمة محمد، فقتلوه، واسروا العجوز، وساقوا الإبل كلها غنائم لهم، وأقامت العجوز أم محمد في ديار حسين، أسيرة، ترعى إبلهم، وتطهو طعامهم، وتعنى بأطفالهم.

    أما زوجة محمد، فقد بحث عنها حسين في أثناء الغارة، فلم يجدها، وهو الذي شجع قومه على الغزو طمعاً بها، فرجع إلى دياره خائباً.

    وكانت زوجة محمد قد هربت أول ما رأت الغارة، ولجأت إلى ديار أهلها، وأقامت بينهم، وكانت حاملاً، في شهرها الأخير، ولم تلبث أن وضعت ولداً، أسمته محمداً باسم زوجها.

    ونشأ محمد في ديار أخواله، وتعلم الفروسية وركوب الخيل والمبارزة، وأصبح شاباً، وذات يوم سمع شيئاً ما عن مقتل أبيه، فأسرع إلى أمه يطلب أن تخبره بالحقيقة، وألحّ عليها، فأخبرته بكل ما كان، فحمل سيفه، وامتطى جواده، وودّع أمه، ثم مضى، مقسماً أن يثأر لأبيه، وظل يطوي البوادي والقفار، حتى وصل إلى ديار حسين، فشاهد عجوزاً ترعى الإبل، فسألها من تكون؟ ولمن الإبل؟ ونظرت العجوز فيه، فرأت فيه ملامح من ولدها، فروت له الحكاية كلّها، فعرفها على الفور، وعرّفها إلى نفسه، فضمّته إلى صدرها، وأخذت تقبله وهي تبكي.

    ثم أخبرته أن حسين قد تزوج وأنجب ولداً هو في مثل عمره، وأن الليلة هي ليلة زفافه، ثم دلته على خيمة العروس، ولما صار الليل، ودخل ابن حسين على عروسه، هجم عليه محمد، فقلته، ثم أردف العروس وراءه على الحصان، وانطلق بها إلى قبيلة كبيرة، لجأ إليها، طالباً الحماية له وللعروس، فأضافه شيخ القبيلة، وحماه، وأمر أن تفرد له خيمة تليق به وبعروسه، ولكن الفتى محمد طلب أن تنام العروس في ضيافة شيخ القبيلة مع أسرته وأولاده، وأن ينام هو وحده في الخيمة.

    ومع الصباح اقترب حسين من خيمة ابنه، وناداه، فلم يسمع جواباً، وناداه ثانية، وثالثة، وما من جواب، ودخل الخيمة، فوجد ابنه مقتولاً، ولم يجد أثراً للعروس، واقتفى آثار الحصان، حتى بلغ القبيلة الكبيرة، التي كان الفتى محمد قد لجأ إليها، ودخل على شيخ القبيلة، وطلب منه أن يسلمه العروس.

    واستدعى شيخ القبيلة الفتى والعروس، وسأله من يكون؟ وماقصة تلك العروس، فأخبره بقصته وقصة أبيه، فأدرك عند ئذ حسين أن هذا الفتى قد ثأر منه لأبيه، فسكت، وقد عرف أن عاقبة الغدر والخيانة وخيمة.

    وحكم شيخ القبيلة بردّ الإبل على الفتى، وإطلاق العجوز من الأسر، ثم يسأل العروس إن كانت تقبل بالفتى محمد زوجاً لها، وكانت العروس قد رأت شهامة محمد وجرأته وعفّته، فأجابت بالإيجاب.

    وهكذا، رجع حسين إلي أهله يجرّ ذيول الخيبة والحزن والمرارة، جزاء ماصنعت يداه، على حين رجع الفتى محمد إلى مضارب أبيه، ليرعى إبله مع جدته وأمه وزوجته، وليعيشوا جميعاً في هناءة وسرور.



  3. #18
    التسجيل
    31-01-2005
    المشاركات
    142

    مشاركة: مكتبة الحكايات الشعبية




    صالحة



    كان في قديم الزمان أخت اسمها صالحة، تعيش مع أخيها بعد وفاة والديهما، وكانت حياتهما هادئة هانئة، لا ينغصها شيء. وكانت الأخت صالحة تلح على أخيها كي يتزوج، وكان يخشى إذا تزوج ألا تعيش زوجته في وفاق مع أخته. ولكن الأخت ألحت عليه، ثم سعت بنفسها إلى زواجه، فخطبت له فتاة تعرفها.

    وحين تم الزواج فرحت فرحاً كبيراً.

    وكانت الأخت تتودّد إلى زوجة أخيها، وتساعدها في شؤون البيت، بل كانت تسعى في خدمتها، وتقوم بكثير من الأعباء بدلاً منها، كرمى لأخيها، وحرصاً منها على جو السعادة والوفاق.

    وحملت زوجة الأخ، وأنجبت ولداً، فرح به الجميع، وزادت سعادتهم به. ولعل الأخت كانت أكثر فرحاً به، إذ وجدت فيه ما يملأ حياتها، ويزيد من الرابطة بينها وبين زوجة أخيها، فأخذت تخدم الولد وترعاه وتحمل عن زوجة أخيها كل أعباء البيت.

    ولكن زوجة الأخ بدأت تغار من الأخت صالحة، وأخذت تحسّ نحوها بكراهية، وجعلت تفكر بالتخلّص منها بأي طريقة، وما كان منها إلا عمدت في إحدى الليالي إلى ولدها، فذبحته، ثم غطته، وأسرعت إلى زوجها، تطلب منه أن يحضر الولد لترضعه، ومضى الزوج ليحضر الولد، فذعر مما رأى، وصاح ينادي زوجته، فأسرعت إليه، لتؤكد له أن أخته هي التي فعلت ذلك.

    وثار الغضب في نفس الأخ، فاستل خنجره، وأسرع إلى أخته، فوجدها نائمة، ومن غير أن يوقظها أو يكلمها، قطع يديها الاثنتين، ولفّها في ملاءة وحملها، ومضى بها إلى بستان بعيد، ورمى بها هناك.

    وفي الصباح خرج البستاني من كوخه ليتفقد الزرع وينظر في الزهور فرأى فتاة صبية كالقمر، ولكنها مقطوعة اليدين، فسألها عمن فعل بها ذلك؟ ومن رماها في بستانه؟ فأخبرته بما كان من أمرها، فأشفق عليها، ودعاها لتعيش في البستان فشكرت له ذلك، وطلبت منه أن يبني لها كوخاً صغيراً، بعيداً عن العيون، وألا يخبر بها أحداً.

    وكان هذا البستان للملك، وكان يقصده بين الحين والحين ليرتاح من أمور المملكة وشؤونها وذات يوم دخل الملك البستان مع جنده وخدمه، وأخذ يطوف في أرجائه يتملى جماله ويمتع نفسه بما فيه من زهور.

    وكان جنده يشاركونه في تملّي جمال البستان يطوفون في أرجائه، للتسلية والاستمتاع، وشاهد أحد جنده الكوخ الجديد، فاتجه إليه، ولما رأته صالحة مقبلاً نحوها، لجأت إلى داخل كوخها، فلحق بها، وهمّ بها، لكنها صاحت تطلب الغوث، وتنبّه الملك، فأسرع إلى الكوخ، فوجد جنديه وصالحة تفرّ من بين يديه مستغيثة، ولما عاتبه الملك على ذلك، ادّعى أن الفتاة هي التي بادرت إلى دعوته إلى كوخها، وأكد أنها هي التي جذبته بكلتا يديها ليدخل الكوخ وطلب الملك على الفور إحضار الفتاة، ولما رآها مقطوعة اليدين، عرف الكذب في كلام جنديه، فأمر بسجنه، ثم أنهى زيارته للبستان، ورجع إلى قصره. وكان جمال صالحة قد استولى على لبّ الملك، فأخذ يفكّر فيها ليله ونهاره، صورة محياها لا تغادره، وذات يوم مضى إلى البستان، وطلب من صالحة أن تكون زوجة له، ولكن صالحة اعتذرت، وبينّت للملك أنها مقطوعة اليدين وأنها لا تليق زوجة به، ولكن الملك أصرّ، وتدخل البستاني وأقنعها بالزواج من الملك فقبلت. وشاع الخبر في أرجاء البلاد؛ الملك يتزوج من فتاة مقطوعة اليدين تدعى صالحة، وأقيمت الأفراح، والولائم، ووصل الخبر إلى زوجة الأخ، فازدادت غيظاً وقهراً.

    ومرت الأيام وحملت صالحة من الملك، فازداد حبه لها، وتعلقه بها، ولكن حدث أن اضطر الملك إلى السفر إلى بعض البلاد، وظلت صالحة وحدها، وفي غيابه وضعت ولداً جميلاً، فسعد به كل من في القصر وأقيمت الأفراح، وتمّ إرسال رسول إلى الملك يحمل نبأ المولود.

    وما كان من زوجة الأخ إلا أن اعترضت طريق الرسول، وهو ماض إلى الملك ليخبره بالمولود، ودعته إلى بيت قريب، وقدمت له شراباً. فيه منوّم، فاستسلم لنوم عميق، فاستلّت منه الرسالة التي يحملها إلى الملك، فمزقّتها، ودست رسالة أخرى بدلاً منها، ولما استيقظ، شكرها لحسن ضيافتها ثم مضى، وهو لا يعلم مما حصل شيئاً. ولما وصل الرسول إلى الملك، قدّم إليه الرسالة، فقرأها فإذا فيها: “وضعت زوجتك ولداً أسود اللون، قبيح الشكل، من المؤكد أنه ليس ولدك، ومما يؤكد أيضاً خيانة صالحة”.

    وحزن الملك لدى قراءته الرسالة حزناً شديداً، ثم كتب إلى أهله جواباً يطلب فيه إكرام صالحة والعناية بالمولود، وعدم التصرف بشيء إلى حين عودته.

    وفي طريق العودة تصدّت زوجة الأخ للرسول أيضاً، ودعته لاستراحة قصيرة، وفعلت مثلما فعلت في المرة الأولى، إذ بدّلت الرسالة التي يحملها برسالة أخرى.

    وقرأ أهل الملك الرسالة التي كان يحملها الرسول، فإذا فيها: “تخلصوا من صالحة ومن ولدها بأي شكل كان”، ودهش أهل الملك والوزراء لجواب الملك، ولكنهم اضطروا إلى التنفيذ، وعهدوا بالأمر إلى أحد الوزراء.

    وما كان من هذا الوزير إلى أن حمل صالحة وولدها في صندوق، وتركها عند شاطئ البحر.

    ومرّ صياد فقير، ففتح الصندوق، فوجد صالحة مع ولدها، فأشفق عليها، ودعاها إلى العيش مع زوجته وأولاده.

    ورجع الملك إلى قصره بعد مدة، فلم يجد زوجته، ولا ولده، فسأل عنهما، فأخبروه بما كان من أمره هو في رسالة منه بالتخلص من صالحة وولدها، فأنكر ذلك، ثم طلب من الوزير أن يخبره بحقيقة ما فعله بصالحة.

    ثم أسرع الملك بنفسه مع الوزير إلى شاطئ البحر، حيث كان الوزير قد ترك صالحة مع ولدها، وسأل عن الصيادين، فدلوه على كوخ الصياد الذي كان قد آواها.

    والتقى الملك بزوجته وولدها، وعرف أن ثمة تزييفاً في الرسائل قد حصل، فاستدعى إليه الرسول، ولما سأله عن أمر الرسائل أخبر بالمرأة التي استضافته عندها في الذهاب والعودة.

    وأمر الملك بإحضار تلك المرأة، فإذا هي زوجة أخي صالحة، فسأل الملك زوجته عن العقاب الذي تريد أن يوقعه الملك بزوجة أخيها، فقالت له: “العفو”.

    وهكذا عفا الملك عن زوجة الأخ، فعادت إلى بيتها آسفة نادمة، وعاش الملك مع زوجته صالحة وولدهما، في هناءة وسرور.







    الضبع والشاب



    في قرية صغيرة، كان لإحدى الأمهات ستة أولاد ذكور، ولم يكن عندها بنت، وكانت دائماً تتمنى أن ترزق ببنت، لتكون إلى قربها تأنس بها.

    وذات يوم دعت ربها أن ترزق ببنت، ولو كانت ضبعاً، فاستجيب دعاؤها، فحملت ووضعت بنتاً، وإذا هي ضبع.

    ومع ذلك فرحت الأم وعنيت بها، وربتها أحسن تربية حتى كبرت وأصبحت شابة.

    وذات يوم لاحظت الأم أن الأغنام في الزريبة قد بدأت تنقص يوماً فيوماً، فطلبت من ولدها الكبير أن يسهر ليلته في الزريبة، ليرى من يسرق الغنم.

    وسهر الولد الأول معظم الليل، ولكن النوم غلبه، فنام، وفي الصباح استيقظ، فوجد الغنم قد نقص، ولم يعرف السارق.

    وهكذا كان شأن الولد الثاني، فالثالث فالرابع فالخامس، كل منهم يغلبه النعاس، فينام، وفي الصباح يستيقظ فيجد الغنم ناقصاً، من غير أن يعرف السارق.

    ولما كان دور الولد السادس، عمد إلى إصبعه فجرحها، ورش عليها الملح وثقب إبريقاً، وعلقه فوق فراشه، وملأه بالماء. وأمضى الليل ساهراً والماء ينقط فوق رأسه، والجرح يؤلمه، ولم يغمض له جفن.

    وقبيل الفجر أحسّ دبيب حركة، ثم رأى أخته تتسلل إلى الزريبة، وتنقض على خروف، وتنتحي به جانباً، لتلتهمه كاملاً، ثم تخرج دون أن يشعر بها أحد.

    وفي الصباح أخبر الولد أمه وإخوته بما رأى، فلم يصدقوه، فما كان منه إلا أن جمع حاجاته، وركب حصانه، وودع أمه وإخوته، وارتحل، مؤكداً لهم أنه لايريد أن يعرّض حياته للخطر.

    واستقر للولد المقام في إحدى القرى، حيث اشترى بيتاً، وعاش فيه، ثم اصطاد شبلين وأخذ يربيهم بنفسه، ويعنى بهما، وقد سمّاهما “عنتر ورباب”، وكان يلاعبهما ويداعبهما، ويطعمهما بيده، حتى ألفاه.

    ولما كبرا، وصارا سَبُعَين، وتأكد أنهما قد أصبحا قادرين على الافتراس، أودعهما عند سيدة عجوز، ثم أعطاها خاتماً سحرياً، وطلب منها أن تطلق السبعين، عندما تحسّ بأن الخاتم قد ضاقت به إصبعها، وأصبح يؤلمها، ثم ركب حصانه، وانطلق إلى قرية أمه وإخوته.

    ولما وصل إلى القرية، وجدها خاوية، لا أحد فيها سوى أخته الضبع، فدخل عليها، فرحبت به، وسألته كيف وصل إلى القرية، فأخبرها أنه جاء راكباً حصانه، فما كان منها إلا أن خرجت إلى الحصان، إذ كانت شديدة الجوع، فقد هرب الناس كلهم من القرية ولم يبق شيء تأكله، ولذلك التهمت قائمة حصان أخيها، ثم رجعت إليه لتسأله إن كان لحصانه أربع قوائم أو ثلاث، فأدرك أنها قد التهمت إحدى قوائمه، فأجابها أن لحصانه ثلاث قوائم، وخرجت ثانية إلى الحصان فالتهمت قائمة أخرى، ورجعت إلى أخيها لتسأله إن كان لحصانه ثلاث قوائم أو قائمتان فعرف أنها التهمت قائمته الأخرى، فأجابها بأن لحصانه قائمتين، فرجعت إلى الحصان فالتهمته كله، ثم رجعت لتسأل أخاها إن كان قد جاء راكباً أو ماشياً فأجابها بأنه قد جاء ماشياً. وكانت الرغبة في الإلتهام لدى الأخت الضبع أقوى من حبها لأخيها، فما كان منها إلا أن قالت له صراحة “جاء دورك”، وهمت بالتهامه فطلب منها شربة ماء قبل أن تلتهمه، فخرجت إلى البئر لتحضر الماء، فصعد إلى سطح الدار، ونادى بأعلى صوته “عنتر ورباب” ثم قفز من السطح إلى خارج الدار، وأخذ يعدو راكضاً، وأحسّت به أخته الضبع فتركت دلو الماء، وأخذت تعدو في إثره، وهو يركض يحاول النجاة.

    وفي تلك الأثناء بدأ إصبع العجوز يضيق بالخاتم الذي كان قد أعطاها إياه فذكرت وصيته لها، فأسرعت إلى السبعين، فأطلقتهما، وجرى الرجل الذي كان قد رباهما، ولما شاهدا الضبع تعدو في إثره تريد أن تلتهمه، انقضا على الضبع، وافترساها.

    ثم أخذ يبحث عن أمه وإخوته في القرى المجاورة، حتى وجدهم فأعادهم إلى قريته.

    كما عاد أهل القرية كلهم إليها، وعاشوا جميعاً بأمن وسلام.


  4. #19
    التسجيل
    31-01-2005
    المشاركات
    142

    مشاركة: مكتبة الحكايات الشعبية





    صالحة



    كان في قديم الزمان أخت اسمها صالحة، تعيش مع أخيها بعد وفاة والديهما، وكانت حياتهما هادئة هانئة، لا ينغصها شيء. وكانت الأخت صالحة تلح على أخيها كي يتزوج، وكان يخشى إذا تزوج ألا تعيش زوجته في وفاق مع أخته. ولكن الأخت ألحت عليه، ثم سعت بنفسها إلى زواجه، فخطبت له فتاة تعرفها.

    وحين تم الزواج فرحت فرحاً كبيراً.

    وكانت الأخت تتودّد إلى زوجة أخيها، وتساعدها في شؤون البيت، بل كانت تسعى في خدمتها، وتقوم بكثير من الأعباء بدلاً منها، كرمى لأخيها، وحرصاً منها على جو السعادة والوفاق.

    وحملت زوجة الأخ، وأنجبت ولداً، فرح به الجميع، وزادت سعادتهم به. ولعل الأخت كانت أكثر فرحاً به، إذ وجدت فيه ما يملأ حياتها، ويزيد من الرابطة بينها وبين زوجة أخيها، فأخذت تخدم الولد وترعاه وتحمل عن زوجة أخيها كل أعباء البيت.

    ولكن زوجة الأخ بدأت تغار من الأخت صالحة، وأخذت تحسّ نحوها بكراهية، وجعلت تفكر بالتخلّص منها بأي طريقة، وما كان منها إلا عمدت في إحدى الليالي إلى ولدها، فذبحته، ثم غطته، وأسرعت إلى زوجها، تطلب منه أن يحضر الولد لترضعه، ومضى الزوج ليحضر الولد، فذعر مما رأى، وصاح ينادي زوجته، فأسرعت إليه، لتؤكد له أن أخته هي التي فعلت ذلك.

    وثار الغضب في نفس الأخ، فاستل خنجره، وأسرع إلى أخته، فوجدها نائمة، ومن غير أن يوقظها أو يكلمها، قطع يديها الاثنتين، ولفّها في ملاءة وحملها، ومضى بها إلى بستان بعيد، ورمى بها هناك.

    وفي الصباح خرج البستاني من كوخه ليتفقد الزرع وينظر في الزهور فرأى فتاة صبية كالقمر، ولكنها مقطوعة اليدين، فسألها عمن فعل بها ذلك؟ ومن رماها في بستانه؟ فأخبرته بما كان من أمرها، فأشفق عليها، ودعاها لتعيش في البستان فشكرت له ذلك، وطلبت منه أن يبني لها كوخاً صغيراً، بعيداً عن العيون، وألا يخبر بها أحداً.

    وكان هذا البستان للملك، وكان يقصده بين الحين والحين ليرتاح من أمور المملكة وشؤونها وذات يوم دخل الملك البستان مع جنده وخدمه، وأخذ يطوف في أرجائه يتملى جماله ويمتع نفسه بما فيه من زهور.

    وكان جنده يشاركونه في تملّي جمال البستان يطوفون في أرجائه، للتسلية والاستمتاع، وشاهد أحد جنده الكوخ الجديد، فاتجه إليه، ولما رأته صالحة مقبلاً نحوها، لجأت إلى داخل كوخها، فلحق بها، وهمّ بها، لكنها صاحت تطلب الغوث، وتنبّه الملك، فأسرع إلى الكوخ، فوجد جنديه وصالحة تفرّ من بين يديه مستغيثة، ولما عاتبه الملك على ذلك، ادّعى أن الفتاة هي التي بادرت إلى دعوته إلى كوخها، وأكد أنها هي التي جذبته بكلتا يديها ليدخل الكوخ وطلب الملك على الفور إحضار الفتاة، ولما رآها مقطوعة اليدين، عرف الكذب في كلام جنديه، فأمر بسجنه، ثم أنهى زيارته للبستان، ورجع إلى قصره. وكان جمال صالحة قد استولى على لبّ الملك، فأخذ يفكّر فيها ليله ونهاره، صورة محياها لا تغادره، وذات يوم مضى إلى البستان، وطلب من صالحة أن تكون زوجة له، ولكن صالحة اعتذرت، وبينّت للملك أنها مقطوعة اليدين وأنها لا تليق زوجة به، ولكن الملك أصرّ، وتدخل البستاني وأقنعها بالزواج من الملك فقبلت. وشاع الخبر في أرجاء البلاد؛ الملك يتزوج من فتاة مقطوعة اليدين تدعى صالحة، وأقيمت الأفراح، والولائم، ووصل الخبر إلى زوجة الأخ، فازدادت غيظاً وقهراً.

    ومرت الأيام وحملت صالحة من الملك، فازداد حبه لها، وتعلقه بها، ولكن حدث أن اضطر الملك إلى السفر إلى بعض البلاد، وظلت صالحة وحدها، وفي غيابه وضعت ولداً جميلاً، فسعد به كل من في القصر وأقيمت الأفراح، وتمّ إرسال رسول إلى الملك يحمل نبأ المولود.

    وما كان من زوجة الأخ إلا أن اعترضت طريق الرسول، وهو ماض إلى الملك ليخبره بالمولود، ودعته إلى بيت قريب، وقدمت له شراباً. فيه منوّم، فاستسلم لنوم عميق، فاستلّت منه الرسالة التي يحملها إلى الملك، فمزقّتها، ودست رسالة أخرى بدلاً منها، ولما استيقظ، شكرها لحسن ضيافتها ثم مضى، وهو لا يعلم مما حصل شيئاً. ولما وصل الرسول إلى الملك، قدّم إليه الرسالة، فقرأها فإذا فيها: “وضعت زوجتك ولداً أسود اللون، قبيح الشكل، من المؤكد أنه ليس ولدك، ومما يؤكد أيضاً خيانة صالحة”.

    وحزن الملك لدى قراءته الرسالة حزناً شديداً، ثم كتب إلى أهله جواباً يطلب فيه إكرام صالحة والعناية بالمولود، وعدم التصرف بشيء إلى حين عودته.

    وفي طريق العودة تصدّت زوجة الأخ للرسول أيضاً، ودعته لاستراحة قصيرة، وفعلت مثلما فعلت في المرة الأولى، إذ بدّلت الرسالة التي يحملها برسالة أخرى.

    وقرأ أهل الملك الرسالة التي كان يحملها الرسول، فإذا فيها: “تخلصوا من صالحة ومن ولدها بأي شكل كان”، ودهش أهل الملك والوزراء لجواب الملك، ولكنهم اضطروا إلى التنفيذ، وعهدوا بالأمر إلى أحد الوزراء.

    وما كان من هذا الوزير إلى أن حمل صالحة وولدها في صندوق، وتركها عند شاطئ البحر.

    ومرّ صياد فقير، ففتح الصندوق، فوجد صالحة مع ولدها، فأشفق عليها، ودعاها إلى العيش مع زوجته وأولاده.

    ورجع الملك إلى قصره بعد مدة، فلم يجد زوجته، ولا ولده، فسأل عنهما، فأخبروه بما كان من أمره هو في رسالة منه بالتخلص من صالحة وولدها، فأنكر ذلك، ثم طلب من الوزير أن يخبره بحقيقة ما فعله بصالحة.

    ثم أسرع الملك بنفسه مع الوزير إلى شاطئ البحر، حيث كان الوزير قد ترك صالحة مع ولدها، وسأل عن الصيادين، فدلوه على كوخ الصياد الذي كان قد آواها.

    والتقى الملك بزوجته وولدها، وعرف أن ثمة تزييفاً في الرسائل قد حصل، فاستدعى إليه الرسول، ولما سأله عن أمر الرسائل أخبر بالمرأة التي استضافته عندها في الذهاب والعودة.

    وأمر الملك بإحضار تلك المرأة، فإذا هي زوجة أخي صالحة، فسأل الملك زوجته عن العقاب الذي تريد أن يوقعه الملك بزوجة أخيها، فقالت له: “العفو”.

    وهكذا عفا الملك عن زوجة الأخ، فعادت إلى بيتها آسفة نادمة، وعاش الملك مع زوجته صالحة وولدهما، في هناءة وسرور.







    الضبع والشاب



    في قرية صغيرة، كان لإحدى الأمهات ستة أولاد ذكور، ولم يكن عندها بنت، وكانت دائماً تتمنى أن ترزق ببنت، لتكون إلى قربها تأنس بها.

    وذات يوم دعت ربها أن ترزق ببنت، ولو كانت ضبعاً، فاستجيب دعاؤها، فحملت ووضعت بنتاً، وإذا هي ضبع.

    ومع ذلك فرحت الأم وعنيت بها، وربتها أحسن تربية حتى كبرت وأصبحت شابة.

    وذات يوم لاحظت الأم أن الأغنام في الزريبة قد بدأت تنقص يوماً فيوماً، فطلبت من ولدها الكبير أن يسهر ليلته في الزريبة، ليرى من يسرق الغنم.

    وسهر الولد الأول معظم الليل، ولكن النوم غلبه، فنام، وفي الصباح استيقظ، فوجد الغنم قد نقص، ولم يعرف السارق.

    وهكذا كان شأن الولد الثاني، فالثالث فالرابع فالخامس، كل منهم يغلبه النعاس، فينام، وفي الصباح يستيقظ فيجد الغنم ناقصاً، من غير أن يعرف السارق.

    ولما كان دور الولد السادس، عمد إلى إصبعه فجرحها، ورش عليها الملح وثقب إبريقاً، وعلقه فوق فراشه، وملأه بالماء. وأمضى الليل ساهراً والماء ينقط فوق رأسه، والجرح يؤلمه، ولم يغمض له جفن.

    وقبيل الفجر أحسّ دبيب حركة، ثم رأى أخته تتسلل إلى الزريبة، وتنقض على خروف، وتنتحي به جانباً، لتلتهمه كاملاً، ثم تخرج دون أن يشعر بها أحد.

    وفي الصباح أخبر الولد أمه وإخوته بما رأى، فلم يصدقوه، فما كان منه إلا أن جمع حاجاته، وركب حصانه، وودع أمه وإخوته، وارتحل، مؤكداً لهم أنه لايريد أن يعرّض حياته للخطر.

    واستقر للولد المقام في إحدى القرى، حيث اشترى بيتاً، وعاش فيه، ثم اصطاد شبلين وأخذ يربيهم بنفسه، ويعنى بهما، وقد سمّاهما “عنتر ورباب”، وكان يلاعبهما ويداعبهما، ويطعمهما بيده، حتى ألفاه.

    ولما كبرا، وصارا سَبُعَين، وتأكد أنهما قد أصبحا قادرين على الافتراس، أودعهما عند سيدة عجوز، ثم أعطاها خاتماً سحرياً، وطلب منها أن تطلق السبعين، عندما تحسّ بأن الخاتم قد ضاقت به إصبعها، وأصبح يؤلمها، ثم ركب حصانه، وانطلق إلى قرية أمه وإخوته.

    ولما وصل إلى القرية، وجدها خاوية، لا أحد فيها سوى أخته الضبع، فدخل عليها، فرحبت به، وسألته كيف وصل إلى القرية، فأخبرها أنه جاء راكباً حصانه، فما كان منها إلا أن خرجت إلى الحصان، إذ كانت شديدة الجوع، فقد هرب الناس كلهم من القرية ولم يبق شيء تأكله، ولذلك التهمت قائمة حصان أخيها، ثم رجعت إليه لتسأله إن كان لحصانه أربع قوائم أو ثلاث، فأدرك أنها قد التهمت إحدى قوائمه، فأجابها أن لحصانه ثلاث قوائم، وخرجت ثانية إلى الحصان فالتهمت قائمة أخرى، ورجعت إلى أخيها لتسأله إن كان لحصانه ثلاث قوائم أو قائمتان فعرف أنها التهمت قائمته الأخرى، فأجابها بأن لحصانه قائمتين، فرجعت إلى الحصان فالتهمته كله، ثم رجعت لتسأل أخاها إن كان قد جاء راكباً أو ماشياً فأجابها بأنه قد جاء ماشياً. وكانت الرغبة في الإلتهام لدى الأخت الضبع أقوى من حبها لأخيها، فما كان منها إلا أن قالت له صراحة “جاء دورك”، وهمت بالتهامه فطلب منها شربة ماء قبل أن تلتهمه، فخرجت إلى البئر لتحضر الماء، فصعد إلى سطح الدار، ونادى بأعلى صوته “عنتر ورباب” ثم قفز من السطح إلى خارج الدار، وأخذ يعدو راكضاً، وأحسّت به أخته الضبع فتركت دلو الماء، وأخذت تعدو في إثره، وهو يركض يحاول النجاة.

    وفي تلك الأثناء بدأ إصبع العجوز يضيق بالخاتم الذي كان قد أعطاها إياه فذكرت وصيته لها، فأسرعت إلى السبعين، فأطلقتهما، وجرى الرجل الذي كان قد رباهما، ولما شاهدا الضبع تعدو في إثره تريد أن تلتهمه، انقضا على الضبع، وافترساها.

    ثم أخذ يبحث عن أمه وإخوته في القرى المجاورة، حتى وجدهم فأعادهم إلى قريته.

    كما عاد أهل القرية كلهم إليها، وعاشوا جميعاً بأمن وسلام.



  5. #20
    التسجيل
    31-01-2005
    المشاركات
    142

    مشاركة: مكتبة الحكايات الشعبية




    ست الحسن والمارد



    ضاقت الأحوال بالفتى محمد، وسدت في وجهه أبواب الرزق، ولم يجد ما يعيش به، فاضطر إلى الارتحال عن بلده، سعياً وراء لقمة العيش، فأخذ يقطع الفيافي والقفار حتى بلغ بلدة، دخلها وهو في غاية التعب، ورأى عجوزاً أمام باب الدار فطلب منها بعض الماء.

    فجلبت له كأساً، ولما همّ بالشراب، لاحظ أن الماء أحمر اللون، فسألها عن السبب، فأخبرته أنّ مارداً يسيطر على النبع، ولا يسمح لأهل البلدة بالشرب، مالم يقدموا له كل أسبوع واحدة من أجمل الفتيات، حتى إنه لم يبق في البلدة سوى ابنة الملك، ست الحسن، واليوم حان موعد تقديمها، ولابد من أن ترقى مع الغروب إلى نبع الماء، حيث المارد.

    ولما مالت الشمس إلى المغيب خرج الفتى، فرأى موكباً مهيباً، والجند يحملون ست الحسن في محفة، ويسيرون بها إلى سفح الجبل، وهناك أنزلوها، ثم ودعتها أمها وودعها أبوها، ورجع الجميع حزانى يبكون، وتقدمت ست الحسن تصعد الجبل، وحدها وأخذ الفتى محمد يصعد في إثرها، فتنبهت إليه فطلبت منه أن يرجع، فأشفق عليها فأخبرته أنها مستسلمة لقدرها، راضية بما قسم لها، لكي تنقذ أبناء بلدها وتوفر لهم ماء الشرب.

    ولكن الفتى أصرّ على المضي في إثرها، وأكد لها أنه سيعمل على إنقاذها من ذلك المارد، ثم طلب إذا بلغت النبع ألا تتقدم أكثر، وأن تطلب من المارد أن يبرز لها بدلاً من أن تمضي هي إليه. وهكذا أخذت ست الحسن تتسلق الجبل، حتى بلغت النبع، فناداها المارد أن تقدمي أكثر فأكثر، ولكن ست الحسن ردّت عليه تطلب منه أن يبرز لها، وما إن برز المارد حتى أسرع الفتى محمد فغرس خنجره في قلبه، فخر المارد صريعاً.

    ورجعت ست الحسن إلى أمها وأبيها، وظن أهل البلدة أن ست الحسن قد خافت المارد، ورجعت، كما خافوا أن يحرمهم المارد من الماء، ولكن ست الحسن أكدت لهم أن المارد قد قتل، فلم يصدقوا، وانتظروا إلى الصباح، فإذا الماء يجري صافياً كالسلسبيل.

    ففرح الملك والملكة، كما فرح أهل البلدة جميعاً، إذ تخلصوا من ذلك المارد، وأقيمت الولائم، وأعلن الملك أنه سيزوج ابنته من قاتل المارد.

    وأخذ كل واحد من فرسان القصر يدعي أنه هو قاتل المارد.

    ولمّا سأل الملك ابنته إن كانت تعرف قاتل المارد، أجابته أنها تعرفه إذا ما رأته، وطلبت منه أن يسمح لها بالقعود في شرفتها، وما على مدّعي قتل المارد إلا أن يمروا تحت الشرفة للتعرف على القاتل الحقيقي منهم.

    وهكذا أخذ الفرسان والشباب بالمرور تحت الشرفة، وهي تنكر أن يكون أي منهم هو القاتل، إلى أن مرّ الفتى محمد، وعندئذ أشارت إليه أنه هو.

    وهكذا زفت ست الحسن إلى الفتى محمد، ليودع إلى الأبد حياة البؤس والشقاء والفقر، وليعيش مع ست الحسن طول العمر في هناء وسرور.






    الزيت والقرد



    أراد أحد الأشخاص أداء فريضة الحج مع زوجته، وكان عنده في الدار عشر صفائح مملوءة زيتاً، حار في أمرها، أين يخبئها، إذ كان يخشى عليها من اللصوص، وكان أداء فريضة الحج في تلك الأيام يستغرق أشهراً، لسفرهم على ظهور الإبل، وأخيراً قرر الرجل أن يودع صفائح الزيت عند جاره أمانة.

    ولما رجع من الحج، طلب من جاره أن يرد له صفائح الزيت، فقال له الجار، هي هناك في القبو، انزل وخذها، وحمل الرجل الصفائح إلى داره، وشكر لجاره أمانته، ثم بعد يوم أن يومين احتاج إلى إحدى الصفائح ففتحها، فوجدها مملوءة ماءً لا زيتاً، وفتح الثانية فالثالثة فالرابعة، وهكذا فتح الصفائح كلها، فوجد فيها ماءً لا زيتاً، فأسرع إلى جاره يسأله عن الزيت؟ فأكد له الجار أنه لايعرف من أمر الصفائح شيئاً، ولعل الزيت فيها انقلب إلى ماء، وكل شيء قابل للتغير. فعرف أن جاره قد خدعه، فقرر أن ينتقم.

    ومضى الرجل إلى السوق، فاشترى قرداً صغيراً، ثم أدخله إلى منزله خفية، وخبأه في إحدى الغرف، فقيد القرد في زاوية منها، وحمل عصا، وأخذ يضربه بها أشد الضرب، ثم تركه وخرج إلى السوق فاشترى ثياباً كثياب جاره، ثم اشترى بعض الموز، واصطنع هيئة جاره، ودخل على القرد، ففك قيده، ثم أخذ يداعبه ويطمعه من الموز.

    وظل الرجل على هذه الحال أياماً، يدخل على القرد بثياب كثياب جاره، فيطعمه ويعنى به، ثم يدخل عليه بثيابه هو نفسه ويأخذ في ضربه وتعذبيه.

    وكان للجار ولد وحيد، وكان كثيراً مايأتي هذا الولد إلى دار الرجل ليلهو في فنائها ويلعب، فانتظر الرجل حضور ابن جاره، فاختطفه، وخبأه في غرفة أخرى، وافتقد الجار ولده، فأخذ يسأل عنه، ثم قرع على الرجل الباب وسأله إن كان قد رأى ولده، فأخبره أن الولد جاء إلى الدار كعادته كل يوم، وأنه تركه منذ قليل في إحدى الغرف وهو يلعب، ثم دعاه إلى الغرفة التي فيها القرد، وقال له مطمئناً: “تعال خذ الولد”، ودخل معه الغرفة، وما إن رأى القرد الجار حتى قفز إليه، وتعلق بثيابه، فدهش الجار وسأل: “ماهذا؟”، فاصطنع الرجل الدهشة وقال: “لاأعرف، تركت الولد منذ قليل هنا” وصمت قليلاً، ثم أضاف: “ولكن، لعله تحوّل إلى قرد، ألم تقل أنت إن كل شيء قابل للتحول والتغير”.

    وأدرك الجار عندئذ غرض الرجل، فاعتذر إليه، وأكد له أنه سيدفع له ثمن الزيت أضعافاً على أن يرد إليه ولده.

    وأشفق الرجل على جاره، فردّ إليه ولده، وسامحه في ثمن الزيت، على شرط أن يحفظ الأمانة ويرعاها.






    الصياد والمارد



    على شاطئ البحر، كان يعيش صياد فقير، مع زوجته وأولاده، وكان عاثر الحظ، يصطاد في اليوم بضع سمكات، وفي عشرة أيام يكاد لايصطاد شيئاً.

    وذات يوم رجع إلى البيت لا يحمل سوى شبكته الفارغة، فمرّ بالخباز، وطلب منه بضعة أرغفة، ووعده أن يعطيه في الغد كل ما يصطاده، ولكن الخباز أبى، بل سخر منه وقال له: “لعلك لا تصطاد شيئاً، فأنا أعرفك، أنت عاثر الحظ”.

    وكانت زوجته وأولاده في انتظاره ولكنّ الجميع اضطروا إلى النوم من غير عشاء.

    وفي الصباح خرج الصياد إلى البحر، يحمل شبكته على كتفه، وفي الطريق صادفه رجل يحمل سلة فيها بعض الفاكهة، عرضها عليه، فاعتذر إليه الصياد، وقال له أنا لم أصطد بما أشتري به الخبر، فكيف أشتري الفاكهة؟ فقال له الرجل:" بل الفاكهة لك، سواء اصطدت أو لم تصطد” وحاول الصياد الاعتذار ثانية، ولكن الرجل ألح عليه، وأكد له أن خير الله كثير وأن لكل امرئ نصيبه من الرزق.

    وأخذ الصياد سلة الفاكهة، وتابع طريقه إلى البحر، حيث ألقى الشبكة، وقعد ينتظر، ثم سحبها، فأحس بها ثقيلة فسحبها بقوى أكبر، وإذ في الشبكة مارد، يخرج ليقول له “إذا تركتني أغنيك”، فتركه الصياد فناوله المارد دنانير ذهبية، ثم طلب منه سلة الفاكهة، فأعطاه الصياد إياها، فشكره المارد، وقال له: “إذا أتيتني كل يوم بمثل هذه الفاكهة، أعطيتك مثل هذه الدنانير، ولكن بشرط ألا يعرف أحد ما بيننا من أمر”، فوعده الصياد ومضى إلى السوق، فاشترى لزوجته وأولاده أطايب الطعام.

    وهكذا صار دأب الصياد، يحضر كل يوم للمارد بعض الفاكهة، فيعطيه بعض الدنانير فيشتري لزوجته، وأولاده الطعام والثياب، وقد صلح حاله، وطاب له العيش.

    وأحست زوجة الصياد تبدل الحال، ورأت جود زوجها وكرمه، بل إسرافه، فداخلها الشك، كيف ينقلب زوجها بين عشية وضحاها، فيصبح على هذه الحال من الغنى واليسر: أيعقل أن يكون الصيد وحده هو مورد ذلك الخير كله؟ وماكان منها إلاّ أن أرسلت ابنتها ذات يوم إثر أبيها، وأوصتها أن تتبعه من غير أن يحس بها، ولما رأت البنت المارد يأخذ من أبيها سلة الفاكهة ويناوله الدنانير أسرعت إلى أمها تخبرها بالأمر، وأخذت الزوجة تنشر الخبر بين الجيران.

    وفي صباح اليوم التالي ذهب الصياد إلى البحر كعادته، وهو يحمل شبكته، ثم مرّ ببائع الفاكهة، فاشترى سلة ملأها بأطيب الأنواع، ومضى إلى البحر، وجلس على الشاطئ وأخذ ينادي المارد، وظل ينادي وينادي، ولكن ما من مجيب.

    ورجع الصياد إلى البيت، يحمل سلة الفاكهة، وفور دخوله سألته زوجته: “لماذا رجعت بالفاكهة، ألم يظهر لك المارد هذا اليوم؟” فأدرك الصياد أن زوجته قد عرفت سرّ المارد، وأن المارد لن يظهر له بعد اليوم، وليس له إلا أن يعود إلى حياة البؤس والشقاء.




    بنت الداية



    كان لإحدى القابلات بنت وحيدة، تعنى بتربيتها، وتسهر عليها، ولكنها تضطر دائماً إلى تركها وحدها، بحكم عملها، ولذلك كانت توصي بها بنات الجيران، ليزرنها في غيبتها، ويساعدنها في أمور البيت.

    وذات يوم تركتها كعادتها مع بنات الجيران، فأخذت تمرح معهن وتلهو، ولكن فجأة خرج لهن من زاوية في المنزل غول كبير ففزعت البنات وهربن، وبقيت بنت الداية وحدها، فأخذت تصيح منادية جارها النجار، فسمع الصوت، فأسرع إليها، ولما رأى الغول بادره بضربة من المطرقة التي كانت في يده فقتله ثم وضعه على ظهر حمار، وتركه ليمضي به إلى أخوات الغول السبع، ولما رأت الغولات الحمار مقبلاً، فرحن به، وتوقّعن أن تكون بنت الداية هي القتيل الملقى على ظهر الحمار، ولكن تبين لهن أنه لم يكن سوى أخيهن الغول، فحزنت الغولات، وقررن الإنتقام.

    وفي صباح اليوم التالي قدمت الغولات إلى منزل الداية، وهن متنكرات، وخطبن ابنتها إلى أخيهن، فوافقت الداية من غير أن تعرف من أمرهن شيئاً، ووعدنها أن يرجعن بعد أسبوع لأخذ العروس معهن، وقد ادّعين أن أخاهن يعمل في بلاد بعيدة، وقد أغرين الأم بالأموال الكثيرة.

    وهكذا حضرت الغولات بعد أسبوع، فودعت البنت أمها، ومضت بها الغولات، وبينما هنّ في زحمة السوق، أحسّت ابنة الداية أن الأمر ليس طبيعياً، فغافلت الغولات وهربت منهن، ولجأت إلى النجار، وطلبت منه ألا يخبر أحداً بأمرها، حتى أمها، كي لاتعود الغولات إليها، ثم رجته أن يصنع لها ثوباً من الخشب.

    وارتدت ابنة الداية ثوبها الخشبي وخرجت به لا تعرف أين تذهب، حتى قادتها خطواتها إلى قصر الملك، فقعدت تحت سوره تأكل مما يلقى من فضلات، وتنبهت إحدى الجواري في القصر إلى هذا الكائن الخشبي، الذي يمشي ويتحرك ويعيش في ظل القصر، فأسرعت إلى الملكة تخبرها بأمره، فطلبت منها إحضاره.

    واقتادت الجارية بنت الداية في ثوبها الخشبي إلى الملكة، فعجبت لأمر هذا الكائن، وسمته “خشيبان”، ثم أذنت له أن يعيش في حديقة القصر، ليسهر على الإوزات، ويعنى بها.

    وكانت الملكة تنزل صباح كل يوم إلى حديقة القصر، بصحبة جارية لها، فتقعد بجوار البركة، وتمضي في تأمل الإوزات، لتسلي نفسها، ثم يغلبها الحزن، فتبكي، نادبة ابنها الأمير، وهنا تتدخل الجارية، فتدعوها للعودة إلى القصر.

    وقد لاحظت بنت الداية ذلك، ولكنها لم تستطع أن تعرف حقيقة ذلك الأمر، كما لاحظت أن الجارية نفسها كانت تتسلل كل ليلة خلسة وتمضي إلى كوخ بعيد في حديقة القصر، وتقضي بعض الوقت هناك، ثم ترجع إلى القصر خلسة.

    وذات يوم تسللت بنت الداية في إثر الجارية، وتبعتها إلى حيث الكوخ، ثم اختبأت وراء الباب فرأتها تدخل على فتى مقيد اليدين، تقدم له بعض الطعام، ثم تخرج.

    وفور خروج الجارية من الكوخ دخلت بنت الداية، وهي في ثوبها الخشبي، فسألت الفتى من يكون، فأخبرها انه ابن الملك، وأن الجارية اختطفته وخبأته في هذا الكوخ الذي لايتوقع أحد أن يكون فيه، انتقاماً من أبيه الملك، الذي كان قد قتل زوج الجارية، فوعدته بنت الداية بالمساعدة، وخرجت من غير أن يعرف من تكون.

    وذات يوم ذهبت الملكة إلى الحمام، فاصطحبت معها جاريتها، فاهتبلت بنت الداية الفرصة، فأسرعت إلى الكوخ، ففكت قيد الأمير، ونصحت له أن يدخل القصر خلسة، وأن يختبئ في غرفة أمه، لتكون المفاجأة سارة، كما أوصته ألا يبوح لأمه بحقيقة أمره، وألا يخبرها بمن أطلقه.

    وقد حصل هذا كله والأمير لا يعرف حقيقة “خشيبان” إذ كان يظنه خادماً من خدم القصر، اتخذ لنفسه هذا الثوب الخشبي.

    ورجعت الملكة من الحمام، ودخلت غرفتها، فسرت كثيراً عندما رأت ولدها الأمير عائداً إليها، وألحت عليه أن يخبرها بما كان من أمره، فلم يفعل.

    وكان من عادة بنت الداية “خشيبان”، أن تخلع كل ليلة ثوبها الخشبي، وتستحم في بركة القصر، ثم تنتحي جانباً لتنام. وذات ليلة، بينما هي تخلع ثوبها الخشبي، كان الأمير يتجول في حديقة القصر، فرآها، فاختبأ وراء إحدى الشجيرات وقد أذهله جمالها، وعرف أنها هي التي أنقذته.

    وفي صباح اليوم التالي أخبر أمه عن رغبته في الزواج، فسرّت الملكة كثيراً، ووعدته أن تبادر إلى الخطبة له ، فأخبرها أنه يريد الزواج من “خشيبان”، فدهشت الأم، ولكنه عندما أخبرها بالحقيقة سرت كثيراً، وعندئذ حكى لها ما كان من أمر الجارية، فأمرت بسجنها.

    وهكذا تزوجت بنت الداية من ابن الملك، ودعت أمها لتقيم معها في القصر، وعاش الجميع في سعادة وسرور.




  6. #21
    التسجيل
    31-01-2005
    المشاركات
    142

    مشاركة: مكتبة الحكايات الشعبية




    الحلاق



    يحكى أنه كان في أحد البلاد حلاق فقير الحال، حسن الأخلاق، ورث مهنة الحلاقة عن أبيه وجده، فكان يتقنها أيما إتقان.

    وذات يوم دخل عليه رجل غريب، فقص له شعره، وحلق له لحيته، ورش له العطور، فأعجب به الغريب، وأجزل له العطاء، وأخذ يتردد عليه كل يوم، ليحلق ذقنه، وفي كل يوم يعطيه، ويضاعف له في العطاء.

    ودخل الغريب على الحلاق يوماً وهو يأكل، فحياه، فرد عليه، ولم يدعه إلى مشاركته في الطعام، فدهش الغريب، وسأله عن سبب عدم دعوته إياه، فأجاب بأنه لا يريد أن يكون بينهما خبز وملح، حتى لا يتحمل أحد منهما تبعة ذلك، وما يقتضيه من تضحية ووفاء، ولكن الغريب أنكر الأمر، وأكد رغبته في مشاركته الطعام، ثم أخذ يأكل معه.

    ومرت الأيام، والصلة تزداد بين الرجلين قوة، حتى إنهما أخذا يأكلان معاً، ويمضيان معاً أوقاتاً طويلة.

    ثم انقطع الغريب عن الحلاق يومين أو ثلاثة، فقلق وتمنى لو يعرف بيته، ليزوره، ثم دخل عليه الغريب، ذات يوم شاحب الوجه، ذاوي العود، بادي الهم، كاسف البال، فأسرع إليه الحلاق ويسأله عن حاله، فأجاب بأنه رأى في الطريق امرأة بهره جمالها، فوقع في هواها، ولا شفاء له إلا بالزواج منها، فطمأنه الحلاق، ووعده بالمساعدة، ثم سأله إن كان يعرف دارها، فأجاب الغريب أن نعم، فما كان من الحلاق إلا أن أغلق دكانه، وطلب من الغريب أن يدله على بيتها، ليسعى له في الزواج منها.

    وسار الغريب، والحلاق يسير إزاءه، وإذا هو يتجه إلى الحي نفسه الذي يسكن هو فيه، ففرح الحلاق بذلك، واستبشر، وتمنى أن تكون المرأة ممن يعرف من الجيران، كي يستطيع التوسط لدى أهلها، ليزوجوها من صاحبه.

    ولكن قلب الحلاق خفق فجأة، وامتقع لونه، وكاد يغشى عليه، فقد أشار الغريب إلى بيته هو نفسه، ولما سأله عن ملامح المرأة، وصفاتها، أجابه الغريب بما يؤكد أن المرأة هي زوجته نفسها، فغالب الحلاق انفعاله، ثم طمأن الغريب إلى إمكان تحقيق مرامه، ووعده بالمساعدة، ثم ودعه، ورجع إلى بيته، وقد اسودت الدنيا في عينيه.

    ولما دخل الحلاق على زوجته، طلب منها أن تهيّئ نفسها وولديها للذهاب إلى أهلها، وعند أهلها أعلن أن الديون تراكمت عليه، وأنه لا سبيل إلى وفائها إلا بالرحيل إلى بلد آخر للعمل فيه، ثم أكد عزمه على طلاق زوجته، فدهشت لذلك زوجته، وتوسلت إليه ترجوه أن يصحبها معه، أو أن يتركها إلى أن يعود، ووعده أهلها بمساعدته، ولكنه رفض إلا الطلاق، ثم ودّع ولديه، وهما يبكيان ويتعلقان به، وخرج، وقد طلق زوجته.

    وفي اليوم التالي باع الحلاق داره، وقرر أن يتخذ من دكانه مأوى له، يأكل فيه وينام، ولما دخل عليه الغريب، يسأله عن مساعيه، أظهر الجلد، وأجابه بأن زوج المرأة قد توفي عنها منذ مدة قريبة، ولابد من الانتظار حتى انقضاء مدة العدة.

    وتكدر عيش الحلاق، وأصبح في أسوأ حال، شحب لونه، واصفر جلده، وعلاه الاكتئاب، ولكنه كان لا يبدي من أمره شيئاً، ولاسيما أمام صاحبه الغريب.

    وبعد انقضاء مدة العدة مضى الحلاق إلى أهل مطلقته، وأخبرهم أنه ينصح لها بالزواج من صاحب له يعرفه، كي يضمن لها السعادة، ويكفل لولديه حسن التربية، وأخذ يزكي صاحبه، ويشيد بأخلاقه الحميدة، فدهش الأهل لسعيه، وأنكروه، ولكن ظل يحاورهم، حتى أقنعهم بالأمر كله.

    ثم أخذ الحلاق يساعد صاحبه الغريب، ويعينه على تجهيز نفسه للزواج، فينزل معه إلى السوق لشراء الأثاث والثياب والهدايا، ولا يتردد في تقديم النصح والمشورة، وصاحبه الغريب يسأله عن الأمور كلها، ويستعين به على قضائها، إلى أن كان الزفاف، فأرسل الحلاق إلى صاحبه مع أحد الخدم هدية الزواج.

    ومرت الأيام، والغريب هانئ بزواجه، وهو ما يفتأ يزور صاحبه كل يوم، ليعرب له عن سروره بالزواج، واطمئنانه إلى زوجته، وسعادته بها، ويشكر له مساعيه، والحلاق يتميز قهراً وألماً، ولكنه يكظم ما بنفسه ويكتمه.

    وذات يوم دخل الغريب على الحلاق ليخبره بعزمه على الرحيل إلى بلاده، واصطحابه زوجته وولديها من الزوج السابق، ثم كرر شكره له على مساعيه، ودعاه إلى زيارته في بلده، وودعه، فعانقه الحلاق، والدموع تتفجر من مآقيه.

    وفي اليوم التالي لمغادرة الغريب البلد، باع الحلاق دكانه، وأدوات الحلاقة، وقرر أن يسوح في البلاد، فقد عز عليه المقام.

    وأخذ الحلاق ينتقل من بلد إلى بلد، ضائق النفس، كاسف البال، شارد اللب، لا يلوى على شيء، ليله حزن، ونهاره اكتئاب، حتى بلغ بلد صاحبه الغريب، فقصد إليه، فوجده في محل للتجارة، وهو في أفخم حال، وأبهى مظهر، فرحب به صاحبه خير ترحيب، وتعجب لحاله، ثم دعاه إلى منزله فاعتذر، ووعده أن يزوره كل يوم في متجره، وعرض عليه مبلغاً من المال يساعده به، فأبى أن يأخذ شيئاً.

    وأخذ الحلاق يتردد كل يوم على متجر صاحبه، يقعد عنده ساعة أو بعض الساعة، ثم يمضي ليتوه في دروب البلدة، مشرد الخطا، تائه الفكر.

    وذات يوم، وهو قاعد مع صاحبه في متجره، دخل ولدان إلى المتجر، ما إن لمحاه، حتى أسرعا إليه، وهما يهتفان: “بابا، بابا”، وارتميا في حجره، وحاول الحلاق أن يشيح عنهما بوجهه، ولكن عاطفة الأبوة غلبته، فعانقهما وهو يبكي.

    وبهت الغريب لما رأى، فسأل صاحبه الحلاق تفسير ذلك، فلم يجب بشيء، ونهض يهم بالانصراف، ولكن صاحبه أقسم عليه إلا أن يطلعه على حقيقة الأمر، فروى له الحكاية من أولها إلى آخرها.

    ودهش الغريب لما سمع من الحلاق، ثم اعتذر إليه، وأسف لما كان منه، وآلى عليه إلا أن يصحبه إلى بيته، وهناك عرض عليه الزواج من أخته، فوافق.

    وخلال أيام، تم زواج الحلاق من أخت صاحبه الغريب، وقد اشترى له داراً، ورد عليه ولديه، وأوصى أخته بهما خيراً، وجعله شريكاً في متجره، وتنازل له عن نصف أمواله.

    ولكن الحلاق لم يكن له طمع في شيء من المال، وقد اطمأنت نفسه بعض الاطمئنان إلى ما صار إليه، فرأى أن يعود إلى بلده، فحمل زوجته وولديه، وودع صاحبه، ورجع إلى بلده، واشترى لنفسه دكاناً فيه، وعاد إلى عمله القديم.






    المال والبنون



    كان لرجل عجوز ثلاثة أبناء، أفنى عمره في تربيتهم، والعمل على إسعادهم، وقد سعى إلى تزويجهم جميعاً، ثم قسم فيهم أمواله، كي يباشر كل واحد منهم حياته مستقلاً، وأبقى الرجل لنفسه داراً صغيرة، أقام فيها وحده، يمضي فيها بقية عمره، قانعاً بالقليل، هانئاً بقيامه بواجبه نحو أولاده، وقد تمنى عليهم أن يزوروه بين حين وحين، كي يسعد برؤيتهم.

    ولقد أخذ الأولاد بالتردد على أبيهم، كما أوصاهم، ولكن مع الأيام زادت مسؤولية كل واحد منهم، كما زاد اهتمامه بالحياة، واشتغاله بها، فقلّت زيارتهم لأبيهم، ثم نسوه، حتى بات وحيداً، وهو الذي قسم فيهم ما كان يملك من أموال، وما هي إلا سنة أو سنتان، حتى قل ما ادخره لنفسه، وبات مهدداً بالجوع والحرمان، فحار في أمره، ولم يجد ما يفعل؟! فقصد أولاده واحداً واحداً، يسألهم عن أحوالهم، من غير أن يبدي لهم شيئاً من الضيق، فأبدوا كثيراً من الجفاء، فلما عاتبهم في إهمالهم إياه، أنكروا عليه ذلك، ولاموه، إذ يكفيهم -كما ادعوا- ما هم فيه من مسؤولية، وانشغال بأسرهم وأحوالهم.

    ورجع الأب من لقاء أولاده مخذولاً، نادماً على تفريطه بما كان لديه من مال، آسفاً على ما كان له من عزّة وجاه، ومضى إلى بيته، لا تحمله قدماه، من الحزن والألم، وقبع في ركن داره، يقتصد في طعامه وشرابه، وهو في كرب وضيق، والأيام تمرّ به قاسية مؤلمة، حتى أمسى في أسوأ حال، فقد بلي ما كان عنده من ثياب، وكاد ينفد ما بقي لديه من مال، وهزل جسمه، وتغير لونه، ودب فيه العجز، فلم يجد بداً من أن يقصد أحد أصحابه، ليجد شيئاً من العزاء، والنصيحة.

    وحين لقيه صاحبه، ورأى ما صار إليه من حال، عاتبه ولامه على تفريطه بأمواله ثم نصح له أن يعمد إلى أرض غرفته، التي هو فيها، فيحفر فيها حفرة، ثم ينزل فيها جرة فارغة، ويجعل فوهتها مع مستوى الأرض، ثم يرمي فيها ما يكنسه كل يوم من أرض الغرفة، وفناء الدار، من غبار وتراب، حتى إذا امتلأت، إلا قليلاً، سد فوهتها بالاسمنت، وغطاها بالحصير، ووعده صاحبه أن يزوره، حين تمتلئ، ليخبره بما يجب عليه فعله، بعد ذلك.

    ورجع الأب إلى بيته، وقام على الفور بتنفيذ ما نصح له به صاحبه، ولم تمض بضعة أيام، حتى امتلأت الجرة، أو كادت، بما كان يرميه فيها من غبار وتراب، مما يكنسه من فناء الدار، فسد فوهتها، وغطاها بالحصير، وقعد ينتظر صاحبه.

    ولما زاره صاحبه، عرض عليه ما فعل، ففرح بذلك، وأخبره أنه سيمر بأبنائه واحداً واحداً، ليؤكد لهم أن أباهم مازال بخير، وأنه يملك من المال أكثر مما أعطاهم، وأنهم قصروا في حقه تقصيراً، ثم نصح لصاحبه أن يتوقع زيارتهم، وطلب منه أن يعمد إلى الحصير، فيكشف طرفها أمام أبنائه، واحداً واحداً، وينقر على موضع الجرة، ليوهمهم لأنه مازال يملك قدراً جيداً من المال، قد خبأه في هذه الجرة، وأنه لهم، إن هم عنوا به.

    وفي اليوم التالي دُقّ الباب، فأدرك على الفور أن القادم ابنه، فرحب به، وقاده إلى غرفته، وكان الولد مدفوعاً بطمع شديد، إلى معرفة ما يملك أبوه، فبعد قليل من السؤال عن الصحة والحال، والاعتذار عما كان من تقصير، سأل أباه إن كان في حاجة إلى شيء، فاتنفض الأب غاضباً، وأكد أنه بخير، وليس بحاجة إلى أحد، ثم رفع طرف الحصير، عن موضع الجرة، ونقر عليها، فرنت رنيناً، فقال له:

    "أتسمع؟ إني ماأزال أحتفظ بجرة من المال."

    فطمع الولد، ورغب في أن يحظى بالجرة، دون إخوته، أو بأكبر قدر مما فيها، فبادر إلى إرسال زوجته، لتكنس لأبيه البيت، وتسهر على رعايته، وتحمل له الطعام، وبدأ يزوره كل يوم.

    وفي اليوم الثاني، زاره ولده الثاني، فكان مثله مثل أخيه، وكذلك كان شأن الولد الثالث، ومنذئذ أخذ الأولاد يهتمون بأبيهم، ويعنون به أشد العناية، بدافع من الطمع بماله.

    وذات يوم زاره صديقه، ليطمئن عليه، فرآه في أحسن حال، وهو في ثياب جديدة نظيفة، بيته مفروش ومكنوس، والطعام عنده كثير، ومظاهر النعيم بادية عليه، فهنأه، بما هو فيه، على حين شكر الرجل لصاحبه نصيحته.

    وهكذا أمضى الأب بقية عمره، هانئاً باهتمام أولاده به، حتى وافته المنية، فأسرع أولاده في تجهيزه ودفنه، وباتوا ينتظرون مضي يوم أو يومين، حتى يقتسموا ما في الجرة، ولما كان اليوم الثالث، بادروا إلى إخراجها، وهمّوا بكسرها، ولكن بدأت علائم الاختلاف تظهر عليهم، فكل واحد يدعي أنه عني بوالده أكثر من الآخر، وأن من حقه أن يحظى بقدر أكبر مما في الجرة، وبينما هم في خلاف ونزاع، دخل عليهم صديق أبيهم، وكان يتوقع ذلك منهم، فباغتهم، فخجلوا، ثم اعترفوا بما هم فيه من خلاف، وسألوه رأيه، فنصح لهم أن يلجؤوا إلى شيخ في البلدة، كي يقسم الجرة فيهم.

    ومضى الأولاد إلى الشيخ، فحدثوه عن أمرهم، فوعدهم أن يأتيهم في المساء، ليقسم الجرة فيهم، ثم مضى إلى السوق، فاشترى أمتاراً كثيرة من القماش، ولما كان المساء، ذهب إلى الأولاد، يحمل ما اشترى، وهو يتوكأ على عصا غليظة، ولما دخل عليهم أخبرهم أنه سيضع الجرة على رأسه، وأن كبيرهم سيضربها بعصاه، وليس لهم بعدئذ سوى أن يلتقطوا ما في الجرة، وقد تناثر على الأرض، ولكل واحد منهم ما يستطيع التقاطه، وامتعض الأولاد من طريقة الاقتسام، ولكنهم رأوا لا مفر لهم من القبول.

    ولجأ الشيخ إلى القماش، فلفه على رأسه، طمعاً في أن يحظى بقدر أكبر مما سيتساقط من الجرة، فإذا حول رأسه لفة عريضة جداً، كان الأولاد ينظرون إليها مستائين، ثم وضع الجرة على رأسه، ودعا الأولاد إلى التحلق حوله، ثم ناول عصاه إلى كبيرهم، وأمره بضرب الجرة، فحمل الكبير العصا، ولوَّح بها، ثم ضرب الجرة ضربة عنيفة، فانفجرت، وتناثر ما فيها، من تراب وغبار، ملأ الغرفة، وسد على الأولاد والشيخ العيون والأنوف والآذان، فعلا الصراخ والسعال واللغط والضجيج، ومضوا يبحثون عن الباب، وبعضهم يصطدم ببعض، وكان آخر من خرج الشيخ، فقد كان أكثرهم حظاً مما في الجرة.

  7. #22
    التسجيل
    31-01-2005
    المشاركات
    142

    مشاركة: مكتبة الحكايات الشعبية




    ابن الحطاب



    يحكى أن رجلاً فقيراً ذا عيال كثير، كان يخرج كل يوم إلى الجبل، فيحتطب، ثم ينزل إلى السوق، فيبيع حمل حطب، ليوفر لعياله قوت يومهم.

    وذات يوم، وهو راجع من الجبل، استوقفه ولد مشرد، رث الثياب، زريّ الهيئة، رجاه ان يتخذه ابناً له، فانصرف عنه الرجل، ولم يبال به، إذ يكفيه ما عنده من أولاد، وما هو فيه من فقر وبؤس.

    ومرة أخرى، في يوم آخر، استوقفه الولد، وألح عليه، يرجوه أن يتخذه ابناً، فرقّ له قلبه، ولكنه ذكر عياله وفقره، فانصرف عنه، ولما وصل البيت روى لزوجته ما كان من أمر الولد المشرد، فأنكرت عليه إعراضه عنه، ورجته أن يحضره معه، إذا رآه مرة أخرى، وأكّدت له أنه سيكون لهما بمثابة الولد، وستكون له منزلته في سائر أولادهما، ولن تثقل عليهم مؤونته، فهو واحد في عيال كثير.

    ومرة ثالثة رآه الولد المشرّد، فتوسل إليه أن يتخذه ابناً، فعطف عليه الرجل، وأخذه إلى البيت، وانضم الولد إلى عيال الرجل، ففرحوا به، كما فرح بهم، واطمأن به المقام، وقد أصبح له الرجل أباً، وزوجته أماً، والأولاد إخوة.

    وذات يوم خرج الولد إلى السوق ليشتري حاجة للمنزل، فسمع بعض الرجال يتحاورون همساً، فأصغى إليهم خلسة، فسمعهم يتحدثون عن خزينة الملك، وامتلائها بالأموال، كما سمعهم يذكرون موضعها والحراس الذين يحرسونها، وطريقة الوصول إليها، وكأنهم يعدون العدة لسرقتها، فرجع إلى البيت، وقد بيّت في نفسه أمراً.

    ولما كان المساء، هيأ سلماً من حبال، وقصد قصر الملك، فتسوره، ووصل إلى الخزينة، فسرق منها مبلغاً كبيراً، ورجع إلى البيت بأمان، وفي الصباح أعطى المال لأبيه، وطلب منه أن يشتري لإخوته الطعام والثياب، ورجاه أن يترك الاحتطاب.

    وذهل الملك لسرقة الخزينة، فجمع وزراءه، ورجال قصره، وعرض عليهم الأمر، وأخذ يستفتيهم فيه، ويسألهم طريقة الوصول إلى السارق، وبعد تشاور تم الاتفاق على إرسال ناقة مشهود لها بقدرتها على اقتفاء الأثر، بتتبعها ريحه لتهديهم إلى السارق.

    وكان الولد قد خرج إلى السوق، وأخذ يصغي إلى كلام الناس، فعرف أن الملك سيرسل ناقة تقتفي أثره، فأعد للأمر عدته، ولما صارت الناقة قريبة من داره، غافل الحراس، وأدخلها إلى الدار، فذبحها، وألقى بمعظم لحمها في بئر، وترك بعضه، ودعا أمه وأباه وإخوته إلى اشتواء اللحم وتناوله.

    ولما كان المساء قصد الولد قصر الملك، فتسوّره، وسرق من خزينته مبلغاً آخر، وترك في موضعه لسان الناقة، ثم رجع إلى بيته بسلام، على الرغم من كثرة الحرّاس.

    وفي الصباح غضب الملك غضباً شديداً، وشاور الوزراء في الأمر، فأشاروا عليه بإرسال عجوز تستطلع الأمر، وأخذت العجوز تطوف بالبيوت، وتحاول بدهائها ومكرها وحيلتها أن تقف على السارق، ولما بلغت بيت الحطاب كان الولد في الخارج يلعب مع إخوته، وقد استقبلتها الأم، وهي لا تدري من أمرها شيئاً، وأخذت العجوز تروي للأم أن ابنتها في الوحام، وهي في قرم إلى اللحم، وأخذت تذكر الملك، وتنعى عليه، وتذكره بالسوء، لأنه منع الذبح، وحرم بيع اللحم، فعطفت عليها الأم، ورقّت لحالها، وأخبرتها أن اللحم عندها كثير، ثم أخرجت لها قطعة من البئر، وقدمتها إليها، ففرحت العجوز، وأدركت أنها ظفرت بالسارق، ولكن الولد فاجأها قبل أن تخرج من الدار، وأدرك الخطر الكامن وراءها، فعالجها بضربة على رأسها، ثم رمى بها وبقطعة اللحم في البئر.

    ولما كان المساء قصد قصر الملك، وتسوره، وسرق مبلغاً من خزينته، وعاد إلى بيته بسلام.

    وفي الصباح رأى الملك الخزينة وقد سرقت، فقرر أن يضع في الطريق إلى الخزينة، وعاء كبيراً، فيه زيت مغلي، وفي المساء عزم الولد على المضي إلى القصر، فطلب منه أبوه أن يصحبه معه، وأراد الولد أن يعتذر عن ذلك، ولكن الأب ألح وأصر، فاضطر الولد إلى القبول، وذهبا إلى القصر معاً، وكان الأب في حالة عظيمة من الذعر والخوف، وما إن خطا داخل القصر خطوة، حتى تعثرت قدمه، ووقع في الزيت المغلي، وبادر الولد إلى الفرار.

    وفي الصباح فرح الملك بسقوط الرجل في الزيت المغلي، وقد ظنه السارق، وأمر بتعليق جثته في ساحة المدينة، وأعلن أنه لن يسمح بدفنه، وأن كل من يبكي عليه يشنق إلى جانبه.

    وحزنت الأم لفقد زوجها، كما حزن الأولاد جميعاً، وزاد في حزنهم قرار الملك، ولكن الولد حاول أن يسرّيَ عنهم، ووعدهم أن يمكّنهم من البكاء عليه، وأن يساعدهم، على دفنه.

    ومضى الولد إلى السوق، فاشترى حماراً، وحمله بكيس مليء بالجوز، ثم طلب من الأم أن تذهب إلى ساحة المدينة، مع الأولاد، وأن تقود الحمار، حتى إذا بلغت جثة زوجها، دفعت الكيس، وتركت الجوز يتدفق على الأرض، ويمكنها عندئذ أن تبكي، هي والأولاد، ماشاء لهم البكاء، بل أن تصرخ وتندب: “يا جوزي، يا جوزي، ضاع جوزي”.

    وفعلت المرأة ما أشار عليها به الولد، وتمكنت من رؤية جثة زوجها، والبكاء عليه، هي والأولاد، ثم عادوا جميعاً إلى البيت سالمين.

    وفي المساء ارتدى الولد ملاءة، وتنكر في زي امرأة، وحمل زق خمرة، ومضي إلى الجند الذين يحرسون جثة أبيه، فتعرض لهم بوصفه امرأة، وأخذ يغريهم بشرب الخمرة، ويمنيهم بالمتع، حتى إذا سكروا، تركهم ومضى، فتبعوه، فأخذ يراوغهم في الأزقة والمنعطفات، وحتى أضاعوه، فأسرع إلى جثة أبيه، فحملها، ومضى إلى البيت، وقام مع أمه وإخوته بدفنها.

    وقبل أن ينقضي الليل مضي إلى القصر، فسرق خزينة الملك، ورجع إلى البيت، وفي الصباح علم الملك بالأمر كله، فثار غضبه، وأخذ يبحث عن طريقة للإيقاع بالسارق، وقد لاحظت ابنته ما هو فيه من غضب، فتطوعت للكشف عن السارق بنفسها.

    وأخذت ابنة الملك تطوف بالبيوت متنكرة، تستقصي الأخبار، وتحاول سماع ما يهديها إلى السارق، حتى بلغت دار الولد، فأكرمتها أمه، وقدمت لها أطايب الطعام، وفيه اللحم الكثير، فأدركت ابنة الملك على الفور أنها في بيت السارق، فما كان منها إلا أن شكرت الأم على ضيافتها، وودعتها وخرجت، وقد تركت على باب الدار إشارة.

    بعد قليل حضر الولد، فرأى الإشارة على باب الدار، فعرف أن في الأمر خطراً، فوضع مثل تلك الإشارة على دور الحي كلها، وقدم رجال الملك للقبض على الولد، فرجعوا خائبين، ولكن ابنة الملك عادت بهم ثانية، ودلتهم على البيت، فدخلوه وألقوا القبض على الولد، وزج في السجن.

    ولما حلّ الليل توسل الولد إلى الحارس أن يخرجه لساعة واحدة، وأقسم له أنه سيعود، وقدم له صرة نقود كبيرة، فأطلقه الحارس، فمضى من توه إلى البيت، فارتدى ثياباً حمراء، وغطى رأسه بعمامة حمراء، وحمل عصا حمراء، وقصد القصر، فدخل على الملك وهو نائم، فأيقظه، فذهل الملك، وسأله من يكون، فأجاب بأنه ملك الجان، وحذره من إيذاء الولد السجين، لأنه أخوه، فارتعدت فرائص الملك ووعده بإطلاق سراحه، وخرج الولد من فوره إلى الوزراء جميعاً، وفعل بهم واحداً واحداً مثلما فعل بالملك، ثم ألقى الثياب، ورجع إلى السجن.

    وفي الصباح اجتمع الملك بالوزراء، وحدثهم بما كان في ليلته، وحدثوه بالأمر نفسه، فسألهم رأيهم، فاقترحوا جميعاً العفو عن الولد، وإطلاقه.

    وأرسل الملك وراء الولد، وطلب منه أن يعترف بحقيقة أمره، فحدثه الولد بقصته كاملة، فأعجب بذكائه وجرأته، وعرض عليه الزواج من ابنته، فوافق، وفي أيام تم الاستعداد لحفل الزفاف، وتزوج الولد ابنة الملك، ونقل إلى القصر أمه وأخوته، وعاش مع زوجته في هناءة وسرور، إلى أن توفي الملك، فورث العرش، وأصبح ملكاً، وأخذ يسوس الناس بالعدل،، فيدني منه الفقراء والبائسين ويغدق عليهم الخير الوفير.






    شعر العجوز وحصان ابن الملك



    يحكى أن امرأة عجوزاً كانت تعيش وحدها، فقيرة بائسة، فقد توفي عنها زوجها، ولم يخلف لها شيئاً، ولم يكن لهما أولاد، فكانت تتسقط لقيمات الطعام من هنا وهناك، وتأوي إلى دار حقيرة، وكانت تمضي شهور الشتاء حبيسة الدار، لا تغادرها مكتفية بما ادخرته من طعام في الصيف، حتى إذا حل الربيع خرجت تقصد الناس، سائلة العطاء.

    وفي يوم من أيام الربيع، رجعت إلى دارها عصراً، وقعدت في فناء الدار، تتدفأ بأشعة الشمس، وأخذت تسرح شعرها، وكانت لا تغسله، بل لا تسرحه، إلا مرة في العام، حين يحل الربيع.

    وبعد أن انتهت من تسريح شعرها، على قلّته، جمعت ماتساقط منه، ورأت أن تحرقه، بدلاً من أن ترميه في الأقذار، فأشعلت النار، وألقته فيها.

    وشم الجيران رائحة شعر يحترق، وكان عندهم عنزة، ضاعت منذ أيام، فأسرعوا إلى الجارة يتهمونها بسرقة العنزة، وهم يدعون أنها أحرقت جلد العنزة وعظامها، حتى لا يبقى لها على أثر، وذهبوا بالعجوز إلى الملك، يشكونها إليه، وأقسمت العجوز الإيمان مؤكدة براءتها، وأنها لم تحرق سوى شعرات تساقطت من رأسها، الذي لا تسرحه إلا مرة في السنة، فصدّق الملك كلامها، ولكنه حذرها من إحراق ما يتساقط من شعرها مرة أخرى.

    ورجعت العجوز إلى دارها، يائسة، تندب حظها، وشقاءها.

    ومرت الأيام، ومضى على العجوز عام آخر، لم تسرح فيه شعرها، وقد اتسخ اتساخاً شديداً، وعشش فيه القمل، ولما حل الربيع، قعدت في فناء الدار، تدفئ جسمها بنور الشمس، وتسرح شعرها، ثم جمعت ما تساقط منه، وحملته إلى خارج الدار، وألقته، بعيداً، ورجعت إلى دارها مطمئنة.

    ولكن الريح حملت شعرها العجوز بما فيه من قمل، وحطت به في بيدر قمح، لأحد كبار الأغنياء، فعرف على الفور شعر العجوز، وأسرع به إلى الملك، يشكوها، وهو يدعي أن القمل الذي في الشعر أضرّ بقمحه، وأرسل الملك وراء العجوز، فأحضرها الجند، فاعترفت بما فعلت، ولكنها أكدت أنها لم تكن تريد إيذاء أحد، فعفا الملك عنها، وحذرها من أي تلقي شعرها مرة أخرى في الفلاة، وعوّض للغني خسارته في قمحه.

    ورجعت العجوز إلى دارها حزينة، بائسة، تندب حظها، ولا تجد ما تفعل.

    ومرت الأيام، وحال الحول، وإذا سنة مرت، وشعرها من غير غسل ولا تسريح، وقد تشعث واغبرّ، فاضطرت حين حل الربيع، إلى تسريحه، ثم جمعت ما تساقط منه، وحملته، ومضت إلى نهر قريب، ورمت به في النهر، ورجعت إلى دارها آمنة مطمئنة.

    ولكن النهر حمل شعر العجوز، وسار به إلى بستان كان ابن الملك قد خرج إليه للنزهة، وترك حصانه يسرح في الحقول، ودنا الحصان، وشرب من النهر، وإذا شعر العجوز يدخل إلى حلقه، ويعلق فيه، وأسرع ابن الملك إلى الحصان، وساعد، الجند على إنقاذه، وأخرجوا الشعر من حلقه، وذهبوا به إلى الملك، فعرفه على الفور، فأرسل وراء العجوز.

    ودخلت العجوز على الملك، يائسة، حائرة، لا تعرف ما تقول، ولما عاتبها على تسريح شعرها، وإلقاء ما تساقط منه في النهر، تمنت عليه أن يقطع رأسها، وأن يريحها من شعره، فضحك الملك، وعفا عنها، ثم أمر الخدم أن يعنوا بها، وأن يفردوا لها غرفة في القصر، تعيش فيها بقية عمرها، عزيزة مكرمة.

  8. #23
    التسجيل
    31-01-2005
    المشاركات
    142

    مشاركة: مكتبة الحكايات الشعبية




    بنت الداية



    كان لإحدى القابلات بنت وحيدة، تعنى بتربيتها، وتسهر عليها، ولكنها تضطر دائماً إلى تركها وحدها، بحكم عملها، ولذلك كانت توصي بها بنات الجيران، ليزرنها في غيبتها، ويساعدنها في أمور البيت.

    وذات يوم تركتها كعادتها مع بنات الجيران، فأخذت تمرح معهن وتلهو، ولكن فجأة خرج لهن من زاوية في المنزل غول كبير ففزعت البنات وهربن، وبقيت بنت الداية وحدها، فأخذت تصيح منادية جارها النجار، فسمع الصوت، فأسرع إليها، ولما رأى الغول بادره بضربة من المطرقة التي كانت في يده فقتله ثم وضعه على ظهر حمار، وتركه ليمضي به إلى أخوات الغول السبع، ولما رأت الغولات الحمار مقبلاً، فرحن به، وتوقّعن أن تكون بنت الداية هي القتيل الملقى على ظهر الحمار، ولكن تبين لهن أنه لم يكن سوى أخيهن الغول، فحزنت الغولات، وقررن الإنتقام.

    وفي صباح اليوم التالي قدمت الغولات إلى منزل الداية، وهن متنكرات، وخطبن ابنتها إلى أخيهن، فوافقت الداية من غير أن تعرف من أمرهن شيئاً، ووعدنها أن يرجعن بعد أسبوع لأخذ العروس معهن، وقد ادّعين أن أخاهن يعمل في بلاد بعيدة، وقد أغرين الأم بالأموال الكثيرة.

    وهكذا حضرت الغولات بعد أسبوع، فودعت البنت أمها، ومضت بها الغولات، وبينما هنّ في زحمة السوق، أحسّت ابنة الداية أن الأمر ليس طبيعياً، فغافلت الغولات وهربت منهن، ولجأت إلى النجار، وطلبت منه ألا يخبر أحداً بأمرها، حتى أمها، كي لاتعود الغولات إليها، ثم رجته أن يصنع لها ثوباً من الخشب.

    وارتدت ابنة الداية ثوبها الخشبي وخرجت به لا تعرف أين تذهب، حتى قادتها خطواتها إلى قصر الملك، فقعدت تحت سوره تأكل مما يلقى من فضلات، وتنبهت إحدى الجواري في القصر إلى هذا الكائن الخشبي، الذي يمشي ويتحرك ويعيش في ظل القصر، فأسرعت إلى الملكة تخبرها بأمره، فطلبت منها إحضاره.

    واقتادت الجارية بنت الداية في ثوبها الخشبي إلى الملكة، فعجبت لأمر هذا الكائن، وسمته “خشيبان”، ثم أذنت له أن يعيش في حديقة القصر، ليسهر على الإوزات، ويعنى بها.

    وكانت الملكة تنزل صباح كل يوم إلى حديقة القصر، بصحبة جارية لها، فتقعد بجوار البركة، وتمضي في تأمل الإوزات، لتسلي نفسها، ثم يغلبها الحزن، فتبكي، نادبة ابنها الأمير، وهنا تتدخل الجارية، فتدعوها للعودة إلى القصر.

    وقد لاحظت بنت الداية ذلك، ولكنها لم تستطع أن تعرف حقيقة ذلك الأمر، كما لاحظت أن الجارية نفسها كانت تتسلل كل ليلة خلسة وتمضي إلى كوخ بعيد في حديقة القصر، وتقضي بعض الوقت هناك، ثم ترجع إلى القصر خلسة.

    وذات يوم تسللت بنت الداية في إثر الجارية، وتبعتها إلى حيث الكوخ، ثم اختبأت وراء الباب فرأتها تدخل على فتى مقيد اليدين، تقدم له بعض الطعام، ثم تخرج.

    وفور خروج الجارية من الكوخ دخلت بنت الداية، وهي في ثوبها الخشبي، فسألت الفتى من يكون، فأخبرها انه ابن الملك، وأن الجارية اختطفته وخبأته في هذا الكوخ الذي لايتوقع أحد أن يكون فيه، انتقاماً من أبيه الملك، الذي كان قد قتل زوج الجارية، فوعدته بنت الداية بالمساعدة، وخرجت من غير أن يعرف من تكون.

    وذات يوم ذهبت الملكة إلى الحمام، فاصطحبت معها جاريتها، فاهتبلت بنت الداية الفرصة، فأسرعت إلى الكوخ، ففكت قيد الأمير، ونصحت له أن يدخل القصر خلسة، وأن يختبئ في غرفة أمه، لتكون المفاجأة سارة، كما أوصته ألا يبوح لأمه بحقيقة أمره، وألا يخبرها بمن أطلقه.

    وقد حصل هذا كله والأمير لا يعرف حقيقة “خشيبان” إذ كان يظنه خادماً من خدم القصر، اتخذ لنفسه هذا الثوب الخشبي.

    ورجعت الملكة من الحمام، ودخلت غرفتها، فسرت كثيراً عندما رأت ولدها الأمير عائداً إليها، وألحت عليه أن يخبرها بما كان من أمره، فلم يفعل.

    وكان من عادة بنت الداية “خشيبان”، أن تخلع كل ليلة ثوبها الخشبي، وتستحم في بركة القصر، ثم تنتحي جانباً لتنام. وذات ليلة، بينما هي تخلع ثوبها الخشبي، كان الأمير يتجول في حديقة القصر، فرآها، فاختبأ وراء إحدى الشجيرات وقد أذهله جمالها، وعرف أنها هي التي أنقذته.

    وفي صباح اليوم التالي أخبر أمه عن رغبته في الزواج، فسرّت الملكة كثيراً، ووعدته أن تبادر إلى الخطبة له ، فأخبرها أنه يريد الزواج من “خشيبان”، فدهشت الأم، ولكنه عندما أخبرها بالحقيقة سرت كثيراً، وعندئذ حكى لها ما كان من أمر الجارية، فأمرت بسجنها.

    وهكذا تزوجت بنت الداية من ابن الملك، ودعت أمها لتقيم معها في القصر، وعاش الجميع في سعادة وسرور.






    بنت البازركان



    كان لكبير (البازركان) بنت وحيدة، توفيت أمها، فعني بها، ورباها خير تربية، وذات يوم قرر أداء فريضة الحج، ولكنه حار في أمره، أين يترك ابنته؟ وحين شاورها في الأمر، شجعته، وأكدت له أنها ستتدبر أمرها في غيابه.

    وهكذا ودّعها، وترك لها قدراً من المال، وأوصى بها الجزار والخباز وبائع الخضر، كما أوصى بها سائر الجيران، وكانت كلما أرادت حاجة، دلت سلة من نافذة غرفتها لترفع بها ما يحضره لها أجير الجزار أو الخباز أوبائع الخضر من حاجات.

    وفي أحد الأيام سمعت طرقاً على الباب، ونظرت من نافذتها، فرأت فتاة في مثل عمرها، فقيرة بائسة، رثة الثياب، تطلب منها العون، فدعتها إلى الدخول، وقدمت إليها بعض ما عندها من ثياب، ولمست فيها البراءة، فدعتها إلى الإقامة معها كي تأنس بها، فاستجابت الفتاة لدعوتها، وأقامت عندها، تشاركها الطعام والمنام.

    وهكذا أنست بنت كبير التجار بتلك الفتاة، واطمأنت إليها، وحدثتها عن والدها كبير التجار، وسفره إلى بلاد الحجاز لأداء فريضة الحج، وما تركه لها من أموال لتتدبر أمورها.

    وذات يوم نادتها الفتاة لترى ما في الشارع، فأسرعت إلى النافذة، وما إن صارت أمامها حتى دفعتها، فإذا هي في الشارع، فدهشت لما فعلته، ورجتها أن تفتح لها الباب، فأبت وأكدت لها أن لامكان لها في هذا البيت.

    ولجأت بنت كبير التجار إلى نخاس، يعرف والدها، ترجوه أن يبيعها في سوق الجواري، كي تجد من يؤويها لديه، فعرض عليها أن تقيم عنده مع زوجته وأولاده، ولكنها أبت إلا أن يبيعها جارية.

    ونزل بها النخاس مضطراً إلى سوق الجواري، وصادف في اليوم نفسه نزول ملك تلك البلاد إلى السوق، فلما رآها اشتراها بأغلى الأثمان.

    وكان ذلك الملك قد فقد ولداً شاباً، وانقطعت عنه الأخبار، فأخذها إلى قصره، لعله يجد فيها العوض من الولد، وأوصى بها كبيرة الخدم، ولكن هذه استاءت منها، وقادتها على الفور إلى المطبخ وأمرتها أن تعمل في تقشير البصل.

    ولما صار الليل نام كل من في القصر، إلا بنت كبير التجار إذ أوت إلى ركن في المطبخ وقعدت، لاتغمض لها عين وبينما هي على هذه الحال إذا كبيرة الخدم تدخل المطبخ خلسة، فتجمع بقايا الطعام، ثم تخرج، وتخرج في إثرها، وتظل تتبعها من غير أن تحس بها.

    وإذا هي تمضي إلى حديقة القصر، وتزيح الحشائش والأعشاب عن بقعة في الأرض صغيرة، فتظهر بلاطة لها حلقة، وترفعها، وإذا تحتها سرداب، تنزل فيه، وتنزل في إثرها بنت كبير التجار، لترى شاباً يتوسل إلى كبيرة الخدم راجياً ألا تضربه، ولكنها تخرج سوطاً من تحت طيات ثوبها، وتشرع في ضربه، وهي تعده أن تكفّ عن هذا إذا قبل بالزواج منها، وهو يؤكد أن “لا”، ثم لم تلبث أن رمت له ما تحمله من بقايا الطعام، وهمت بالخروج.

    وأسرعت بنت كبير التجار إلى الخروج قبلها من السرداب، وعادت إلى موضعها من المطبخ .

    وفي اليوم التالي التقت الملك، فسألته: “إذا جمعتك بولدك فهل تعتقني؟” فوعدها الملك بذلك، فاقترحت عليه أن يرسل إلى الحمام كل نساء القصر من الملكة إلى الجواري، وكان لها ذلك، وعندئذ دلته على مكان ابنه، فلما رآه فرح فرحاً كبيراً، وعرف حقيقة الأمر، فأرسل على الفور جلاداً إلى الحمام ليقتل كبيرة الخدم، ثم استدعى الطبيب ليعالج ابنه.

    وبعد بعضة أيام ذكّرت الملك بوعده لها، فعرض عليها الزواج من ابنه، فاعتذرت، فعرض عليها الإقامة في القصر، فرفضت، وأبت إلا أن يعتقها، فأعتقها.

    ومضت بنت كبير التجار على الفور إلى النخاس تطلب منه أن يبيعها ثانية في سوق الجواري، فذهل لطلبها، ورجاها أن تقيم عنده مع زوجته وأولاده، فأبت، فأخذها إلى سوق الجواري، وهناك كان لها ما أرادت.

    وفي هذه المرة اشتراها ملك بلاد بعيدة، كان قد أتى إلى هذه البلاد للعلاج، فهو مريض معتل، ولما رجع بها إلى بلاده، نقمت عليها زوجته، واتخذتها خادمة لها، لتكون دائماً تحت سمعها وبصرها، وكانت تأمرها كل ليلة بتهييء مائدة العشاء ثم تصرفها، وفي صباح اليوم التالي تجد المائدة نظيفة لا شيء عليها، فأدهشها الأمر؟ هل يعقل أن تقوم الملكة بتنظيفها؟ وهل يعقل أن تتناول الملكة كل ماكان على المائدة من طعام؟

    وذات ليلة أوهمتها أنها قد انصرفت، ولكنها ظلت وراء الباب، تنظر من ثقبه، فرأت الملكة تقدم للملك كأس شراب، ما إن شربه، حتى راح في سبات عميق، وأخذت الملكة تجمع ما على المائدة من طعام، وتضعه في كيس ثم تخرج به.

    وخرجت بنت كبير التجار في إثرها، وأخذت تسير وراءها، من غير أن تحس بها، وإذا الملكة تمضي إلى غابة قريبة، لتدخل كوخاً فيه عفريت، ما إن رآها حتى لامها على تأخرها، ثم بسطت أمامه ما حملت معها من طعام، فأقبل عليه يلتهمه، ثم جلست معه بضع ساعات يتسامران ويتناجيان، حتى كاد الفجر يظهر، وعندئذ ودعته ورجعت قافلة إلى القصر.

    وكانت بنت كبير التجار قد سبقتها إلى موضعها في المطبخ، واستلقت متظاهرة بالنوم ولما كان الصباح، التقت الملك، وسألته إن كان يعتقها إذا دلته على سبب مرضه واعتلاله، فوعدها بذلك، فأخبرته بكل ماكان من أمر زوجته والعفريت، ثم اتفقا على خطة.

    ولما كان المساء، أعدت كعادتها مائدة العشاء، ثم تظاهرت بالانصراف وحين قدمت الملكة إلى الملك كأس الشراب طلب منها أن تحضر له عباءة يضعها على كتفيه، لأنه يحس بالبرد، ومضت لتحضر له ما طلبه، فسكب على الأرض الشراب ثم تظاهر بالنوم، ولما رجعت، غطته بالعباءة وجمعت كعادتها الطعام وخرجت إلى الغابة، وخرج في إثرها الملك تصحبه بنت كبير التجار، ورأى بعينيه ما كانت تفعله كل ليلة.

    ورجع إلى القصر، ليطلب من الجند أن يذهبوا إلى الغابة ويقطعوا رأس العفريت، وليحملوه إلى القصر، ولما رجعوا برأسه، ألقاه بين يدي زوجته، فذعرت، وأخذت تبكي وتلطم وجهها مدعية أنه أخوها، ولكن الملك دحض ادعاءها، ثم أمر بقطع رأسها.

    وبعد بضعة أيام ذكرت بنت كبير التجار الملك بوعده، فعرض عليها أن يتزوجها، ولكنها اعتذرت وأبت إلا أن يعتقها.

    ورجعت إلى النخاس ترجوه أن يعرضها للبيع في سوق الجواري مرة ثالثة، فنصح لها، وعرض عليها أن تعيش في بيته، مع زوجته وأولاده، فأبت، وكان لها ما أرادت.

    واشتراها هذه المرة أحد الملوك، وكان عنده بنت وحيدة مجنونة، حبسها في غرفة من غرف القصر، وكانت كلما أدخل عليها جارية لتخدمها أكلتها، ولما دخلت عليها بنت كبير التجار هجمت عليها بنت الملك المجنونة، وهمت بها، فقالت لها: “لايمكن أن تأكليني بما أنا عليه من غبار السفر، انتظري حتى أستحم، ثم بعد ذلك، يمكنك أن تأكليني”، ولكن ابنة الملك أعربت عن خوفها من أن تهرب، فأكدت لها أنها لن تهرب، ثم رأت في زاوية الغرفة خيطاً، فقالت لها: “اربطيني به حتى لا أهرب”.

    وهكذا خرجت بنت كبير التجار من القصر هاربة من ابنة الملك المجنونة، وأخذت تجري لا تعرف أين تذهب، ولمحت من بعيد ضوءاً، فاتجهت إليه، ولما بلغته رأت ناراً متقدة، تحت حلة كبيرة، فيها قطران يغلي، وإلى جانب الحلة عفريتتان تحرسان الحلّة، الأولى نائمة، والثانية مستيقظة، وقد ألقت ثدييها إلى ظهرها، فغافلتها، ورضعت من ثدييها، ثم ألقت عليها السلام، فردت العفريتة: “لولا سلامك سبق كلامك لأكلت لحمك مع عظامك”، وردت عليها منكرة أن تفعل بها ذلك وقد أصبحت ابنتها، فأثر كلامها في نفس العفريتة، وذكرت بنتاً لها كانت قد فقدتها، وسرّت كثيراً لأنها وجدت بدلاً منها ثم قالت لها: “إذن هيا راقبي النار تحت هذه الحلة، ولا تتركيها تخمد، فقد آن لي بعد سبع سنين من إيقادها أن أستريح” وهنا تشجعت بنت كبير التجار فسألت عن سر تلك النار والغاية من ذلك القطران، فأجابتها بأن ابنة الملك في تلك البلاد ستظل مجنونة ما دام القطران يغلي، فتشجعت أكثر وسألتها عن سبب ذلك، فأجابتها العفريتة بأنها تفعل ذلك انتقاماً منها لأنها رفضت أن تصبح ابنة لها بعد أن فقدت ابنتها، فطمأنتها بنت كبير التجار، وأكدت لها أنها ستكون هي بدلاً من ابنتها التي فقدتها، ثم طلبت منها أن تستريح لترعى النار بدلاً منها، وأخلدت العفريتة إلى النوم، فما كان من بنت كبير التجار إلا أن صبت القطران وهو يغلي على العفريتتين، ثم أخمدت النار. ورجعت إلى قصر الملك ودخلت على ابنة الملك، فرأتها سليمة معافاة ففرحت بذلك وألبستها أحسن الثياب، ثم دخلت على الملك وسألته إذا كانت ابنته قد شفيت فهل يعتقها؟ فوعدها بذلك، وما كان منها إلا أن دعته ليرى ابنته، ولما رآها فرح كثيراً، ودعا ابنة كبير التجار إلى العيش معها في القصر كأخت لها؟ ولكنها رجته أن ينفذ وعده؟ فكان لها ما أرادت.

    ورجعت إلى النخاس مرة أخرى تطلب منه أن يعرضها للبيع في سوق الجواري، ولكنه أخبرها أن والدها قد رجع من الحجاز بعد أدائه فريضة الحج، وأكد لها أنه سيقودها إلى البيت.

    وكان والدها قد فوجئ بالفتاة الغربية في منزله، فأكدت له أنها ابنته، فسألها عن سمرتها، فأخبرته أن الشمس قد لوحتها، وسألها عن احمرار عينيها؟ فأجابت أن ذلك بسبب فرط بكائها، فطلب منها أن تطبخ له الحريرة، فأكدت له بأنها نسيت طريقة طبخها.

    وعاش كبير التجار مع تلك الفتاة الغريبة كارهاً، وهي تصرّ على أنها ابنته.

    وذات يوم طرق الباب، فأسرع يفتحه، فرأى النخاس ومعه ابنته، فعرفها على الفور، ولكنه تظاهر بعدم معرفتها، ثم دعاها مع النخاس إلى الدخول، وجمعها بالفتاة الغريبة التي في بيته، وطلب منهما أن تطبخا له الحريرة، وأكد لهما أن التي تجيد طبخها هي ابنته.

    وبادرت ابنته على الفور إلى طبخ الحريرة، على حين ترددت تلك الفتاة الغريبة، وعند ئذ ظهر الحق.

    وسأل الأب ابنته عن العقاب الذي تريد أن يوقعه في الفتاة التي كانت سبب خروجها من بيتها وتشردها، فأجابت العفو.

    وعادت الفتاة إلى تشردها وتسوّلها، على حين التأم شمل الأب والبنت وعاشا في هناء وسرور.


  9. #24
    التسجيل
    31-01-2005
    المشاركات
    142

    مشاركة: مكتبة الحكايات الشعبية




    الأمير حسن والغول





    كان لأحد الملوك تسعة أولاد ذكور، كأنهم البدور حازوا الشجاعة والبطولة، وكان لملك مجاور تسع بنات كالزهرات، حُزنَ الجمال والأخلاق.

    وذات يوم توجه أصغر الأولاد، ويدعى الأمير حسن، إلى الملك المجاور، وخطب صغرى البنات، ولما سمع بذلك إخوته، لحقوا به وخطبوا باقي البنات.

    وهكذا أقيمت الأفراح، ونصبت الزينات، وأعدت الولائم، وأمضى الأمراء سبعة أيام مع الأميرات في سعادة وسرور، ولكن كان لابد أن يعودوا بعد ذلك إلى مملكتهم مع زوجاتهم.

    وكان عليهم أن يمروا في الطريق بغابة كثيفة الأشجار، فساروا رتلاً واحداً، كل أمير على فرس، ووراءه زوجته على فرس آخر.

    وكان الأمير حسن في مقدمتهم، يسبقهم، بمسافة غير قليلة، ليستطلع لهم الطريق، وكانت زوجته تسير في آخر الركب، مع إخوته وزوجاتهم.

    وبينما هم في وسط الغابة، وقد تقدمهم الأمير حسن، برز لهم غول عملاق، نفخ عليهم واحداً إثر الآخر، فجعلهم حجارة سوداء، عدا زوجة حسن، فقد اختطفها وهرب بها.

    والتفت الأمير حسن، فلم ير إخوته، فرجع إليهم، فرآهم جميعاً حجارة سوداء، ولم تكن زوجته فيهم، وتتبع آثار أقدام الغول، فقادته إلى جبل شاهق، ينهض على قمته قصر منيف، فأدرك أنه منزل الغول فأخذ يتسلق الجبل حتى بلغ القصر، ولم يكن له مدخل ولا باب، سوى نافذة في أعلاه، فنادى الأمير حسن زوجته، فمدت له شعرها الطويل من تلك النافذة، فتعلّق به، ورفعته إليها فدخل القصر، وقد ذهل مما رأى من أكوام العظام والجماجم.

    وما هي إلا برهة حتى أحس الأمير صوت قعقعة غريبة، فنبهته زوجته إلى قدوم الغول، ثم ماكان منها إلا أن أدخلته في صندوق ثياب عتيق، وأغلقت بالقفل والمفتاح.

    ولما دخل الغول قال لزوجة الأمير حسن إنه يشم رائحة إنسيّ، فأنكرت ذلك، فأعاد القول ثانية، ولكنها أنكرت، وأعاده ثالثة، فظلت على إنكارها فصمت.

    وكان زوجها قد أوصاها أن تسأل الغول عن روحه أين هي؟ فلما سألته، أجاب بأن روحه في المكنسة، فألبست المكنسة ثياباً، وأخذت تداعبها، لتوهمه أنها تحبه، وفي يوم آخر أخبرها أن روحه في الإبريق، ففعلت الأمر نفسه، وفي كل مرة كان يخبرها أن روحه في مكان، حتى اطمأن إليها، ووثق بها.

    وفي يوم أخبرها أن روحه عصفور مخبأ في علبة صغيرة، والعلبة في قلب عنزة عرجاء جرباء، ولما خرج الغول كعادته كل يوم إلى الغابة، أخبرت زوجها الأمير حسن بمكان روح الغول، فودّعها وخرج.

    وأخذ الأمير حسن يسير في البلاد حتى وصل إلى خيمة فيها عجوز، وعندها بضع غنمات ترعاها، فعرض عليها أن تتخذ منه ولداً لها، ووعدها أن يرعى الغنمات بدلاً منها، فوافقت، فأخذ الأمير حسن يسرح بالغنمات في المرعى، ليرجع بها في المساء إلى خيمة العجوز.

    وذات يوم نبهته إلى وجود عنزة جرباء عرجاء قرب المرعى، وحذرته من الاقتراب منها، لأنها تهلك كل من يقترب منها، وفرح الأمير حسن بذلك، وأسرع من فوره إلى العنزة الجرباء العرجاء، وأخذ يصارعها إلى أن صرعها بسيفه، ثم شق صدرها وأخرج قلبها، فوجد فيه العلبة ففتحها فرأى عصفوراً صغيراً، فأمسكه وأسرع به إلى قصر الغول.

    وأمام القصر ضغط الأمير حسن على عنق العصفور فسمع من الداخل صرخة ألم شديدة، ثم خرج الغول وهو يتلوّى من الألم، وضغط ثانية على عنق العصفور، فتوسل إليه الغول أن يطلق العصفور، ووعده أن يحقق له ما يريد، فطلب منه أن يعيد إخوته وزوجاتهم إلى ماكانوا عليه، ثم ضغط مرة ثالثة، فتلوى الغول من الألم أكثر وأكثر، وسأله ما يريد، فطلب منه الأمير حسن أن يعيد إليه زوجته، فأعادها إليه، وعندئذ فصل الأمير حسن رأس العصفور عن جسده، فسقط الغول جثة هامدة.

    ورجع الأمير حسن مع زوجته إلى الغابة، فرأى إخوته وزوجاتهم على ظهر الخيول وهم يتابعون سيرهم وكأن شيئاً لم يحصل.

    وتابع الجميع سيرهم يتقدمهم الأمير حسن وزوجته، إلى أن وصلوا إلى مملكة أبيهم، فأقيمت الأفراح، ونصبت الموائد، وأعلن في المملكة سبعة أيام وثماني ليالٍ، لا أحد يأكل ولا أحد يشرب إلا من قصر الملك.

    وعاش الأمراء التسعة مع زوجاتهم في سعادة وسرور.




    فطوم بنت الشحاذين



    كانت فطوم فتاة جميلة، ذكية، ولكنها كانت فقيرة جداً، فقد مات أبوها، وأخذت أمها تعمل شحاذة، تطوف، تسأل الناس الصدقة.

    وذات يوم أحضرت لها أمها قليلاً من الرز والعدس وبعض اللحم وطلبت منها أن تطبخ مخلوطة، ريثما تطوف في الأسواق لعلها تحصل على الرزق.

    وشرعت فطوم في طبخ المخلوطة، ووقفت أمام القدر، لا تغادرها، وهي تعني بالطعام، حتى نضج، وإذ بالباب يقرع، ففتحته، فرأت عجوزاً تسألها بعض الطعام، فدعتها إلى الداخل وسكبت لها صحناً من المخلوطة، فشكرتها العجوز، وأقبلت على الصحن، فالتهمته، ثم طلبت صحناً آخر، فسكبت لها، فطلبت صحناً ثالثاً فرابعاً، وهكذا حتى فرغت القدر، وفطوم ترحب بها، ولا تبدي أي شيء من التذمر، ثم ودعتها العجوز وخرجت.

    وحارت فطوم في أمرها، ماذا تفعل؟ وما كان منها إلا أن سكبت في القدر بعض الماء ورفعتها فوق النار، وأخذ الماء يغلي، وليس فيه إلا بقايا قليلة مما كان قد علق بجوانب القدر.

    ولما رجعت الأم في المساء، قدمت لها ابنتها صحناً ليس فيه سوى الماء، وبعض الحبات من الرز والعدس، فغضبت الأم، وصرخت بابنتها: “أين المخلوطة”؟، ولم تجد البنت ما تقوله، فازداد غضب الأم، وهجمت على البنت تريد ضربها ففتحت باب الدار وولت هاربة.

    ولحسن حظها قادتها قدماها إلى قصر الملك، فقعدت أسفل السور، وكان الملك في الشرفة، فرآها، فطلب من الخدم أن يحضروها ثم أمرهم أن يأخذوها إلى الحمام، ويلبسوها أحسن الثياب.

    وخرجت فطوم بنت الشحاذين من الحمام أميرة، تعلوها ثياب الحرير، وما إن رآها الملك حتى فتن بجمالها، وأعلن في الحال رغبته في الزواج منها.

    وعمت الأفراح البلد، ونصبت الزينات، وأقيمت الموائد، وأعلن في المدينة “سبعة أيام وثماني ليالي، لا أحد يأكل، ولا أحد يشرب، إلا من قصر الملك”.

    وسعدت فطوم بنت الشحاذين بحياتها الجديدة، كما سعد بها الملك، وطاب لهما العيش، فقد جمعهما القدر، ووفق بينهما الحب، وأخذت أيامهما تزداد سعادة.

    وذات يوم أطلت فطوم بنت الشحاذين من شرفتها، فرأت أمها أسفل سور القصر تتسوّل، فأرسلت وراءها الخدم، ولما أحضروها، عرفتها إلى نفسها، وعرضت عليها أن تترك حياة الشحاذة والتسوّل، وأن تعيش معها، ولكنها انفجرت غاضبة، وصاحت بها “أين صحن المخلوطة، يا فطوم يا بنت الشحاذين”، وحاولت البنت تهدئتها، وإقناعها أن تلزم الصمت، ووعدتها أن تمنحها بدل صحن المخلوطة العقود واللآلئ والجواهر، ولكن صراخ الأم كان يزداد ويعلو، فما كان من البنت إلا أن لجأت إلى الحيلة، فأخبرتها أن صحن المخلوطة موجود، وأنها تخبئه في باحة القصر أسفل النافذة، ثم قادتها إلى النافذة، وجعلتها تطل منها، لترى صحن المخلوطة، ثم دفعتها، فسقطت ميتة، ثم أسرعت البنت إلى باحة القصر، وحفرت أسفل النافذة، ودفنتها.

    وعادت فطوم بنت الشحاذين إلى حياتها الهانئة مع زوجها الملك، ولكن ذات يوم أطلت من نافذتها، فرأت في باحة القصر حيث دفنت أمها نبتة قد ظهرت، فلم تبال بالأمر، ولكن يوماً بعد يوم أخذت هذه النبتة تعلو وتطول، حتى صارت شجرة، وبينما، كانت البنت تتأمل أغصانها وفروعها الممتدة أمام النافذة، هبت النسمات، فتحركت الأوراق، وإذا هي تقول: “أين صحن المخلوطة، يا فطوم بنت الشحاذين؟”

    وذات ليلة بينما كانت فطوم بنت الشحاذين مع زوجها الملك أمام المائدة، وهما يتسامران ويتناجيان، والنافذة بجوارهما مفتوحة، هبت نسمات ناعمة، فإذا أوراق الشجرة تتحرك هامسة: “أين صحن المخلوطة، يا فطوم بنت الشحاذين؟”، فأسرعت إلى النافذة، وأغلقتها، وهي مذعورة، قلقة، ولما رجعت إلى المائدة، لاحظ الملك شحوبها وتغيرها، بل رأى الدموع تترقرق في عينيها، فسألها عن سرّ تغيّرها، فحاولت أن تتهرب من الإجابة، ولكنه ألح عليها، فأخبرته أنها تضيق ذرعاً بالقصر، وتحنّ إلى المرحاض في دار أبيها، لأنه أجمل من القصر وأرحب.

    وذهل الملك مما سمع، وأقسم أن يرى مرحاض دار أبيها، فإذا لم يكن أجمل من قصره وأرحب، فإنه سيقتلها.

    ولم تصدق فطوم بنت الشحاذين أنها هي نفسها قد نطقت بمثل ذلك الكلام، وندمت على ما فرط منها في ساعة غضب.

    ولكن كان لابد من أن تسير مع زوجها الملك، لتدله على دار أبيها، وكانت تسير هائمة على وجهها، لاتعرف أين تقودها خطاها، والملك في كل حين يسألها: “أين دار أبيك؟ متى سنصل؟”، وهي تلف به في البلاد، وتدور، حتى بلغا أرضاً خلاء، لا عمار فيها ولا شجر، فقال لها الملك: “أنت لاشك كاذبة، ولابد من قتلك”، واستل سيفه، ولكنها رجته أن يمهلها ثم طلبت منه أن يأذن لها أن تغيب قليلاً وراء تلة صغيرة، لقضاء حاجة، فأذن لها.

    وكانت فطوم بنت الشحاذين تنوي الفرار، ولكنها ما إن غابت وراء التلة حتى رأت سلحفاة كبيرة، فاجأتها قائلة: “ماهذا الخطأ الذي بدر منك يا فطوم؟”، فدهشت، ثم قالت لها: “أرجوك ساعديني”، فطلبت منها أن تذهب على الفور وتحضر الملك، ووعدتها أن تجد في مكان السلحفاة نفسها بلاطة عليها حلقة، ماعليها إلا أن ترفعها وتنزل، لترى ما يدهش الملك، وهمت فطوم بالإسراع إلى الملك، ولكن السلحفاة حذرتها من البقاء في الأسفل أكثر من سبعة أيام، وإلا انقلب كل شيء.

    ورجعت فطوم بنت الشحاذين إلى زوجها الملك، وعلائم السرور بادية على وجهها، على حين كان غاضباً، والسيف في يده، فأخبرته أنها قد وصلت إلى دار أبيها، ثم قادته إلى حيث كانت السلحفاة وراء التلة، فرأت بلاطة عليها حلقة، فرفعتها، وإذا هي أمام سرداب، نزلت فيه مع الملك، فإذا هما في قصر لم تر مثله عين، عالي القباب، واسع الأبواب، أدراجه من مرمر، وترابه من عنبر، قناديله من مرجان، كأنه من صنع الجان.

    وأقام الملك مع زوجته فطوم بنت الشحاذين في القصر أياماً، وطاب لهما العيش، وهما ينعمان بأشهى الفواكه وأطايب الطعام، حتى كان اليوم السابع، تذكرت فطوم بنت الشحاذين السلحفاة، فقالت لزوجها الملك: “أحنّ إلى قصرك، وأشتاق إليه، ولن أذكر بعد اليوم قصر أبي”، فسامحها الملك، وعفا عنها.

    وخرجا من السرداب، وإذا هما مرة أخرى في تلك الفلاة، حيث لاشجر ولا عمار، ولم يخطوا بضع خطوات، حتى قالت فطوم بنت الشحاذين للملك”، اعذرني، أريد قضاء حاجة”، ورجعت إلى وراء التلة، فرأت السلحفاة حيث كان باب السرداب، فشكرتها، وسألتها من تكون في الحقيقة، فأخبرتها أنها هي تلك العجوز التي رحبت بها وأطعمتها قدر المخلوطة.

    ورجع الملك وزوجته بنت الشحاذين، ليعيشا معاً حياتهما هانئين سعيدين.

  10. #25
    التسجيل
    31-01-2005
    المشاركات
    142

    مشاركة: مكتبة الحكايات الشعبية




    الولد الأقرع



    كان لامرأة عجوز حفيد وحيد، مات أبوه، فرعته جدته، وسهرت على تربيته، ولكن لسوء حظها كان لايحسن فعل شيء، بل إنه أصيب بمرض ذهب بشعر رأسه، فأصبح أقرع، مما زاد في الطين بلة.

    وذات يوم أرسلته ليشتري الخبز، فرجع لايحمل شيئاً، ولما سألته عنه، أجابها أنه التقى في الطريق بمجموعة كلاب تطارد كلباً صغيراً، فألقى إلى الكلاب بالخبز فانشغلت به عن الكلب الصغير، فما كان من جدته إلا أن عفت عنه.

    وفي يوم آخر أرسلته ليشتري اللحم، فرجع لايحمل شيئاً، ولما سألته عنه، أخبرها أنه رأى مجموعة من قطط تطارد قطاً صغير، فرمى إليها باللحم، فانشغلت به عن القط الصغير ومرة ثانية عفت عنه جدته.

    وفي يوم ثالث أرسلته مع الحاصدات ليعمل معهن في حصاد القمح، وفي الطريق تأخر عنهن، وقعد على صخرة، يستريح من تعبه، فمرت به أفعى، ولكنها رجته أن يخبئها، فخبأها تحت طيات ثوبه، ومر به رجل، فسأله إن كان قد رأى أفعى، فأنكر ذلك، فمضى الرجل في حال سبيله، وعندئذ خرجت الأفعى، لتشكر الأقرع، وتقدم له خرزة زرقاء، وأخبرته أنه يستطيع أن يطلب من هذه الخرزة فعل أي شيء يعجز هو عن فعله، ثم ودعته ومضت.

    ولحق الأقرع بالحاصدات فطلبت منه إحداهن نقل كومة كبيرة من القش، إلى طرف الحقل، فما كان منه إلا أن امتطى الكومة، ثم طلب من الخرزة الزرقاء أن تحمله إلى اصطبل الملك، وطارت به كومة القش محلقة، لتمر أمام قصر الملك، وتدخل به إلى الاصطبل، وكانت ابنة الملك في نافذتها، فلما رأت كومة تطير وفوقها الأقرع، ضحكت، وأشارت إليه ساخرة، فدعا عليها أن تحمل من قبل أن تتزوج.

    ومرت الأيام، وإذا ابنة الملك حامل، وذهل أبوها الملك، فأخبرته بحقيقة الأقرع، ودعائه، فأرسل وراءه، وألزمه بالزواج منها، فقبل مضطراً ولكن على شرط أن تعيش معه في بيت جدته، فكان له ما أراد.

    وأخذ الأقرع عروسه إلى بيت جدته، وكان من الطبيعي ألا يطيب لابنة الملك المقام في بيت الجدة، وأن تطلب منه قصراً مثل قصر أبيها.

    وعلى الفور طلب الأقرع من الخرزة أن يكون هو وزوجته في قصر أجمل من قصر الملك، وأن يكون الملك غارقاً تحت سبعة بحور، وفجأة وجد نفسه في القصر، وقد تحقق له ما طلب.

    ولكن ذات يوم بحث عن الخرزة فما وجدها، بل وجد نفسه مع زوجته غارقين تحت سبعة بحور، فقد أرسل الملك إليه من سرق الخرزة من غير أن يعلم، فتألم الأقرع وحزن.

    وبينما هو على هذا الحال، دخل عليه كلب وقط، سألاه إن كان يريد أن تعود الخرزة إليه، فأجاب أن نعم، وعلى الفور أسرع الكلب والقط إلى قصر الملك، فسرقا الخرزة، وعادا بها إلى الأقرع.

    وما كان من الأقرع إلا أن طلب من الخرزة أن يكون له قصر مقابل قصر الملك، وعلى الفور كان له ما أراد، وإذا هو في قصر مع زوجته أمام قصر أبيها، ثم أحضر الأقرع إليه جدته، وعاش الجميع.في هناء وسرور.






    أجير الصائغ



    كان أحد الرجال يعمل أجيراً لصائغ، وعنده بضعة أولاد وكانت أجرته لا تكفيه في شيء، وكلما طالب معلمه أن يزيد في أجرته، اشتكى المعلم من ضعف الحال.

    وذات يوم قرر أن يرتحل في طلب الرزق، فودّع زوجته وأولاده وسافر، وكانت تحمله بلاد، وتحط به بلاد، حتى وصل إلى بلد، قصد فيه إلى دكان صائغ، عرض عليه أن يعمل عنده، فقبل.

    وباشر الرجل عمله، وأخذ يبدي مهارة فائقة، حتى يحظى برضى معلمه الجديد، ولكن هذا لم يكن بأفضل من ذاك، إذ كان دائماً يمنّ عليه، إذ أتاح له فرصة العمل عنده، ولا يعطيه أجرته إلا بعد أن يطلبها منه عدة مرات، وبعد تأجيل ومماطلة.

    وذات يوم دخل دكان الصائغ خادم الملك، وطلب صوغ سوار خاص بابنة الملك، فوعده الصائغ أن يجهز له السوار في صباح يوم الغد، ثم التفت إلى الأجير، وطلب منه أن يعدّ السوار.

    وأكبّ الأجير على السوار، يسوغه بإتقان، يضع فيه كل مهارته، وسهر عليه طوال الليل، ثم إنه نقش عليه من الداخل هذه الأبيات:

    مصائب الدهر كفّى

    إن لم تكفي فعفّي خرجت من أجل رزقي

    رأيته متوفّي كم جاهل في الثريا







    كم عالم متخفّي



    وفي الصباح حضر خادم الملك، فناوله المعلم السوار، وأخذ منه مكافأة كبيرة، ولم يعط الأجير شيئاً.

    وفرحت ابنة الملك بالسوار، وأعجبها كثيراً، وأخذت تتزين به صباح مساء، وذات يوم، وهي تضعه في يدها تنبهت إلى الأبيات المنقوشة عليه من الداخل، فعرضته على أبيها، ورجته أن يعرف قصة هذه الأبيات.

    وأرسل الملك وراء الصائغ، ولما جاء سأله عمّن صاغ السوار، فأكد له أنه هو الذي صاغه، فطلب منه سواراً آخر يشبهه تماماً، على أن ينجزه في صباح اليوم التالي، ومن غير أن يكون بين يديه السوار الأول.

    وأسرع الصائغ إلى أجيره يطلب منه سواراً آخر كالسوار الأول، فوعده الأجير خيراً، ثم إنه أغلق باب الدكان على نفسه، وبقي في الداخل.

    وكان الأجير في الحقيقة قد صاغ منذ البداية سوارين، وخبأ أحدهما، وقدم الآخر للصائغ، ولما طلب منه سواراً ثانياً، كان هذا جاهزاً.

    وفي الصباح حضر خادم الملك، فناوله الصائغ السوار، وتلقى منه المكافأة، ولم يمنح الأجير شيئاً.

    ولما رأت بنت الملك السوار دهشت، لأنه كان كالسوار الأول تماماً، لا يختلف عنه في شيء، كما نقشت عليها من الداخل الأبيات نفسها، فأسرعت إلى أبيها تخبره بالأمر، وترجوه أن يعرف قصة الصائغ.

    وأرسل الملك وراء الصائغ فلما حضر سأله عن السوار إن كان هو قد صاغه فعلاً، فخاف، وظن أن الملك لم يعجب بالسوار، فأخبره أن أجيره هو الذي صاغه.

    وأرسل الملك على الفور وراء الأجير، ولما حضر سأله عن قصة الأبيات، فروى له حكايته، وأخبره ما كان من أمره مع معلمه الجديد، الذي لم ينصفه، شأنه في ذلك شأنُ معلمه السابق، وأكد له ندمه على غربته وتركه وطنه وبعده عن زوجته وأولاده.

    وعندئذ أمر الملك بتعيين الأجير وزيراً في مملكته، وأرسل وراء زوجته وأولاده ليعيشوا معه في هناء وسرور.





    قسمة ونصيب



    خرج ذات يوم أحد الملوك مع وزيره متنكرين في زي رجلين فقيرين، وأخذا بالتجوال في الأزقة والحارات، حتى يريا أحوال الناس، وقادتهما خطاهما إلى خارج المدينة، فشاهدا بصيص نور من بعيد فسارا حتى وصلا إليه، فإذا هما أمام كوخ بسيط، قرعا الباب، فخرج إليهما رجل رحب بهما، ودعاهما إلى الدخول، وقدم لهما كسرة خبز وبعض البصل وقليلاً من الماء. ثم اعتذر لهما أشد الاعتذار، لأنه لايملك شيئاً، ولديه عيال كثير، وسمع الملك صوت امرأة تتألم، فسألاه، فأجابهم بأن زوجته في الغرفة الأخرى وهي في المخاض، ثم استأذنهما في الخروج إلى زوجته، وتركهما مع ذلك الطعام القليل.

    وما هي إلا برهة حتى رجع إليهما يحمل وليداً، وهو في غاية السرور، فهنأه الملك والوزير به، وقدما له بعض المال ليصلح به حاله، فسعد بذلك الرجل، وفي غيابه طلب الملك من الوزير أن ينظر في طالع الولد، فأخبره أن المولود سيتزوج من ابنته، التي كان قد رزق بها قبل بضعة أيام، فغضب الملك، وأضمرها في صدره، ولما رجع الرجل، سأله إن كان يبيعه ولده فهو فقير، وذو عيال كثير، ثم عرض عليه مبلغاً كبيراً، لم يلبث أن زاده مرة ومرتين، فرضي الرجل، ولكنه أعاده إلى أمه لتودعه، وتلفه بالأقماط، وحزنت الأم لفراقها ولدها، ولكنها سلمت أمرها لله، ولفت الولد بكل مالديها من خرق وثياب.

    وحمل الملك الوليد ومضى به مع الوزير، ولم يقطع سوى مسافة قصيرة حتى رمى بالوليد من قمة جبل، ورجع إلى القصر مطمئناً إلى موته، وطلب من الوزير ألا يخبر أحداً بذلك.

    وشاءت الأقدار أن يقع الوليد على شجرة كثيفة الأغصان، ومنها سقط إلى الأرض، فكان اصطدامه بها ضعيفاً، وهو الملفوف بأقماش وثياب كثيرة، لذلك لم يؤثر فيه السقوط على الأرض.

    وكان في تلك الأنحاء راع مع بضع عنزات، ومرت به إحدى العنزات، فعطفت عليه، ومالت نحوه، حتى تمكن من الرضاعة منها، وكان هذا دأبهما كل يوم، تترك قطيع الماعز، وتقترب من الوليد، ليرضع.

    ولاحظت العجوز أن عنزتها ترجع كل يوم من المرعى ولاحليب في ضرعها، فسألت الراعي، فأقسم لها أنه لا يعرف من الأمر شيئاً، فطلبت منه أن يراقبها، لعل أحداً يسرقها الحليب.

    وراقب الراعي العنزة، فرآها تنتحي جانباً، فتبعها، فرآها تدنو من الوليد، فتمكنه من الرضاع، فذهل لما رأى، وحمل الوليد ورجع به مع العنزة إلى العجوز، وقال لها: “خذي، لقد وضعت عنزتك ولداً”.

    وتلقت العجوز الوليد وفرحت به أشد الفرح، وسهرت عليه، ترعاه وتربيه، إلى أن شب وأصبح من أمهر الفرسان، وقد سمته العجوز "محمد".

    وذات يوم كان محمد في السباق، فسبق كل أقرانه، وكان الملك حاضراً ذلك السباق، فدهش الملك من ذلك الشاب، ومال على الوزير، وكان إلى جانبه، يسأله عن طالع ذلك الشاب، فأجابه بأنه هو من سيتزوج ابنته ويرث من بعده الملك، فغضب الملك، وكان يرتجي ولداً ذكراً يرثه، فأرسل وراء الشاب، وسأله من يكون؟ وأين بيته؟

    ودلّ الشاب الملك والوزير إلى خيمة العجوز، فسألها الملك من يكون الشاب، فأخبرته أنه ولدها، فأنكر أن يكون ولدها وهي العجوز، وقد توفي زوجها منذ زمن بعيد، فاعترفت له بالحقيقة، فأخبرها أنه سيكرّم الشاب، ثم زوده برسالة، وطلب منه أن يحملها إلى القصر، وهناك سيجد مكافأته.

    وحمل الشاب رسالة الملك، ومضى بها إلى القصر، من غير أن يفتحها، ولما بلغ القصر، رأى الحارس نائماً فقفز من فوق السور، وكانت ابنة الملك في نافذتها، فأعجبت به وأشارت إليه، فصعد إلى غرفتها، وسألته عن قصده، فقدم إليها الرسالة، ففتحتها، فقرأت فيها أمر والدها بقطع رأسه، فمزقت الرسالة وخطت رسالة أخرى، كتبت فيها أمراً بتزويجه من ابنة الملك، ثم مهرتها بخاتم أبيها، وطلبت أن يقدمها إلى قاضي القضاة، فأدى هذا إلى تنفيذ الأمر بزواج الشاب من ابنة الملك، فأقيمت الأفراح، وأعدت الولائم، وعاشت المدينة أياماً في سعادة ورخاء.

    ثم أعلن عن عودة الملك إلى البلاد فخرج رجال القصر، وقائد الجيش، وقاضي القضاة، كما خرج الشاب، وزوجته في موكب مهيب، لاستقبال الملك، ولما رأى الملك الشاب عرفه على الفور، فالتفت إلى القاضي يسأله من يكون، فأجاب: هو صهرك يا مولاي وزوج ابنتك، وعند ئذ أدرك الملك أن قسمة هذا الشاب هي الزواج من ابنته، وأن حظه أن يكون وريثه في الملك.

    وعاش الشاب مع زوجته في سعادة وسرور، ثم توفي الملك، فورث من بعده العرش.

  11. #26
    التسجيل
    31-01-2005
    المشاركات
    142

    مشاركة: مكتبة الحكايات الشعبية




    حكاية الكذب



    يحكى أن أحد الملوك أعلن في المملكة عن رغبته في سماع حكاية الكذب، ووعد أن يتنازل عن الملك لمن يحكي له حكاية لاشيء من الصدق فيها، فيصبح ملكاً بدلاً منه، وإذا لم ينجح قطع رأسه.

    وتقدم إليه أناس كثير، ولكن أحداً لم ينجح، في رواية حكاية كذب، وكان الملك يقطع رأس كل من خاب حظه، حتى إنه بنى قصراً من تلك الرؤوس.

    وكان في المملكة ولد يتيم، لايفقه شيئاً، عملت جدته على تربيته، ولما سمع بحكاية الكذب، أخبر جدته برغبته في الدخول على الملك، ليسمعه حكاية كلها كذب، ويصبح ملكاً بدلاً منه، فحذرته جدته، وأكدت له أن الإخفاق يعني قطع الرأس، فأجابها: "ليس لي سوى هذا الرأس وهو أقرع، فليأخذه الملك إذا أخفقت".

    ومضى الولد الأقرع إلى قصر الملك في منتصف الليل، فرأى الباب مغلقاً، فحمل حجراً كبيراً رمى به الباب، فأسرع إليه الحرس، فسألوه عن سبب فعلته، فأكد لهم رغبته في أن يحكي للملك حكاية الكذب، فحذروه ونصحوا له بالعودة، ولكنه أبى.

    وفي الصباح دخل الولد الأقرع على الملك وهو في الديوان ومن حوله الوزراء والقضاة ورجال الدولة، وأكد أنه سيحكي للملك حكاية كذب، ثم طلب أن يوقع الملك على ورقة أمام الجميع يعلن فيها عن تنازله عن الملك في حال نجاحه.

    وكان للولد ما أراد، فأخذ يحكي للملك حكاية الكذب، وهو يقول:

    كنا في البيت ستة، ضربنا الهواء فصرنا ثلاثة، أطرش وأعمى وأعرج، قال الأطرش: أسمع صوت بقّة في سمائها، فقال الأعمى: وأنا بعيني أراها، فقال الأعرج: هيا، فلنركض وراءها. فصرنا نركض ونركض خمس سنين وخمسة شهور وخمسة أيام، نركض ونركض وما خرجنا من البيت، ولكن لما خرجنا رأينا برغوثاً، وكنا جوعى، فاشترينا منه رطلاً من اللحم، وسألنا أنفسنا أين سنطبخه، فقال الأعمى عند الجارة، ولما طلبنا منها طبخ اللحم، قالت: "أنا قدري أم حلقة، ينزل منها اللحم وتبقى المرقة"، فوافقنا، وكنا جوعى، فأخذنا المرق، ولم يكن فيه سوى قطعة لحم، اختصمنا فيه، وذهبنا إلى القاضي ليقسمها علينا، فقال القاضي:

    "ليذكر كل منكم فضائل جدّه". فقال الأول: "أنا جدي نجار، صنع منبراً صلى عليه أهل الشرق والغرب"، وقال الثاني: "وأن جدي حدّاد، صنع، ثريا أضاءت البر والبحر"، وقال الثالث: "أنا جدتي كانت حاملاً بأبي، فلما جاءها المخاض، قالت لي خذ بيضة واشتر بها شمعة، وبينما كنت في الطريق، وقعت مني نصف البيضة، فانكسرت، وخرج منها دجاج وديوك ملأت السوق، فأخذت أبيع منها وأبيع، حتى امتلأت خرجي بالذهب، فاحتفظت لنفسي بثلاثة ديوك، وفي اليوم التالي وصلت باخرة فيها حمولة، وما في المرفأ أي حمال، فأرسلت ديوكي الثلاث فنقلت حمولة الباخرة كلها، وكسبت من ورائها الرزق الكثير، ولكن لما رجعت، وجدت ظهر أحد الديوك معقوراً، فأخذت حفنة تراب ومسحت بها ظهر الديك، فامتدت على ظهره أرض واسعة وسهول، زرعته بالسمسم، ولما صار أوان الحصاد، أحصيت حبات السمسم، فوجدتها قد نقصت حبة واحدة، وإذا نملة تحملها، فأخذت أشد الحبة منها وهي تشدها، حتى انقسمت الحبة إلى قسمين، فسال منها الزيت، فملأت منه خمسين قنطاراً، وتركت الباقي يسيح في الأرض، وأخذت أبيع الزيت، حتى امتلأت خرجي بالذهب، وفي الموسم الثاني زرعت الأرض نفسها بالبطيخ، وإذا عندي قناطير من البطيخ، أبيع وأبيع والبطيخ يزيد، وذات يوم فكرت في شق بطيخة، وما إن وضعت فيها السكين، حتى غاصت داخل البطيخة، فرفعت رأسي عن جثتي، ووضعته على الأرض بجوار البطيخ ليحرسه، ثم غصت داخل البطيخة، وبحثت عن السكين فوجدتها على رأس جمل، فأخذت أركض وراءه لأخذها وهو يركض أمامي، حتى شعرت بالتعب والجوع، فتركتها وتركت الجمل، ودخلت إلى دكان بائع لأشتري بيضة، فوجدت رأسي على جسم البائع، فقلت له: "هذا رأسي"، وجاء رجل آخر، وقال له أيضاً: "هذا رأسي"، وجاء رجال كثير، كلهم بدون رؤوس، وكل واحد يزعم أن الرأس رأسه فاختصمنا وتجادلنا كثيراً، ثم ذهبنا إلى القاضي نحتكم إليه، فقال القاضي: "سأحمل الرأس، وأصعد به إلى المئذنة، وألقي به من أعلى، فمن وقع الرأس عليه فهو له"، وتجمعنا نحن تحت المئذنة، وأخذنا ننتظر، ولما ألقى القاضي الرأس، وقع فوقي، وإذا المري فوق المري والزلعوم فوق الزلعوم".

    وضرب الملك كفاً بكفّ، وقال للولد الأقرع: "كفى أيها الولد، كفى، لقد رويت لي حقاً حكاية الكذب".

    فقال له الولد: "إذن، هيا، انزل عن العرش، لأقعد فيه مكانك، واخلع عن رأسك التاج، لأضعه على هذا الرأس".

    وهكذا صار الولد الأقرع ملكاً، بفضل حكاية الكذب، ودعا إليه جدته، لتعيش معه في هناءة وسرور.





    عروس بجاموس



    يحكى أن ولداً يتيماً أقرع، لم يكن له بيت ولا أهل ولا مأوىً، عثر ذات يوم على حبة قمح، فحملها ومضى بها إلى الطحّان، وطلب منه أن يضع حبة القمح عنده أمانة، فأخذها الطحان، ومضى الولد في حال سبيله.

    وفي اليوم التالي رجع الولد إلى الطحان، وسأله عن حبة القمح، فأخبره أنها اختلطت مع القمح، وقد طحنها، فطالبه بالبديل، فأعطاه قبضة طحين بدلاً منها، ومضى الولد إلى الخباز، وطلب أن يضع عنده قبضة الطحين أمانة، فأخذها منه الخباز، ومضى الولد في حال سبيله.

    وفي اليوم التالي رجع الولد إلى الخباز، وسأله عن قبضة الطحين، فأجابه بأنها قد اختلطت بالعجين، وراحت مع أرغفة الخبز، فطالبه بالبديل، فأعطاه الخباز رغيف خبز، فأخذه الولد ومضى به إلى فلاح عنده بضع دجاجات، فطلب منه أن يضع رغيف الخبز عنده أمانة، فأخذه منه الفلاح، ومضى الولد في حال سبيله.

    وبعد بضعة أيام رجع الولد إلى الفلاح، وسأله عن رغيف الخبز، فأخبره بأن الدجاجات قد التهمته، فطالبه بالبديل، فأعطاه الفلاح دجاجة، فحملها الولد ومضى بها إلى راع عنده بضع غنمات، وطلب منه أن يضع الدجاجة أمانة عنده، فأخذها الراعي، ومضى الولد في حال سبيله.

    وبعد بضعة أيام رجع الولد إلى الراعي، وسأله عن الدجاجة، فأخبره أن الثعلب غافله واختطفها، فطالبه بالبديل، فأعطاه الراعي خروفاً، فأخذه الولد، ومضى به إلى مزرعة فيها أبقار وجواميس، وطلب من صاحب المزرعة أن يترك الخروف أمانة عنده، فأخذ صاحب المزرعة الخروف منه، ومضى الولد في حال سبيله.

    وبعد بضعة أيام رجع الولد إلى صاحب المزرعة، وسأله عن الخروف، فأخبره أن الخروف مرض ومات، فطالبه الولد بالبديل، فأعطاه الرجل جاموساً، فأخذ الولد الجاموس ومضى به.

    وبينما كان يسير، وهو يجر الجاموس وراءه، سمع صوت غناء، فتبع مصدر الصوت، حتى بلغ داراً يقام فيه عرس، فترك الجاموس أمام الدار، ودخل، وأخذ يسلي نفسه بما يرى من رقص، ثم نصبت الموائد، ودعي الناس إلى الطعام، فأكل معهم، ولما خرج، لم يجد الجاموس، فرجع يسأل عنه، فأخبره والد العروس أنه رأى الجاموس أمام الدار فظنّ أن أحد الأقارب قد أحضره هدية، فذبحه، وأولم منه، وأطعم الناس، فأخذ الولد يبكي ويصيح، مطالباً بالبديل.

    وعرض عليه والد العروس أن يختار أي فتاة لتكون زوجة له، فنظر في الصبايا الحسان، فلم تعجبه سوى العروس، وأصرّ إلا أن يأخذها بدلاً من الجاموس.

    واضطر والد العروس أمام إلحاح الولد إلى النزول عند رغبته، وهكذا زفت العروس إلى الولد الأقرع، وخرج بالعروس بدلاً من الجاموس.






    أرزة وقنبر



    يحكى أن أحد الملوك ضاق صدره ذات ليلة، فأيقظ وزيره، وهو أخوه، وخرجا معاً متنكرين، طلباً للنزهة، والتفريج عن النفس.

    وبينما هما في إحدى الرياض، مرّ بهما شيخ عجوز، فقال لهما: "السلام على الملك والوزير"، فدهش الملك والوزير، كيف عرفهما وهما متنكران، ثم سألهما إن كانا قد رزقا بالأولاد، فأجابا أن لم يرزقا بعد، فأعطى كلّاً منهما تفاحة، وطلب أن يأكلها كل منهما مع زوجته، ثم أخبر الملك أنه سيرزق ببنت، وأخبر الوزير أن سيرزق بولد، وأن هذا الولد سيتزوج تلك البنت.

    ورجع الملك والوزير إلى القصر، وقد وضع كل منهما تفاحته في زنّاره، ولما دخل الملك على زوجته، وفكّ الزنار، وقعت التفاحة فدهشت زوجته، وقالت له: "ليس من عادتك أن تأتي بتفاحة واحدة؟".

    فأخبرها بأمر الشيخ العجوز ونبوءته، ثم اقتسما التفاحة، وناما معاً، وفي تلك الليلة حملت زوجة الملك.

    كذلك كان شأن الوزير وزوجته.

    ومرت الأيام، تلتها الشهور، وإذا زوجة الملك قد وضعت بنتاً أسمتها "أرزة"، وإذا زوجة الوزير قد وضعت ولداً أسمته "قنبر".

    وشاءت الأقدار أن يموت بعد عام أو بضع عام الوزير، وما هي إلا بضعة أعوام أخرى حتى ماتت زوجته، وهكذا أصبح "قنبر" يتيماً، فكفله عمه الملك، وطلب من زوجته أن تعنى به، ولكن ما كان لها أن تحبه وهي التي عرفت من نبوءة الشيخ العجوز أنه سيتزوج ابنتها.

    وهكذا حرّضت الملك على ابن أخيه، وقد أصبح شاباً، فأعطاه بضع غنمات، وطلب منه أن يرعاها، حتى يبعده عن القصر.

    وذات يوم خرجت "أرزة"، مع جواريها في نزهة، فقصدت إلى التل حيث ابن عمها، ففرح كثيراً، ثم ذبح خروفاً تركه للجواري ينشغلن به، ثم مضى مع ابنة عمه إلى العين، وهناك مرحا كثيراً ونعما بالماء والخضرة، إلى أن حان وقت العودة، فودعته باكية، ورجعت إلى الجواري.

    وبينما هي في بعض الطريق ذكرت سوارها، فطلبت من الجواري أن ينتظرنها، ريثما ترجع لتحضره، وعرضن عليها أن تذهب إحداهن بدلاً منها، ولكنها أبت إلا أن تحضره بنفسها.

    ورجعت إلى حيث العين، فوجدت ابن عمها طريحاً على جانب العين، فأقبلت عليه تسأله عن سوارها إن كان قد وجده، فردّه إليها في الحال، ثم همّت بالعودة، فرجاها أن تداوي جروحه قبل أن تمضي، فما كان منها إلا أن جرحت إصبعها، ثم أكدت له أن جرحه سيطيب إذا ما ذكر جرحها، ثم ودعته ومضت.

    ولما دخلت القصر، رأت أمها نقطة دم على ثوبها، كانت قد سقطت من الجرح الذي أحدثته في إصبعها، فشكّت أمها في الأمر، وسألتها إن كانت قد التقت ابن عمها، فلم تنف البنت ذلك، بل أكدت لقاءها به، وحبّها له.

    ولما كان المساء، روت الملكة لزوجها ماكان من نزهة ابنتها ولقائها بابن عمها، ثم اقترحت أن ينفيه إلى أقاصي البلاد.

    وفي بلدة نائية افتتح "قنبر" حماماً، وقد جعل أجرة الاستحمام فيها حكاية لعله يتسلّى، ولعل خبراً يأتيه من "أرزة".

    وكانت "أرزة" تقعد في شرفة القصر، تنظر القادمين والرائحين، لعل أحداً يأتيها بخبر من "قنبر".

    وذات يوم مرّ بها ركب من المسافرين، فقالت لهم: "بالله عليكم، إذا رأيتم ابن عمي قنبر، فبلغوه عني السلام".

    وشاءت الأقدار أن يصل ذلك الركب المسافر إلى ديار "قنبر"، فدخلوا الحمام، وحدثوه حديث "أرزة"، ففاضت منه الدموع، وترك لهم الحمام، وشدّ الرحال إلى "أرزة".

    ووصل "قنبر" إلى قصر عمه في الليل.

    وكانت "أرزة" نائمة، ولكن طائر الغرام رف بجناحيه فوق رأسها، فنهضت وهي تنادي "قنبر، قنبر".

    وسمع "قنبر" النداء، فأجابها "أنا هنا يا أرزة"، وأطلت عليه من الشرفة، ثم دلّت شعرها الطويل إليه، فتعلق به، فرفعته إليها، وظلاّ ساعات يتناجيان ويتسامران، إلى أن غلبهما النعاس، فناما معاً في سرير واحد، وقد وضعا السيف والمصحف بينهما.

    وفي الصباح دخل عليها كعادته كل يوم الخادم الخاص بها، وهو يحمل لها الطعام، فرأى "قنبر" في السرير إلى جوارها، ولم ير السيف والمصحف بينهما، وكان هذا الخادم يحبها، وإن كانت هي لا تحبه، فأسرع إلى الملك وأخبره بما رأى، وشاور الملك زوجته في الأمر، فاقترحت عليه رميه في البحر.

    وعلمت "أرزة" بعزم أبيها على رمي "قنبر" في البحر، فطلبت من النجار أن يصنع لها صندوقاً بطول "قنبر"، ثم ملأته بالطعام، وأمر الملك الخدم، فوضعوا "قنبر" في الصندوق، وأغلقوه بالمسامير، ثم ألقوه في البحر.

    وأخذت "أرزة" تخرج كل يوم مع أربعين جارية من جواريها إلى البحر، والخادم يعدّهن في الذهاب والإياب، وكانت "أرزة" تقعد على شاطئ البحر، تنتظر عودة "قنبر" إليها.

    وشاءت الأقدار أن ترمي الأمواج بالصندوق على شاطئ بلاد الفرنج، وكانت بنت ملك تلك البلاد تلهو مع صديقاتها، فرأت الصندوق، فأسرعت إليه، ولما رأت "قنبر" فيه، فتنت به، ودعته إلى نفسها، ولكن "قنبر" قال لها: "لي بنت عم، لا أبغي عنها بدلاً"، فغضبت منه بنت ملك تلك البلاد، وأمرت الخدم، بإعادته إلى الصندوق، وإغلاقه عليه ثم رميه في البحر.

    وكانت "أرزة" ما تزال على عادتها، تخرج إلى البحر كل يوم مع جواريها الأربعين، والخادم الذي يحبها يعدّهن في الذهاب والإياب، وكانت "أرزة" تأخذ كل يوم معها ثوباً نسائياً، على أمل أن تلقى "قنبر" فتلبسه ذلك الثوب، وتدخله مع الجاريات، فلا يشعر به الخادم، وذات يوم كان لأرزة ما أرادت، فقد رمى البحر بالصندوق، فأسرعت إليه، ثم بادرت إلى إلباس "قنبر" ثوب فتاة، ثم اختلط بالجاريات، ودخل معهن القصر.

    وسعدت "أرزة" بلقاء ابن عمها، وأمضيا الليل يتناجيان ويتسامران، حتى غلبهما النعاس، فناما معاً في سرير واحد، وقد وضعا بينهما السيف والمصحف.

    وفي الصباح دخل الخادم كعادته، ليقدم لها طعام الفطور، فرأى "قنبر"، فأسرع إلى الملك يخبره، فأمر أن يقول لقنبر: "الملك يدعوك للمثول بين يديه، أمام الوزراء والقضاة، فإذا ذكرت أرزة فسوف يقطع رأسك، وإذا لم تذكرها عفا عنك".

    ورجع الخادم ليقول لقنبر خلاف ذلك، ففرح قنبر، كما فرحت أرزة، وظنّا معاً أن الملك قد عفا عنهما، وأنه سيتزوج أحدهما الآخر.

    ونزل قنبر إلى الديوان، حيث الملك مع الوزراء والقضاة، ونزلت في إثره أرزة، ولكنها لم تدخل، إنما اختبأت في نافذة عالية تطل على الديوان، وتقدم "قنبر" من الملك، فألقى السلام عليه، ثم قال: "يا عمي، أنت عندك جرة سمن، وأنا عندي جرة عسل، وأنت بعينيك شايفني، وأنا بنت عمي في النافذة شايفها"، ثم أشار إلى "أرزة"، وكانت تطل من النافذة.

    فغضب الملك، وأمر الجلاد بقطع رأسه، فهوى الجلاد عليه بالسيف، فتدحرج رأسه بين قدميه.

    فذهلت أرزة مما رأت، ثم قالت:

    "يا أبي، والله ابن عمي ما مسنّي، ولا أنا مسيّته، فلم قطعت رأسه، وعلى الأرض رميته؟ "ثم رمت نفسها، فوقعت على الأرض إلى جانب ابن عمها، تريد لنفسها الهلاك، ولكن شاءت الأقدار ألا تصاب بشيء، سوى بعض الرضوض البسيطة، وقد أمر الملك بحملها إلى الداخل والعناية بها.

    ثم أخذت "أرزة" تزور قبر ابن عمها "قنبر" كل يوم، فكانت تخرج مع أربعين جارية من جواريها، وترجع معهن، وكان الخادم يفتشها كل يوم في الذهاب والإياب.

    وذات يوم حملت سكيناً حادة، أخفتها في نعل حذائها، ثم خرجت مع الجواري الأربعين إلى قبر "قنبر"، وقعدت هناك، وبكت ماشاء لها البكاء، ثم قفلت راجعة، وفي الطريق ادعت أنها نسيت سوارها، ثم تركت الجواري، ورجعت إلى القبر.

    وطال انتظار الجواري عودة "أرزة"، ولما رجعن إليها، رأينها ميتة إلى جوار قبر ابن عمها، وثمة سكين مغروسة في صدرها، فعرفن أنها قتلت نفسها.

    ورجعن إلى القصر فأخبرن الملك، فندم على ما فرط من أمر ابنته وابن أخيه، فأمر أن تدفن في قبر إلى جانب قبر ابن عمها.

    وخرج الخادم ذات يوم إلى المقبرة، ولما رأى القبرين متجاورين ثارت في نفسه الغيرة، وهو الذي كان يحب "أرزة"، فحفر لنفسه حفرة بين القبرين، ونزل فيها، وهو يقول: "سأفرق بينكما ميتين، مثلما فرقت بينكما وأنتما على قيد الحياة".

    ثم أهال على نفسه التراب، حتى بلغ كتفيه، وظل رأسه وحده ظاهراً، ولما حلّ الليل، جاءت الوحوش فمزقت رأسه ونهشته.

    وفي الصباح مرّ ركب من المسافرين، فرأوا قبر أرزة وقنبر، وقد نبتت فوق هذا القبر زهرة جميلة، وفوق ذلك القبر زهرة أجمل، وكانت بينهما شوكة طالعة، حتى إذا ماهب النسيم تمايلت الزهرتان، وكادت إحداهما تلمس الأخرى، ولكن سرعان ما تفرق بينما الشوكة.


  12. #27
    التسجيل
    31-01-2005
    المشاركات
    142

    مشاركة: مكتبة الحكايات الشعبية




    الملك وابن أخيه



    يحكى أنه كان لأحد الملوك أخ فقير، يعمل حطاباً، وكان لا يسأل عنه، ولا يُعنى به، وكأنه ليس بأخيه.

    ثم توفي هذا الأخ، ولم يخلف سوى ولد وحيد، سهرت أمه على تربيته، وعنيت به ، ولما شبّ سأل أمه عن عمل أبيه، فأخبرته أن والده كان حطاباً، ولم يخلف له سوى فأس صدئة، فأخذ الولد تلك الفأس، ومضى بها إلى الغابة، ثم دنا من شجرة كبيرة، وأخذ يضرب في جذعها، وإذا الجذاذات التي تطير منها تتحول إلى ذهب، وجرب ذلك في جذع شجرة أخرى، فإذا الأمر يتكرر، فالتقط غصناً مرمياً على الأرض، وأخذ يجرّب فيه الفأس، فإذا بالجذاذات المتطايرة منه تتحول إلى ذهب، فأدرك أن السرّ في الفأس فحملها ورجع إلى أمه، وقبل أن تسأله عن سبب عودته من غير أن يحمل شيئاً من الحطب، أخبرها أنه يريد الزواج من ابنة عمه الملك، وكان للملك ابنة وحيدة فائقة الحسن والجمال، ردّ والدها كثيراً من الفرسان والأمراء ممن تقدموا إلى خطبتها، فأكدت له أمه أن الملك لن يزوجه منها، بل سينقم عليه وربما أمر بقتله، لأنه من قبل كان يكره أباه، ولكن الفتى أبى إلا أن يسعى إلى الزواج من ابنة عمه.

    ومضى الفتى إلى القصر، وطلب الإذن في الدخول على الملك، ولما صار بين يديه، والوزراء والقضاة من حوله، ألقى السلام، ثم أعلن صراحة ومن غير مقدمات عن رغبته في الزواج من ابنة عمه، فغضب الملك، وأمر الجلاد بقطع رأسه، ولكن أحد الوزراء توسّل إليه أن يتريث، ثم اقترح أن يطلب منه مطلباً صعباً، إذا حققه تزوجها، وإذا لم يحققه قطع رأسه.

    وارتاح الملك للرأي، فطلب من ابن أخيه أن يملأ إحدى غرف القصر بالذهب، فسرّ الفتى بالطلب، ومضى إلى إحدى الغرف، فأخرج فأسه، وأخرج قطعة خشب، وأخذ ينجر فيها، وإذا جذاذات الذهب تتطاير وتتطاير، حتى ملأت الغرفة، وعنذئذ اضطر الملك إلى تزويج ابنته من ابن أخيه، ولكنه أحسّ أن في الأمر سراً ما، ولذلك أوصى ابنته أن تعرف السرّ، وترجع إليه، من غير أن تمكن ابن عمها من نفسها.

    وفي ليلة الزفاف قدمت ابنة الملك إلى ابن عمها أطايب الطعام والشراب، وأخذت تحدّثه وتسامره وتؤانسه، فاطمأن إليها وارتاح، ثم أحست فيه لحظة ضعف، فسألته عن مصدر الذهب، فحدثها عن الفأس، فقدمت إليه كأس شراب فيه منوم، ولما غلبه النعاس، حملت الفأس، ورجعت إلى أبيها الملك، تحت جنح الظلام.

    وفي الصباح استيقظ الفتى فلم يجد العروس ولا الفأس، فعرف أنها خدعته، فعزم أن ينتقم لنفسه، وازداد إصراراً على الزواج من ابنة عمه، وأسرع إلى أمه يسألها إن كان أبوه قد ترك له شيئاً آخر غير الفأس، فدلته على صندوق فيه كل حاجات أبيه، فبحث فيه فعثر على ناي، ولمّا سأل أمه عنه، أجابته بأن والده كان يتسلى به في بعض الأوقات، فأخذ الناي، وأخذ ينفخ فيه، وإذا صحون ملأى بأطايب الطعام تمتد في أرض الغرفة.

    وأسرع الفتى في الحال إلى عمه، فدخل عليه وألقى السلام، ثم أعلن رغبته في الزواج من ابنة عمه، همّ الملك أن يأمر الجلاد بقطع رأسه، ولكنه ذكر اقتراح الوزير، فطلب من ابن أخيه أن يطعم الوزراء والقضاة والقادة والجند والحرس، لكي يزوجه ابنته، وإلا قطع رأسه.

    ومضى الفتى في الحال إلى المطبخ، وأخذ ينفخ في الناي، والخدام ينقلون الصحون مملوءة بأطيب الطعام، حتى أكل كل أولئك، وغيرهم كثير، وعندئذ اضطر الملك إلى تزويج ابنته من ابن أخيه، ولكنه أوصاها بمثل ما أوصاها به أول مرة.

    وتمكنت ابنة الملك من التأثير في ابن عمها، وساقته إلى الاعتراف بمصدر ذلك الطعام، ثم سقته شراباً فيه منوم، فنام، فحملت الناي، وخرجت به عائدة إلى أبيها، وفي الصباح استيقظ الفتى، فلم يجد العروس ولا الناي، فعرف أنه خدع مرة ثانية.

    ورجع إلى صندوق أبيه، يبحث فيه، فلم يجد سوى طاقية عتيقة، فكاد يمزقها، ولكنها وضعها على رأسه، وأسرع إلى أمه يرجوها أن تجهز له الطعام، فقد غلبه الجوع، ولكنها دهشت لأنها لم تكن تراه، وأخذت تسأله أين يكون، فدهش هو أيضاً، وبصورة عفوية رفع الطاقية عن رأسه، فإذا هو بجانب أمه، وعندئذ عرف أن هذه طاقية الإخفاء. وأسرع الفتى إلى الملك يخطب ابنته، وللمرة الثالثة حصل على ما حصل في المرتين الأوليين، وتمكنت ابنة الملك من اختطاف قبعة الإخفاء والعودة بها إلى أبيها. وعندئذ ضاقت الدنيا بالفتى، فقرر ترك البلاد، والارتحال في أرض الله الواسعة، لأنه لا يطيق العيش في بلد فيها الملك وابنة عمه، وأخذ يقطع الفيافي والقفار، وبينما هو كذلك غلبه الجوع، ولمح خيمة بعيدة، فقصدها، فوجد فيها عجوزاً، وعندها بضع غنمات، فرجاها أن يعمل عندها راعياً، فسرت لذلك، وأخذ يسرح كل يوم بالغنمات.

    وذات يوم، وبينما هو في الحقل يرعى الغنمات، مرت به أفعى بيضاء، ولما صارت أمامه، انتفضت، وإذا هي صبية حسناء، رجته أن يخبئها من ابن عمها الذي يسعى في إثرها للزواج منها، وهي لا تريده، فذعر، وتملكه الخوف، وسألها، كيف يمكنه أن يخبئها، فإذا هي تنتفض، وترجع أفعى، فأخفاها تحت طيات ثيابه، وما هي إلا هنيهة، حتى مرّ به ثعبان أسود، وقف أمامه، ثم انتفض، وإذا هو عبد أسود، سأله إن كان قد رأى ابنة عمه، فأشار إلى جبل شاهق، وأخبره أنها ذهبت وراء ذلك الجبل، فانتفض العبد الأسود، ورجع ثعباناً، واتخذ طريقه نحو الجبل، ولما ابتعد، أخرج الأفعى، فشكرته، وسألته ما يريد، فأكد لها أنه قد قام بواجبه، ولا يطلب منها شيئاً، وعندئذ قالت له: "سيتحقق لك كل ما تتمناه، وإذا قلت لأحد الصق بمكانك فسوف يلصق به"، ثم تركته وابتعدت.

    وأسرع الفتى إلى العجوز، فردّ إليها الغنمات، ثم رجع إلى بلاده، وقصد على الفور قصر عمه الملك، ولما دخل عليه، أمر الملك الحراس على الفور بالقبض عليه، ولكن الفتى قال لهم: "الصقوا في أماكنكم، فلصقوا، فطلب الملك من الجلاد أن يقطع رأسه، فقال له الفتى مثل ما قال للحراس، فلصق في مكانه، ثم قال للملك: "كما ترى، أنا قادر على لصق الوزراء والقضاة كلهم في أماكنهم، ولذلك فمن الأفضل أن تردّ علي الفأس والناي والطاقية، وأن تزوجني ابنتك؟

    وتدخل الوزراء والقضاة، وأكدو للملك ضرورة تزويج ابنته من ابن أخيه، وعندئذ أدرك الملك أن ابنته هي من نصيب ابن أخيه، وأن العرش لا بد سيصير من بعده إليه، فوافق.

    وهكذا أقيمت الأفراح، وأعلن في المملكة سبعة أيام وثماني ليالي لا أحد يأكل ولا أحد يشرب إلا من قصر الملك، وتزوج الفتى الفقير من ابنة عمه الملك، وعاشا معاً في سعادة وسرور.




    الشحاذ وبنت الملك



    كان في قديم الزمان ملك، ولا ملك إلا الله، وكانت له بنت وحيدة، وكان يحبها حباً كبيراً، ويعنى بها، ويحضر لها كل ما تطلب، وكان يسألها: "هل هناك من هو أكرم مني؟، فتجيبه: نعم، هناك من هو أكرم منك، وكان كلما أعاد السؤال، أعادت عليه الجواب نفسه، حتى إنه ضجر منها، وأقسم أن يزوجها من شحّاذ.

    وذات يوم تقدم إليه شحاذ يرجوه المساعدة، فسأله إن كان متزوجاً فأجاب أن “لا” فأقسم عليه أن يتزوج ابنته، فدهش الشحاذ، وحاول الاعتذار، ولكن لم يكن ثمة مفرّ.

    وهكذا حملت بنت الملك صرّة ثيابها، ومضت مع زوجها الشحاذ، مغادرة قصر أبيها، من غير زفاف، ولا احتفال ولا أفراح.

    ولم يكن لدى ذلك الشحاذ سوى كوخ صغير، آواها فيه، وفي صباح اليوم التالي أعطته خاتماً كان في إصبعها، وطلبت منه أن يبيعه ويستأجر بثمنه داراً صغيرة، وتم انتقالهما إلى تلك الدار.

    وفي صباح يوم آخر أعطته أحد أثوابها، وطلبت منه أن يبيعه ليشتري بثمنه بعض الطعام، فباعه، وبينما هو في الطريق، سمع رجلاً ينادي: "الكلمة بليرة، فمن يشتري؟ فدهش الشحاذ، ودفع إلى الرجل الليرة التي كان قد قبضها ثمن الثوب، فقال له الرجل: "حب حبيبك ولو كان عبداً أسود".

    ورجع إلى زوجته، واعتذر إليها، مدعياً أنه أضاع ثمن الثوب، وفي صباح اليوم التالي أعطته ثوباً آخر، ونزل إلى السوق فباعه، وبينما هو يبحث عن الطعام، سمع الرجل نفسه ينادي: "الكلمة بليرة، فأسرع إليه، ودفع له ثمن الثوب، فقال له الرجل: "من أمّنك فلا تخنه، ولو كنت أكبر خائن"، ورجع الشحاذ إلى زوجته، واعتذر إليها مختلقاً بعض الحجج.

    وفي اليوم الثالث، أعطته ثوباً وقالت له: هذا آخر ثوب عندي، بعه ولا تفرط بثمنه"، ومضى إلى السوق، فباعه، ومرة ثالثة التقى الرجل نفسه، ودفع له ثمن الثوب، فقال له الرجل، "ساعة السرور لا تفوتها"، ورجع الشحاذ إلى زوجته معتذراً، فقالت ليس عندي ما أعطيك إياه، وما عليك سوى أن تبحث عن عمل.

    وفي اليوم التالي نزل إلى السوق، ووقف على الرصيف حيث يقف العمال، ينتظرون من يأتي فيأخذهم ليعملوا، في الحقل أو البناء أو الرعاية أو السقاية.. وانتصف النهار وجاء أصحاب الأعمال وأخذوا العمال كلهم، ولم يبق أحد سواه، وكاد يرجع إلى البيت خائباً، ولكن رجلاً أتاه ليسأله: "هل تعمل في سقاية الحمير؟، فأجابه: أعمل، وعندئذ أخذه إلى حقل حيث كانت هناك حمير كثيرة تحمل حجارة يقطعها الرجال من الجبل، وكان على الشحاذ أن يقودها إلى مغارة بعيدة، يتدفق منها الماء، فساقها تحت الشمس الحارقة، حتى وصل إلى المغارة، وهناك تركها تشرب ما شاء لها الشرب، وتبترد، على حين دخل هو المغارة، ليستريح في الظل.

    وبينما هو في المغارة إذ برز له مارد جبار، ومعه فتاتان، إحداهما شقراء، والأخرى سمراء، فسأله المارد: "أجبني أيها الرجل، أي الفتاتين أجمل؟ السمراء أم الشقراء؟، وتذكر الشحاذ الكلمة التي كان قد اشتراها في اليوم الأول: فأجاب: "أحبب حبيبك، ولو كان عبداً أسود"، فسرّ المارد لجوابه سروراً كبيراً، ثم قال: "أحسنت أيها الرجل ولو كنت قلت الشقراء، لقطعت رأسك،" ثم ما كان من المارد إلا أن أعطاه كيساً مملوءاً بالنقود الذهبية.

    وخرج الشحاذ من المغارة، وأخذ يقود الحمير إلى صاحبها، ثم تركها عنده، ومضى، لا يريد أجرته، ثم أسرع إلى زوجته، وأعطاها الكيس المملوء بالنقود الذهبية.

    وفي اليوم التالي نزل الشحاذ إلى السوق، ووقف حيث وقف بالأمس، وقدم أصحاب الأعمال، وأخذوا العمال كلهم، ولم يبق أحد سواه، وهم بالانصراف خائباً، ولكن رجلاً أسرع إليه يسأله إن كان يرغب في العمل عنده مراقباً على العمال، ففرح بذلك، ومضى معه.

    وأخذ الشحاذ يراقب العمال في الحقل، ويتابعهم، وقد سرّه هذا العمل، واستمر فيه، وكان في نهاية الأسبوع يقبض من صاحب العمل أجرة العمال ويوزعها عليهم، ولكنه كان يضطر في أغلب الأيام إلى البقاء في بيت الرجل صاحب العمل، لينهض في الصباح الباكر، ويشرف على العمال، وقد اطمأن إليه صاحب العمل، وجعله مثل ابنه، وأخذت زوجة الرجل تعنى به وتقدم له الطعام وكان يناديها دائماً "يا أختي".

    وذات يوم أخبره رب العمل أنه مضطر إلى السفر لبضعة أيام، ثم كلفه برعاية العمال، وفوّضه في الأمر كله، وأوصى زوجته به، كما أوصاه أن يحضر لها كل ما تطلبه من حاجات السوق، وتمنى عليه أن ينام طوال غيابه في بيته، حتى يظل قريباً من العمل.

    ومرت الأيام والشحاذ في بيت الرجل، يقوم بواجبه خير قيام، يراقب العمال، ويشرف على العمل، ويحضر لزوجة الرجل كل ما تطلب من حاجات، ثم يأوي مساء إلى غرفة صغيرة لينام فيها متعباً من عناء النهار وكدّه.

    وذات ليلة وبينما هو نائم أحس دبيب حركة، فتوقع أن يكون وحشاً أو لصاً، ولكنه فوجئ بزوجة الرجل تدخل عليه تدعوه إلى نفسها، فذهل، وتذكر الكلمة التي اشتراها في اليوم الثاني: "من أمنك لا تخونه، ولو كنت أكبر خائن"، فاعتذر إليها، ثم أخذ يمضي النهار في الحقل مع العمال، ويرجع مساء إلى بيته لينام فيه.

    ورجع الرجل من السفر ليلاً، فلم يجد الشحاذ في البيت، وسأل زوجته عنه، فاتهمته بالخيانة، والسرقة، وأكدت له أنه قد راودها عن نفسها، فغضب أشد الغضب، ولما كان الفجر، خرج إلى الحقل، فوجد الشحاذ وهو يراقب العمال، ويشرف على العمل، فناداه، فأقبل الشحاذ على الرجل مسلماً عليه، وبادر إلى عناقه، فعانقه الرجل، ولم يظهر شيئاً مما في نفسه، ثم إنه سلّمه رسالة مغلقة، وطلب منه أن يوصلها إلى صديق له، صاحب معمل صابون، وأن يبلغه السلام، ثم أكد له أنه سيعد هذا اليوم يوم عطلة ووعده أن يعطيه في الغد أجرته، مع مكافأة مجزية.

    وفرح الشحاذ بذلك، ومضى عائداً إلى بيته وزوجته، وبينما هو في الطريق مرّ بقرية، فسمع فيها صوت طبول وأفراح، فتذكر الكلمة الثالثة التي كان قد اشتراها، وهي: ساعة السرور لا تفوتها"، فمال نحو مصدر الصوت، فرأى حفل زفاف، فانضم إلى أهل الحفل، وشاركهم فرحتهم، ثم نصبت حلقة الدبكة، فأخذ السرور منه كل مأخذ فشارك القوم رقصتهم بل قدم أشكالاً من الرقص أثارت دهشة الجميع، ولا سيما والد العروس.

    ثم نصبت الموائد ودعي الشحاذ مع المدعويين، فلم يتردد، ولما فرغ من الطعام، تقدم من والد العروس، يعتذر إليه، ويرجوه أن يسمح له بالانصراف، ولكن والد العروس أقسم عليه أغلظ الأيمان كي يمضي ليلة عندهم، فأخبره أنه يحمل رسالة ولا بد من إيصالها إلى صاحبها، فوعده أن يرسلها مع أحد رجاله، وفي الحال، نادى رجلاً، وأعطاه الرسالة، وطلب منه إيصالها إلى صاحبها.

    وأمضى الشحاذ ليلته مع الضيوف، وهو يلقى من الترحيب ما لم يتوقعه، وفي الصباح رجع إلى الرجل صاحب العمل، لما أقبل عليه، وهو في الحقل مع العمال، دهش الرجل لرؤيته، وبادر إلى سؤاله: "هل وصلت الرسالة إلى صاحبها؟ "فحدثه الشحاذ عما كان من أمر القرية والعرس، فندم الرجل على ما بدر منه، ثم اعترف للشحاذ بأنه كان قد زوده برسالة يطلب فيها من صديقه صاحب معمل الصابون أن يلقي بحامل الرسالة في حوض الزيت المغلي ليموت فيه ولا يبقى له أثر، ثم تأكد لديه براءة الشحاذ، وسوء نية زوجته، ولذلك اعتذر إليه، وقدم له كيساً مملوءاً بالليرات الذهبية، ولكن الشحاذ أبى أن يأخذه إلا أن الرجل ألح عليه.

    ورجع الشحاذ إلى زوجته بعد تلك الغيبة الطويلة، يحمل الكيس المملوء بالذهب، فاقترحت عليه أن يشتري محلاً في سوق التجار، ويقعد فيه للتجارة.

    وعمل الشحاذ في التجارة، فوفّق في عمله، وربح المال الكثير، وأصبح من كبار التجار، وعندئذ اقترحت عليه زوجته أن يبني قصراً مقابل قصر أبيها الملك، وكان لها ما أرادت.

    وذات يوم سأل الملك عن صاحب القصر فذكروا له كبير التجار، فرغب في التعرف إليه، وزار الشحاذ الملك في قصره، ولقي منه الحفاوة والترحيب، وبادر الشحاذ إلى دعوة الملك إلى زيارته، فوعده بذلك.

    وفي الموعد المنتظر كانت ابنة الملك، زوجة الشحاذ، قد أعدت لوالدها أطايب الطعام، وجهزت مائدة يشتهيها النظر، كما أعدت له صحن حساء خاص به، تعرف ميله إليه.

    ولما حضر الملك أدهشه جمال القصر كما أدهشه حسن ترتيب المائدة، ولما قدمت له ابنته صحن الحساء ذهل، وقال لها: "هذا الصحن من الحساء كانت تعدّه لي ابنتي"، وأرسل زفرة حزن، ثم تذوقه فازداد دهشة، وقال: "الله لكأن ابنتي هي التي أعدته، وعندئذٍ قالت له ابنته "صدقت يا أبي، فابنتك هي التي أعدته لك"، ثم إنها عرفته إلى نفسها، وإلى حقيقة زوجها الذي كان شحاذاً، ثم قدمت له ولدين كانت قد رزقت بهما.

    فسرّ الملك سروراً كبيراً للقائه بابنته، ولما صار إليه حالها من رزق وخير، ثم مال عليها يسألها: "هل في المملكة من هو أكرم مني يا ابنتي؟!"، فأجابته: "نعم، يا أبي"، ونظر إليها مدهوشاً ثم سألها: "ما زلت مصرّة على قولك، إذن أخبريني من هو؟، فأجابته: "هو الله".

    فأقر الملك عندئذ بالحقيقة، واعتذر إلى ابنته، ورجاها أن تسامحه على ما نالها من ألم وعذاب، ثم ودّعها ورجع إلى قصره، وتركها مع زوجها ليعيشا معاً في سعادة وسرور.

  13. #28
    التسجيل
    31-01-2005
    المشاركات
    142

    مشاركة: مكتبة الحكايات الشعبية




    الملك وابن أخيه



    يحكى أنه كان لأحد الملوك أخ فقير، يعمل حطاباً، وكان لا يسأل عنه، ولا يُعنى به، وكأنه ليس بأخيه.

    ثم توفي هذا الأخ، ولم يخلف سوى ولد وحيد، سهرت أمه على تربيته، وعنيت به ، ولما شبّ سأل أمه عن عمل أبيه، فأخبرته أن والده كان حطاباً، ولم يخلف له سوى فأس صدئة، فأخذ الولد تلك الفأس، ومضى بها إلى الغابة، ثم دنا من شجرة كبيرة، وأخذ يضرب في جذعها، وإذا الجذاذات التي تطير منها تتحول إلى ذهب، وجرب ذلك في جذع شجرة أخرى، فإذا الأمر يتكرر، فالتقط غصناً مرمياً على الأرض، وأخذ يجرّب فيه الفأس، فإذا بالجذاذات المتطايرة منه تتحول إلى ذهب، فأدرك أن السرّ في الفأس فحملها ورجع إلى أمه، وقبل أن تسأله عن سبب عودته من غير أن يحمل شيئاً من الحطب، أخبرها أنه يريد الزواج من ابنة عمه الملك، وكان للملك ابنة وحيدة فائقة الحسن والجمال، ردّ والدها كثيراً من الفرسان والأمراء ممن تقدموا إلى خطبتها، فأكدت له أمه أن الملك لن يزوجه منها، بل سينقم عليه وربما أمر بقتله، لأنه من قبل كان يكره أباه، ولكن الفتى أبى إلا أن يسعى إلى الزواج من ابنة عمه.

    ومضى الفتى إلى القصر، وطلب الإذن في الدخول على الملك، ولما صار بين يديه، والوزراء والقضاة من حوله، ألقى السلام، ثم أعلن صراحة ومن غير مقدمات عن رغبته في الزواج من ابنة عمه، فغضب الملك، وأمر الجلاد بقطع رأسه، ولكن أحد الوزراء توسّل إليه أن يتريث، ثم اقترح أن يطلب منه مطلباً صعباً، إذا حققه تزوجها، وإذا لم يحققه قطع رأسه.

    وارتاح الملك للرأي، فطلب من ابن أخيه أن يملأ إحدى غرف القصر بالذهب، فسرّ الفتى بالطلب، ومضى إلى إحدى الغرف، فأخرج فأسه، وأخرج قطعة خشب، وأخذ ينجر فيها، وإذا جذاذات الذهب تتطاير وتتطاير، حتى ملأت الغرفة، وعنذئذ اضطر الملك إلى تزويج ابنته من ابن أخيه، ولكنه أحسّ أن في الأمر سراً ما، ولذلك أوصى ابنته أن تعرف السرّ، وترجع إليه، من غير أن تمكن ابن عمها من نفسها.

    وفي ليلة الزفاف قدمت ابنة الملك إلى ابن عمها أطايب الطعام والشراب، وأخذت تحدّثه وتسامره وتؤانسه، فاطمأن إليها وارتاح، ثم أحست فيه لحظة ضعف، فسألته عن مصدر الذهب، فحدثها عن الفأس، فقدمت إليه كأس شراب فيه منوم، ولما غلبه النعاس، حملت الفأس، ورجعت إلى أبيها الملك، تحت جنح الظلام.

    وفي الصباح استيقظ الفتى فلم يجد العروس ولا الفأس، فعرف أنها خدعته، فعزم أن ينتقم لنفسه، وازداد إصراراً على الزواج من ابنة عمه، وأسرع إلى أمه يسألها إن كان أبوه قد ترك له شيئاً آخر غير الفأس، فدلته على صندوق فيه كل حاجات أبيه، فبحث فيه فعثر على ناي، ولمّا سأل أمه عنه، أجابته بأن والده كان يتسلى به في بعض الأوقات، فأخذ الناي، وأخذ ينفخ فيه، وإذا صحون ملأى بأطايب الطعام تمتد في أرض الغرفة.

    وأسرع الفتى في الحال إلى عمه، فدخل عليه وألقى السلام، ثم أعلن رغبته في الزواج من ابنة عمه، همّ الملك أن يأمر الجلاد بقطع رأسه، ولكنه ذكر اقتراح الوزير، فطلب من ابن أخيه أن يطعم الوزراء والقضاة والقادة والجند والحرس، لكي يزوجه ابنته، وإلا قطع رأسه.

    ومضى الفتى في الحال إلى المطبخ، وأخذ ينفخ في الناي، والخدام ينقلون الصحون مملوءة بأطيب الطعام، حتى أكل كل أولئك، وغيرهم كثير، وعندئذ اضطر الملك إلى تزويج ابنته من ابن أخيه، ولكنه أوصاها بمثل ما أوصاها به أول مرة.

    وتمكنت ابنة الملك من التأثير في ابن عمها، وساقته إلى الاعتراف بمصدر ذلك الطعام، ثم سقته شراباً فيه منوم، فنام، فحملت الناي، وخرجت به عائدة إلى أبيها، وفي الصباح استيقظ الفتى، فلم يجد العروس ولا الناي، فعرف أنه خدع مرة ثانية.

    ورجع إلى صندوق أبيه، يبحث فيه، فلم يجد سوى طاقية عتيقة، فكاد يمزقها، ولكنها وضعها على رأسه، وأسرع إلى أمه يرجوها أن تجهز له الطعام، فقد غلبه الجوع، ولكنها دهشت لأنها لم تكن تراه، وأخذت تسأله أين يكون، فدهش هو أيضاً، وبصورة عفوية رفع الطاقية عن رأسه، فإذا هو بجانب أمه، وعندئذ عرف أن هذه طاقية الإخفاء. وأسرع الفتى إلى الملك يخطب ابنته، وللمرة الثالثة حصل على ما حصل في المرتين الأوليين، وتمكنت ابنة الملك من اختطاف قبعة الإخفاء والعودة بها إلى أبيها. وعندئذ ضاقت الدنيا بالفتى، فقرر ترك البلاد، والارتحال في أرض الله الواسعة، لأنه لا يطيق العيش في بلد فيها الملك وابنة عمه، وأخذ يقطع الفيافي والقفار، وبينما هو كذلك غلبه الجوع، ولمح خيمة بعيدة، فقصدها، فوجد فيها عجوزاً، وعندها بضع غنمات، فرجاها أن يعمل عندها راعياً، فسرت لذلك، وأخذ يسرح كل يوم بالغنمات.

    وذات يوم، وبينما هو في الحقل يرعى الغنمات، مرت به أفعى بيضاء، ولما صارت أمامه، انتفضت، وإذا هي صبية حسناء، رجته أن يخبئها من ابن عمها الذي يسعى في إثرها للزواج منها، وهي لا تريده، فذعر، وتملكه الخوف، وسألها، كيف يمكنه أن يخبئها، فإذا هي تنتفض، وترجع أفعى، فأخفاها تحت طيات ثيابه، وما هي إلا هنيهة، حتى مرّ به ثعبان أسود، وقف أمامه، ثم انتفض، وإذا هو عبد أسود، سأله إن كان قد رأى ابنة عمه، فأشار إلى جبل شاهق، وأخبره أنها ذهبت وراء ذلك الجبل، فانتفض العبد الأسود، ورجع ثعباناً، واتخذ طريقه نحو الجبل، ولما ابتعد، أخرج الأفعى، فشكرته، وسألته ما يريد، فأكد لها أنه قد قام بواجبه، ولا يطلب منها شيئاً، وعندئذ قالت له: "سيتحقق لك كل ما تتمناه، وإذا قلت لأحد الصق بمكانك فسوف يلصق به"، ثم تركته وابتعدت.

    وأسرع الفتى إلى العجوز، فردّ إليها الغنمات، ثم رجع إلى بلاده، وقصد على الفور قصر عمه الملك، ولما دخل عليه، أمر الملك الحراس على الفور بالقبض عليه، ولكن الفتى قال لهم: "الصقوا في أماكنكم، فلصقوا، فطلب الملك من الجلاد أن يقطع رأسه، فقال له الفتى مثل ما قال للحراس، فلصق في مكانه، ثم قال للملك: "كما ترى، أنا قادر على لصق الوزراء والقضاة كلهم في أماكنهم، ولذلك فمن الأفضل أن تردّ علي الفأس والناي والطاقية، وأن تزوجني ابنتك؟

    وتدخل الوزراء والقضاة، وأكدو للملك ضرورة تزويج ابنته من ابن أخيه، وعندئذ أدرك الملك أن ابنته هي من نصيب ابن أخيه، وأن العرش لا بد سيصير من بعده إليه، فوافق.

    وهكذا أقيمت الأفراح، وأعلن في المملكة سبعة أيام وثماني ليالي لا أحد يأكل ولا أحد يشرب إلا من قصر الملك، وتزوج الفتى الفقير من ابنة عمه الملك، وعاشا معاً في سعادة وسرور.




    الشحاذ وبنت الملك



    كان في قديم الزمان ملك، ولا ملك إلا الله، وكانت له بنت وحيدة، وكان يحبها حباً كبيراً، ويعنى بها، ويحضر لها كل ما تطلب، وكان يسألها: "هل هناك من هو أكرم مني؟، فتجيبه: نعم، هناك من هو أكرم منك، وكان كلما أعاد السؤال، أعادت عليه الجواب نفسه، حتى إنه ضجر منها، وأقسم أن يزوجها من شحّاذ.

    وذات يوم تقدم إليه شحاذ يرجوه المساعدة، فسأله إن كان متزوجاً فأجاب أن “لا” فأقسم عليه أن يتزوج ابنته، فدهش الشحاذ، وحاول الاعتذار، ولكن لم يكن ثمة مفرّ.

    وهكذا حملت بنت الملك صرّة ثيابها، ومضت مع زوجها الشحاذ، مغادرة قصر أبيها، من غير زفاف، ولا احتفال ولا أفراح.

    ولم يكن لدى ذلك الشحاذ سوى كوخ صغير، آواها فيه، وفي صباح اليوم التالي أعطته خاتماً كان في إصبعها، وطلبت منه أن يبيعه ويستأجر بثمنه داراً صغيرة، وتم انتقالهما إلى تلك الدار.

    وفي صباح يوم آخر أعطته أحد أثوابها، وطلبت منه أن يبيعه ليشتري بثمنه بعض الطعام، فباعه، وبينما هو في الطريق، سمع رجلاً ينادي: "الكلمة بليرة، فمن يشتري؟ فدهش الشحاذ، ودفع إلى الرجل الليرة التي كان قد قبضها ثمن الثوب، فقال له الرجل: "حب حبيبك ولو كان عبداً أسود".

    ورجع إلى زوجته، واعتذر إليها، مدعياً أنه أضاع ثمن الثوب، وفي صباح اليوم التالي أعطته ثوباً آخر، ونزل إلى السوق فباعه، وبينما هو يبحث عن الطعام، سمع الرجل نفسه ينادي: "الكلمة بليرة، فأسرع إليه، ودفع له ثمن الثوب، فقال له الرجل: "من أمّنك فلا تخنه، ولو كنت أكبر خائن"، ورجع الشحاذ إلى زوجته، واعتذر إليها مختلقاً بعض الحجج.

    وفي اليوم الثالث، أعطته ثوباً وقالت له: هذا آخر ثوب عندي، بعه ولا تفرط بثمنه"، ومضى إلى السوق، فباعه، ومرة ثالثة التقى الرجل نفسه، ودفع له ثمن الثوب، فقال له الرجل، "ساعة السرور لا تفوتها"، ورجع الشحاذ إلى زوجته معتذراً، فقالت ليس عندي ما أعطيك إياه، وما عليك سوى أن تبحث عن عمل.

    وفي اليوم التالي نزل إلى السوق، ووقف على الرصيف حيث يقف العمال، ينتظرون من يأتي فيأخذهم ليعملوا، في الحقل أو البناء أو الرعاية أو السقاية.. وانتصف النهار وجاء أصحاب الأعمال وأخذوا العمال كلهم، ولم يبق أحد سواه، وكاد يرجع إلى البيت خائباً، ولكن رجلاً أتاه ليسأله: "هل تعمل في سقاية الحمير؟، فأجابه: أعمل، وعندئذ أخذه إلى حقل حيث كانت هناك حمير كثيرة تحمل حجارة يقطعها الرجال من الجبل، وكان على الشحاذ أن يقودها إلى مغارة بعيدة، يتدفق منها الماء، فساقها تحت الشمس الحارقة، حتى وصل إلى المغارة، وهناك تركها تشرب ما شاء لها الشرب، وتبترد، على حين دخل هو المغارة، ليستريح في الظل.

    وبينما هو في المغارة إذ برز له مارد جبار، ومعه فتاتان، إحداهما شقراء، والأخرى سمراء، فسأله المارد: "أجبني أيها الرجل، أي الفتاتين أجمل؟ السمراء أم الشقراء؟، وتذكر الشحاذ الكلمة التي كان قد اشتراها في اليوم الأول: فأجاب: "أحبب حبيبك، ولو كان عبداً أسود"، فسرّ المارد لجوابه سروراً كبيراً، ثم قال: "أحسنت أيها الرجل ولو كنت قلت الشقراء، لقطعت رأسك،" ثم ما كان من المارد إلا أن أعطاه كيساً مملوءاً بالنقود الذهبية.

    وخرج الشحاذ من المغارة، وأخذ يقود الحمير إلى صاحبها، ثم تركها عنده، ومضى، لا يريد أجرته، ثم أسرع إلى زوجته، وأعطاها الكيس المملوء بالنقود الذهبية.

    وفي اليوم التالي نزل الشحاذ إلى السوق، ووقف حيث وقف بالأمس، وقدم أصحاب الأعمال، وأخذوا العمال كلهم، ولم يبق أحد سواه، وهم بالانصراف خائباً، ولكن رجلاً أسرع إليه يسأله إن كان يرغب في العمل عنده مراقباً على العمال، ففرح بذلك، ومضى معه.

    وأخذ الشحاذ يراقب العمال في الحقل، ويتابعهم، وقد سرّه هذا العمل، واستمر فيه، وكان في نهاية الأسبوع يقبض من صاحب العمل أجرة العمال ويوزعها عليهم، ولكنه كان يضطر في أغلب الأيام إلى البقاء في بيت الرجل صاحب العمل، لينهض في الصباح الباكر، ويشرف على العمال، وقد اطمأن إليه صاحب العمل، وجعله مثل ابنه، وأخذت زوجة الرجل تعنى به وتقدم له الطعام وكان يناديها دائماً "يا أختي".

    وذات يوم أخبره رب العمل أنه مضطر إلى السفر لبضعة أيام، ثم كلفه برعاية العمال، وفوّضه في الأمر كله، وأوصى زوجته به، كما أوصاه أن يحضر لها كل ما تطلبه من حاجات السوق، وتمنى عليه أن ينام طوال غيابه في بيته، حتى يظل قريباً من العمل.

    ومرت الأيام والشحاذ في بيت الرجل، يقوم بواجبه خير قيام، يراقب العمال، ويشرف على العمل، ويحضر لزوجة الرجل كل ما تطلب من حاجات، ثم يأوي مساء إلى غرفة صغيرة لينام فيها متعباً من عناء النهار وكدّه.

    وذات ليلة وبينما هو نائم أحس دبيب حركة، فتوقع أن يكون وحشاً أو لصاً، ولكنه فوجئ بزوجة الرجل تدخل عليه تدعوه إلى نفسها، فذهل، وتذكر الكلمة التي اشتراها في اليوم الثاني: "من أمنك لا تخونه، ولو كنت أكبر خائن"، فاعتذر إليها، ثم أخذ يمضي النهار في الحقل مع العمال، ويرجع مساء إلى بيته لينام فيه.

    ورجع الرجل من السفر ليلاً، فلم يجد الشحاذ في البيت، وسأل زوجته عنه، فاتهمته بالخيانة، والسرقة، وأكدت له أنه قد راودها عن نفسها، فغضب أشد الغضب، ولما كان الفجر، خرج إلى الحقل، فوجد الشحاذ وهو يراقب العمال، ويشرف على العمل، فناداه، فأقبل الشحاذ على الرجل مسلماً عليه، وبادر إلى عناقه، فعانقه الرجل، ولم يظهر شيئاً مما في نفسه، ثم إنه سلّمه رسالة مغلقة، وطلب منه أن يوصلها إلى صديق له، صاحب معمل صابون، وأن يبلغه السلام، ثم أكد له أنه سيعد هذا اليوم يوم عطلة ووعده أن يعطيه في الغد أجرته، مع مكافأة مجزية.

    وفرح الشحاذ بذلك، ومضى عائداً إلى بيته وزوجته، وبينما هو في الطريق مرّ بقرية، فسمع فيها صوت طبول وأفراح، فتذكر الكلمة الثالثة التي كان قد اشتراها، وهي: ساعة السرور لا تفوتها"، فمال نحو مصدر الصوت، فرأى حفل زفاف، فانضم إلى أهل الحفل، وشاركهم فرحتهم، ثم نصبت حلقة الدبكة، فأخذ السرور منه كل مأخذ فشارك القوم رقصتهم بل قدم أشكالاً من الرقص أثارت دهشة الجميع، ولا سيما والد العروس.

    ثم نصبت الموائد ودعي الشحاذ مع المدعويين، فلم يتردد، ولما فرغ من الطعام، تقدم من والد العروس، يعتذر إليه، ويرجوه أن يسمح له بالانصراف، ولكن والد العروس أقسم عليه أغلظ الأيمان كي يمضي ليلة عندهم، فأخبره أنه يحمل رسالة ولا بد من إيصالها إلى صاحبها، فوعده أن يرسلها مع أحد رجاله، وفي الحال، نادى رجلاً، وأعطاه الرسالة، وطلب منه إيصالها إلى صاحبها.

    وأمضى الشحاذ ليلته مع الضيوف، وهو يلقى من الترحيب ما لم يتوقعه، وفي الصباح رجع إلى الرجل صاحب العمل، لما أقبل عليه، وهو في الحقل مع العمال، دهش الرجل لرؤيته، وبادر إلى سؤاله: "هل وصلت الرسالة إلى صاحبها؟ "فحدثه الشحاذ عما كان من أمر القرية والعرس، فندم الرجل على ما بدر منه، ثم اعترف للشحاذ بأنه كان قد زوده برسالة يطلب فيها من صديقه صاحب معمل الصابون أن يلقي بحامل الرسالة في حوض الزيت المغلي ليموت فيه ولا يبقى له أثر، ثم تأكد لديه براءة الشحاذ، وسوء نية زوجته، ولذلك اعتذر إليه، وقدم له كيساً مملوءاً بالليرات الذهبية، ولكن الشحاذ أبى أن يأخذه إلا أن الرجل ألح عليه.

    ورجع الشحاذ إلى زوجته بعد تلك الغيبة الطويلة، يحمل الكيس المملوء بالذهب، فاقترحت عليه أن يشتري محلاً في سوق التجار، ويقعد فيه للتجارة.

    وعمل الشحاذ في التجارة، فوفّق في عمله، وربح المال الكثير، وأصبح من كبار التجار، وعندئذ اقترحت عليه زوجته أن يبني قصراً مقابل قصر أبيها الملك، وكان لها ما أرادت.

    وذات يوم سأل الملك عن صاحب القصر فذكروا له كبير التجار، فرغب في التعرف إليه، وزار الشحاذ الملك في قصره، ولقي منه الحفاوة والترحيب، وبادر الشحاذ إلى دعوة الملك إلى زيارته، فوعده بذلك.

    وفي الموعد المنتظر كانت ابنة الملك، زوجة الشحاذ، قد أعدت لوالدها أطايب الطعام، وجهزت مائدة يشتهيها النظر، كما أعدت له صحن حساء خاص به، تعرف ميله إليه.

    ولما حضر الملك أدهشه جمال القصر كما أدهشه حسن ترتيب المائدة، ولما قدمت له ابنته صحن الحساء ذهل، وقال لها: "هذا الصحن من الحساء كانت تعدّه لي ابنتي"، وأرسل زفرة حزن، ثم تذوقه فازداد دهشة، وقال: "الله لكأن ابنتي هي التي أعدته، وعندئذٍ قالت له ابنته "صدقت يا أبي، فابنتك هي التي أعدته لك"، ثم إنها عرفته إلى نفسها، وإلى حقيقة زوجها الذي كان شحاذاً، ثم قدمت له ولدين كانت قد رزقت بهما.

    فسرّ الملك سروراً كبيراً للقائه بابنته، ولما صار إليه حالها من رزق وخير، ثم مال عليها يسألها: "هل في المملكة من هو أكرم مني يا ابنتي؟!"، فأجابته: "نعم، يا أبي"، ونظر إليها مدهوشاً ثم سألها: "ما زلت مصرّة على قولك، إذن أخبريني من هو؟، فأجابته: "هو الله".

    فأقر الملك عندئذ بالحقيقة، واعتذر إلى ابنته، ورجاها أن تسامحه على ما نالها من ألم وعذاب، ثم ودّعها ورجع إلى قصره، وتركها مع زوجها ليعيشا معاً في سعادة وسرور.

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •