الولد الأقرع
كان لامرأة عجوز حفيد وحيد، مات أبوه، فرعته جدته، وسهرت على تربيته، ولكن لسوء حظها كان لايحسن فعل شيء، بل إنه أصيب بمرض ذهب بشعر رأسه، فأصبح أقرع، مما زاد في الطين بلة.
وذات يوم أرسلته ليشتري الخبز، فرجع لايحمل شيئاً، ولما سألته عنه، أجابها أنه التقى في الطريق بمجموعة كلاب تطارد كلباً صغيراً، فألقى إلى الكلاب بالخبز فانشغلت به عن الكلب الصغير، فما كان من جدته إلا أن عفت عنه.
وفي يوم آخر أرسلته ليشتري اللحم، فرجع لايحمل شيئاً، ولما سألته عنه، أخبرها أنه رأى مجموعة من قطط تطارد قطاً صغير، فرمى إليها باللحم، فانشغلت به عن القط الصغير ومرة ثانية عفت عنه جدته.
وفي يوم ثالث أرسلته مع الحاصدات ليعمل معهن في حصاد القمح، وفي الطريق تأخر عنهن، وقعد على صخرة، يستريح من تعبه، فمرت به أفعى، ولكنها رجته أن يخبئها، فخبأها تحت طيات ثوبه، ومر به رجل، فسأله إن كان قد رأى أفعى، فأنكر ذلك، فمضى الرجل في حال سبيله، وعندئذ خرجت الأفعى، لتشكر الأقرع، وتقدم له خرزة زرقاء، وأخبرته أنه يستطيع أن يطلب من هذه الخرزة فعل أي شيء يعجز هو عن فعله، ثم ودعته ومضت.
ولحق الأقرع بالحاصدات فطلبت منه إحداهن نقل كومة كبيرة من القش، إلى طرف الحقل، فما كان منه إلا أن امتطى الكومة، ثم طلب من الخرزة الزرقاء أن تحمله إلى اصطبل الملك، وطارت به كومة القش محلقة، لتمر أمام قصر الملك، وتدخل به إلى الاصطبل، وكانت ابنة الملك في نافذتها، فلما رأت كومة تطير وفوقها الأقرع، ضحكت، وأشارت إليه ساخرة، فدعا عليها أن تحمل من قبل أن تتزوج.
ومرت الأيام، وإذا ابنة الملك حامل، وذهل أبوها الملك، فأخبرته بحقيقة الأقرع، ودعائه، فأرسل وراءه، وألزمه بالزواج منها، فقبل مضطراً ولكن على شرط أن تعيش معه في بيت جدته، فكان له ما أراد.
وأخذ الأقرع عروسه إلى بيت جدته، وكان من الطبيعي ألا يطيب لابنة الملك المقام في بيت الجدة، وأن تطلب منه قصراً مثل قصر أبيها.
وعلى الفور طلب الأقرع من الخرزة أن يكون هو وزوجته في قصر أجمل من قصر الملك، وأن يكون الملك غارقاً تحت سبعة بحور، وفجأة وجد نفسه في القصر، وقد تحقق له ما طلب.
ولكن ذات يوم بحث عن الخرزة فما وجدها، بل وجد نفسه مع زوجته غارقين تحت سبعة بحور، فقد أرسل الملك إليه من سرق الخرزة من غير أن يعلم، فتألم الأقرع وحزن.
وبينما هو على هذا الحال، دخل عليه كلب وقط، سألاه إن كان يريد أن تعود الخرزة إليه، فأجاب أن نعم، وعلى الفور أسرع الكلب والقط إلى قصر الملك، فسرقا الخرزة، وعادا بها إلى الأقرع.
وما كان من الأقرع إلا أن طلب من الخرزة أن يكون له قصر مقابل قصر الملك، وعلى الفور كان له ما أراد، وإذا هو في قصر مع زوجته أمام قصر أبيها، ثم أحضر الأقرع إليه جدته، وعاش الجميع.في هناء وسرور.
أجير الصائغ
كان أحد الرجال يعمل أجيراً لصائغ، وعنده بضعة أولاد وكانت أجرته لا تكفيه في شيء، وكلما طالب معلمه أن يزيد في أجرته، اشتكى المعلم من ضعف الحال.
وذات يوم قرر أن يرتحل في طلب الرزق، فودّع زوجته وأولاده وسافر، وكانت تحمله بلاد، وتحط به بلاد، حتى وصل إلى بلد، قصد فيه إلى دكان صائغ، عرض عليه أن يعمل عنده، فقبل.
وباشر الرجل عمله، وأخذ يبدي مهارة فائقة، حتى يحظى برضى معلمه الجديد، ولكن هذا لم يكن بأفضل من ذاك، إذ كان دائماً يمنّ عليه، إذ أتاح له فرصة العمل عنده، ولا يعطيه أجرته إلا بعد أن يطلبها منه عدة مرات، وبعد تأجيل ومماطلة.
وذات يوم دخل دكان الصائغ خادم الملك، وطلب صوغ سوار خاص بابنة الملك، فوعده الصائغ أن يجهز له السوار في صباح يوم الغد، ثم التفت إلى الأجير، وطلب منه أن يعدّ السوار.
وأكبّ الأجير على السوار، يسوغه بإتقان، يضع فيه كل مهارته، وسهر عليه طوال الليل، ثم إنه نقش عليه من الداخل هذه الأبيات:
مصائب الدهر كفّى
إن لم تكفي فعفّي خرجت من أجل رزقي
رأيته متوفّي كم جاهل في الثريا
وفي الصباح حضر خادم الملك، فناوله المعلم السوار، وأخذ منه مكافأة كبيرة، ولم يعط الأجير شيئاً.
وفرحت ابنة الملك بالسوار، وأعجبها كثيراً، وأخذت تتزين به صباح مساء، وذات يوم، وهي تضعه في يدها تنبهت إلى الأبيات المنقوشة عليه من الداخل، فعرضته على أبيها، ورجته أن يعرف قصة هذه الأبيات.
وأرسل الملك وراء الصائغ، ولما جاء سأله عمّن صاغ السوار، فأكد له أنه هو الذي صاغه، فطلب منه سواراً آخر يشبهه تماماً، على أن ينجزه في صباح اليوم التالي، ومن غير أن يكون بين يديه السوار الأول.
وأسرع الصائغ إلى أجيره يطلب منه سواراً آخر كالسوار الأول، فوعده الأجير خيراً، ثم إنه أغلق باب الدكان على نفسه، وبقي في الداخل.
وكان الأجير في الحقيقة قد صاغ منذ البداية سوارين، وخبأ أحدهما، وقدم الآخر للصائغ، ولما طلب منه سواراً ثانياً، كان هذا جاهزاً.
وفي الصباح حضر خادم الملك، فناوله الصائغ السوار، وتلقى منه المكافأة، ولم يمنح الأجير شيئاً.
ولما رأت بنت الملك السوار دهشت، لأنه كان كالسوار الأول تماماً، لا يختلف عنه في شيء، كما نقشت عليها من الداخل الأبيات نفسها، فأسرعت إلى أبيها تخبره بالأمر، وترجوه أن يعرف قصة الصائغ.
وأرسل الملك وراء الصائغ فلما حضر سأله عن السوار إن كان هو قد صاغه فعلاً، فخاف، وظن أن الملك لم يعجب بالسوار، فأخبره أن أجيره هو الذي صاغه.
وأرسل الملك على الفور وراء الأجير، ولما حضر سأله عن قصة الأبيات، فروى له حكايته، وأخبره ما كان من أمره مع معلمه الجديد، الذي لم ينصفه، شأنه في ذلك شأنُ معلمه السابق، وأكد له ندمه على غربته وتركه وطنه وبعده عن زوجته وأولاده.
وعندئذ أمر الملك بتعيين الأجير وزيراً في مملكته، وأرسل وراء زوجته وأولاده ليعيشوا معه في هناء وسرور.
خرج ذات يوم أحد الملوك مع وزيره متنكرين في زي رجلين فقيرين، وأخذا بالتجوال في الأزقة والحارات، حتى يريا أحوال الناس، وقادتهما خطاهما إلى خارج المدينة، فشاهدا بصيص نور من بعيد فسارا حتى وصلا إليه، فإذا هما أمام كوخ بسيط، قرعا الباب، فخرج إليهما رجل رحب بهما، ودعاهما إلى الدخول، وقدم لهما كسرة خبز وبعض البصل وقليلاً من الماء. ثم اعتذر لهما أشد الاعتذار، لأنه لايملك شيئاً، ولديه عيال كثير، وسمع الملك صوت امرأة تتألم، فسألاه، فأجابهم بأن زوجته في الغرفة الأخرى وهي في المخاض، ثم استأذنهما في الخروج إلى زوجته، وتركهما مع ذلك الطعام القليل.
وما هي إلا برهة حتى رجع إليهما يحمل وليداً، وهو في غاية السرور، فهنأه الملك والوزير به، وقدما له بعض المال ليصلح به حاله، فسعد بذلك الرجل، وفي غيابه طلب الملك من الوزير أن ينظر في طالع الولد، فأخبره أن المولود سيتزوج من ابنته، التي كان قد رزق بها قبل بضعة أيام، فغضب الملك، وأضمرها في صدره، ولما رجع الرجل، سأله إن كان يبيعه ولده فهو فقير، وذو عيال كثير، ثم عرض عليه مبلغاً كبيراً، لم يلبث أن زاده مرة ومرتين، فرضي الرجل، ولكنه أعاده إلى أمه لتودعه، وتلفه بالأقماط، وحزنت الأم لفراقها ولدها، ولكنها سلمت أمرها لله، ولفت الولد بكل مالديها من خرق وثياب.
وحمل الملك الوليد ومضى به مع الوزير، ولم يقطع سوى مسافة قصيرة حتى رمى بالوليد من قمة جبل، ورجع إلى القصر مطمئناً إلى موته، وطلب من الوزير ألا يخبر أحداً بذلك.
وشاءت الأقدار أن يقع الوليد على شجرة كثيفة الأغصان، ومنها سقط إلى الأرض، فكان اصطدامه بها ضعيفاً، وهو الملفوف بأقماش وثياب كثيرة، لذلك لم يؤثر فيه السقوط على الأرض.
وكان في تلك الأنحاء راع مع بضع عنزات، ومرت به إحدى العنزات، فعطفت عليه، ومالت نحوه، حتى تمكن من الرضاعة منها، وكان هذا دأبهما كل يوم، تترك قطيع الماعز، وتقترب من الوليد، ليرضع.
ولاحظت العجوز أن عنزتها ترجع كل يوم من المرعى ولاحليب في ضرعها، فسألت الراعي، فأقسم لها أنه لا يعرف من الأمر شيئاً، فطلبت منه أن يراقبها، لعل أحداً يسرقها الحليب.
وراقب الراعي العنزة، فرآها تنتحي جانباً، فتبعها، فرآها تدنو من الوليد، فتمكنه من الرضاع، فذهل لما رأى، وحمل الوليد ورجع به مع العنزة إلى العجوز، وقال لها: “خذي، لقد وضعت عنزتك ولداً”.
وتلقت العجوز الوليد وفرحت به أشد الفرح، وسهرت عليه، ترعاه وتربيه، إلى أن شب وأصبح من أمهر الفرسان، وقد سمته العجوز "محمد".
وذات يوم كان محمد في السباق، فسبق كل أقرانه، وكان الملك حاضراً ذلك السباق، فدهش الملك من ذلك الشاب، ومال على الوزير، وكان إلى جانبه، يسأله عن طالع ذلك الشاب، فأجابه بأنه هو من سيتزوج ابنته ويرث من بعده الملك، فغضب الملك، وكان يرتجي ولداً ذكراً يرثه، فأرسل وراء الشاب، وسأله من يكون؟ وأين بيته؟
ودلّ الشاب الملك والوزير إلى خيمة العجوز، فسألها الملك من يكون الشاب، فأخبرته أنه ولدها، فأنكر أن يكون ولدها وهي العجوز، وقد توفي زوجها منذ زمن بعيد، فاعترفت له بالحقيقة، فأخبرها أنه سيكرّم الشاب، ثم زوده برسالة، وطلب منه أن يحملها إلى القصر، وهناك سيجد مكافأته.
وحمل الشاب رسالة الملك، ومضى بها إلى القصر، من غير أن يفتحها، ولما بلغ القصر، رأى الحارس نائماً فقفز من فوق السور، وكانت ابنة الملك في نافذتها، فأعجبت به وأشارت إليه، فصعد إلى غرفتها، وسألته عن قصده، فقدم إليها الرسالة، ففتحتها، فقرأت فيها أمر والدها بقطع رأسه، فمزقت الرسالة وخطت رسالة أخرى، كتبت فيها أمراً بتزويجه من ابنة الملك، ثم مهرتها بخاتم أبيها، وطلبت أن يقدمها إلى قاضي القضاة، فأدى هذا إلى تنفيذ الأمر بزواج الشاب من ابنة الملك، فأقيمت الأفراح، وأعدت الولائم، وعاشت المدينة أياماً في سعادة ورخاء.
ثم أعلن عن عودة الملك إلى البلاد فخرج رجال القصر، وقائد الجيش، وقاضي القضاة، كما خرج الشاب، وزوجته في موكب مهيب، لاستقبال الملك، ولما رأى الملك الشاب عرفه على الفور، فالتفت إلى القاضي يسأله من يكون، فأجاب: هو صهرك يا مولاي وزوج ابنتك، وعند ئذ أدرك الملك أن قسمة هذا الشاب هي الزواج من ابنته، وأن حظه أن يكون وريثه في الملك.
وعاش الشاب مع زوجته في سعادة وسرور، ثم توفي الملك، فورث من بعده العرش.