صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123
النتائج 31 إلى 38 من 38

الموضوع: الخيميائي لباولو كويلو

  1. #31
    التسجيل
    15-10-2005
    الدولة
    السعودية :)
    المشاركات
    33

    مشاركة: الخيميائي لباولو كويلو

    قال الخيميائي وهو ينظر في عيون المحاربين اللذين لم ينبسا ببنت شفة للحظات، ثم أذنا لهما بمتابعة المسير، كان الشاب قد عاين الموقف وهو مفتون.
    - لقد قهرتهما بنظرتك ـ قال.
    أجاب الخيميائي:
    - العيون تظهر قوّة الروح.
    - كان هذا صحيحاً ـ حدّث الشاب نفسه ـ فقد تذكّر أن مقاتلاً في جمهرة محاربي المخيّم قد حدّق بالخيميائي وبه، علماً بأنه كان بعيداً، بشكل لا يمكن للمرء أن يميّز ملامحه، لكنه كان متأكداً من مراقبته لهما.
    أخيراً، وبينما كانا يتأهّبان لاجتياز سلسة جبلية كانت تمتج على طول الأفق، قال الخيميائي بأنهما صارا على مسافة يومين، حتى يصلا إلى الأهرامات.
    - إن كان ينغي علينا أن نفترق عما قريب، فأرجو أن تعلّمني الخيمياء ـ قال الشاب.
    - أنت تعرف مسبقاً مايجب عليك معرفته، ليس عليك إلا أن تنفذ داخل النفس الكليّة، وأن تكتشف الكنز، الذي تدّخره لكل واحد منا.
    - ليس هذا ما أريد معرفته، إنني أتكلّم عن تحويل الرصاص إلى ذهب.
    احترم الخيميائي صمت الصحراء، ولم يجب إلا في اللحظة التي توقفا فيها كي يأكلا:
    - كل شيء يتطوّر في الكون، وبالنسبة للذين يعلمون، فإن الذهب هو أكثر المعادة تطوّراً، لاتسألني لماذا، فأنا أجهل ذلك، أنا أعلم فقط أن ما تعلمه التقاليد هو دائماً صحيح، لكن البشر هم الذين أخطئوا في تفسير كلام الحكماء، وبدل أن يكون الذهب رمزاً للتطوّر فقد صار علامة للحرب.
    - الأشياء تتحدّث بلغات عديدة، فقد لاحظت أن رغاء الجمل، لم يكن إلا مجرّد رغاء، ثم تحوّل إلى إشارة تنذر بالخطر، ثم عاد أخيراً مجرّد رغاء ـ أراد الشاب أن يقوله لكنّه صمت، فلا شك أن الخيميائي يعرف هذا كلّه.
    - عرفت خيميائيين حقيقين ـ أردف الخيميائي ـ كانوا ينزوون في مختبراتهم، وكانوا يحاولون التطوّر كالذهب، وقد اكتشفوا حجر الفلاسفة، هذا لأنهم قد أدركوا أنه عندما يتطوّر شيء ما فإن كل ماحوله يتطوّر أيضاً، وآخرون نجحوا مصادفة باكتشاف الحجر، فهم كانوا من الموهوبين، وأرواحهم كانت متيقظة أكثر من أرواح الآخرين، لكن هؤلاء لم يُؤخذوا بالحسبان لأنهم قلة، وأخيراً هناك آخرون كانوا يبحثون عن الذهب فقط، وهؤلاء لم يتوصلوا إلى السر أبداً، فقد غرب عن بالهم أن الرصاص والحديد والنحاس، هم أيضاً لهم أسطورتهم الشخصيّة التي يجم اتمامها، وأن من يدخل ويندمج في أسطورة الآخرين، فإنه لن يجد على الإطلاق اسطورته الخاصة.
    كلمات الخيميائي كان لها وقع اللعنة في نفسه.
    انحنى الخيميائي والتقط قوقعة من الأرض وقال:
    - لقد كانت هذه الأرض بحراً من قبل.
    - لقد سبق ولاحظتُ ذلك ـ ردّد الشاب.
    طلب منه الخيميائي أن يضع القوقعة على أذنه، فهو قد قام بهذه الحركة كثيراً عندما كان طفلاً، وقد سمع منها صوت البحر. فالبحر يقبع دائماً في هذه الصدفة، لأنها أسطورته الشخصية، ولن يفارقها إلى أن تعود البحار وتغمر الصحراء ثانية.
    إثر ذلك امتطيا حصانيهما، وأخذا وجهة أهرامات مصر.
    كانت الشمس تميل نحو الغروب، عندما أحسّ الفتى بأن قلبه يعطي إشارة خطر ما، كانا قد أُحيطا بكثبان رميلة هائلة، والشاب نظر إلى الخيميائي، الذي يبدو أنه لم يلاحظ شيئاً، وبعد خمس دقائق لمحا أمامهما مباشرة فارسين، كان خيالاهما يبدوان واضحين من جهة الغرب، وقبل أن يتمكّن من أن يقول للخيميائي أي شيء، فإن عدد الفرسان قد تزايد، بدل الاثنين صار هناك عشرة، ثم مائة. وأخيراً غطّى عدد هائل منطقة الكثبان بكاملها.
    كانوا محاربين يرتدون ثياباً زرقاء، ويضعون عقالات سوداء حول العمامات، وجوههم ملثّمة بألثمة زرقاء لا يظهر منها إلا فسحة صغيرة، إنها عيونهم. وعلى الرغم من بعد المسافة، كانت العيون تبدي قوة الروح وتنطق بالموت.

    × × ×

    اقتيد المسافران حتى المعسكر الحربي الذي كان في الجوار، ودفع أحد المحاربين الخيميائي وصاحبه داخل خيمة مختلفة تماماً عن خيام الواحة التي عرفاها، كان هناك قائد حربي محاط بأركانه.
    - إنهما الجاسوسان ـ قال أحد الرجال.
    - نحن لسنا إلا مسافرين ـ أجاب الخيميائي.
    - لقد رأيناكما في المعسكر المعادي منذ ثلاثة أيام، وقد تكلّمتما مع أحد المقاتلين.
    - أنا رجل أسير في الصحراء، ولي خبرة بالنجوم ـ قال الخيميائي ـ وليس لدي أية معلومة عن الجيوش، أو عن تحرّكات القبائل، كنت أرشد صاحبي إلى هنا فقط.
    - من هو صديقك؟ سأل الشيخ.
    - إنه خيميائي ـ قال الخيميائي ـ إنه يعرف قدرات الطبيعة، ويرغب أن يطلع القائد على قدراته الخارقة.
    كان الشاب يصغي وهو خائف.
    - ماذا يفعل غريب في أرضٍ غريبة؟ سأل وحد من الرجال.
    - لقد حملت مالاً لأقدّمه لعشيرتكم ـ تدخّل الخيميائي قبل أن ينطق الشاب بأية كلمة، ثم أخذ كيس المال من الشاب، وأعطى القطع الذهبية لكبير القوم الذي تناولها دون أن يقول شيئاً، ففيها مايكفي لشراء كمٍّ كبير من الأسلحة.
    - من هو الخيميائي؟ سأل العربي أخيراً.
    - إنه رجل يعرف الطبيعة والكون، ولو أراد لاستطاع تهديم هذا المخيّم مستعملاً في ذلك قوّة الريح فقط.
    ضحك الرجال، فقد كانوا قد تمرّسوا على قسوة الحرب، وكانوا يعلمون أن الريح لا تستطيع أن توجه ضربة قاضية. ومع ذلك شعر كل واحد منهم بقلبه ينقيض في صدره، فهم من رجال الصحراء ويخافون من السحرة.
    - بودي أن أرى شيئاً من هذا ـ قال الزعيم.
    - يلزمنا لذلك ثلاثة أيام ـ أجاب الخيميائي ـ وهذا ليس إلا ليطلعكم على قدراته الخاصة، فإن لم ينجح، نقدّم لكم بكل تواضع حياتنا إكراماً لشرف العشيرة.
    - لاتستطيع أن تهدي إليّ ماهو ملكي مسبقاً ـ أعلن الشيخ بتعجرف، لكنه منح مهلة ثلاثة أيام للمسافرين.
    كان الشاب الذعور عاجزاً عن القيام بأية حركة، فانبغى على الخيميائي سحبه من ذراعه كي يساعده على الخروج من الخيمة.
    - لاتظهر لهم أنك خائف، فهم رجالٌ بواسل ويحتقرون الجبناء.
    كان الفتى كالمبكوم، ولم يستعد صوته إلا بعد فترة من الزمن بينما كانا يمشيان وسط المخيّم. لم يكن هناك داع لسجنهما، فالأعربا بكل بساطة قد اكتفوا بانتزاع حصانيهما، وهاهي مرة أخرى يفصح فيها العالم عن لغات لاتحصى: فالصحراء التي كانت حتى الآن فضاءً رحباً، لاحدود له، قد تحوّلت إلى سور يتعذّر عبوره.

    - لقد أعطيتهم كنزي كله ـ قال الشاب ـ كل ماستطعت أن أجنيه خلال حياتي كلها !
    - وبماذا يفيدك المال إن كنت ستموت؟ مالك أنقذك من الموت لثلائة أيام، وليس غالباً أن يفيد المال في تأخير الأجل.
    أما الشاب فقد كان مذعوراً جداً كي يستطيع سماع كلام الحكمة، فهو لايعرف كيف ينقلب إلى ريح، فهو لم يكن خيميائياً.
    طلب الخيميائي الشاي من أحد المحاربين، وسكب بعضاً منه على رسغي الشاب، فانتشرب موجة من السكون في أعماقه، بينما كان الخيميائي يلفظ بعض الكلمات التي لم يوفّق الفتى بفهمها.
    لاتستسلم لليأس ـ قال الخيميائي بصوت عذب للغاية ـ فإن هذا يمنعك من التحادث مع قلبك.
    - لكنني لا أعرف أن أحوّل نفسي إلى ريح.
    من يعيش أسطورته الشخصيّة، يعرف كل ماهو بحاجة لمعرفته، وليس هناك إلا شيء واحد يمكن أن يجعل الحلم مستحيلاً: إنه الخوف من الإخفاق.
    - أنا لستُ خائفاً من الإخفاق، وكل مافي الأمر أنني لا أعرف أن أتحوّل إلى ريخ.
    - حسنٌ، عليك أن تتعلّم ! حياتك معلّقة بذلك.
    - وإن لم أتوصل إلى ذلك.
    - ستموت فداءً لنضالك في سبيل أسطورتك الشخصيّة، وهذه ميتى أثمن بكثير من ميتة هؤلاء الذين قضوا دون أن يعلموا شيئاً من وجود أسطورة شخصيّة، لكن لا تقلق، بشكل عام، فإن الموت يدفع الإنسان لأن يكون أكثر تيقّظاً للحياة.
    مضى اليوم الأول، وجرت خلاله معركة حامية في الجوار، ونُقل إلى المعكسر عدد كبير من الجرحى

  2. #32
    التسجيل
    15-10-2005
    الدولة
    السعودية :)
    المشاركات
    33

    مشاركة: الخيميائي لباولو كويلو

    لاشيء يتغيّر بالموت ـ فكّر الشاب ، فالمقاتلون الذين ماتوا، سيستعاض عنهم بآخرين والحياة تستمر.
    - كان من الممكن لك أن تموت فيما بعد يا صديقي ـ قال أحدهم مخاطباً جثة أحد رفاقة ـ كان من الممكن أن تموت حين حلول السلام، فهي ميتة واحدة، ومهما يكن من أمر فإنك ستموت في النهاية.
    عند المساء ذهب الشاء يلتقي الخيميائي الذي كان يصطحب الصقر معه في الصحراء وكرّر:
    - لا أعرف كيف أتحوّل إلى ريح.
    - تذكّر ماقلته لك: " العالم ليس إلا الجزء المرئي من الله، والخيمياء هي نقل للكمال الروحي إلى العالم المادي " .
    - ماذا تفعل؟
    - أطعم صقري.
    - إن لم أنجح في التحوّل إلى ريح، ستموت، فما الحاجة إلى إطعام الصقر؟
    - أنت ستموت ـ أجاب الخيميائي ـ أما أنا، أنا أعرف كيف أتحوّل إلى ريح.
    في اليوم الثاني تسلّق الشاب ذروة صخرة تقع على مقربة من المعسكر، وقد تركه الخفراء يمر، كانوا يتحدّثون عن ساحر يتحوّل إلى ريح، ولم يكونوا يودون الاقتراب منه، بالاضافة إلى ذلك فإن الصحراء كانت تشكّل سوراً يتعذّر عبوره.
    قضى بقيّة ظهيرة اليوم الثاني في تأمّل الصحراء، أصغى إلى قلبه، وأصغت الصحراء إلى الخوف الذي يتملّكه.
    كلاهما كان يتكلّم اللغة نفسها.
    في اليوم الثالث جمع الزعيم أعوانه الرئيسيين.
    - هيا بنا نرَ ذلك الولد الذي يتحوّل إلى ريح ـ قال للخيميائي.
    - هيا بنا ـ أجاب الخيميائي.
    قادهم الشاب إلى المكان الذي كان قد جاء إليه يوم أمس، ثم طلب من الجميع أن يجلسوا.
    - إن هذا سيتطلّب قليلاً من الوقت ـ قال الخيميائي.
    - لسنا مستعجلين ـ أجاب الزعيم ـ فنحن من رجال الصحراء.
    أخذ الشاب يتأمل الأفق قبالته، جبال كانت تبدو من بعيد، كثبان رميلة، صخور، ونباتات زاحفة تتشبّث بالحياة، هناك حيث البقاء شبه مستحيل. وحيث كانت تجثم الصحراء التي جابها طيلة شهور وشهور، ولم يكن يعرف منها على الرغم من ذلك إلا جزءاً يسيراً. في ذلك الجزء كان قد التقى إنكليزياً، وقوافل، ونزاعات بين العشائر، وواحة ذات خمسين ألف شجرة نخيل، وثلاثمائة بئراً.
    - ماذا تريد مني اليوم ـ سألت الصحراء ـ ألم نتأمّل بعضنا بعضاً كفاية يوم البارحة؟
    - أنتِ تحتفظين في مكانٍ ما بتلك التي أحبها، وعندما أتأمل مساحتك الرملية الشاسعة فأنا أتأملها هي أيضاً، أريد الرجوع إليها، وأحتاج إلى مساعدتك كي أتحوّل إلى ريخ
    - ماهو الحب؟ سألت الصحراء.
    - الحب هو عندما يحلّث الصقر فوق رمالك، لأنك بالنسبة له ريف أخضر، لم يعد منه قط دون فريسة، وهو يعرف صخورك، كثبانك، جبالك، وأنتِ كريمة معه.
    قالت الصحراء:
    - إن منقار الصقر ينتزع مني قطعاً، هذه الفريسة قد غذّيتها طيلة أعوام، رويتها بالقليل من الماء الذي أملكه، وأرشدها إلى المكان الذي تجد فيه قوّتها، ويوم كبرت وأوشكت أشعر بها تحبو على رمالي، هاهو الصقر ينتفض من السماء ليختطف ما كنتُ جعلته ينمو ويكبر.
    - ماكنت فعلته لهذه الطريه من إطعام ورعاية كان لهذه الغاية بالذات ـ أجاب الشاب ، لتطعم الصقر، والصقر سيطعم الإنسان، والإنسان سيطعم رمالك يوماً ما، ومنها ستولد الطريدة من جديد، وهكذا يسير العالم.
    - هل هذا هو الحب؟
    - هو ذا نعم، هو من يجعل الفريسة تتحوّل إلى صقر، والصقر إلى إنسان، والإنسان إلى تراب، هو من جعل الرصاص يتحوّل إلى ذهب، ويجعل الذهب يعود ليختبئ في بطن الأرض.
    - لم أفهم كلامك ـ قالت الصحراء.
    - إذن افهمي على الأقل، أن في بقعة ما وسط رمالك هناك امرأة تنتظرني، ولكي أستجيب إلى انتظارها عليَّ أن أتحوّل إلى ريح.
    - أقدّم لك رمالي كي تستطيع الريح أن تهب، لكن بمفردي لا أستطيع شيئاً، أطلب مساعدة الريح.
    نسمة خفيفة أخذت تهب، وزعماء الحرب كانوا يرقبون من بعيد الشاب الذي كان يتكلّم لغة مجهولة بالنسبة لهم.
    الخيميائي كان يبتسم.
    وصلت الريح إلى الشاب، وداعبت وجهه، كانت قد سمعت حديثه مع الصحراء، لأن الرياح تعرف دائماً كل شيء، فهي تطوف العالم دون أن يكون لها موقع تولد فيه، أو موقع تموت فيه.
    - ساعديني ـ قال الشاب ـ فأنا قد سمعت فيك صوت حبيبتي ذات يوم.
    - من علّمك التكلّم بلغة الصحراء والريح؟
    - قلبي ـ أجاب الشاب.
    الريح كانت تحمل عدة أسماء فهي تدعى هنا بالسيروكو أو السموم، العرب كانوا يعتقدون بأنها كانت تأتي من الأراضي ذات المياه الغزيرة والمأهولة بسكان سود، وفي البلد البعيد الذي قدم منه الشاب كانت تسمّى بالشرقيّة لأن الناس كانوا يظنّون بأنها تحمل الرمل وصيحات العرب القتالية، وربما في مكان آخر بعيد عن الحقول التي ترتعي فيها القطعان، يعتقد الناس فيه بأنها تنشأ في الأندلس.
    لكنها لاتولد من جهة، ولاتنتهي إلى جهة، لذلك فهي أقوى من الصحراء، فمن الممكن يوماً أن تنغرس الأشجار في الصحراء، وحتى أن نربّي فيها الأغنام، لكننا لانستطيع إطلاقاً أن نتحكّم بالريح أو نقهرها.
    - أنت لاتستطيع أن تكون ريحاً فطبيعتانا مختلفتان ـ قالت الريح للشاب.
    - هذا ليس صحيحاً، فأنا قد تعلّمت أسرار الخيمياء، بينما كنت أجوب العالم معك، فأنا أملك في داخلي الرياح، والصحاري، والمحيطات، والنجوم، وكل ماخُلق في الكون، وكلّنا خلقتنا يد واحدة، ولنا الروح نفسها، أريد أن أكون مثلكِ أخترق كل مكان، أعبر البحار، أنتزع الرمل الذي يغطّي كنزي، وأقرّب صوت حبيبتي مني.
    - لقد سمعت محادثتك مع الخيميائي، في ذلك اليوم، كان يقول أن لكل شيء أسطورته الشخصيّة، والبشر لا يمكن لهم أن يتحوّلوا إلى ريح.
    طلب الشاب:
    - علّميني أن أكون ريحاً لبضع لحظات، كي نستطيع التحدّث سويّة عن الامكانات غير المحدودة للرياح والبشر.
    كانت الرياح فضولية وكان هناك شيء ما لم تكن تعرفه، علماً بأنها كانت تعرفه الكثير من الأشياء، كانت تستطيع إنشاء صحراء، إغراق مراكب، إبادة غابات بأسرها، وأن تتجوّل في مدن تعج بالموسيقى وأنواع غريبة من الضوضاء. كانت تؤمن بقدراتها اللامحدودة، وهاهي الآن أمام شاب يؤكد أن بإمكان الريح أن تقوم بأشياء أخرى.
    - هذا مايسمّونه الحب ـ قال الشاب لدى رؤيته أن الريح قد أوشكت أن تستجيب لطلبه ـ وعندما نحب، نستطيع أن نكون شيئاً من الخليقة، ولسنا بحاجة لفهم مايجري، لأن كل شيء إنما يجري في داخلنا، وإن الناس يستطيعون أن يتحولوا إلى ريح بشرط أن تساعدهم الريح طبعاً.
    كانت الريح متعالية، وماقاله الشاب أثار سخطها، فراحت تعصب بقوّة كبيرة، مذرية رمال الصحراء، لكن عليها أن تعترف أنها وبعد كل هذا التطواف في العالم بأسره، فهي مازالت تجهل تحويل رجل إلى ريح، وانها لم تكن تعرف الحب.
    قالت الريح:
    - خلال جولاتي عبر العالم لاحظت، الكثير من الناس يتحدّثون عن الحب، وهم ينظرون إلى السماء ساخطين لأن عليهم أن يسلّموا بحدودها، ربما من الأفضل لك أن تستعيد بالسماء.
    أجاب الشاب:
    - إذن ساعديني، وغطي هذا المكان بالغبار، كي أستطيع النظر في الشمس دون أن أصاب بالعمى.
    عصفت الريح بشكل أقوى، فاكتسحت الرمال وجه السماء حتى بدت السماء مجرّد قرص ذهبي.
    في المعسكر، صار من الصعب تمييز أي كان، فرجال الصحراء خبروا جيّداً هذه الريح، ريح السموم، كانت أسوأ من عاصفة البحر، لكنهم لا يعرفون البحر، وأخذت الخيول تصهل، والأسلحة تغطّت بالرمال.
    على الصخرة التفت رجل من أعيان الحرب نحو الزعيم وقال:
    - ربما سيكون من الأقضل التوقف عند هذا الحد.
    كانوا يميّزون بصعوبة الشاب، كانت وجوهم ملثّمة، ونظراتهم يبدو فيها القلق والذعر.
    - لننهِ الأمر ـ ألحّ رجل أعيان حرب آخر.
    - أريد أن أرى عظمة الله، قال الزعيم بصوت فيه كل الخشوع ـ أريد أن أرى تحوّل رجل إلى ريح.
    لكنه سجّل في ذهنه اسمي هذين الرجلين الخانثين، وبمجرّد أن تهدأ الريح، سيخلعهما من مهامهما فليس من حق رجال الصحراء أن يخافوا.
    قال الشاب للشمس:

  3. #33
    التسجيل
    15-10-2005
    الدولة
    السعودية :)
    المشاركات
    33

    مشاركة: الخيميائي لباولو كويلو

    أخبرتني الريح بأنك تعرفين الحب، وإن كنت تعرفين الحب فلابد أنك تعرفين النفس الكليّة التي خُلقت من الحب.
    اجابت الشمس:
    - من مكاني هذا أستطيع رؤية النفس الكليّة، فهي على اتصال مع روحي، ومع تعاوننا نحن الإثنين تنمو النباتات، وتندفع الأغنام التي تبحث عن الظل، ومن حيث أنا استطعت أن أحب، قدرتُ أن أحب من مكاني هذا، واعلم أنني لو اقتربت قليلاً من الأرض لأنقرض كل ماعليها، ولتوقّفت النفس الكليّة عن الوجود، وهكذا فنحن الإثنين نتبادل النظر ونحب بعضنا بعضاً، فأنا أمدّها بالحياة والحرارة، وهي تعطيني سبب البقاء.
    كرّر الشاب:
    - أنتِ تعرفين الحب؟
    تابعت الشمس:
    - إنني أعرف النفس الكليّة، لأن بيننا أحاديث لاتنتهي أثناء سفرنا الأبدي في هذا الكون، لقد حدّثتني بأن أفدح مشكلاتها حتى الآن هو أن المعادن والنباتات وحدها فقط، قد أدركت أن كل شيء هو واحد وفريد، لهذا فإنه ليس من الضروري أن يكون الحديد مشابهاً للنحاس، والنحاس مشابهاً للذهب، فكل يشغل وظيفته الدقيقة في هذا الشيء الأوحد، وسوف يكون من الكل سيمفونية السلام، لو أن اليد التي كتبت كل هذا توقفت في اليوم الخامس، لكن كان هناك يوم سادس.

    قال الشاب:
    - أنتِ عالمة لأنكِ ترين كل شيء عن بعد، لكنكِ لا تعرفين الحب، لو لم يكن هناك اليوم السادس، لما وُجد الإنسان، ولكان النحاس نحاساً، والرصاص رصاصاً. لكل أسطورته الشخصيّة ـ هذا صحيح ـ لكن هذه الأسطورة ستكتمل ذات يوم، فيجب التحوّل إلى ماهو أرقى، إلى أسطورة شخصيّة جديدة، إلى أن تصبح النفس الكليّة حقاً شيئاً واحداً وفريداً.
    ظلّت الشمس حالمة، ثم أخذت تلمع لمعاناً عجيباً، والريح التي كانت معجبة بهذه المحادثة عصفت بقوة أيضاً كي لاتذهب الشمس ببصر الشاب.
    - لهذا وُجدت الخيمياء ـ قال هذا الأخير ـ كي يبحث كل انسان عن كنزه ويجده، ويسعى أن يعيش فيما بعد أفضل مما كان عليه، والرصاص سيقوم بدوره إلى أن يصبح العالم بغنى عنه، عندئذٍ ينبغي عليه أن يتحوّل إلى ذهب.
    الخيميائيون يتوصّلون إلى تحقيق هذا التحوّل، ويبيّنون لنا أنه عندما نسعى لأن نكون أفضل مما نحن عليه، فإن كل شيء حولنا يتحسّن.
    سألت الشمس:
    - ولماذا قلت أنني لا أعرف الحب؟
    - لأن الحب لا يستدعي الجمود كالصحراء، ولا تجواب العالم كالريح، ولا النظر في كل شيء من بعيد مثلك. الحب هو القوّة التي تحوّل وتصقل النفس الكليّة، فعندما دخلت عالمها للمرة الأولى، كنت أظنها كاملة، أما فيها بعد، فقد رأيت أنها كانت انعكاساً لكل ماخُلق وكانت لها نزعاتها وأهواؤها، نحن الذين نغذّي النفس الكليّة، أما الأرض التي نحيا عليها، فإنها ستصبح بأفضل أو أسوأ، بقدر مانكون نحن أفصل أو أسوأ، وهنا تتدخّل قوة الحب، لأننا عندما نحب فإننا لانريد دائماً أن نكون أفضل مما نحن عليه.
    - ماذا تنتظر مني؟ سألت الشمس
    - أن تساعديني كي أتحوّل إلى ريح.
    - الطبيعة تعرفني كأكبر عالمة بين كل المخلوقات، لكنني أجهل كيف أحوّلك إلى ريح.
    - إلى من أتوّجه إذن؟
    - صمتت الشمس لحظة، وكانت الريح تصغي وتستعد لتفشي في العالم بأسره محدودية علمها، فلم يكن بوسعها التهرّب من هذا الشاب الذي كان يتكلّم اللغة الكونية.
    - توجّه إلى اليد التي كتبت كل شيء ـ قالت الشمس أخيراً.
    أطلقت الريح صرخة رضى، وهبّت بقوة لاعهد لها بها، اقتلعت الخيام المنتصبة في الصحراء، وتحررت الحيوانات من قيودها، وعلى الصخرة صار الناس يتشبّثون ببعضهم خوفاً من أن تحملهم الريح.
    عندئذٍ التفت الشاب إلى اليد التي كتبت كل شيء، وبدل أن يقول أدنى كلمة، فقد أحس أن الكون كلّه مكث من حوله صامتاً، ومكث هو صامتاً أيضاً.
    اندفاع من الحب انبثق من قلبه، وأخذ بالصلاة، صلاة لم يفعل مثلها من قبل، لأنها كانت صلاة من دون كلام، لم يطلب شيئاً من خلالها، لم يكن يشكر لأنه وجد مرعىً لأغنامه، لم يكن يبتهل لأنه باع المزيد من الزجاجيّات، لم يكن يطلب أن تنتظر المرأة التي التقاها عودته.
    لكنه أدرك من خلال الصمت الذي خيّم، أن الصحراء والريح والشمس، كانت هي أيضاً تبحث عن العلامات، التي كانت تلك اليد قد خطّتها، وكانت تريد متابعة طريقها، وتدرك ماكان منقوشاً على زمرّدة بسيطة، كان يعلم أن هذه العلامات منتشرة على الأرض وفي الفضاء والتي ليس لوجودها أي مبرر من حيث الظاهر، أي معنى، بحيث أن لا الصحارى، ولا الريح ولا االشمس، ولا البشر في النهاية لم يكونوا ليعلموا لماذا خُلقوا، لكن تلك اليد كان لها سببها بالنسبة لكل هذا وهي وحدها القادرة، على صنع المعجزات، وتحويل المحيطات إلى صحاري، والبشر إلى ريح، لأنها وحدها التي تفهم أن هناك هدفاً سامياً دفع الكون إلى النقطة التي تحوّلت فيها أيام الخلق الستة إلى إنجاز عظيم.
    واندمج الشاب في النفس الكليّة، ورأى أن النفس الكليّة هي جزء من روح الإله، وأن روح الإله هي روحه الخاصة.
    وأنه كان يستطيع منذ ذلك الوقت أن يحقق المعجزات. هبّت رياح السموم في ذلك اليوم على نحو لم يسبق له مثيل على الإطلاق، وعلى مدى أجيال فإن العرب كانوا يروون أسطورة شاب كان قد تحوّل إلى ريح، وكاد أن يزيل معسكراً متحدّياً بذلك بأس أهم زعيم حربي من زعماء الصحراء.
    عندما توقفت ريح السموم عن العصف، حملقوا كلّهم باتجاه المكان الذي كان فيه الشاب الذي لم يعد هناك، بل كان في الجانب الآخر يراقب العاصفة.
    كان الناس مذعورين من الشعوذة، وشخصان كانا يبتسمان آنذاك: الخيميائي لأنه وجد تلميذه الحقيقي، ثم الزعيم، لأن هذا التلميذ قد أدرك مجد الإله.
    وفي الغد ودّع الزعيم الشاب والخيميائي، وسيّر معهما موكباً من الحرس ليرافقهما إلى المكان الذي يبغيان الذهاب إليه.

    × × ×

    مشيا نهاراً كاملاً، وعند هبوط المساء وصلا أمام دير قبطي، فطلب الخيميائي من مرافقيه العودة وترجَّل، ثم قال للشاب:
    - ستذهب منذ الآن بمفردك، لم يبق لك إلا ثلاث ساعات من السير كي تصل إلى الأهرامات.
    أجاب الشاب:
    - شكراً، إنك علّمتني اللغة الكونية.
    - لم أعمل إلا على تذكيرك، بما كنت تعرفه مسبقاً.
    قرع الخيميائي باب الدير، وجاء راهب يرتدي السواد ليفتح لهما الباب، تحادثا للحظات باللغة القبطية، ثم أدخل الخيميائي الشاب.
    - طلبتُ منه أن يسمح لي باستعمال المطبخ لبعض الوقت ـ قال الخيميائي.
    ذهبا إلى مطبخ الدير، أشعل الخيميائي النار، وأحضر الراهب قليلاً من الرصاص الذي صهره الخيميائي في وعاء من الحديد، وعندما صار الرصاص سائلاً تناول من جعبته البيضة الصفراء الزجاجية الغريبة التي كانت بحوزته، وكشط عنها قشرة لتتجاوز سماكتها الشعرة، وغلّفها بالشمع، ورماها في الإناء الذي كان يحتوي على الرصاص المصهور، تلوّن المزيج بالأحمر القاني، عندئذٍ رفع الخيميائي الوعاء عن النار، وتركه يبرد، وبانتظار ذلك تجاذب أطراف الحديث مع الراهب الذي كان مساءً ـ فمنذ زمن طويل، قد شلّت حركة القوافل في الجيزة بانتظار نهاية النزاع.
    - لكنّها مشيئة الله.
    - آمين ـ أجاب الخيميائي.
    عندما برد المستحضر، نظر الراهب والشاب بتعجّب، فالمعدن كان قد جفّ حول الجانب الداخل للإناء، لكنّه لم يعد من الرصاص وإنما أصبح من الذهب.
    - هل أستطيع أن أتعلّم مافعلته؟ سأل الشاب.
    - إنها أسطورتي الشخصيّة، وليست أسطورتك ـ أجاب الخيميائي ـ لكنني أردت أن أبيّن لك أن هذا ممكن.
    عاودا إلى مدخل الدير، وهناك جزّأ الخيميائي القرص إلى أربع قطع متساوية.
    - هذه لكَ ـ قال وهو يقدّم واحداً من هذه الأجزاء إلى الراهب ـ لقاء كرمك تجاه الحجّاج.
    - هذا أكثر مما أستحق بكثير ـ أجاب الراهب.
    - لاتتكلّم هكذا، فإن الحياة تستطيع أن تسمعك، وتعطيك الأقل مرة أخرى.
    ثم اقترب من الشاب:
    - هذا لك كي أعوّضك الذهب الذي سُلب منك، وبقي في حوزة الزعيم الحربي.
    أوشك الشاب أن يقول أن هذا أكثر بكثير مما خسره، لكنه سمع ماقال الخيميائي للراهب، فأمسك عن الكلام.

  4. #34
    التسجيل
    15-10-2005
    الدولة
    السعودية :)
    المشاركات
    33

    مشاركة: الخيميائي لباولو كويلو

    - أما هذه الحصة فهي لي ـ قال الخيميائي ـ لأنه ينبغي عليّ أن أعود من جديد مجتازاً الصحراء، والحرب مازالت مستمرّة بين العشائر.
    تناول حينذاك القطعة الرابعة، وأعطاها للراهب أيضاً، هذا الجزء من أجل الشاب الموجود هنا في حال احتاج إليها.
    أجاب الشاب:
    - لكنني ذاهب للبحث عن كنزي، وها أنذا صرت قريباً جداً منه الآن.
    - وأنا متأكد من أنك ستجده ـ قال الخيميائي.
    - إذن لماذا هذا الجزء الإضافي؟
    - ذلك لأنك فقدت المال الذي جنيته مرتين في غضون سفرك، مرة مع اللص، وأخرى مع الزعيم الحربي، وأنا عربي عجوز أعتقد بحكم وأمثال بلدي، وإليك واحداً منها: مايحصل مرة يمكن ألا يحصل ثانية أبداً، لكن مايحصل مرتين يحصل بالتأكيد مرة ثالثة.
    ثم امتطيا فرسيهما.

    أوّد أن أقصّ عليك قصّة عن الأحلام ـ قال الخيميائي.
    قرّب الشاب حصانه منه.
    - " في روما القديمة، وفي عهد الإمبراطور تيباريوس، عاش رجل طيب، كان أبا لولدين، الأول انخرط في الجيش، وأُرسل إلى أقصى أقاليم الإمبراطورية، والثاني كان شاعراً سحر روما بشعره، البديع.
    ذات ليلة حلم الأب حلماً، فقد ظهر عليه ملاك ليقول له أن كلام واحد من أبنائه سيُعرف وسيُرَدّد في العالم بأسره، وعبر أجيال المستقبل كلّها. أفاق الرجل العجوز وهو يبكي من الفرح لأن الحياة أظهرت له سخاءها، وتجلّى له الوحي يبشّره بشيء يجعل من أي أب كان أباً فخوراً.
    بعد زمن وجيز، مات الأب وهو يحاول إنقاذ طفل أوشك أن يُدهس تحت عجلات عربة، ولمّا كان عادلاً وطيّباً في سلوكه طيلة حياته، فقد صعدت روحه إلى السماء مباشرة، وهناك التقى الملاك الذي كان قد تراءى له في الحلم.
    - لقد كنتَ رجلاً طيّباً ـ قال له الملاك ـ عشتَ مُحاطاً بالحب، ومت بكرامة، أستطيع الآن أن أحقق لك واحدة من أمنياتك.
    - الحياة أيضاً كانت جميلة بالنسبة لي ـ أجاب العجوز ـ وعندما ظهرت لي في الحلم، قد فهمت أن في هذا مباركة لي، لأن أشعار ولدي ستبقى في ذاكرة الناس إلى الأبد، فأنا ليس لدي أيّ طلب من أجل نفسي، غير أن كل أب يعتزّ بمشاهدة من رعاه صغيراً وهذّبه يافعاً، ذائع الصيت، أتمنى أن تريني كلمات ابني في المستقبل البعيد.
    ربّت الملاك على كتف العجوز، ومن ثم انقذفا معاً إلى مستقبل بعيد، فشاهدا أمامها ساحة مكتظّة بآلاف الناس الذين يتكلّمون بلغة غريبة.
    بكى العجوز فرحاً، كنت اعلم ـ قال للملاك ـ أن أشعار ابني جميلة وخالدة، ألا تريد أن تقول لي أيّا من قصائده التي يرددها هؤلاء الآن؟
    اقترب منه الملاك عندئذٍ، بكثير من اللباقة، وجلسا على أحد مقاعد تلك الساحة الفسيحة وقال له:
    - قصائد ابنك الشاعر، كانت شعبيّة جداً في روما، وكل الناس قد أحبوها، واستمتعوا بها، ولكن عندما انتهى حكم تيباريوس، فإنهم نسوها، الكلمات التي يردّدها هؤلاء الناس الآن هي كلمات ابنك الآخر، الجندي.
    نظر العجوز للملاك بدهشة، وتابع الملاك:
    - ابنك ذهب للخدمة العسكرية في ولاية بعيدة، وصار قائد المائة (سانتوريون) لقد كان رجلاً طيّباً وعادلاً، ذات مساء مرض أحد خدمه وأشرف على الموت، وسمع ولدك برجل اسمه يسوع، كان يشفي المرضى، فقضى أياماً طوالا بالبحث عنه، أثناء تجواله، اكتشف أن من يبحث عنه هو ابن الإله، وقد التقى أشخاصاً آخرين، وقدّر لهم الشفاء على يديه.
    فبدأ يتعلّم تعاليمه، ورغم أنه قائد مئة، فقد اعتنق دينه، أخيراً ذات صباح جاء إلى جوار يسوع، روى له أن أحد خدمه كان مريضاً وأبدى يسوع استعداده لمرافقته حتى بيته، لكن قائد المائة، كان رجلاً مؤمناً، فعندما نظر إلى يسوع بعمق، أيقن أنه كان بحق يقف أمام ابن الله، فقد كان الناس المحيطون به ينهضون إجلالاً له.
    كانت هذه كلمات ابنك ـ قال الملاك للعجوز. الكلمات لم تكن لتُنسى إطلاقاً: " يارب لست مستحقاً أن تدخل تحت سقفي، لكن قل كلمة لاغير فيبرأ فتاي ".
    حثّ الخيميائي حصانه على السير.
    - على أية حال، إن كل شخص على الأرض يلعب الدور الرئيس في سيرة العالم وهو لايدري.
    ابتسم الشاب، لم يكن قد تصوّر إطلاقاً، أنه من الممكن للحياة أن تكون مهمّة جداً بالنسبة لراعٍ.
    - وداعاً ـ قال الخيميائي.
    - وداعاً ـ أجابه.

    × × ×

    مشى في الصحراء لمدة ساعتين ونصف الساعة، محاولاً الاصغاء بانتباه لحديث قلبه، فهو الذي سيكشف له المكان المخبأ فيه الكنز.
    وتذكّر ماكان الخيميائي يقول: حيث يكون كنزك، يكون قلبك.
    لكن قلبي كان يتحدّث عن أشياء أخرى، فقد كان يروي بكبرياء سيرة راعٍ ترك أغنامه من أجل اللحاق بحلم حلم به مرّتين، كان يتحدّث عن الأسطورة الشخصيّة، بالنسبة لكل الرجال الذين قد عملوا الشيء نفسه، ورحلوا بحثاُ عن أراضِ جديدة أو نساء حسناوات، متصدّين لرجال عصرهم، بما حملوا من أفكار وادّعاءات.
    طيلة هذه المسافة، كان يتحدّث عن الاكتشافات، عن الكتب، عن الاضطرابات الكبيرة، وبينما كان يجهّز نفسه لتسلّق كثيّب رملي، سمع قلبه يهمس ـ انتبه جيّداً إلى المكان الذي ستبكي فيه، لأنه هو المكان الذي أوجد أنا فيه، وهو المكان الذي تجد كنزك فيه.
    أخذ بتسلّق الكثيّب ببطء، كانت السماء مليئة بالنجوم، والبدر يضيئهما من جديد، كانا قد مشيا شهراً كاملاً في الصحراء، وهاهو القمر يضيء الكثيب، وأخذ سحر الظلال يعطي الصحراء هيئة البحر الهائج، كان يعود ويذكر الشاب باليوم الذي أرخى فيه لجام حصانه، وأعطى للخيميائي العلامة التي كان ينتظرها. كان ضوء القمر يغمر صمت الصحراء، وذلك السفر الطويل الذي يقوم به الرجال بحثاً عن الكنوز.
    وعندما وصل بعد عدة دقائق إلى قمّة الكثيّب خفق قلبه في صدره: هاهي ذي أمامه تنتصب بعظمة وجلال أهرامات مصر، يضيئهما ضوء القمر.
    جثا على ركبتيه وبكى، وشكر الله لأنه آمن بأسطورته الشخصيّة، وللقائه ذات يوم ملكاً وتاجراً وانكليزياً وخيميائياً، وفوق كل ذلك لقاؤه بامرأة من الصحراء جعلته يفهم أنه لايمكن للحب أبداً أن يبعد الانسان عن أسطورته الشخصيّة.
    كانت الأهرامات بما مر عليها من أجيال تراقب من عليائها ذاك الذي عند أقدامها، لو أراد لكان باستطاعته الآن العودة إلى الواحة، والزواج من فاطمة، والعيش كراعٍ بسيط للغنم، لأن الخيميائي كان يعيش في الصحراء، على الرغم من أنه يفهم لغة العالم، وعلى الرغم من انه خبر تحويل الرصاص إلى ذهب، ولم يكن بحاجة لأن يشرح لأحد علمه وفنّه. وبينما هو ذاهب لتحقيق أسطورته الشخصيّة، كان قد تعلّم كل ما كان بحاجة لمعرفته وعاش كل ما حلم أن يعيشه.
    هاهو ذا قد توصّل إلى كنزه، والإنجاز لايتم إلا عند إدراك الهدف، هناك من على قمة الكثيّب بكى. نظر إلى الأرض فرأى في المكان الري سقطت فيه دموعه جعلاً يمشي، وقد تعلّم مما أمضاه في الصحراء أن الجعلان رمز للإله في مصر.
    إنها علامة أيضاً، لذلك فقد بدأ يحفر، متذكّراً تاجر الزجاجيّات: حتى لو أمضى الانسان حياته كلّها في تكويم الأحجار، فإنه لن ينجح إطلاقاً في بناء هرم في حديقته.
    حفر في المكان المحدد طيلة الليل، دون أن يجد شيئاً، ومن أعالي الأهرامات، كانت القرون الغابرة تتأمّله بصمت، لكنّه لم يتراجع، كان يحفر ويحفر دون توقف، مصارعاً الريح التي كانت تعيد أكثر من مرة الرمل إلى داخل الحفرة، وتعبت يداه وجُرحتا، لكنه استمر بالاعتقاد بقلبه، وقلبه قال له أن يحفر في المكان الذي ستسقط فيه دموعه.
    فجأة، وبينما كان يحاول انتزاع بعض الأحجار التي كان قد كشف عنها في الصباح، سمع وقع خطى ... بضع رجال كانوا يقتربون، وبما أن القمر كان خلفهم فإنه لم يستطع رؤية عيونهم أو وجوههم.
    - ماذا تفعل هنا؟ سأل أحد القادمين.
    لم يجب بشيء، لكنه خاف، فعليه أن ينبش كنزه من التراب ولهذا خاف.
    - نحن لاجئوا حرب ـ قال آخر ـ ونريد أن نعرف ما تخبئ هنا، فنحن بحاجة إلى المال.
    - أنا لم أخبئ شيئاً ـ أجاب الشاب.
    لكن أحد الرجال أخذه من ذراعه، وجرّه خارج الحفرة، وأخذ آخر بتفتيشه.
    ووجدوا قطعة الذهب التي كانت في إحدى جيوبه.
    - إنه يملك الذهب ـ قال أحد المهاجمين.
    أضاءت أشعة القمر وجه ذلك الذي كان يفتّشه، وفي عينيه رأى حتفه.
    - لابد أن يكون لديه أيضاً من الذهب المخبأ في الأرض ـ قال آخر:
    اجبروه على مواصلة الحفر، ولأنه لم يجد شيئاً فقد انهالوا عليه ضرباً. ضربوه زمناً طويلاً، حتى ظهور خيوط الشمس الأولى، ثيابه صار مزقاً وأحسّ بأن الموت صار قريباً.

  5. #35
    التسجيل
    15-10-2005
    الدولة
    السعودية :)
    المشاركات
    33

    مشاركة: الخيميائي لباولو كويلو

    - مانفع المال، إن كان على المرء أن يموت؟ فإنه لمن النادر أن يستطيع المال إنقاء أحد من الموت ـ هكذا قال الخيميائي.
    - ابحث عن الكنز ـ قال أخيراً، وعلى الرغم من الجروح التي أدمت فمه المتوّرم إثر اللكمات التي تلقّاها، فقد روى لمهاجميه أنه كان قد حلم مرّتين بكنزٍ مطمور على مقربة من أهرامات مصر.
    ذاك الذي يبجو عليه زعيمهم، بقي صامتاً لفترة، ثم توجّه إلى واحد من أتباعه.
    - نستطيع أن نتركه ينصرف، فليس معه شيء آخر، وهذا الذهب قد سرقه على الأرجح.
    سقط الشاب منكبّاً على الأرض، وعينان اثنتان كانتا تبحثان عن عينيه، لقد كان زعيم العصابة، لكن الشاب كان ينظر صوب الأهرامات.
    - هيا بنا نذهب ! قال الزعيم لأصحابه ثم التفت نحو الشاب قائلاً :
    - لن تموت، سوف تعيش، وتعلم أنه ليس من حق المرء أن يكون غبيّاً بهذا القدر، فهنا بالضبط، وفي هذا المكان الذي أنت فيه الآن ومنذ عامين تقريباً، كنت قد حلمت بحلم تكرر، حلمتُ أنه كان ينبغي عليَّ الذهاب إلى إسبانيه، أبحث في الريف عن كنيسة صارت أطلالاً، حيث كان الرعاة يذهبون إليها غالباً مع أغنامهم، وحيث تنبت شجرة جميز في الموهف، وأنني لو حفرت عند أسفل شجرة الجميز، لوجدتُ كنزاً مخبّأ، لكنني لستُ غبيّاً للحد الذي يجعلني أجتاز الصحراء كلّها، فقط لأنني حلمت بالحلم نفسه مرّتين، ثم انصرف.

    نهض الشاب بصعوبه، ونظر مرة أخرى إلى الأهرامات.
    ابتسمت له الأهرامات، وابتسم لها هو بالمقابل، وقلبه مفعم بالفرح.
    كان قد وجد كنزه !

    × × ×

    :: الخاتمة ::

    كان يدعى سانتياغو
    وصل إلى الكنيسة الصغيرة المهجورة، عندما كان الليل على وشك الهبوط.
    كانت شجرة الجميز ماتزال في الموهف، وكان مايزال بالإمكان رؤية النجوم تلمع من خلال السقف المتهدّم، وتذكّر أنه جاء ذات مّرة إلى هناك مع أغنامه، وكان قد أمضى ليلة هادئة باستثناء الحلم الذي رآه.
    إنه هناك الآن بلا قطيعه لكن كان معه مجرفة.
    بقي وقتاً طويلاً يتأمّل السماء، ثم تناول من جعبته زجاجة من الخمر، وفجأة تذكّر تلك الليلة في الصحراء، والتي شاهد فيها النجوم وشرب الخمر أيضاً مع الخيميائي، لقد تذكّر كل الدروب التي سلكها، والطريقة الغريبة التي أظهر الله بها كنزه، ولو أنه لم يكن يؤمن بالأحلام التي كانت تتكرّر، لما كان قد التقى الغجريّة ولا الملك العجوز ولا اللص لا ... القائمة طويلة جداً، هذا صحيح، لكن الدرب كانت مرسومة بالعلامات، ولم يكن هناك سبب لأضلّ الطريق ـ قال في نفسه.
    نام دون أن يعرف كيف نام، وعندما أفاق كانت الشمس في أوج إشراقها، عندها أخذ يحفر عند أسفل شجرة الجميز.
    - أيها الساحر العجوز ـ حدّث نفسه ـ كيف تحيط علماً بكل شيء، حتى أنك كنت قد تركت لي قليلاً من الذهب كي أستطيع العودة حتى هذه الكنيسة. لقد ضحك الراهب كثيراً عندما رآني أعود بثوب رث ممزّق، ألم يكن بإمكانك أن توفّر علي كل هذا العناء؟
    سمع الريح تجيبه:
    - لا، فلو كنت قد قلت لك ذلك لما كنت رأيت الأهرامات، فهي جميلة جداً، ألم تجدها كذلك؟
    كان هذا هو صوت الخيميائي، ابتسم ثم أخذ يحفر، وبعد انقضاء نصف ساعة، اصطدمت المجرفة بشيء قاس، وبعد ساعة كان هناك أمامه صندوق مليء بقطع الذهب الأسبانيّة القديمة، كان فيها أيضاً أحجار كريمة، وأقنعة ذهبيّة مزيّنة بريش أحمر وأبيض، وتماثيل مرصّعة بالألماس، إنها مخلّفات فتح كانت البلاد قد نسيتها منذ زمن بعيد، وكان الفاتح قد نسي أن يذكرها إلى أحفاده.
    سحب من جعبته أوريم وتوميم، فهو لم يكن قد استخدم هاتين الحجرين إلا مرة واحدة ذات صباح في السوق الأسبوعي.
    الحياة ودربه كانتا محفوفتين دائماً بالعلامات.
    وضع أوريم وتوميم في صندوق الذهب، فهاتان الحجران تمثّلان هنا أيضاً جزءاً من كنزه، فربّما تذكّرانه بذلك الملك العجوز الذي لن يلتقيه بعد الآن أبداً.
    - في الحقيقة إن الحياة كريمة مع من يعيش أسطورته الشخصيّة ـ قال في سرّه.
    وتذكّر عندئذٍ بأن عليه الذهاب إلى مدينة طريفه، ليعطي العشر من كل هذا للغجريّة.
    - كم الغجر خبثاء ! قال لنفسه ـ ربّما لأنهم يرتحلون كثيراً.
    لكن الريح أخذت تعصف، إنها الريح الشرقيّة القادمة من إفريقية، فهي لم تكن تحمل رائحة الصحراء، ولاخطر غزو عربي.
    وعِوضاً عن ذلك، كانت تحمله رائحة عطر يعرفه جيّداً، وهفيف قبلة وصلت برفق، وبكل رفق، لتستقرّ على شفتيه.

    ابتسم، تلك كانت المرّة الأولى التي تفعل بها هذا، وصاح قائلاً:
    - ها أنذا يا فاطمة، إني قادم.


    × × ×


    :: تمت ::

  6. #36
    التسجيل
    21-11-2004
    المشاركات
    27

    مشاركة: الخيميائي لباولو كويلو

    شــــــــــــــــــكـــــــــــــــــــــــــراً على القصة ...

    ومشكووووووووور على جهدك وتعبك...

    أنا رفعت القصة على الوورد ...وهي في المرفقات...
    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

  7. #37
    التسجيل
    27-12-2005
    المشاركات
    94

    مشاركة: الخيميائي لباولو كويلو

    مشكورة أختي على القصة وإن شاء الله راح أقراها في أقرب وقت ممكن


  8. #38
    التسجيل
    09-02-2006
    المشاركات
    28

    مشاركة: الخيميائي لباولو كويلو

    #35
    24-01-2006, 05:00 PM
    joanna




    بصراحة مجهود رااائع ................. بارك الله فيكِ وسلمت يداكِ .

صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •