تشوهات القناة العصبية أخطرها وأكثرها شيوعاً لدى الأطفال “خبز جديد” يكافح التشوهات الخلقية
أمهات كثيرات واجهن هذه المحنة بسبب ولادة أبنائهن مصابين بتشوهات مختلفة.. عن أسباب هذه التشوهات ذهبنا إلى الدكتورة حنان حسني عفيفي.. أستاذة الوراثة البشرية ورئيسة قسم الوراثة الإكلينيكية بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة، لنسألها عن أسباب إصابة المواليد بهذه التشوهات.. ونعرف علاقتها بنقص حمض “الفوليك أسيد” الذي قامت بعض الدول بخلطه مع الدقيق لعمل خبز معين يقي المواليد من تشوهات القناة العصبية ويساعد على منع التوائم الملتصقة.. فكان هذا الحوار:
بداية.. كيف تتكون القناة العصبية لدى الجنين.. ومتى؟
تتكون القناة العصبية من المخ والنخاع الشوكي وذلك في بداية تكوين الجنين حيث تكون عبارة عن دائرة مسطحة ثم تلتف لتأخذ شكل الأنبوب .. هذا الأنبوب يتسع ويضيق في أماكن مختلفة لتعمل على تكوين المخ والنخاع الشوكي اللذين تغلفهما عظام الرأس والعمود الفقري للحفاظ عليهما.. يتم ذلك في وقت مبكر جدا بدءا من عملية تلقيح البويضة وحدوث الحمل حتى اليوم العشرين إلى الثلاثين.. مما يشكل صعوبة في اكتشاف حدوث تشوهات القناة العصبية لأن في هذه الفترة تترقب المرأة نزول الدورة الشهرية وهي حامل ولا تعرف.
ما أنواع تشوهات القناة العصبية؟
تشوهات القناة العصبية أخطر وأكثر التشوهات شيوعا لدى الأطفال، وتختلف نسب حدوثها من بلد إلى آخر.. فعلى سبيل المثال: كانت نسبة الإصابة في أوائل التسعينات في الفترة ما بين (1990 1996) في حديثي الولادة هي طفل واحد من كل ألف طفل في أمريكا، وفي المجر 3.3 من بين ألف طفل، وفي مصر 9 أطفال من بين ألف طفل، وفي كوريا 10 أطفال من بين ألف طفل. وتنقسم تشوهات القناة العصبية إلى عدة أنواع منها ما هو مغطى بالجلد.. ومنها غير المغطى.. وقد تم تصنيف تشوهات القناة العصبية تبعا لمكان حدوثها وهي: نقص في تكوين الرأس والمخ.. وهذا النوع ينتهي دائما بوفاة الطفل أو الجنين، وأيضا وجود كيس دماغي.. ويكون في الرأس أو أعلى فقرات العمود الفقري، وكذلك تكون كيس من النخاع الشوكي.. ويحدث في أي مكان من العمود الفقري وله درجات متنوعة بعضها قليل الخطورة.. والبعض الآخر ينتج عنه شلل في الأرجل مع عدم التحكم في البول والبراز حتى بعد وصول الطفل إلى مرحلة النضج.. فضلا عن حدوث التهابات متكررة في المخ، وهناك نوع أكثر خطورة يسمىMYELO CELE كما يمكن أن تحدث تشوهات القناة العصبية كجزء من متلازمة وراثية يطلق عليها (متلازمة ميكل).. أو مع بعض حالات خلل الكروموسومات مثل خلل بكروموسومي (13 أو 18).
وراثي.. وبيئي
وهل هناك أسباب محددة لحدوث تشوهات القناة العصبية؟
هناك أسباب عديدة ومتنوعة منها: (الوراثي) و(البيئي).. كما أن هناك عوامل تساعد على حدوث هذه التشوهات مثل: (نقص حمض “الفوليك أسيد” في دم الأم قبل وخلال الحمل، أو إصابة الأم بأحد أنواع خلل الكروموسومات المتوازن، أو حدوث حالة واحدة من هذه التشوهات مما يزيد من احتمال تكرار التشوه في الحمل الذي يليه بنسبة تتراوح من 3 5%.. كما أن حدوث أكثر من حالة في محيط العائلة يزيد من نسبة التكرار في الحمل التالي.. وترتفع النسبة مع ارتفاع عدد الحالات المصابة، أو إصابة الأم بمرض البول السكري من النوع الأول، أو إصابتها بداء الصرع مما يجعلها تتناول أنواعا معينة من الأدوية للعلاج.. وفي هذه الحالة يجب استبدال هذه الأدوية بأخرى في حالة وجود حمل حتى نتلافى حدوث تشوهات القناة العصبية.
كم تبلغ تكلفة العلاج من هذه التشوهات.. وهل يتم الشفاء بدرجة نهائية؟
تم تقييم متوسط تكلفة العلاج خلال فترة حياة الطفل المصاب حيث بلغت 258 ألف دولار أمريكي للحالة الواحدة.. وعلى الرغم من ذلك فإن الطفل قد يظل يعاني من درجة الإعاقة الذهنية أو الحركية.. فضلا عن العبء النفسي الذي تعانيه أسرة الطفل.
ما حمض الفوليك أسيد؟
هو أحد الفيتامينات التي تتضمنها مجموعة فيتامين (ب)، وهو يذوب في الماء، كما يطلق عليه اسم فيتامين (ب9) أو (فولبت)، وهو فيتامين لا يمكن للجسم أن ينتجه مما يعني أنه يجب على الشخص أن يتناوله عن طريق الأكل. وينكسر حمض الفوليك بسهولة عند الطبخ أو الحفظ لفترة طويلة، كما أثبتت الدراسات أن من 5 15% من سكان العالم في البلاد المختلفة لديهم طفرة في الجين الخاص بهذا الحمض مما يترتب عليه انخفاض نسبته في دمهم مما يستدعي تناوله بكميات أكثر من غيرهم.
دور أساسي
هل للحمض دور فعال في عملية بناء الجسم؟
يلعب حمض الفوليك أسيد دورا أساسيا في دقة عملية إعادة بناء الحامض النووي الDNA ، كما يلعب الدور ذاته في عملية تكوين البروتينات المختلفة، ويعمل على تكوين كرات الدم الحمراء، ويدخل كعنصر أساسي في تكوين “السريتونين” و”الدوبامين”.. وهما البروتينان اللذان يعتبران من الموصلات العصبية المهمة في المخ. وتوافر الحمض شيء أساسى لمنع حدوث التشوهات الخلقية خاصة تشوهات القناة العصبية خلال تكوين الجنين حيث إنه يلعب دورا مهما في بناء الDNA والبروتين وخلايا الجنين.
نفهم من ذلك أن نقص حمض الفوليك ضار بصحة الجنين.. إذن فما أسباب النقص؟
أسباب النقص متنوعة وترجع إلى طريقة التناول وعملية الهدم والبناء وحاجة الجسم إليه.. فمنها (نقص تعاطي الحمض.. نتيجة عدم تناول الخضراوات بكثرة، أو تعاطي الخمور، أو أمراض الكبد، أو أمراض التهاب الفم المزمن).. كذلك نقص امتصاص الحمض مثل حالات: (مرض سيليك، أو تعاطي أدوية معينة، أو نقص الزنك في الدم).. وهناك سوء عمليتي الهدم والبناء مثل حالات: (نقص إفرازات الغدة الدرقية، أو طفرة في جين حمض الفوليك).. وهناك زيادة حاجة الجسم إلى الحمض مثل حالات: (الفشل الكلوي، والغسيل المتكرر للدم، النزيف المتكرر، الحمل، الرضاعة).
كيف يتم اكتشاف نقص حمض الفوليك في الجسم؟
يمكن معرفة ذلك عن طريق قياس نسبة الحمض في الدم وكذلك في كرات الدم الحمراء.. وهناك أعراض عامة يمكن أن تلفت نظر الطبيب إلى ضرورة طلب قياس نسبة حمض الفوليك بالجسم مثل: الإجهاد المستمر، الاسهال المستمر، فقدان الشهية، التهاب وتورم اللسان، تغير لون الجلد بحيث يصبح داكناً قليلاً، الأصابع.. ويلاحظ أن كل هذه الأعراض هي مظاهر عامة يمكن أن يشترك فيها نقص العديد من الفيتامينات أو حتى الأمراض الأخرى.
هل هناك نسب معينة من الحمض يجب أن تتوفر في الجسم لتلافي التشوهات؟
أقل نسبة يجب أن تتوفر حتى لا تحدث مظاهر لنقص هذا الحمض هي (3 ننوجرام / مليجرام في الدم. أو 140 ننوجرام / مليجرام في كرات الدم الحمراء.
كيف يتم تعاطي هذا الحمض في حالة نقصه في الجسم؟
يتم التعاطي عن طريق الفم بالنسبة للكبار في صورة حبوب صغيرة .. أو سائل بالنسبة للأطفال.
ما مصادر حمض الفوليك؟
يوجد حمض الفوليك أسيد في الخضراوات ذات الأوراق الخضراء مثل: (الخس، والجرجير، والبروكلي، والفاصوليا، والبسلة، والحبوب الكاملة، وصفار البيض).
جرعات يومية
هل هناك جرعات يومية لهذا الحمض؟
نعم.. وتتفاوت الجرعة اليومية حسب عمر الشخص فالطفل منذ ميلاده حتى ستة أشهر يتناول (30 ميكروجراماً)، ومن ستة أشهر وحتى عام كامل (50 ميكروجراماً)، ومن عام وحتى 18 سنة (من 100 500 ميكروجرام)، وبالنسبة للرجال (220 ميكروجراماً) والمرأة الحامل (400 ميكروجرام)..
جرعة 400 مليجرام من حمض الفوليك أسيد هل هي كافية لكل امرأة حامل؟
هناك حالات تحتاج إلى جرعات أكبر ويتم تناولها عن طريق الفم حتى يتسنى لها المحافظة على مستوى الحمض صحيحا في الدم.. ويكون هذا في حالات الأمهات اللاتي يعانين من البول السكري “النوع الأول”، أو من يتناولن بعض أدوية الصرع، أو اللاتي لديهن نوع معين من الأنيميا، أو سبق لهن الحمل في طفل مشوه في القناة العصبية.
ماذا يحدث في حالة زيادة الحمض في الجسم؟
من مميزات هذا الحمض أن الحد الآمن له واسع مما يعني أن الفرد ممكن أن يأخذ 20 مليجراماً يوميا لفترة عدة أشهر قبل أن تظهر عليه مظاهر زيادة حمض الفوليك..
هل للحمض فائدة لجسم الأم.. أم أنه فقط يؤثر في الجنين؟
الأم في الأصل (إنسانة) وعندما تكون حاملا تكون في حاجة إلى رعاية زائدة وبالتالي فنقص حمض الفوليك يؤثر فيها كما يؤثر في أي فرد آخر، وهناك من لديهن أمراض وحالات معينة يحتجن فيها إلى جرعات زائدة من حمض الفوليك حتى يوفرن للأجنة النسبة الكافية منه وذلك من خلال دم الأم في الحبل السري.
هل هناك أمراض تنشأ من نقص حمض الفوليك؟
هناك علاقة بين نقص حمض الفوليك وبعض الأمراض.. إلا أن هذا النقصان يعد أحد العوامل وليس سببا رئيسيا في حدوث هذه الأمراض، ويختلف الدور الذي يلعبه نقص الحمض في كل مرض على حدة إذ إن نقصه مهم جدا في حالات (تشوهات القناة العصبية، نوع معين من الانيميا).. وتقل أهميته بعض الشيء في بعض الامراض مثل: (باقي تشوهات الأجنة، تصلب الشرايين، الأزمات القلبية، هشاشة العظام، سرطان عنق الرحم، سرطان القولون، مرض فقدان الذاكرة، الزهايمر، الاكتئاب، وربما ارتفاع ضغط الدم).
في حالة حدوث أمراض بسبب نقص الفوليك أسيد.. هل تنتهي بتناوله بالجرعات المطلوبة؟
تناول حمض الفوليك أسيد في الحالات السابقة ثبت أنه عامل مساعد لتحسين وتقليل مظاهر أو تأخير حدوث أعراض المرض.. وأثر الحمض يختلف من مرض إلى آخر وهذا يعود إلى أنه أحد العوامل وليس سببا في المرض.
هل يمكن منع حدوث أو تكرار حدوث تشوهات القناة العصبية؟
أثبتت الدراسات أن إعطاء الأم حمض الفوليك أسيد يوميا بجرعات تتراوح بين (400 ميكروجرام إلى 4 مليجرامات) حسب حالة الأم ولمدة شهر إلى ثلاثة أشهر قبل حدوث الحمل.. ثم لمدة الثلاثة أشهر الأولى من الحمل يقلل من حدوث التشوهات بنسبة 72% فضلا عن انخفاض نسبة حدوث تشوهات أخرى في القلب والأطراف وصمام المعدة. كما يمكن متابعة الحمل وإجراء تحليل ال(ألفا فيتوبروتين) في دم الأم ويفضل إجراء هذا التحليل لكل حالات الحمل كنوع من المسوح الشاملة للحوامل لأن هذا التحليل ليس متخصصا فقط في تشوهات القناة العصبية.. ولكنه يعمل على كشف عدة تشوهات أخرى وكذلك حالات التوائم الملتصقة وأورام التيراتوما في الجنين.
هل يمكن التنبؤ بإصابة الطفل بالتشوهات؟
العوامل التي تساعد في حدوث التشوهات متنوعة وعديدة يضاف إليها أن هناك من 90 95% من السيدات اللاتي يلدن أطفالا مصابين بتشوهات في القناة العصبية تكون هي الحالة الأولى في محيط العائلة، وبالتالي فإن دراسة شجرة العائلة لا تفضي إلى التنبؤ بذلك قبل حدوثه.. فهي تحدث في فترة مبكرة من الحمل وحتى قبل أن تتأكد المرأة أنها حامل، وهناك نسبة 50% من حالات الحمل تكون غير مخطط لها.. بمعنى أنه لم يتم استشارة طبيب قبل حدوث الحمل لإعطاء الفيتامينات المطلوبة قبل الحمل والمتابعة أثناء الحمل، أما إذا كانت هناك حالات في محيط العائلة فيمكن اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع تكرار هذه الحالة مع الجنين الجديد.
التوائم الملتصقة
نقص حمض الفوليك أسيد هل له علاقة بالتوائم الملتصقة؟ وما أسباب هذه الظاهرة؟
لا توجد علاقة واضحة بين نقص حمض الفوليك أسيد والتوائم الملتصقة إذ إنها في الأصل تكون توأماً متطابقاً (أي من نفس البويضة الملقحة) ولكن لم تتم عملية فصل التوأم كليا وبالتالي نتج التوأم الملتصق.. وأماكن الالتصاق مختلفة وحسب مكان الالتصاق تم تصنيف التوائم الملتصقة.. أما سبب التصاقها فهو غير واضح حتى الآن، وهناك عوامل مختلفة ثبتت علاقتها بالظاهرة وعلى سبيل المثال ارتفعت نسبة التصاق التوائم في فيتنام بعد تعرضها لمادة سامة تسمى: .Agent Orange
هل لنقص حمض الفوليك دور في حدوث حالات التيراتوما؟
التيراتوما ورم نادر يمكن أن يحدث في الأجنة والأطفال أو لدى البالغين، بالنسبة للأجنة فإن أكثر الأماكن التي تحدث فيها هذه الأورام تكون في نهاية العمود الفقري مما يجعلها تشبه بعض تشوهات القناة العصبية، ولكن الدراسة الدقيقة يمكن أن تفرق بين هذين المرضين بسهولة، ولم تثبت علاقة بين نقص حمض الفوليك والتيراتوما.
الحمض.. والدقيق
ذهب علماء أوروبيون إلى دمج هذا الحمض مع الدقيق لعمل الخبز والعجائن التي تتناولها النساء والفتيات حرصا على سلامة المواليد وتجنيبهم التشوهات.. ما رأيكم في ذلك؟ .. وإذا كانت طريقة خلط الحمض مع الدقيق صحيحة.. فما نسب خلطه وطريقة إعداده؟ وما نسب نجاح هذه الطريقة؟
سياسة إثراء الطعام بأنواع مختلفة من الفيتامينات والمعادن بدأت منذ أكثر من 60 عاما في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.
ففي عام 1924 تم إضافة اليود إلى ملح الطعام لمنع حدوث مرض نقص الغدة الدرقية.. وفي عام 1930 تم إضافة فيتامين (د) إلى ألبان البقر ليساعد على امتصاص الكالسيوم والفسفور ويمنع حدوث مرض الكساح في الأطفال، وفي الفترة بين عامي 1938 و1943 تمت دراسة ثم تطبيق إضافة فيتامين (ب6) والحديد إلى الدقيق لمنع حدوث الأنيميا.
أما في أوائل التسعينات بين عامي 1990 1996 بدأ الاهتمام بحمض الفوليك وآثاره ودراسة كيفية إضافته إلى الدقيق لمنع حدوث تشوهات القناة العصبية إلى جانب فوائده الأخرى، وكانت أكثر الدول اهتماما بذلك هي المجر في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وفي عام 1998 تم تطبيق إضافة حمض الفوليك أسيد إلى الدقيق وفقا لجرعات معينة هي: (140 ميكروجراماً حمض فوليك إلى كل 100 جرام من الدقيق).
وقد ثبت أن هذه النسبة ليست لها آثار جانبية على أي فئة عمرية تتناوله سواء كانوا أطفالا أو نساء أو رجالا، وعندما تم تطبيق هذه السياسة على مدى عدة سنوات قليلة انخفضت نسبة المواليد المصابين بتشوهات القناة العصبية بنسبة تتراوح بين 60% 75%، ليس ذلك فقط بل انخفضت أيضا نسبة التشوهات الأخرى في الأجنة.
هل تتفاوت نسب نجاح هذه العملية باختلاف البلد؟
بالفعل تتفاوت من بلد إلى آخر وذلك حسب برنامج الإثراء للدقيق ومدى احتياج الأفراد إلى حمض الفوليك، ومدى التزام الناس بالطعام الصحي والبيئة النظيفة التي يجب أن تصاحب تطبيق البرنامج.
