أولا الشعر
الحلقة الأولى
لعل سائل يسأل ما الأسس الواجب توافرها في الإبداع الأدبي حتَّى نسميه شعرا؟
أو لعل السائل يكون أكثر صراحة ليقول بين أطلال التعاريف أريد أن أسأل ماالشعر
عرَّفه القدماء أمثال ابن طباطبا العلوي وابن قدامة وابن قتيبة وابن سلام الجمحي
بأنَّه كلام موزون مقفَّى له معنى
وبإطلالة سريعة يتبين لنا أن هذا التعريف جامعا لكنَّه ليس مانعا من دخول بعض الكلام
على الشعر وهو ليس منه.
ونحن نرفض هذا التعريف لأنه يجعل كلاما مثل :
فقير أنت ياعربي تقاسم ملكك الغربي
فشطر رامه كسرى وشطر رامه الرومي
أقول يجعلونه شعرا رغم عدم احتوائه لا على فكرة جديدة ولا على خيال أو تلقائيَّة مستحبَّة وإنَّما أشبه بلغة الأطفال
لمجرَّد احتواءه على معنى مع وجود الوزن والقافية
و لو أني قرأت أن الشعر الخالي من الفكرة أو الإحساس يدعى منظومة و ليس شعراً
ماذا عن المحدثين؟
المحدثون انقسموا ثلاثة أقسام؛
الأول عرَّفه على أنَّه كلام به مشاعر وأحاسيس وتجربة تتقاطع في مجملها مع تجارب أخرى من نوعها
وهذا الكلام -مع عدم اشتراطه الوزن- يضيِّق من دائرة النثر ليحصرها في الخطابة
فليس هناك إبداع أدبيٌّ لا يحوي تجربة من الممكن أن تتقاطع مع تجارب أخرى كما أنَّه ليس ثمَّة عمل أدبيّ ليس فيه إحساس
إذن التعريف ليس جامعا ولا مانعا
كما أنَّهم يجعلون كلاما مثل:
أوَّاه ذلك الزمان
أرفل بضفيرتين
وببال خال وبقدمين
تنشدان اللهو والانطلاق
وهو على الرغم من معناه وأحاسيسه بعيد عن الشعر بعد القلعة عن البحر
والفريق الثاني يعرِّف الشعر على أنَّه كلام به مشاعر لا يشترط أن يكون موزونا يطرب الوجدان
فاعتبر هؤلاء أنَّ الفنَّ الأدبي أيَّا كان شكله شعرا
وهذا الفريق أخطر في تصوُّراته من الفريق الأوَّل لأنَّه يؤْمن بنظرية تداخل الأجناس الأدبيَّة
مالمقصود بنظرية تداخل الأجناس الأدبيَّة؟؟
المقصود هو إزالة الفارق بين الشعر والنثر والقصَّة والخواطر ليصير للإبداع الأدبيّ شكلا واحدا واسما واحدا (إبداع) ولا نسمع عن مصطلح ديوان ولو سمعناه لا ينصرف ذهنك إلى أنَّ مابه أشعار ربما كانت قصَّة قصيرة أو ×اطرة فلا فارق ما بين الأجناس الأدبيَّة وهلم جرَّا
لماذا ؟
لأن كله عند العرب صابون
فيجعلون كلما مثل:
1930
الشمس قدم طفل
عرفت أكثر من امرأة لأنِّي تزوجت أكثر من امرأة
أعلناها الزواج غبار
يحول اليرقة إلى فراشة
عرفت أقل من رجل لأني تزوجت أكثر من رجل
أسطر لا أحسبها إلا من منطقة الأعراف بين الكلام المفهوم والتعاويز التي تحوِّل الكتكوت ثعبانا وليس لها من الشاعرية شيء أو كتعبير الشاعر (أبو همَّام) كلام ينقصه الشعر
لماذا نرفض هذا الفريق بهذا الشكل العنيف؟
لأنَّه أدخل إلى سماء الشعر أناسا فكرتهم عن الشعر لاتعدو إلى أنَّهم يظنونه كلاما
وساعد ذلك على انتشار الغثاثة التي نراها حولنا خصوصا فيمن يتقدَّمون في المحافل والمهارج على أنّهم كبار الشعراء
ونرفضه لأن من حق القاريء أن يقرأ النصّ انطلاقا من معرفته بكنه ما يقرأ، ونرفضه لأنَّها دعوة غربيَّة نقلها للعالم العربيّ بشر فارس وأحمد سعيد أدونيس....، وهم دعاة هدم أكثر منهم بناء...والهدف الفصل بين الشاعر وأصله وتراثه من الشعر الموزون دعوة يجب أن يرفضها كل عربي معتز ببيانه ولغته
خصوصا إذا عرفنا أن العربي هو أبعد الناس فهما لمحتوى قصيدة النثر باعتراف النثَّار أنفسهم
ماذا عن الفريق الأخير؟
وهو الفريق الذي نحترمه ونقدِّر أرآئه وهو ما نتناوله بعد هذه الاستراحة البسيطة
وأعتقد أن كلامي السابق أثار عاصفة من الاتِّهامات والتساؤلات وأنا مستعدة للإجابة عليها كاملة بعدها نستأنف موضوعنا
يتبع,,,,,,,