قرر الجيش اللبناني فرض حظر للتجول في بيروت، مساء اليوم الخميس، بعد الاشتباكات الدامية التي شهدتها العاصمة اللبنانية.
وأشارت تقارير إلى مقتل أربعة أشخاص وإصابة 40 آخرين، على الأقل، بينهم 3 عسكريين، في اشتباكات بدأت داخل حرم الجامعة العربية في بيروت ثم توسعت لتشمل المناطق المحيطة. وحدثت الاشتباكات بين أنصار الحكومة والمعارضة، وأشعل المتظاهرون النار في الإطارات وأغلقوا حركة السير. وأطلقت قوى الأمن اللبنانية النار في الهواء لتفريق الحشود.
من جهته، دعا الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله" اللبنانيين إلى إخلاء الشوارع والتزام الهدوء، كما طالب باحترام حظر التجول الذي فرضه الجيش. وأشار نصر الله إلى حصوله على معلومات تفيد بوجود قناصة فوق أسطح المنازل.
كذلك وجه رئيس تيار المستقبل النائب "سعد الدين الحريري" رسالة إلى المواطنين دعا فيها إلى التزام الهدوء.
يأتي هذا في أعقاب اضطرابات واسعة شهدتها البلاد، في وقت سابق من الأسبوع الجاري، حيث نظمت المعارضة إضرابا عاما أعقبه اشتباكات، مما أسفر عن مصرع ثلاثة وإصابة العشرات.
في غضون ذلك، قال الرئيس الفرنسي "جاك شيراك": إن المانحين الدوليين تعهدوا بتقديم 7.6 مليار دولار لدعم إعادة إعمار لبنان بعد الحرب.
وجاء إعلان "جاك شيراك" مع انعقاد مؤتمر الأطراف المانحة في العاصمة الفرنسية "باريس" لتقديم مساعدات عاجلة بهدف المساهمة في إعمار لبنان.


ملحــق

حزب الله .. ما أكبر الخيبة والصدمة!

الملمح الرئيس الذي يتبدّى في المشهد اللبناني اليوم، من سلوك حزب الله وحلفائه، أنّ الديمقراطية هي ليست آخر ما تفكر به النظم والحكومات العربية فقط، بل والمعارضة أيضاً!

لعل أغرب وصف يمكن أن تقرأه أو تسمعه على ما يجري في لبنان هو تصريح أقطاب حزب الله أنّ هذا "تصعيد ديمقراطي" أي ديمقراطية هذه (!) التي تبيح مصادرة مؤسسات الدولة وفي مقدمتها البرلمان الذي يرفض رئيسه نبيه بري أن يدعوه للانعقاد، للقيام بدوره المطلوب في هذه المرحلة الخطيرة والحرجة، وأي ديمقراطية هذه (!) تقف فيها القوات الأمنية مكتوفة الأيدي أمام إغلاق الشوارع والاعتداء الصارخ على حق الناس في الحياة الطبيعية اليومية، وأمام تعطيل الحياة الاقتصادية بالكلية ودفع الدولة تكلفة بمليارات الدولارات، ما قد يؤدي إلى ضرب المؤسسات السياسية والاقتصادية بالكلية! أي ديمقراطية هذه (!) تدفع إلى انهيار الدولة وتفكك المجتمع وشيوع الفوضى والاحتراب الداخلي.


ما هي جريمة حكومة السنيورة، لدى حزب الله، إلاّ أنّها أرادت تفعيل القانون واتخاذ موقف حاسم من الجرائم التي ارتكبت بحق اللبنانيين جميعاً؟! فنشر الرعب والذعر واستراتيجية الاغتيالات السياسية هي، في المحصلة، اعتداء على الوطن وهيبته وشعور المواطن البسيط بالأمن والطمأنينة، فلا ديمقراطية بلا مؤسسات سياسية وأمنية تشكل رافعة لها وتحميها.

في حديث له مع سعد الدين إبراهيم، الأكاديمي والسياسي المصري، أكّد السيد حسن نصرالله أنّه لن يوجّه سلاح حزب الله إلى الداخل اللبناني وأن هذا خطٌّا أحمر، لا يمكن الاقتراب منه، وطلب نصرالله من إبراهيم أن ينقل هذا التصريح للنخب العربية التي يقابلها وأن يطمئنها بهذا الخصوص، وقد وجد عدداً من الكتاب والأصدقاء في هذا التصريح مؤشراً إيجابياً مهمّاً، يجب أن نلتقطه، ونكتب عنه، أمّا أنا فلم أر فيه إلاّ نوعاً من الكلام المعسول المتهافت الذي بدأ يسقط فيه نصرالله في الآونة الأخيرة، فلا دلالة واقعية ولا مؤشرات واضحة يمكن أن تشفع لنصرالله وهو يجر الشارع اللبناني إلى حالة من الصدام الداخلي العنيف والفتنة الطائفية والمذهبية، فليس بالضرورة أن تبدأ الحرب الأهلية بالسلاح الناري لكنها لن تنتهي إلاّ به!

أشعر بالشفقة والحزن على الجماهير العربية وهي تتلقى الصدمة تلو الأخرى! فإيران التي هللّت الجماهير لتصريحات رئيسها وتحديه للإدارة الأميركية هي التي تعيث في العراق فساداً وتحفّز النزعات الطائفية، وتجعل من أمن المواطن العراقي ورقة مساومة مع الاحتلال الأميركي. وإيران هي التي وقفت وراء القوى التي أعدمت صدام بطريقة همجية لا تعكس تطبيقاً لقانون وعدالة وإنما دافعٌا عميقا بالانتقام وتصفية الحسابات.



واليوم تُصدم الجماهير، مرة أخرى، بالزعيم الذي رفعت صوره أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان، وقد كانت تنتظر بفارغ الصبر خطابه وحضوره الكارزمي، لتراه اليوم محرَّكاً لفوضى واقتتال داخلي لبناني، ووجهاً مختلفاً يتحرك وفق حسابات وقراءة طائفية وذاتية، منقلباً على تلك الصورة السابقة الجميلة عنه في الشارع العربي كقائد وطني لحزبٍ يدافع عن تراب بلاده مترفعاً عن الحسابات السياسية الضيقة والصغيرة. أي خطيئة يرتكبها نصرالله بحق نفسه وحزبه بل والأمة العربية والإسلامية التي ناصرته وأيّدته في كل أنحاء العالم؟!

عندما أسر حزب الله الجنديين الإسرائيليين وبدأ العدوان الإسرائيلي الغاشم على لبنان، وبرزت في المقابل بطولات أبناء المقاومة (حزب الله) كنّا نتخيّر الكلمات وننتقيها في الربط بين عملية الحزب ودوره وبين الأجندة الإيرانية لحساسية الرأي العام العربي والإسلامي تجاه الموضوع، أمّا الآن فلا أعتقد أنّ الأغلبية العامة من الجماهير العربية "المصدومة" تشكّ في أجندة الحزب وأبعاد مواقفه السياسية والطائفية وعلاقته بالدور الإيراني في المنطقة.

بعيداً عن حالة الاستقطاب الشديد في لبنان وانعكاساتها في المشهد الإقليمي بأسره، وأنا لست منحازاً لأي طرف، وإن كنت أتعاطف مع السنيورة وأشعر بالفعل أنّه رجل دولة حكيم وتحمّل الكثير من التطاول والإهانات والتمادي، إلاّ أنّ الدلالة الأهم، في كل ما يجري، أنّ الديمقراطية أصبحت وراء ظهور الجميع، وأنّنا عدنا إلى حالة استقطاب مصغّرة ومكثّفة، بين محورين إقليميين؛ المحور الأميركي (والعربي الرسمي) والمحور الإيراني (بملحقاته السورية وقوى الإسلامية والقوى العراقية الموالية لإيران. في حالٍ شبيهة بالصراع الايديولوجي والحرب الوكالة أثناء الحرب الباردة بين اليساريين (حلفاء السوفييت) والمحافظين (حلفاء الولايات المتحدة)، حيث لا قيمة عملية للديمقراطية والإصلاح سياسي.


في ظل حالة الاستقطاب (هذه) لا مجال للحديث عن معارضة وطنية أو ديمقراطية أو ما يسمى "محور ممانعة" و"محور اعتدال"! فالمواقف والتحالفات تتقاطع وتتبدل بين دعم للسلطة هنا والمعارضة هناك ودفاع عن "شبهة الديمقراطية" في مكان و"الاستبداد" في مكان آخر، التقاء المصالح مع أميركا في دولة وتصادمها في أخرى!


المحزن جداً، بحق، أن يصادر الوطن وحريته ومصالحه لحساب أجندات إقليمية ودولية، وأن يدفع فاتورة ذلك كله الإنسان والمواطن العربي من أمنه ولقمة عيشه وحقه في الحياة الطبيعية.
ما تكشف عنه التطورات الأخيرة بوضوح شديد أنّ المعارضة العربية لا تقدّم بديلاً ديمقراطياً عن الواقع الموجود، وما تعدنا به تلك المعارضة هو أسوأ من الواقع السلطوي الحالي، والحال يعمّم خارج لبنان؛ فهل تفجير مكتب العربية في غزة تعبيرٌ ديمقراطي عن الاحتجاج وهل قتل أطفال ضابط مخابرات فلسطيني دليل على نوايا طيبة؟!


وهل حشد المعارضة الأردنية قواها والعمل على تعبئة الشارع خلف إيران وسورية وحزب الله وحماس واستخدام خطاب تخويني لكل من يختلف معها في الرأي ملامح لوعي ديمقراطي ناضج؟!
ما أكبر الخيبة والصدمة؟!