لأستاذ KLDON
أشكرك على الإطراء, وأسأل الله تعالى أن يوفقك.
أظن أنني مسكت بالخيط , بعد أن قرأت كلامك أربع مرات, ولكن قبل أن أرد, يحسن أن أجيب على تساؤلك الرائع وأظن الجواب عليه سيخدمنا في مراحل أخرى وهو:
(( إذًا فنحن لم نختلف إلا في تعريف كلمة " الديمقراطية " ))
أنقل لك تعريف الديمقراطية من موسوعة السياسة للدكتور عبد الوهاب الكيالي وآخرين الجزء الثاني ص 751 ط. الرابعة 2001:
الديمقراطية: نظام سياسي - اجتماعي يقيم العلاقة بين أفراد المجتمع والدولة وفق مبدأي المساواة بين المواطنين ومشاركتهم الحرة في صنع التشريعات التي تنظم الحياة العامة.
أما أساس هذه النظرية فيعود إلى المبدأ القائل بأن الشعب هو صاحب السيادة ( انظر مونتسكيو ) ومصدر الشرعية. وبالتالي فإن الحكومة مسؤولة أمام ممثلي المواطنين وهي رهن إرادتهم.
وتتضمن مبادئ الديمقراطية ممارسة المواطنين لحقهم في مراقبة تنفيذ هذه القوانين بما يصون حقوقهم العامة وحرياتهم المدنية وقيام تنظيم الدولة وفق مثال: "حكم الشعب لصالح الشعب بواسطة الشعب" (إبراهام لنكولن) أما اشتقاق التعبير فيعود إلى كلمة يونانية بنفس اللفظ وتعني حرفيا " حكم الشعب" تمييزا لهذا النوع من الحكم القائم على قاعدة حكم الأكثرية, عن أنظمة الحكم الأخرى: الحكم الفردي الاحتكاري (انظر الديكتاتورية), وأنظمة حكم الأقلية (أوليغارشية أو أرستقراطية) .... "
هذا هو تعريف الديمقراطية بشكل تقريبي أو نسبي لأن المتخصصين يقولون أنهم لا زالوا بحاجة إلى دراسة أوفى لهذا التعريف.
سأبدأ بتبيين كيف تتعارض أكثر مبادئ الديمقراطية وأصولها مع مبادئ الإسلام وأصوله بعون الله:
قوله:" نظام سياسي - اجتماعي يقيم العلاقة بين أفراد المجتمع والدولة وفق مبدأي المساواة بين المواطنين "
الرد:
إن العلاقة بين أفرد الشعب في الديمقراطية تنبني على أساس المواطنة , والمواطنة فقط , ونحن نعرف ان المواطن هو الشخص الذي يحمل الورقة التي تثبت أنه منتسب لهذه الدولة (الحكومة) . بغض النظر عن دينه. فالمسلم واليهودي والنصراني والمجوسي والبوذي والملحد كلهم سواء لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات لا يتميز أحد على أحد في ظل النظام الديمقراطي.
بينما في الإسلام تنبني العلاقة بين الشعب (والبشر عموما) على أساس الإسلام والولاء والبراء. " إن الدين عند الله الإسلام" "إنما المؤمنون إخوة" " لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله"
وكما تعلم أن في الإسلام نظاما يعامل الكفار من أهل الكتاب معاملة خاصة ويسميهم " أهل الذمة " في حالة أنهم دخلوا في عهد مع الدولة المسلمة ودفعوا الجزية. فمعاملة المسلم في الدولة الإسلامية تختلف عن معاملة المشرك الكافر من أهل الذمة, وليس معنى كلامي هذا أننا نظلمهم أرجو أن لا تفهم هذا.
فالمسلم له حقوق وعليه واجبات تختلف عن حقوق الذمي والواجبات المتحتمة عليه, فنخرج بذلك أن ليس في الإسلام مساواة بين المسلم والكافر "أفنجعل المسلمين كالمجرمين ؟ مالكم كيف تحكمون " وأكرر ليس معنى كلامي أن نظلمهم فالله تعالى قال:" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ".
قوله:" ومشاركتهم الحرة في صنع التشريعات التي تنظم الحياة العامة "
الرد:
ليس للبشر حق صنع التشريعات فهو من اختصاص الله تعالى, وليس في مبدأ وأصل الديمقراطية أن تكون هناك قيود أو ثوابت, أو أحكام غير صالحة للتغيير, فالنظام الديمقراطي يبيح المساس بكل القوانين ويجعل كل الاحكام معرضة للأخذ والرد والتصويت. ونظام كهذا مرفوض في الإسلام ويتعارض مع الإسلام في الأصل حيث أن النظام في الإسلام لا يبيح المساس بالثوابت ولا يبيح تغيير أحكام الله تعالى الثابتة.
قال تعالى:" أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله " ( الشورى:21)
وفي الديمقراطية التي يكون أساس العلاقة بين أفرادها المواطنة وليس الإسلام؛ يجوز أن يتولى الكافر المشرك الولاية العامة ويكون وليا من أولياء الأمور وفي هذا تناقض صريح مع قول الله سبحانه :" ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " فالإسلام يعلو ولا يعلا عليه وكذلك المسلم لا ينبغي له أن يكون تحت سلطة الكافر.
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودواما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إنكنتم تعقلون}
قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: (نهى الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية أنيتخذوا من الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء وولجاء، يفاوضونهم في الآراء، ويسندونإليهم أمورهم...)، إلى أن قال: (قلت: وقد انقلبت الأحوال في هذه الأزمان باتخاذ أهلالكتاب كتبة وأمناء وتسودوا بذلك عند الجهلة الأغبياء من الولاة والأمراء)
وقال الإمام أبو بكر الجصاص الحنفي: (وفي هذه الآية دلالة على أنه لا يجوزالاستعانة بأهل الذمة في أمور المسلمين من العمالات والكتبة)
وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قلت لعمر رضيالله عنه إن لي كاتبا نصرانيا قال: مالك قاتلك الله أما سمعت الله يقول: {يا أيهاالذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض} ألا اتخذت حنيفا. قال: قلت يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه. قال: لا أكرمهم إذا أهانهم الله ولاأعزهم إذا أذلهم الله ولا أدنيهم إذا أقصاهم الله(
فهذه النصوص تبين أن الكفار لا يجوز لهم ولاية أمر المسلمين ولا أخذ مناصب عليا في الدولة الإسلامية , وفي هذا معارضة صارخة للنظام الديمقراطي الذي يبيح للكفار أن يتولوا ما يتولاه المسلمون لأن الدين لا قيمة له في نظر الديمقراطية وإنما القيمة في المواطنة.
قوله:" أما أساس هذه النظرية فيعود إلى المبدأ القائل بأن الشعب هو صاحب السيادة ( انظر مونتسكيو ) ومصدر الشرعية"
الرد:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" السيد الله "
سأطرح تساؤلا: ماذا لو كانت الأغلبية في الدولة الإسلامية من نصيب الكفار والمسلمون أقلية, فهل يعني ذلك أن يترك الحاكم المسلم أحكام الإسلام وقوانينه ونظمه ويضع القوانين التي تناسب الكفار ؟
قطعا لا وأنا أربأ بك أن تقول مثل هذا الكلام.
إن سيادة المسلم مقيدة بحدود وضعها الله تعالى له , أما الإنسان في الديمقراطية فهو سيد كل شيء وأي شيء ولا شيء مقدس.
فمصدر الشرعية هو أن يكون الحاكم متقيدا بحكم الله تعالى ومنفذا لأوامره , فمتى اتصف بهذه الصفة فهو حاكم شرعي إلى جانب شروط أخرى وضعها الفقهاء.
قوله:" أما اشتقاق التعبير فيعود إلى كلمة يونانية بنفس اللفظ وتعني حرفيا " حكم الشعب" تمييزا لهذا النوع من الحكم القائم على قاعدة حكم الأكثرية, عن أنظمة الحكم الأخرى: الحكم الفردي الاحتكاري (انظر الديكتاتورية), وأنظمة حكم الأقلية (أوليغارشية أو أرستقراطية) . "
فكما ترى هذا التعبير أصله يوناني واليونان كما تعرف يؤمنون بتعدد الآلهة فهم مشركون ابتدعوا هذا النظام لأنهم لم يكونوا على دين الإسلام ولم يكن لديهم نظام رباني من الله تعالى فلجؤوا إلى اختراع هذا النظام وفقا لما أملاه عليهم واقعهم ومصلحتهم , أما نحن المسلمين فلنا دين ونظام رباني أنزله الله تعالى لنا وللبشرية جمعاء وهو من لدن حكيم خبير " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ؟ " وهو القائل سبحانه " وأمرهم شورى بينهم " فلماذا نترك التسميات الشرعية ونذهب إلى التسميات اليونانية التي اخترعها أناس مشركون مما أوقعنا في حيص بيص ونقاشات طويلة يحاول المناصر لهذه الكلمة أن يبين أن لا تعارض بينها وبين الإسلام بل وصلت إلى تأليف كتب بمسميات الإسلام والديمقراطية, والديمقراطية في الإسلام وغيرها من المسميات التي شوهت النظام الإسلامي ومسألة حاكمية الله سبحانه.
ولا أريد أن أرد على الشق الآخر لأننا اتفقنا على تأجيل النقاش في مسألة اختيار الشعب للحاكم أو أيدلوجية اختيار الحاكم والحكومة.
ويحسن بي أن أبين تناقضا آخرا للديمقراطية مع الإسلام ألا وهو " الحرية الدينية "
كلنا يعلم أن الإسلام لا يجبر ولا يكره غير المسلمين على الدخول في الإسلام حيث قال الله تعالى :" لا إكراه في الدين " ...
ولكن هذا لا ينطبق على المسلمين , فلا يجوز للمسلم بعد أن يدخل في الإسلام أن يرتد ويخرج منه , لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من بدل دينه فاقتلوه " " دم المسلم على المسلم حرام إلا في ثلاث .... والتارك لدينه المفارق للجماعة" وهذا إجماع العلماء خلافا للعلمانيين الذين يطعنون في هذا الحكم الرباني مسايرة للغرب ودفعا عن أنفسهم حكم الإعدام.
أما في الديمقراطية فيجوز للمسلم أن يبدل دينه كل يوم !
وكذلك يجوز في الديمقراطية أن يُشكل مرتدون ملحدون حزبا يسمونه الحزب الشيوعي ويخوضون غمار الانتخابات وفي حالة فوزهم يشكلون الحكومة وأغلبية مجلس الأمة وبذلك يحق لهم تحويل الدولة الإسلامية إلى دولة علمانية ملحدة لا تؤمن بدين ويغيرون أحكام الإسلام وقوانينه... ويضعون قوانين وضعية.
أتمنى أن أكون قد وفقت في توضيح التناقضات بين الإسلام والديمقراطية.
أما الخيط الذي ذكرت لك أني وجدته فهو كلامك هذا:
(( إذا إتفق الشعب على وضع قانون يخالف قانون الله فهذا عيب في الشعب وليس عيبًا في نظرية " الحكم للشعب " ))
((ولكن للمرة الألف هذا ليس عيبا في البرلمانات ذاتها، بل في الأشخاص الذين سنوا تلك القوانين ))
(( أنا لم أدافع عن القوانين الوضعية أو عن سن تلك القوانين، أنا فقط أعترض على محاولة ربط سن تلك القوانين بفكرة أن " الحكم للشعب " ))
(( فمن الوارد أيضًا أن يضع الحاكم الأوحد قانونًا يخالف قانون الله! ))
فأنت يا أستاذ تلقي باللوم على الشعب وكأن النظام الديمقراطي مسكين لا دخل له , والسؤال هو: ما دام النظام يسمح بذلك ويعطي الصلاحيات للشعب لتغيير الثوابت ولم يجعل هناك حاجز أو رادع فلماذا تلوم الشعب ؟ طبعا هذا لا يبرئ الشعب ولكن اللائمة تقع في الأساس على النظام الذي سمح له.
أليست الأموال السايبة تعلم السرقة كما يقول المصريون ؟
إنه مثال عامي ولعلك تقول كيف نقيّم نظاما كاملا ونحاكمه بهذا المثال العامي ؟
أقول لك أن هذه هي الحقيقة , لأن الشعب عبارة عن بشر والبشر بحاجة إلى منهج يسيرون عليه والمنهج الذي وضعه الله لهم بالنسبة للتشريع : أن الحاكمية لله وأن هناك أحكاما لا يجوز المساس بها والتشريع يكون مقيدا بالنوازل والمسائل التي لا نص فيها, هذا هو منهج الله , أما منهج الديمقراطية فيبيح تغيير كل شيء والمساس بأي شيء, فالخلل بالنظام الذي أباح للشعب فعل ما يريد.
كيف تريد من مسلم ينشأ على مبادئ الديمقراطية أن يقدس الثوابت ؟ أليس قد تعلم أنه يستطيع تغيير أي شيء بما فيها أحكامه وقوانينه ودينه ؟
إن هذا النائب عندما دخل البرلمان لم يجد رادعا ولم يجد حاجزا يحول بينه وبين تغيير أي حكم لا يعجبه , فيمكن بكل بساطة وسهولة عرض أي حكم من أحكام الإسلام على طاولة التصويت تأييدا أو رفضا. فصلاحيته مفتوحة والديمقراطية تعطيه الصلاحية الإلهية لأن صفته قانونيا في النظام الديمقراطي ( مشرع ) والعياذ بالله , بينما في الإسلام لا توجد هذه الصلاحية فالنائب في مجلس الشورى له الحق في إصدار القوانين التي لم يرد بها نص, ولا تعارض حكما من أحكام الله والتي يكون الأساس والمنطلق الذي ينطلق منه النائب هو المصدر الشرعي الإسلامي " المصالح المرسلة " بحيث يكون القانون الذي سيصدره مستمدا من مصدر من مصادر التشريع الإسلامي.
وهناك جانب آخر يجب التنبيه عليه:
وهو أنه لا يجوز أن نصوت على حكم من احكام الله
بمعنى لا يجوز أن نسن قوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية ثم نطرحه على النواب ونقول : ها يا جماعة عاوزين الشريعة ولا لا ؟ إيه رأيكم بحكم الله ؟ عاجبكم ولا مش عاجبكم ؟ يالله نصوت على حكم الله !
وبذلك نجعل حكم الله موضع التأييد والرفض ! فهذا كفر واستهزاء بالله وأحكامه والعياذ بالله.
تنبيه آخر: أنا لا أعطي مثالا ولا أروج للدولة السعودية ونظامها فهي في نظري لا تمثل نظاما إسلاميا.
هذا وبالله التوفيق
أما عن سؤالك إذا كنت أنا نفس الشخص الذي كتب الموضوع بداية , فنعم أنا هو وقد كتبته مرات كثيرة في منتديات عديدة بمعرفات مختلفة.