-
لا أنكر أن محاولة زميلتنا الفاضلة / جهاد .. قد شجعتني لأضع أنا الآخر محاولة أولى تحاول أن تبدو جادة .. فإنني في النهاية – كما قلتُ سابقاً – لست طامحاً في جائزة نوبل للآداب (على الأقل حالياُ) ..
بالمناسبة : هذا ليس غزو من قِبل أعضاء منتدى النثر !!
-
-
قسطاً من رفاهية
-
-
غير معقول بالمرة !! كيف يمكن أن يحدث مثل هذا ؟! الهم نفسه يطل من العينين .. ونفس البسمة الخجولة الحريصة على إخفاء كل إحساس .. تطلعتُ بذهول إلى الوجه الذي غابت شمسه لتستر روحه خلف قالب من لامبالاة ..
- لماذا تحدق في ؟! أتريد أن تأخذ صورة ؟! لمعلوماتك أنا لستُ نجمة سينمائية !!
تصرف .. قُل شيئاً الآن !!
- آسف !! ولكن أعذريني فلا أفعلها غالباً ..
وكأنها ستصدقك !!
- لكل شيء بداية ..
ويا لها من بداية !! إن كانت هي بدايتي فأكتفي بتلك البداية .. يقولون أن المرء كلما أحب أجزم بأن تلك المرة هي الأفضل .. لكني لم أفعل قبلها .. لذا لا أعرف إن كان أفضل أم لا لغياب المقارنة .. فكانت المثل والصورة الوحيدة ..
كانت تمسك كتاب عليه صورة (شكسبير) الشهيرة الذي يبتسم فيها مثل (الموناليزا) .. ولكن لم يكن عليه اسم المسرحية التي تلي الغلاف الورقي ..
- لديكم (الملك لير) هذا العام صحيح ؟!
طبعاً قصدت أن أبدو غامضاً حتى تسألني كيف عرفت ذلك ..
- بغض النظر عن قدرتك على ضرب الودع .. كيف عرفت ؟!
يبدو أنني أتعامل مع ند هنا .. لابد وأن أكون حريصاً على كلماتي إذاً ..
- طبعاً بصفتي طالب في نفس القسم .. ولا داعي للكذب .. نعم أضرب الودع بين الحين والآخر ..
ابتسمت .. الآن دورها في الحديث .. لأنتظر ..
- أسلوب (شكسبير) جزل للغاية .. لا أظن أن لأحد الجرأة على قراءة مسرحية واحدة له في قسمنا .. الجميع لديه ملخصات ..
تريد أن تتحدث عن الدراسة إذاً .. دوناً عن كل الأمور التي أستطيع التكلم فيها تختار ما لا أعرف شيئاً عنه !!
- بالفعل .. لكني أظن أني أقرأه كل عام .. أحب أن أضحى وألعب دور الاستثناء الذي يثبت القاعدة ..
لا ضير من بعض تفاخر ..
- يا لك من مثابر !!
الآن تظن أنني مغروراً !!
- على الإطلاق .. ربما أنا المجنون الوحيد الذي يقرأ (شكسبير) بعد – لا قبل – الاختبارات !!
لتعود الأمور لنصابها إذاً .. أنا لستُ مغروراً يا فتاة !!
- تقرأه لنفسك إذاً ؟! فريد أنت من نوعك ..
الآن تحسبني مجنوناً .. يا لهول النصر الذي أحرزته !!
- أحاول أن أتعايش مع هذا الوضع ..
شكر لذكائي الفذّ .. أكدت لها المعلومة ..
لحظة صمت :
- فليكن .. وداعاً !!
لحظة حيرة :
- وداعاً !!
لا أعرف ما الخطأ فيما قلت .. سحقاً !! المرة الأولى التي أحس بها بشيء من انجذاب نحو كائن حي أجد نفسي أتحول إلى أغبي مغازل في التاريخ .. لكن يبقى السؤال لما الرحيل المفاجئ ؟!
لم يحدث شيء خارجي على الإطلاق .. لم تنظر يميناً أو يساراً .. لم تنظر في ساعتها لتعرف أنها متأخرة .. لم يندس بيننا أحد الفضوليين وإلا لكنتُ استخدمت قبضة التنين التي رأيتها في فيلم (جاكي شان) !!
إذاً أنا هو السبب .. والسبب هو أنا !!
أتراها اعتقدت أنها بادرة سريعة مني .. أو معاكسة سمجة من أحد السمجين .. وما أكثرهم ؟! وبالطبع لأن عينانا تحمل نفس الهم فهي تتعامل مع العالم من منطلق : (كم أنت سخيف أيها العالم !! أتظن أنك باستطاعتك أن تثيرني لبرهة !!) .. ظننت أنني المشترك الوحيد في هذا النادي .. لكن يبدو أنني لست على هذا القدر من الوحدة ..
أو ربما لأنه لم يوجد هناك شيء أكثر مما يقال .. أحياناً يرغب المرء في الحديث بدرجة قاتلة .. لكن يجد من محدثه كلمات وعبارات لا تشجع – أبداً – على الاستمرار .. على غرار (طبعاً – بالتأكيد – إن شاء الله) ..
المحادثة بين طرفين لابد وأن تكون بين طرفين أيها العالم !! متكلم لمستمع ثم مستمع لمتكلم .. الغريب في الأمر أننا نرغب بشدة في محادثة أحدهم ومع ذلك لا نشجعه على الاستمرار .. ثم بعدها نلمه على قلة حديثه .. أين المنطق ؟!
أيام عدة مضت .. وأنا لا أنتظر .. هذه حادثة وقعت ويجب نسيانها .. صحيح أن المرء للمرة الأولى يجد من تأسره .. لكن تلك طبيعة البشر ولستُ استثناء هذه المرة ..
عدة أيام مضت ومن جديد جاءت لتطلب نفس ما تبتاعه كل مرة .. ولم تذكر أمر آخر .. ولم تلتقي العينان لتسأل خفية عما إذ كنتُ أتذكر .. فقط طلبت ما طلبته وانصرفت كما لو أنها – هي – من لا تتذكر !!
زهدت في إرغامها على الحديث بخصوص أي شأن .. فيكفى سماجتي في المرة الأولى .. لن أكررها .. فالمرء يجب أن يتعلم من أخطائه .. يبدو أن – المرء كما يقولون عنه – صبور .. رغم كوني لا أصدق تلك الحقيقة .. فأنا أعتقد في امتلاكي أعصاب ملتهبة تحركني بغير هدى لأتخبط في قنينة الفكر الضيقة .. مثلي مثل أبطال "ديستوفيسكي" الذين ليس لديهم شيء ليفعلوه سوى الفكر .. وطبعاً ليس كل الفكر من النوع العظيم !!
- عذراً .. ولكنك لم تقل لي في أي صف أنت ؟!
طبعاً كانت تلك منها بعد أن عادت لتسألني هذا السؤال .. وكأني اُنتشلت من غرق وأفتح عيني بعد أن مررت بغيبوبة ما قبل الرحيل .. طبعاً لأني لم أكن مركزاً معها .. إنما فيها !!
- في الصف الثالث .. وأنتِ ؟!
الآن تتكلم من جديد .. لأسمعها من جديد .. يا للروعة !!
- في الثاني .. هل تعرف الدكتور (عبد القادر) ؟!
بالطبع أعرفه .. وإن لم أكن أعرف سأجمع لك معلومات لم يعرفها هو عن نفسه ..
- نعم أعرفه .. طبعاً إنه يعطيك بالتأكيد مادة الأدب المقارن .. غالباً سيشتتكم في كل بقاع الأرض بحثاً عن الأدب فيها ..
أرجوك يا ذاكرة لا تخذليني كالعادة !!
- يا لها من مادة !! أمن الممكن – إن لم يكن الأمر يزعجك – أن تأتي لي باختباركم السنة الماضية في تلك المادة ؟!
فقط هذا .. وإن طلبتِ مني أن أستذكر لكِ المادة لفعلت .. بل لاُختبرت بدلاً منكِ إن أردتِ ..
- طبعاً .. فقط مرّي على في الغد لتأخذيه ..
إن تكرمتِ طبعاً ..
- أشكرك .. ألقاك غداً إذاً ..
غداً وكل يوم أرجوكِ ..
- إن شاء الله ..
لا تذهبي !!
- إن شاء ..
ورحلت .. وتركتني أفكر من جديد .. ألم يكفيها اللغز الأول ؟! الآن تصر على أن تزيد الأمر تعقيداً .. ربما الأمر لا يتعدى كونه مجرد احتياج والسعي وراء المصالح ؟! أعرف أنه يتبادر إلى الذهن أن هذا أمر عادى بشدة ولا داعي لأن تأخذ الأمور شكل آخر .. فمحادثة قصيرة مع فتاة ليست بالأمر الخارق طبعاً .. وأنا – إلى حد ما – لست (طرزان) الذي لم يتعامل مع بني جنسه البشري من قبل .. لكن لا أعرف لما رغم كون هذا الحدث بسيطاً للغاية فإنه يشكل لي أمر جلل !!
حاولت من قبل الوقوع في الحب مخيراً ومرغماً لكني رسبت باقتدار .. وجدت أنني ببساطة لا أنجذب .. لا أدمن من أحب .. أو بالأحرى من أخال أنني أحب .. تمر أيام دون أن أراها ومع ذلك لم يحدث لي شيء ..لم أفقد يداً أو قدماً .. لم أتألم ولم أفكر فيها أبداً ..
لكن تلك المرة الأمر مختلف .. ربما كنت أفكر فيها من قبل أن ألقاها .. آمنت بوجودها والآن تثبت بنفسها أنها موجودة كمكافأة لي على إيماني !! كمختار ومختارة ليس لهما غير بعضهما .. ومقدر لهما ألا يكون لهما غير بعضهما .. ولكن هل لهما من لقاء ؟!
ثم مالي وكل هذا الشغف الذي يجعل كرامة المرء على المحك ؟! هي لم تسمع ما دار في خلدي وقت حديثي معها لكني سمعته .. من الصعب غفران تلك السذاجة أو التغاضي عن الولوج إلى مثل هذا المستوى .. أ هذا هو نفس الشخص الذي أعتاد أن يكون صلباً ؟!
تأنقت بصورة كانت ملفتة – وحرصت على هذا – صباح اليوم التالي .. وأرغمت على وضع عطر قوي غريب الرائحة .. ضارباً بالحساسة تجاه الكحوليات والمواد المتطايرة عرض الحائط وطوله .. لكن مجبر أخاك لا بطل .. فيجب أن يكون كل شيء على درجة عالية من الكمال .. ولا مجال للثغرات البسيطة ..
بالطبع شربت القهوة لأضمن تركيزي .. طبعاً لم أكثر منها – القهوة – لأني لا أريد أن أسقط أرضاً في مثل هذا اليوم بسبب جرعة زائدة من البن .. لكني مصاب بداء عضال هو قلة التركيز وولوجي من موضوع لآخر دون تحديد لرابط بينهما .. وأحياناً – وهذا الأشنع – أصاب بسكتة كلامية تجعل مني أبكم مربوط اللسان ..
نعم .. فلنضع الخطة .. أولاً نبدأ بمدح أي شيء فيها .. الفتيات يحببن ذلك وإن عرفن أنه هراء .. فهذا النوع من الكذب الذي يعرف الجميع أنه كذلك لكنهم يمررونه بسعادة .. ثانياً لابد من المزاح ولكن ليس كثيراً فالفتاة عندما ترى الشاب مرح أكثر من اللازم تفكر بشدة أن تنقله من خانة الحبيب المتوقع إلى خانة الصديق المقرب .. وطبعاً هذا ليس هدف التخطيط ..
لكن يا لها من مشكلة أحياناً أجد من الصعب التوقف عن المزاح .. لست أقول بهذا إن مزاحي من النوع الجيد .. بل على الإطلاق لهو كثيراً ما يكون شنيع .. هو نوع من الانتقاد الساخر الذي أحب أن اسميه السوط اللذيذ .. لكن بالتأكيد من يُنقد لا يراه كذلك ..
ثم يأتي دور ورقة الاختبار طبعاً .. أخرجها من جيبي وأفتحها بحركة سريعة تدل على التمكن من فتح الورق !! ويا للبراعة !! ثم أبدأ في قراءة شيء منها حتى أدعى أني بارع في نطق الإنجليزية .. وهذا طبعاً غير صحيح بالمرة ..
ثم أسألها إن كانت قد ذاكرت شيء بعينه في المنهج ثم أخبرها بأنه مهم وسيأتي بتوقعي في الاختبار المشئوم .. لا أعرف كيف أفعلها لكني سأحاول جاهداً .. فغالباً لا يقع المرء في غرام الفاشلين !! لذا فلأحاول اليوم أن أبدو كما يجب أن يكون نقيضي !!
بعدها أطبق الورقة من جديد لأناولها إياه بطريقة متحضرة كما يفعل أي (جنتلمان) .. وأتمنى لها التوفيق في الاختبار والتوفيق المطلق في الحياة .. ثم هنا يأتي السؤال التاريخي .. "أتأمرينني بشيء ؟!" .. ويعقبه الأمر الأسطوري "احترسي وخذي بالك من نفسك" .. لا شك أن (روميو) كان دائماً ما يختم بها لقاءه مع (جولييت) .. لكن ربما رأي (شكسبير) أنه لا داعي لذكر الأمر في المسرحية لأنه أمر مفهوم من قِبل الجمهور ولمنع الملل .. لكن مهلاً مهلاً .. قد نسيت الورقة !!
يا لذاكرتي الملعونة !! دوناً عن كل أمر آخر أنسى مثل هذا الأمر .. بالتأكيد ستتهمني بالإهمال وعدم الاهتمام في سرها .. لكن في علنها ستخبرني أن الأمر ليس بذا بال .. فتنصرف ولا تعود .. وأريدها أن تعود ..
طبعاً لا وقت كي أعود – أنا هذه المرة – لإحضار الورقة الكئيبة .. فماذا أنا فاعل ؟! الأعذار .. الكثير منها .. عسى أن يفلح أحدهم وتصدقه .. لكن إن كانت تحمل نفس الهم في عينيها فلابد أن الأمر لن يكون سهلاً هكذا ..
- للمرة المليون أقول لك هل انتهيت مما سألت عنه صباحاً ؟!
طبعاً كانت تلك من زميلتي في العمل .. وبسؤالها هذا انتزعتني من دوامة الفكر .. كنتُ لا أؤمن بما يحدث في الأفلام من أن يظل أحدهم يحاول الحديث مع الآخر والثاني لا يسمعه على الإطلاق لأنه مشغول الفكر .. فالمرء يمكن أن يعي أن هناك من يكلمه لكنه لا يصغى إليه جيداً لأنه يفكر في أمر آخر .. لكن أن يفكر كلياً في أمر بعينه بحيث لو انهار حائط حوله لن يجذب انتباهه !!
- هه ؟! ما الأمر ؟!
- ما الأمر ؟! لقد أصبحت مشغول الفكر هذه الأيام .. أتراك محباً ولهاناً ؟!
تلك الخبيثة !! وهل هذا مكتوب على جبهتي ؟! أنا فقط أريد أن أعرف إن كان في الأمر أمر ما .. أم إنه مجرد إعجاب عمره قصير ؟!
- نعم أحبك أنت ولا أحد غيرك ..
- آسفة لجرح مشاعرك ولكنك لست طرازي المفضل .. أفضل السيارات المكشوفة ..
- آه يا محطمة القلوب .. الآن علي أن أبحث عن قطع غيار لقلبي ..
تحدثنا ضاحكين قليلاً وبعدها وعدتها بإنجاز ما كانت تطلب .. ولم أفكر كثيراً في الأمر السابق وانهمكت في العمل .. ومضى اليوم .. ثم عدت إلى البيت لآخذ قسط من الراحة قبل خروجي مع الأصدقاء ليلاً .. أو بالأحرى صباحاً .. فنشتكي – كالعادة – من عدم وجود أمر جديد نفعله .. ثم نشتكي من شكوانا !!
نعم .. أعرف أن هناك جزء ناقص .. وهو : ماذا حدث ؟! وباختصار شديد .. لم يحدث شيء على الإطلاق .. لم تأتِ هذا اليوم ولا الذي تلاه .. لم تأتِ مجدداً قط .. لم أعرف السبب ولم أبحث عنه .. لم ينكسر قلبي ولم أقض ليليتي في التفكير .. ربما كنتُ بحاجة إلى الليلة الماضية كي يتأكد قلبي من أنه باستطاعته الحب !!
ربما ليس هذا حب حقيقي كنت أوده .. رغم الهم المشترك في عينيها .. فإن كان حباً فأعتقد أنني محباً عنيداً فلا أفرط فيه بتلك السهولة .. كنتُ لأبحث عنها وأجدها مهما كلف الأمر .. لكن دون تجربة يبقى الإيمان مجرد أمل !!
وقتها فقط عرفت معنى كلمات صلاح أحمد : (كوني ستاراً قاتماً..لما أراه .. أو كوني بكاءً دائماً..لما أعانيه .. أو كوني أماًلروحي اليتيمة.. أو كوني كما أنتِ..في الغيب دوماً !!) ..
نعم كوني كما أنتِ .. في الغيب .. دوماً !!
-
-
(تمت بحمد الله)
-
-
تعقيب : تسعدني آرائكم الفاضلة بمختلف ألوانها .. وأعتذر مقدماً عن الفواصل وخلافه لفشلي الزريع في تذكر وظائفها ..
-