..::||الجزء الثالث والعشرون ||::..
في صباح اليوم التالي ذهبت شيماء إلى المدرسة ودخلت فصلها، جلست على مقعدها وكان في الصف الثالث على الطرف الأيسر... كان الوقت مبكراً فهي تذهب دائماً قبل جميع الطالبات، فأخرجت سكينها وبدأت تنحت على الطاولة تقضي وقتها حتى لا تشعر بالملل، وعندما شعرت بأن أحداً قادماً، خبأت السكين تحت قميصها، فدخلت زميلتها التي تجلس بجوارها...
عائشة: السلام عليكم
شيماء: وعليكِ السلام...
عائشة: أوه... توقعت أني سوف أكون أول الطالبات... لماذا أتيت في وقت مبـ...
ثم سكتت ولم تنهي ما كانت تريد قوله وبدأت تنظر إلى طاولة شيماء... فأسرعت نحو شيماء ووقفت أمام الطاولة ووضعت كفيها على الطاولة
وقالت باندهاش: ألهاذا تأتين مبكراً؟؟ لو علمت المعلمة بأنك تقومين بهذا سوف توبخك!! غير ذلك، اصطحاب المشرط إلى المدرسة غير مسموح
شيماء وباستهتار: وماذا يعني!؟ فهذه الطاولات موجودة منذ العصر الحجري ولم تبدل طوال تلك السنين وهي تالفة من قبل فلا يحق لهم توبيخي... ومن سيعلم بأنني أنا من فعل هذا؟ إلا إذا كنت أنت من تخبرينهم
عائشة: ... أردت فقط أن أساعدك
شيماء وبابتسامة مصطنعة: شكراً... ولكنني لا أخاف من إدارة المدرسة
لم تقل عائشة شيئاً، فقط علقت حقيبتها على الطاولة وجلست بجوار شيماء، ثم أخرجت كراسة العربي وبدأت تكتب
ثم سألت: شيماء... هل كتبتِ الإنشاء؟
شيماء: أجل...
عائشة: هذا جيد... أنا لم أكتبه كاملاً بعد، فلهذا أتيت مبكراً
شيماء: إذاً أسرعي قبل أن يدق الجرس
عائشة: أعلم ذلك... لم يبقى سوى القليل فقد كتبت الكثير البارحة...
ثم عم الهدوء الغرفة مرة أخرى... وبعدما انتهت من كتابتها بدأت تتحدث مع شيماء
عائشة: كنت أتسائل... نحن نجلس بجوار بعضنا البعض منذ بداية الفصل الداسي ولا نتحدث سوياً كثيراً
شيماء: لأنه من الصعب أن تعرف بماذا يفكر زميلك
عائشة: ماذا تعنين؟
شيماء: أعني بأن الفرد يخشى أن لا يتقبله الشخص الذي أمامه، فيفضل السكوت
عائشة: ولكن هذه نظرية خاطئة فلا بد من التحدث مع زميله ليستطيع معرفته وفهمه
شيماء: وعندما يعرفه ماذا سيجني ذلك؟
عائشة: الصحبة... سيكون له أصدقاء، لم أرك يوماً تجلسين مع أحد... حتى وقت الفسحة تبقين في الفصل وحيدة
شيماء: لأن جميع الفتيات تملكن صاحبات هنا فلا يبحثن عن صديقة جديدة
عائشة بابتسامة: أنا هنا... أعني... أنا أملك صديقة ولكن لا أمانع بثانية
شيماء: ولكنك هل تعرفينني جيداً لتقولي هذا؟
عائشة: لا بأس سوف نتعرف على بعضنا في الأيام القادمة
شيماء: خيراً إن شاء الله
عائشة: هل تملكين أصحاباً خارج المدرسة؟
شيماء: أجل... واحداً...
عائشة: ما اسمها؟
شيماء: اسمه... وليس اسمها
تعجبت عائشة: فتى!!؟ لا يمكنك مصادقة الصبيان فقد كبرنا الآن
شيماء: إنه صديقي الوحيد ونحن صحبة منذ أن كنت في الرابعة من العمر
عائشة: يبدو مخلصاً... طوال هذه السنين!! كنت أملك أصدقاء صبيان في الروضة ولكن افترقنا منذ أن دخلنا الصف الأول... ولكن مع ذلك فقد كبرتي الآن وعليكِ ترك صحبة الفتيان
شيماء: لا بأس فهو يكبرني بأحد وعشرين سنة
عائشة: حقاً!! وكيف تعرفتي عليه
نظرت شيماء في عينها ببرود وقالت: هذا ليس من شأنك
أنزلت عائشة من رأسها وقالت: حسناً آسفة
شيماء: لا بأس ولكن لا أحب التحدث عنه أمام الناس فالجميع يكرهه
عائشة: ولماذا؟
شيماء: لأنهم لا يفهمونه... أنا الوحيدة التي أفهمه.. انظـ...
وقطع حديثها مجموعة من الفتيات هجمن على الفصل وبدأ الإزعاج
- أففففففف لا أعلم متى سيأتون بباصات جديدة مكيفة
- سوف أموت من الحر
- أحبك يا فصلي البارد
- سيقتلوننا الوزارة من شدة الحر
شيماء وبضيق: مزعجات... لم أعتد على الإزعاج
عائشة: ولكنهم على حق... الجو في الخارج حار جداً وباصات المدرسة لا تحوي على مكيفات للتبريد
شيماء: أعلم هذا ولكن لماذا يضايقون الغير بلغوهم هذا
عائشة: دعك منهم... أود أن أسألك سؤالاً
شيماء: وما هو؟
عائشة: لماذا لا تملكين أصحاباً؟؟ أعني لماذا تخشين من مصارحة الناس بما يجري في داخلك؟
شيماء: لأنهم لن يتقبلوني بينهم؟
عائشة: لا تحكمي دون أن تجربي
شيماء: ومن قال بأنني لم أجرب... جميع البشر حمقى
عائشة بتعجب: حمقى...!!؟ ولكن... حاولي إبراز الصفات المحببة للغير
شيماء: تعنين المجاملة
عائشة: لا لا فقط...
قاطعتها شيماء: أتعلمين
عائشة: ماذا؟
شيماء: سأخبرك لماذا لم أكسب صديقات منذ الروضة وحتى الصف الرابع
عائشة: حتى الصف الرابع!؟
شيماء: أجل... لأنني بعدها يئست من الحديث مع زميلات الفصل
عائشة: لماذا؟ ما الذي ينفرهم منك؟
شيماء: لأن تفكيري يختلف عن باقي الفتيات... فهم يرونني مجرد فتاة مجنونة أو مريضة نفسية
عائشة: ما هذا القول!! ربما لأنهم كانوا صغاراً وكان تفكيرك أكبر من سنك، ولكن وصلنا الأن إلى مرحلة نضجت عقولنا وستجدين من يتقبل أفكارك
شيماء باستهزاء: حقاً!! إذاً أثبتي ذلك؟
عائشة: ماذا؟
نظرت إليها شيماء بنظرات مخيفة وقالت: هل شممتي يوماً رائحة الدم؟
صعقت عائشة: ماذ...
قاطعتها شيماء: هل جربتي يوماً إذاء الغير؟؟... هل ترين كل قاتل مجرم؟!
عائشة وهي تنظر في عيني شيماء بخوف: عن ماذا تتحدثـ...؟
قاطعتها شيماء مرة أخرى: أنا لا أظن ذلك؟... أتعرفين ما هو شعورك عندما تجرحين عدوك؟
عائشة: هذا يكفي...
شيماء: إنه أمر رائع... يجعلك تتخلصين من الهم الذي بداخلك
عائشة: توقفي
شيماء: لماذا؟ ألن تتقبلينني؟ أتودين أن تشعري بذلك الشعور؟
أغلقت عائشة أذنيها: توقفي
شيماء: إذا لم تؤذي غيرك فسيأتي اليوم الذي ستؤذين به نفسك!!
ثم صرخت بأعلى صوتها: توقفي!!
هدأ الفصل وبدأ الجميع ينظر إليهما...
نهضت عائشة من مكانها ونظرت إلى شيماء بخوف وقالت والجميع يسمع حوارهما: إنك حقاً مريضة نفسياً
شيماء وبابتسامة: ومن قال بأنني لست كذلك؟
عائشة: تحتاجين طبيباً نفسياً
شيماء: أتعالج عند أحدهم فلا داعي للنصائح
أرادت عائشة ترك المكان وفتحت الباب للخروج ولكن قالت شيماء بصوت عالٍ لتسمعها: قلت لكِ...
توقفت عائشة في مكانها وبدأت تنظر إلى شيماء وهي ممسكة بالباب لتخرج...
فأنهت شيماء حديثها وقالت: قلت لك بأنك لن تتقبلينني
كادت عائشة أن تبكي فتركت الفصل هاربة...
صاح الجرس وتجمعت الطالبات في ساحة المدرسة، أما عائشة فلم تصطف مع الطالبات ولكنها عادت إلى فصلها وحملت حقيبتها لتجلس مكاناً آخر، فبعد الطابور المدرسي عدن الطالبات إلى فصولهن
وعندما دخلت شيماء ورأت أن عائشة بدلت مكانها تكتفت وضحكت باستهزاء: تهه... *لقد خافت مني ^.^"*
ثم أنزلت ذراعيها واتجهت نحو مكانها وجلست على مقعدها، وعندما دخلت المعلمة لتبدأ الشرح لاحظ تغير مكان عائشة...
المعلمة: ما بك يا عائشة؟ لماذا غيرتي مكانك؟
نظرت عائشة إلى شيماء بطرف عينها ولكن عندما التفتت شيماء نحوها مبتسمة نظرت عائشة في الجهة الأخر مغمضة عينها مرتبكة وخائفة...
المعلمة: هل تشاجرتي مع زميلتك؟
نهضت عائشة من مكانها وقالت: عذراً أود استخدام الحمام
ثم خرجت من الفصل
المعلمة: لحظة عائشة...
ثم نظرت إلى الطالبات وسألت: ما الذي جرى
الطالبت: لا نعلم
ثم سألت شيماء: هل تشاجرتي مع زميلتك
شيماء: لا فقط هي خائفة مني
المعلمة بتعجب: خائفة؟ لماذا؟!
شيماء: اسأليها بنفسك
خرجت المعلمة من الفصل، وفرحن الطالبات
- سوف يضيع جزء من وقت الحصة ياااااااااي
بدأت المعلمة تبحث عن عائشة فوجدتها جالسة عند أحد زوايا الساحة فذهت إليها
المعلمة: أهذا هو الحمام؟
فزعت عائشة فهي لم تلاحظ مجيء المعلمة ونهضت من مكانها بسرعة وشبكت كفيها وراء ظهرها
عائشة: أ...أنا آسفة
المعلمة: أخبريني... ما الذي جرى بينك وبين شيماء
بكت عائشة وقالت: ليتني لم أتحدث معها
المعلمة: لماذا؟
عائشة: إنها مخيفة... لا أستبعد أنها قادرة على أن تلحقني بمكروه
المعلمة: لماذا... أخبريني بماذا جرى...
أخبرتها بما دار بينهما من حوار ولكنها لم تخبرها بأنها تملك سلاح حاد كالمشرط أو السكين فهي لم تره بأم عينها
فقالت المعلمة: ربما كانت تمازحك
عائشة: إنها لا تمزح، لو نظرتي إلى عينيها لارتعبتِ أنتِ أيضاً منها
المعلمة: حسناً سوف نبحث في موضوعها... دعينا الآن نعود إلى الفصل وأريدك أن تجلسي بجوارها
عائشة: لا مستحيل
المعلمة: قد تجرحي مشاعرها
عائشة: أجرح مشاعرها ولا تجرح جسدي
المعلمة وهي تضحك: حسناً افعلي ما تشائين *حقاً أطفال هذا العصر مضحكين يودون إبراز أنفسهم*