النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: الوشاح

  1. #1
    التسجيل
    09-12-2006
    الدولة
    الكويت
    المشاركات
    96

    الوشاح

    الوشاح


    خلف نافذة الكنيسة المحطمة تسلّلت بقايا خيوط شمس الصباح الذهبية ..


    و بين جدرانها الأربع المتآكلة كانت ساحة المذبح شاسعة مُهيبة سقفها دائري مماثل للقُبّة .. تكسوها غلالة من الظلال المتدرجة الألوان ..


    ظلالٌ انعكست على الزجاج المتناثر لتتداخل ألوان الطيف في مزيجٍ بديعٍ من الأصفر الفاقع و الأخضر الزاهي و الأحمر القرمزي ..


    في وسط الغرفة و أمام تمثال العذراء ... بقيت شمعة وحيدة معلقة على عود شمعدان فضي تتدلى عليه خيوط عنكبوت ، ضوء الشمعة الخافت يهتز و يتراقص .. تعبث به أكفّ الريح ..

    و مع تمايل لهيب الشمعة تتطاير خصلاتٌ حريرية لها لونٍ أسود فاحم كظلمة اللّيل ..

    خصلاتٌ كثيفة انفلتت من قمة رأسٍ ملفوف بوشاح أحمر بلون الدم القاني ..

    رأسٌ صغير لجسدِ فتاةٍ مرميّة على أرضية الغرفة .. غارقة في بركة من الدماء .. بلا حراك ...


    عيناها فارغتان غائرتان ..

    تحدقان في سقف الكنيسة ..


    كان الوجه مهشماً شديد التشوه لدرجة يصعب معها تحديد هوية صاحبة الجثة ...


    لكنهُ هو .. هو من عرفها ...

    من عينيها !!


    كانتا بالأمس تلمعان كدوائر من نور تضيء مساحات وجههـا...

    و اليوم يراهما خرزتان جامدتين تلاشى بريق الحياة منها ...


    كم مضى من الوقت و هو يحدّق بها هكذا؟

    عجز عقله الخَدِرْ عن تحديد المدة ...

    لكن الألم الشديد الذي داهم أطرافه أنبئه أنه كان زمناً ليس بالقصير ...


    لم يعد يذكر شيئاً في هذة اللّحظة ...

    كل شيء تبخّر .. كما تتبخر قطعة سكر غمرتها موجة بحر عاتية ..


    كل الصور و الروائح و الأسماء تلاشت .. و لم يبقَ بين دهاليز الذاكرة سوى ذكرى مشوشة ...


    ذكرى ابتسامة خجولة ارتسمت على محياها بعد أن ودعها و ضمّها إلى صدره للمرة الأخيرة ...

    ابتسامة عذبة شعر بوهجها يلمع في عينيه ..


    "وداعاً يا صغيرتي .. كوني حذرة و أنتِ تقطعين الطريق ، اسلكي المنعطف على يمين البوابة و احذري ألا تتجاوزي السياج و تسقطي في البئر! "


    هزّت رأسها طائعة و كادت تهمّ بالرحيل عندما أوقفها بغتة ..


    "انتظري! .. نسيتِ وشاحكِ!"


    سحبَ من على الشماعة وشاحاً سميكاً ذا لونٍ أحمر ناري ...


    انتفض جسدها النحيل للحظة ، انعقد حاجبيها و ضاقت عينيها و هي تُحدق بالوشاح ...


    ضحكَ من أعماق قلبه ... كان يعلم مقدار كراهيتها و اشمئزازها لذلك الوشاح ...


    أخبرته ذات مرة بأن لونه الأحمر يذكرها بلون الدم ..


    كانت تمقت الدماء .. تمقت منظرها و رائحتها .. إذ تصيبها بالغثيان ..


    زمّت شفتيها بإمتعاض فربتَ على رأسها الصغير بحنو و همس لها :

    " ارتديه الليلة فقط .. سيقيكِ من البرد ، كان بودي لو اصطحبتكِ بنفسي إلى هناك .. لكن ألم المفاصل عاودني قبل أيام ... و جورج المسكين مُصاب بالحمى كما تعرفين "


    و بحركة سريعة لفّ الوشاح على جانبيّ وجهها ليغطي عنقها و رأسها ...

    وضعتْ الفتاة راحتيها على كتفيه القويتان ثم رفعت أطراف أصابع قدميها قليلاً حتى أصبح طولها موازياً لطوله .. لتطبع شفتيها على خده قبلة وداع رقيقة ..

    ابتسم و هو يراها تحرّك يديها و أصابعها له في حركة يفهم معناها جيداً ...

    " و أنا أيضاً أحبكِ يا جولي " ...


    اتسعت ابتسامة الطفلة الخرساء من جديد ...

    و لوّحت له مودعة قبل أن يتضاءل طيفها و يتلاشى خلف الأفق ...

    بالأمس ... خرجت "جولي" من منزله بعد تناول العشاء ، الطفلة اليتيمة التي تعمل عنده خادمة في النهار و تعتكف في الكنيسة لعبادة ربها من مغيب الشمس و حتى شروقها ...

    بالأمس ... ودعها و أعطاها ذلك الوشاح ...

    و بالأمس ... نسيَ أن يغلق باب الكنيسة ورائه ...

    بصفته قسيس الكنيسة كان دوماً يحذرها من عواقب الخطيئة و عصيان الرب .. و من النسيان ...


    لا تنسي تناول الإفطار .. لا تنسي إطعام أطفال الملجأ .. لا تنسي تنظيف الصحون .. لا تنسي ترديد أدعية المساء قبل النوم ...


    و لا تنسي الأجراس ...

    لا تنسي أن تقرعي الأجراس إن حاول أحد اللّصوص اقتحام باب الكنيسة ...


    لا شك أنها لم تحس بقدومهم نحوها ... لم تشعر بهم يتسلّلون خلفها ...


    لم تدرك وجود شبح الموت الجاثم داخل الكنيسة .. داخل ملاذها و ملجأها ...


    المكان الذي اختزل كل معاني الأمان و الطمأنينة ..


    أصبح مسرحاً لجريمة بشعة لم تكن وحدها ضحيتها ...


    عندما دخلَ الكنيسة مع بزوغ الفجر .. و وجدها هكذا ...

    مخنوقة بوشاحها الأحمر و تسبح في بركة من دمائها ...

    شلّته الصدمة و أفقدته الشعور بحواسه ...

    لم يشعر إلا بمثل الوتد السام يخترقه و يطعنه في الصميم ..

    بلهيب مُستعر يحرق صدره و يخنق أنفاسه ..

    ندم ينهشه حيّاً .. و ألم يتآكله من صميم فؤاده ..

    لم يصرخ .. لم يبكي .. لم يحرّك عضلة واحدة من جسمه ..

    لقد مات قلبه معها ...

    و هل للميت أن يصرخ أو يبكي أو يتحرك ؟!

  2. #2
    التسجيل
    03-01-2005
    المشاركات
    1,964

    رد: الوشاح

    أهلا كريستل ..
    وعذرا على التأخير و عموما كنت اجول هنا عندما تعثرت أو بلغة أدق وقعت على قصتك هذه , بصراحة , هي ليست بجودة القصة السابقة .. القصة السابقة حبكتها أوقى , اضافة الى أن منلوج أبطالها أقوى من منلوج هذه القصة بكثير ..
    أضف الى ذلك أني أحسست ان وصف تأثير مشهد الموت على الكاهن كان مقتضبا نوعا ما , ألا ترى ذلك معي ؟!
    عموما الى أن نلتقي في قصة أخرى لك ..
    دمتْ

  3. #3
    الصورة الرمزية رفعت خالد
    رفعت خالد غير متصل عضو قدير ومراقب سابق
    قصصي متميز
    متهم يرجو العفو من الملك
    التسجيل
    22-12-2004
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    966

    رد: الوشاح

    بسم الله الرحمن الرحيم..

    قصة كئيبة، شاعرية تفيض شعرا أسودا بكائا تتردد خلف كلماته الأنات و الآهات...

    إلى ماذا ترمي يا أخي ؟..

    يتيمة، خرساء بنت قسيس ماتت بفظاعة تحت مجرمين مجهولين... ما المقصد ؟..

    ربما هناك اقتضاب كما أشارت إليه رابعة.. لكن القصة جميلة رغم رائحة الغرب التي تنبعث منها.. لماذا الكنيسة و لماذا الأسماء الأجنبية ؟..

    شكرا.. و تابع.

  4. #4
    التسجيل
    26-03-2010
    الدولة
    Egypt
    المشاركات
    22

    رد: الوشاح

    القصة غريبة بعض الشىء , كلها تقريبا وصف لكن الأسلوب جميل والتعبير قوى , كئيبة كما قال الأستاذ رفعت , مجهولة الهدف بالنسبة لى.
    هناك خطأ فى "كل شيء تبخّر .. كما تتبخر قطعة سكر غمرتها موجة بحر عاتية .. "
    السكر لا يتبخر , وإنما يذوب فبدل يتبخر أجعلها يذوب ,
    تحياتى لك
    ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدوا أدلاء
    ففز بعلم تعش حيا به أبـــــدا الناس موتى وأهل العلم أحيـاء

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •