++++++++++++++++++
الجزء الثاني
++++++++++++++++++
مدت مريم يدها المرتعشة ببطء لتمسك قبضة باب الحمام، وما إن أمسكت به أتتها الشجاعة ففتحت الباب بقوة وملامح الجد والغضب مرتسمة على وجهها، التفتت نحو الحنفية لتراها مغلقة ولكن قطرات الماء كانت تنزل منها وكأنها أغلقت للتو!
فقالت في نفسها بتعجب: "مغلقة!!"
رفعت رأسها ورأت صورة ستارة الحوض المنعكسة على المرآة وهي تغلق، فالتفتت ونظرت إلى الستارة
مريم في نفسها: "من الذي حرك الستارة؟!"
سرعان ما غيرت ملامحها المتعجبة والمرتبكة إلى الجادة وفتحت الستارة
كان الجد على وجهها ولكن التعجب في نفسها: "ما من أحد!؟ ولكن كيف؟!!"
غضبت وخرجت من الحمام وهي تتذمر في نفسها: "حتى أني أصبحت لا أملك الرغبة في غسل وجهي، لعن الله إبليس!!"
ثم جلست على السرير قالت بصوت مسموع: "لا توجد سوى حصة لأتصل عليها حتى تخفف عني"
اتصلت بها وبدأ الهاتف يرن، أخذ وقتًا في الرنين ثم أجيب على الهاتف
مريم: "أهلاً حصوه كيف حالك؟"
حصة: "هااه... ريما؟ ما بك تتصلين وقت الفجر؟"
مريم: "أي فجر يا خرفة؟ إنه وقت العصر الأن!"
حصة: "أجل أجل إنه العصر... حسنًا أريد النوم"
ثم أغلقت الهاتف...
بدأت مريم كعادتها تتذمر: "لا أقول سوى تبًا لك ولمن يتصل بك، كنت أتسائل لماذا صادقتها؟" –لأنها تنام كثيرًا مثلك يا حلوة-
حل الليل وعم السكون المنزل إلا غرفة مريم التي لا تأتيها السكينة أبدًا، كانت مريم تلعب البلاي ستيشن وتتحدث مع حصة في الوقت ذاته –لا تريد أن تضيع الوقت-
مريم: "أجل، أنا جالسة ألعب البلاي ستيشن... هل ينام أحد الأن؟ غريبة حقًا أنت!"
حصة: "لدينا عطلة الآن فماذا عساي أن أفعل؟ لا أملك أحدًا لألعب معه البلاي ستيشن... لقد اشتقت إليك!"
مريم: "إذًا أنا من عندي أحد ألعب معه؟ ألعب مع الجن هنا!!"
فجأة سمعت مريم صوت إغلاق باب الحمام بقوة، فالتفتت مريم وهي خائفة
ثم قالت لحصة: "حصوه أنا متأكدة بأن أحدًا فتح باب الحمام وأغلقه!!"
حصة وبمزاح: "بالتأكيد إنه أحد الجن الذين تلعبين معهم"
مريم بغضب: "لا أقول سوى تبًا لك أيتها السخيفة" –أهي حقًا صديقتك وتخاطبينها هكذا؟-
أغلقت مريم كلا الجهازين (التلفاز والهاتف) وأطفأت الأنوار ووضعت رأسها على الوسادة لتنام، وبعد دقائق أتى والداها فرأوها مستلقية على الفراش ومغمضة عينيها فظنا أنها نائمة
هدى: "أحمد، الفتاة تتخيل أشياء غريبة في الآونة الأخيرة، حاولت معرفة السبب ولكن لم أستطع!"
أحمد: "ربما من تأثير الدراسة عليها... لا تخافي عليها يا حبيبتي" –وهل ابنتك تدرس-
فقالت مريم في نفسها بعد أن سمعت حوارهما: "أتخيل؟ ربما أنا أتخيل"
ثم أتت والدتها وقبلتها على رأسها وهي تقول: "تصبحين على خير يا حبيبتي"
وفي صباح اليوم التالي بينما كانت مريم نائمة بسلام أتى أزعج فرد في العائلة
حنان وهي تصرخ: "مريم!! استيقظي من نومك للذهاب إلى المدرسة!! إن لم تنهضي سوف أنادي والدي ليعاتبك" –وهل والدك سيعاتبها حقًا؟-
حنان هي أخت مريم الصغرى، حقًا إنها تبلغ الثالثة عشرة ولكن من يراها يظنها في السابعة، تملك وجهًا طفوليًا وقصر القامة ولكن لسانها لا يسلم من أحد...
انتظرت نهوض مريم لثوانٍ ثم قالت بصراخ أيضًا: "يبدوا أنني سأذهب لأخبر أبي"
لم تمضي ثانيتان حتى قالت بصراخ وهي تغادر: "أنا ذاهبة لأخبره، وداعًا"
فأجابتها مريم بصوت خامل وهي على الفراش: "اذهبي وأخبريه يا فتّانة ولكن دعيني أنام"
وما إن أغلقت حنان الباب بقوة عادت مريم مرة أخرى إلى النوم
ولكن أيقظها صوت رجل يقول: "مريم، استيقظي من نومك فاليوم لديكِ تطبيق مهم"
نهضت مريم بسرعة وقالت بتعجب: "من هنا؟" –هذا الصوت المنخفض أيقظها ولم تستيقظ من صراخ أختها-
التفتت مريم حولها ولم تجد أحدًا فقالت في نفسها وهي تتسائل: "لم يكن صوت أبي!! كان صوت شاب!!! من يكون؟!!" –تعنين أن أباك شيخًا-
نهضت لترتدي ملابسها وهي تفكر: "هل كان حلمًا؟ ولكن ألم يكن نفسه صوت الشاب الذي حل لي الواجب وأمسكني عندما كنت سأقع؟"
ذهبت إلى المدرسة سيرًا على الأقدام، دخلت البوابة وهي تفكر
كانت تقول في نفسها: "أيعقل أن يكون هناك جنّي يلاحقني؟ إنه موجود في كل مكان ماذا يريد؟"
ثم رأتها أمل وسارة
أمل: "صباح الخير ريما"
سارة: "كيف حالك اليوم؟"
أجابت مريم بضيق: "لا أظنني بخير"
أمل وسارة بأسى: "لماذا تقولين هذا؟ ماذا حدث؟"
ابتسمت مريم بابتسامة مصطنعة وهي تقول: "لا، شيء، كنت أمزح فقط"
ثم سألت: "هل درستما لتطبيق الاجتماعيات؟"
أمل: "أنا درست قليلاً" –تكذبين على من؟ بل حفظتي الكتاب كله-
سارة: "لم أدرس، وأنتِ؟"
مريم بنظرات استعجاب: "ما هذا السؤال؟ ومنذ متى وأنا أدرس؟"
وأثناء حصة الاجتماعيات، كانت مريم جالسة على طاولتها بعد أن ابتعدت عن زميلتها سارة من أجل الاختبار، وورقة بيضاء على طاولتها وهي تتأمل فيها
مريم في نفسها: "لا أعرف ماذا أفعل الآن! لا بأس، إنها ليست المرة الأولى لا تبالي"
وفجأة شعرت مريم بأن أحدًا ممسكًا بيدها وبدأ يحرك كفها ويحل الأسئلة
فتعجبت مريم بخوف: "ماذا!! يدي تتحرك بنفسها"
ثم بدأت تصرخ: "آآآآآآآ.... ساعدونييييي!!!"
غضبت مدرستها عائشة وقالت لها: "مريم! ابقي هادئة ولا تستعيني بزميلاتك فلن يساعدك أحد أفهمتِ!" –أساءت المعلمة الظن-
نظرت إليها مريم وعينيها تفيض من الدمع وهي ترتجف وتقول: "معلمتي ساعديني، يدي تتحرك بنفسها"
عائشة: "ما هذه التفاهات؟"
ثم أعادت مريم نظرها إلى الطاولة فرأت كلام مكتوب على أوراق الملاحظات –ولكنها تستخدمها للمراسلة أثناء الحصة- وكتب عليها (لا تخافي، أنا أريد مساعدتك فقط)
فقالت مريم في نفسها وهي خائفة: "هاااه!! كيف كتب هذا الكلام؟ ومن كتبه؟ جنّي!! يوجد جنّي بداخلي!!"
ثم صرخت مريم ورمت القلم وهربت من الفصل وهي تصرخ وتقول: "خذي الورقة لا أريد أن أحل!!"
فصرخت عائشة هي الأخرى قائلة بغضب: "مريم عودي إلى هنا وإلا أخبرت الأخصائية بذلك!"
لم تبالي مريم بما قالته المعلمة وتابعت طريقها... تابعت مريم طريقها جريًا حتى تعبت، فتباطأت خطواتها وبدأت بالمشي...
كانت تفكر في نفسها: "ماذا يريد مني؟ ليدعني وحدي!"
ثم شعرت بأن أحد يربت على كتفها الأيسر فصرخت وبدأت تهرب وتصرخ دون أن تنظر إلى طريقها: "آآآآ... اتركني وشأني!! لا تلمسني"
ثم سمعت صوته يقول: "لماذا كل هذا الخوف؟ هل آذيتك؟ كل ما فعلته كان خيرًا لك..."
وفجأة شعرت مريم بدوار وسقطت على الأرض مغشيًا عليها...
أما في الفصل...
كانت عائشة تتساءل: "أين ذهبت يا ترى؟"
أما الطالبات فكن تلححن على المعلمة للخروج للبحث عن مريم
فتاة1: "معلمتي دعيني أخرج للبحث عنها"
فتاة2: "أنا أنا سأذهب لأحضرها"
فتاة3: "بل أنا سآتي بها جرًّا إلى الفصل"
عائشة: "أمل أنا ذاهبة للبحث عن مريم، ابقي عريفة على الطالبات وسارة تعالي معي" –أحسنتي الاختيار-
خرجتا المعلمة والسمينة للبحث عن التائهة مريم
عائشة بحيرة: "يا إلهي أين ذهبت؟"
سارة: "ربما ذهبت لتختبئ خلف المدرسة خشية أن تضربيها"
عائشة بتعجب: "ولماذا اضربها؟"
سارة: "ربما... لأنها كانت تصرخ؟"
عائشة بضيق: "حسنًا ابحثي عنها وأنتِ صامتة فهذا أفضل"
وبينما كانتا تمشيان في الممرات المدرسية
سارة بتعجب: "معلمتي، انظري إلى مريم بها جان!"
كانت عائشة تنظر إلى الجهة الأخرى ولم تلتفت إلى سارة فهي لا تبالي بكلام الأغبياء، واكتفت بسؤالها وهي مدارة ظهرها لسارة: "في ماذا تهذين؟ قلت لك ابحثي وأنتِ صامتة بدلاً من مزاحك الثقيل هذا"
بدأت سارة تجر كم المعلمة تقول: "معلمتي انظري إليها كيف تقفز!!"
التفتت عائشة لترى منظرًا مروعًا، كانت مريم مرمية على الأرض وجسمها يهتز وكأنها متلبسة بالجن، وبان على وجهها آثار ضرب مبرح!!
فصرخت عائشة مفزوعة: "مريم!!"
فجأة توقفت مريم عن الحراك عندما صرخت المعلمة
اختبأت سارة خلف المعلمة وهي ترتجف وتبكي: "أيتها المعلمة، إنها مخيفة!! أيعقل أنها جنية وأنا لا أعلم؟ أنا خائفة!" –إن كانت جنية فلما أتت لتدرس معكن-
ذهبت عائشة ورفعت رأس مريم عن الأرض ووضعته على حضنها وقالت: "سارة، اذهبي ونادي الممرضة حالاً!"
سارة وهي تنظر إلى مريم وتتحدث بفزع: "معلمتي يبدو أنها ماتت!!"
غضبت عائشة وصرخت عليها: "قلت لك نادي الممرضة!"
خافت سارة وذهبت مسرعة وهي تقول: "حاضر!"
أتت سارة تجر الممرضة خلفها فحملت الممرضة مريم بمساعدة المعلمة وأخذاها إلى غرفة التمريض ووضعاها على السرير، كانت الممرضة نهاد تقف على يمين السرير وعائشة على يساره وكانتا تتحدثان
نهاد: "حالتها صعبة جدًا، ماذا حدث لها؟"
عائشة: "لا أعلم! خرجت من الفصل وهي تصرخ ثم وجدناها ملقاة على الأرض!"
نهاد: "حسنًا دعيها ترتاح"
عادت عائشة إلى الفصل لتنهي ما تبقى من الحصة، وأثناء ذالك كانت مريم على السرير في الغرفة ونهاد جالسة على مكتبها تعمل، وكان بينهما ستارة كعائل، وبين الحين والآخر كانت نهاد تسمع صوت ضرب واهتزاز السرير، فنهضت لترى ما بال الطالبة، دخلت عليها فوجدتها نائمة بسلام!!
فتساءلت نهاد بصوت مسموع: "ما الذي يحدث هنا؟! هذه الفتاة بها شيء غير طبيعي!"
؟؟؟ في نفسه: "بالتأكيد بها شيء غير طبيعي! كل هذا الضرب ولا تستيقظ! حقًا إنها مصيبة!"
بعد أن دق الجرس بدقيقتين، دخلت عائشة غرفة التمريض بوجه مرتبك وخوف
عائشة: "مرحبًا نهاد، ما هي أخبار مريم؟ هل صحت من نومها؟"
نهاد: "لا، ليس بعد"
عائشة: "لا بأس، سأبقى معها حتى تستيقظ فأنا لا أملك حصة الآن"
نهاد: "ولكني أشعر بأن بها حالة هيستيرية! فهي تهتز فجأة وترتعش!"
عائشة: "لا أعرف ماذا أقول حقًا! فقد رأيتها أنا أيضًا في حالة كهذه!"
جلست عائشة على كرسي وضع في يمين مريم وبدأت تلوم نفسها: "مسكينة مريم! أيعقل أن أكون أنا من سبب لها هذا المرض النفسي لشكّي بها؟ أشفق عليها..." –الطالبات كأمثالها لا يبالين بشك المعلمات-
ثم بدأت تمسح على رأس مريم وهي تقول في نفسها: "حبيبتي مريم! أتمنى أن تستيقظي بسلامة وعافية"
وبعد لحظات فتحت مريم عينيها الواسعتين وسألت بصوت خامل ومرهق: "أين أنا؟ ما الذي حدث لي؟"
عائشة: "أنت في غرفة التمريض... ما الذي حدث لكِ؟ أنتِ من عليه أن يخبرنا بما حدث، فلقد وجدناك ملقاة على الأرض مغشية! خيرًا؟"
فجأة تغيرت ملامح مريم وجلست بسرعة وهي ممسكة بقلبها بيدها المرتعشة وقالت بسرعة وخوف: "الآن تذكرت! كان هناك جني يلاحقني ويضايقني ومن ثم ربّت على كتفي ومن الخوف أغشي علي!!"
عائشة بتعجب: "جني؟ مريم أنا سألت ماذا حدث لك قبل أن يغمى عليك وليس بعد"
مريم: "معلمتي، أقسم بأن هذا ما حدث، ألم تري الورقة؟ كيف كانت الأجوبة صحيحة؟ لست أنا من حلها بل هو!"
عائشة بحيرة: "هذا صحيح... فقد حصلتِ على العلامة الكاملة! تعجبت من الأمر فبحثت عن براشيم ولكنني لم أجد" –صريحة حقًا-
مريم بوجه جدي: "وإن كنتِ تريدين دليلاً آخر فاسألي معلمة الرياضيات، البارحة كنت قد حللت الوظيفة والأسوأ من ذلك كان الخط ليس خطي!"
وبعدها عادت مريم إلى الفصل ولكن كان الدوام على وشك الانتهاء ودخلت مريم في منتصف الحصة الأخيرة فلم تجد الفرصة لمخاطبة صديقاتها، فبعد انتهاء الدوام قصت مريم ما حدث لصديقتيها سارة وأمل...
وعند البوابة...
سارة: "ريما، هل أنت بخير الآن؟"
مريم بابتسامة: "أجل والحمد لله"
أمل بوجه بائس خوفًا على مريم: "ما رأيك بأن نوصلك إلى المنزل؟"
مريم: "لا داعي لذلك فأنا بخير"
ما إن خرجت مريم من البوابة تبدلت ملامح وجهها المبتسم إلى الغضب وكانت تقول في نفسها: "هذا المرة أعرف ماذا سأفعل!"
وصلت مريم إلى المنزل وفتحت الباب بقوة والدخان يخرج من أنفها
فرأتها والدتها وقالت بابتسامة مصطنعة لترفع معنويات ابنتها: "مرحبًا حبيبتي! ما بك غاضبة اليوم؟"
لم ترد على والدتها وصعدت الدرج إلى غرفتها والشرر يتطاير من عينيها، ثم فتحت باب غرفتها بقوة وارتطم بالجدار حتى أحدث ثغرًا فيه، ثم دخلت وأقفلت الباب ورمت حقيبتها على الأرض واستبدلتها بمضربٍ للبيسبول
وقفت ترتعش وهي تمسك بالمضرب وقالت بصوت عالٍ وغضب: "أخرج أيها التافه الآن لو استطعت!"
ضحك قائلاً: "مرحى للآنسة رجفة... أقول... لا تتصنعي القوة، فأنتِ لم تريني حتى الآن وجسمك يرتجف بالكامل!"
مريم بصوت عالٍ: "أنا لا أخاف منك!"
؟؟؟: "أرجوكِ اهدئي لنتفاهم"
غضبت مريم وخرج الغضب عن سيطرتها وصرخت بأعلى صوتها حتى سبب اهتزاز لجدران الغرفة فشاركتها الارتعاش: "ألا تستطيع التفاهم إلا وأنت خفي! أم لا تملك الجرأة؟"
؟؟؟: "أخشى أنكِ أنتِ من يمتلك الجرأة! أنا لو كنت قادرًا على الظهور لما احتجت إليكِ وما ساعدتكِ..."
توقفت عن الارتعاش وذهبت ملامح الغضب وقالت: "هااه!؟"
؟؟؟: "سأشرح لكِ كل شيء، فقط اهدئي"