يبدو أن الإدارة الأميركية قد أصابتها الغيرة من قناة الجزيرة فمضت تكون
مكتبتها الخاصة بأسامة بن لادن ، و لكن باكورة الإنتاج الأميركي لم يكن أبدا
على المستوى المطلوب الذي يتناسب مع الإمكانات الهوليودية الهائلة ، فجاء في
صورة باهتة سيئة من الناحية الفنية ، و هو ما يستلزم من الإدارة الأميركية أن
تغير الشركة التي قامت بإنتاج الشريط في المرات القادمة ، طالما سيتم اعتماد
هذا الأسلوب كوسيلة فعالة في الخروج من مأزق الدليل الذي تطالب به أميركا كلما
وجهت اتهاما لشخص أو جماعة أو دولة ، و قد يخرج إلينا في الأيام القادمة شريط
يكشف العلاقة بين حماس و القاعدة ، و ربما يعترف فيه الشيخ أحمد ياسين في حضور
خالد مشعل بأن حماس تخطط لضرب البيت الأبيض مثلا ...
و لو تأملنا في قضية الشريط الخاص بأسامة بن لادن ، سنجد بين أيدينا العديد من
المؤشرات و الدلائل على كونه مزيفا حتى قبل مشاهدته ، التي أضافت براهين أخرى
على زيفه و فبركته ...
و قبل استعراض تلك المؤشرات ينبغي الإشارة إلى نقطة هامة ، ألا و هي الدافع
الذي يجعل الإدارة الأميركية تهتم إلى هذه الدرجة بوجود اعتراف لفظي واضح من
بن لادن في هذا الوقت بالذات ، و الجواب أن الحملة العسكرية الأميركية على
أفغانستان قد دخلت مرحلة حاسمة و حساسة ، فحركة طالبان الإسلامية سقطت و لم
تعد لها سيطرة فعلية أو رسمية على أي مكان في افغانستان ، كما أن المجهود
العسكري الأميركي الضخم في المنطقة لم يتعد يتناسب مع مطاردة بضعة مئات من
المقاتلين الذين يتخذون من الجبال مقرا لهم ، و ليس معهم من السلاح إلا القدر
اليسير ، و بعد أن انحصرت جبهة القتال الوحيدة في أفغانستان في منطقة تورا
بورا ، مع إضطلاع قوات التحالف بالعبء الأكبر في العمليات البرية تتضاءل إلى
حد كبير الحاجة إلى تواجد أميركي عسكري فعال في المنطقة ، أو القيام بأي نشاط
عسكري يتضمن قصف جوي أو عمليات برية أو إنزال المزيد من القوات الخاصة أو
الاحتفاظ بقواعد ثابتة على الأرض خاصة في قندهار ، كل ذلك يدفع في اتجاه تزايد
المطالبة من الدول المتحالفة علنا و سرا مع أميركا بأن توقف حربها في
أفغانستان ، و تخفف تواجدها ، و مع مرور أكثر من ثلاثة أشهر على هجمات سبتمبر
، بدأ الزخم المؤيد لقيام أميركا بمعاقبة " الإرهابيين " ينكمش ، كما ان
الأوضاع السياسية في أفغانستان لا تبشر بخير أو استقرار مع توارد الأنباء عن
كمون قوات تابعة لحركة طالبان في الجبال في انتظار هدوء الأوضاع لبدء التحرك ،
و التركيبة السياسية الغير متوازنة التي ابتدعها التدخل الأميركي سياسيا و
عسكريا غير قابلة للاستمرار أو الاستقرار مع غياب الوجود الأميركي ، بالإضافة
إلى ما يقال عن الأطماع الأميركية في المنطقة و في بحر قزوين التي يعتبرها
البعض هدفا رئيسيا للتدخل في أفغانستان ...
كل ذلك جعل الإدارة الأميركية بحاجة لوسيلة إعلامية – و نؤكد على القول
إعلامية – تذكر الناس بما حدث في سبتمبر ، و تضع اعتراف بن لادن نفسه ماثلا
أمام أعينهم باعتباره دافعا لا يعارض لاستمرار عملية البحث عنه مهما كانت
الظروف ، و بينما أصاب الترهل هدف القبض على بن لادن أثناء الانشغال بالقضاء
على حركة طالبان باعتبارها في ذاتها خطرا يتهدد المصالح الأميركية كونها أكثر
الدول تمسكا بالنموذج الإسلامي للحكم في الوقت المعاصر ...
يعود ذلك الهدف للبروز بقوة بعد الانتهاء من الحركة باعتباره دافعا أساسيا
للحرب على الإرهاب سواء في مرحلتها الأفغانية ، أو الصومالية أو غيرها من
مراحل الهجوم على التواجد الإسلامي النشط في أي بلد من بلدان العالم ... و
ربما لو نجحت تلك التجربة - نعني الشريط – تتحفز الإدارة الأميركية على إصدار
سلسلة أخرى من الاعترافات تشحذ بها الرأي العام العالمي و المحلي كلما أضطرتها
الظروف ...
و نعود إلى الشريط نفسه لنقول أن هناك مؤشرات و دلائل عديدة على تهافته ، و
فبركته ، حتى لو كان بن لادن و تنظيم القاعدة وراء هجمات سبتمبر بالفعل ... و
نستعرض فيما يلي أهم تلك الدلائل ...
أولا : من العجيب رغم انتشار مراكز التدريب التابعة للقاعدة في طول أفغانستان
و عرضها كما تقول الإدارة الأميركية ، و كثرة المنازل و البيوت التابعة لأعضاء
التنظيم ، و قيام القوات العميلة لأميركا بالاستيلاء على كل ذلك ، لم يظهر إلا
هذا الشريط الفذ الوحيد بين ركام الأوراق و المستندات التي زعموا العثور عليها
، فإما أن القاعدة نظفت مقراتها قبل الرحيل ، و هذا خلاف ما يقوله الأميركيون
أنهم لم يتوقعوا الانسحاب فتركوا كل شئ وراءهم ، و إما أنهم تركوا الغث و
الثمين و لم يتداركوا أي شئ ، فكيف لا يعثر إذن إلا على هذا الشريط فقط ، مع
الاهتمام المعروف لدى القاعدة بالتوثيق عن طريق الفيديو ...
ثانيا : تركيبة المشهد نفسها غريبة ، و لا معنى لها ، فما الحكمة من أن يتم
تسجيل حوار عادي بين تلك المجموعة دون ان يكون هناك كلام مرتب يوجه إلى
الكاميرا كعادة أسامة بن لادن في كل الشرائط التي نقلت عنه ، و حتى الشرائط
التي تظهر تدريبات للقاعدة ليس فيها مثل هذا الحوار العادي ، كما أن الإصرار
على ظهور الشخصيات التي ظهرت على قناة الجزيرة أمر يثير الريبة ، و لو تخيلنا
قادة القاعدة الذين يجالسون بن لادن في مجلس كهذا ينتظرون فيه سماع خبر
الهجمات على أميركا ، فلابد أنه سيكون هناك آخرون كثيرون حاضرون جلسة التسجيل
و الاحتفال غير سليمان أبو غيث حديث العهد بالتنظيم نسبيا ، و ما عدا الظواهري
فقد غاب كل القادة المعروفين و غير المعروفين .
ثالثا : المتتبع للنص الوارد على ألسنة المتحدثين – رغم رداءة الصوت – يجد أنه
رغم قصر زمن اللقطات إلا أن أسامة بن لادن قال كل ما يريده الأميركيون في
لحظات قليلة ، و كأنه يقرر أمورا بعينها ، تخدم هدفا معينا ...
رابعا : أهم الدلالات هنا أن ما قاله بن لادن ان بعض منفذي العمليات لم يعلموا
أنها ستنتهي بموتهم حتما بالصورة التي حصلت ، يتعارض تماما مع سبق أن أعلنته
السلطات الأميركية أنها عثرت على رسالة في أمتعة محمد عطا موجهة إلى المشاركين
في العمليات يدعوهم فيها إلى التطهر و الاستعداد للموت ، و الدعاء إلى الغير
ذلك من الأمور التي تطلب من إنسان يعلم جيدا ما هو مقدم عليه ، فكيف نجمع بين
هذا ، و بين كلام بن لادن الغريب ، و الذي لا يتناسب مع خلفيته الدينية و
التي لا نظن أنها تجعله يقدم على ذلك ، و عليه إما أن تكون الرسالة مفبركة ،
أو أن الشريط مزيف ، أو كلاهما مزور ...نها تأنهاأااا
خامسا : لم يذكر بن لادن في الشريط المنسوب إليه أي معلومات لم تعلنها جهات
التحقيق الأميركية ، حتى معلومة عدم معرفة البعض بنهاية العملية ، ذكرتها
أجهزة التحقيق ، و هذا توافق عجيب ، و كانت أمور كثيرة بحاجة إلى التفسير ،
فعلى سبيل المثال الطائرة الرابعة ما كان هدفها الذي فشلت في التوجه إليه ، هل
كان الكونجرس أم البيت الأبيض ، أم أحد المفاعلات النووية ، لا أحد يدري ، لأن
بن لادن لم يقل إلا ما قالته الإدارة الأميركية من قبل ...
سادسا : ما هي أسباب رداءة الشريط ، لو قلنا أنها كثرة النسخ و النقل ، فهذا
لا يتناسب مع شريط بهذه الخطورة يمثل دليل إدانة تبحث عنه أميركا بقدها و
قديدها ، بل أوشك فقد الدليل أن يعرض حملتها للفشل ، و كل المنتمين للقاعدة
أصروا في أحاديثهم الإعلامية على نفي صلة التنظيم بالتفجيرات – إذا تجاوزنا ما
قاله بن لادن في حديثه الأول للجزيرة – ثم بعد ذلك يتم تداول شريط الاتهام
بهذه البساطة ...
و لو قلنا أن الشريط لم ينسخ و هذه نسخة أصلية ، فسوف يتعارض ذلك مع حقيقة أن
كل الشرائط التي سلمها أعضاء القاعدة لقناة الجزيرة من قبل أو تم تداولها بطرق
مختلفة كانت بحالة فنية جيدة من حيث وضوح الصوت و الصورة ، فلماذا هذا الشريط
بالذات يعاني من الضعف
سابعا : لا تتناسب الانفعالات التي يعرضها الشريط مع حدث مثل تفجيرات سبتمبر ،
فلو كانت القاعدة وراءه ، لكان ذلك بالنسبة لهم أعظم حدث في حياتهم ، و
لاستقبلوه بطريقة أكثر ترحيبا و تهليلا من مجرد الضحك و الابتسام ، و كأنهم
قتلوا أميركيا واحدا و ليس الآلاف ، و لم يبدو على الظواهري أيضا الانفعالات
اللائقة بهذا الحدث الجلل ، و هو ما يدفع للشك بأن الكلام مركب على الصور ، و
جاء التعبير عن الانفعال بالحدث بما يتناسب مع حركة الأشخاص في الشريط ...
ثامنا :يبقى أن نعرف أن التقنية المستخدمة في مجال إنتاج شرائط الفيديو عن
طريق الكمبيوتر ، بلغت مستوى متقدم جدا ، إلى الدرجة التي يعتبر فيها كثيرون
أن الصور الثابتة و المتحركة قد فقدت أو كادت مصداقيتها ، و قدرتها على
الإثبات ، و يكفي ان نعلن أن هناك محاولات و تجارب حققت نجاحات ، تهدف إلى
القيام بإنتاج فيلم سينمائي كامل بالصوت و الصورة ، لا يقوم فيه البطل إلا
بتصوير بعض اللقطات القصيرة ، لبرمجة صوته و حركاته ، ثم يكمل الكمبيوتر باقي
المهمة ، ليظهر الممثل و هو يتحرك ، و يتكلم بما لم يمثله ...
و على كل حال لن نغلق الباب تماما ، بل نقول أن الذي يغلب على هذا الشريط أنه
مزيف ، أو على الأقل تم العبث به بما يغير من محتواه و مضمونه ، أو استخدمت
صورته ، و لن تحدث أميركا جديدا بهذا الخداع فهي قد تمرست عليه منذ نشأتها ...
http://www.islammemo.com
المجتمعالعلم والتكنولوجياالطب والصحةالتعليمالثقافةكوارث
وحوادثالاقتصادالرياضةالفن
