السلام عليكم جميعا

كيف حالكم ؟



حسنا .. منذ فترة ليست بالطويلة تحدثت مع البعض في أحد الأماكن التي لا أتذكرها حاليا حول الفانتازيا , و دار النقاش حول أنها ليست تلك القطعة الصدئة المهملة المُلقاة على عتبة أبواب الكتاب , إنما هي قطعة فنية فريدة من نوعها , و تتلخص مدى أهميتها في كونها من أكبر الأمور الرمزية في الأدب كافة , فمهما قرأت لن تشعر أنك تقرأ .. لغرض آخر خلاف الفانتازيا ..



ما رأيكم بإزالة هذا القناع ؟!

ربما تتعجبون مما سأقوله , ربما قد لاحظه البعض منكم , لكني سأقوله كاشفا عن أحد أسرار الفانتازيا ..




الاتجاهات و الميول الخاصة بكل أديب فانتازي هي ما تحدد نوعية كتاباته و الغرض منها .. لكن بصفة عامة تقع الكتابات داخل قوقعتين ضخمتين , قوقعة السياسة , و قوقعة الحياة الاجتماعية .. و بينهما سنجد قواقع صغيرة مثل قوقعة المغامرات , قوقعة الغموض , قوقعة الرعب , قوقعة التاريخ .. و غيرهم من الألوان الأدبية الأخرى ..” لماذا أشعر أنني على شاطئ بحر ؟! “



السؤال هنا هو كيف يقوم الكاتب بهذا ؟ ولمَ ؟!

ببساطة شديدة , نحن نكتب فانتازيا نعم , لكن نحن لا نجلس نقول : اتجه البطل نحو غابة مورفة ب .. و في بلاد وصفها كذا .. كلا , هذه الطريقة لا تُستخدم في الكتابة على الإطلاق , و هذا ما يضعنا أمام شيء جميل ..

الفانتازيا التي نقوم بالتحضير إليها سواء من خيال جامح , بناء للعوالم الخيالية , تحضير كل شيء في الرواية , لن نستطيع بها فقط أن نكتب رواية , فأين الشخصيات ؟ أين الصراع ؟ أين المشاكل ؟!

من هنا اتجه كتاب الفانتازيا كلٍ على حدة لملء تلك الفراغات الضخمة بما يروق له ..

هذا يوضح لنا لمَ , و ربما يكون هناك أسباب أخرى مثل الحجر على الكتابات السياسية , أو أن الكاتب ليس قوي في الكتابات الاجتماعية – مثلي مثلا – لهذا فهو يلجأ للفانتازيا كداعم له و لكتاباته حتى تكون الكتابات السياسية أو الاجتماعية مُغطاة بغشاء سميك لا يدركه من يقرؤه إلا حين توضح له أنه قد قرأ اجتماعيات أو نقاط سياسية ..



السؤال هنا , كيف ؟!

فلنتحدث عن الأغراض السياسية هنا أولا ..

ما هي السياسة ؟!

أليست كل ما يختص بأمور الحكم , علاقة الشعب بمرؤوسيه , مشاكل الوطن , إدارة الدولة , و الأمور الأخرى المعهودة من مشاكل مع الأحزاب و الإئتلافات و الآراء حول الدولة و الرؤساء و غير ذلك من أمور متنوعة تقتضيها كلمة السياسة ..

فلننحي السياسة جانبا و لنمسك ببنيان رواية فانتازية .. سنجد أن لدينا أمور عديدة في بنيان الرواية , مثل الشخصيات , الصراع , العوالم الفانتازية .. دعونا نمسك بتلابيب الأخيرة و نغوص في أعمق أعماقها ..

العوالم الفانتازية , أليست هي التعبير الذي يشير إلى العالم الذي تدور فيه أحداث الرواية ؟! و أي عالم ألا يتكون من دول ؟ وكل دولة لها حكومة و سياسة خاصة بها ؟!

قبل أن تشهق و تقول نعم ولكن و أسئلة اخرى أريد أن أوضح نقطة هامة هنا كي لا تغفل عنها :

نحن نبني العوالم الفانتازية من الخدوش لتصير كالقصر الشامخ .

هل أدركت ما أعنيه ؟!

أنا أقول لك أننا نقوم ببناء كل شيء في العوالم تلك , كل حكومة , كل دولة , كل سياسة , هنا دولة بيروقراطية , هنا دولة اقتصادية , هنا دولة فقيرة , هنا دولة مُحتلة , أنت حر عزيزي ,لا قيود , لا رقيب , أنت تبني ما تريد في ما تملك .. أهناك حرية أفضل من هذه ؟! ولمعلوماتك , نحن نبني كل هذا تحت أطنان من المغامرات و الإثارة تحت اطنان من الوصف الفانتازي و مشاكل الأبطال .. أي أن قارئك لن يشعر بهذا إلا متأخرا , هذا إن شعر به من الأساس ..

بل الأمر يتعدى هذا لنقطة أخرى أكثر أهمية , أنت يمكنك التعبير عن آرائك السياسية بأي شكل تراه ..

فمثلا يمكنك جعل بطلك ينتمي لدولة بيروقراطية , يقوم بعمل ثورة فيها و تحقيق اليموقراطية ليخرج القارئ من صفحات روايتك هاتفا : لتحيا الديموقراطية !

يمكنك أن تبني دولتين , دولة يحكمها قائد بيروقراطي و دولة أخرى يحكمها قائد ديموقراطي و تجعل بطلك في الدولة الأولى و يصرخ مستنجدا بالدولة الثانية التي تهب كالأبطال منقذة الشعب من البيروقراطية ليخرج القارئ صارخا : لتحيا أمريكا و ما تدافع عنه في العراق !

يمكنك عزيزي فعل ما تريد , لا قيود , الأمر لا حدود له , ضربت أمثلة بسيطة لا تتعدى الفتات , و هذا فقط لتوضيح وجهة النظر هنا ..



لنترك الأمور السياسية الشائكة , و نتحرك صوب الأمور الإجتماعية ..

قلتها كثيرا , هاري بوتر الشهيرة رواية إجتماعية بثوب فانتازي , لكن لم يصدقني البعض !

هي كذلك , بل غيرها كثير كذلك , لا توجد رواية تخلو من مشاكل إجتماعية , فمثلا في روايتي رانمارو قمت في الجزء الثاني – و قرائي يعرفون هذا جيدا – بالتعبير عن مشكلة اضطهاد الأطفال و علاقات الطفل المضطهد مع زملائه بشيء من التركيز في بعض الفصول في مشكلة دايسكي , كذلك أعالج مشاكل مثل اللامبالاة , الخنوع , الجبن , الكذب , و مشاكل أخرى أخلاقية و اجتماعية ..



مرحبا بك في دنيا الفانتازيا ..

هل تريد المزيد ؟ أم اكتفيت ؟!

هل عرفت مدى أهمية الفانتازيا و صعوبتها ؟!



ما صعوبة الفانتازيا إذا ؟!

تخيل أنك تكتب بعقول متعددة , باتجاهات مشتتة , و يجب أن تكتب كل شيء داخل إطار عام لا تخرج عنه , و هو الفانتازيا , تكتب بطريقة حذرة , حتى لا تجعل قارئك يدرك بوجود شيء ما غريب يدور تحت الستار , عليك أن تكتب , و تمزج الأمور المشتتة سويا , تدمج الفانتازيا بالأدب السياسي بالأدب الاجتماعي بأدب الرعب فأدب المغامرات و الإثارة , فبعض من التاريخ , مع كثير من قيمك و آرائك الخاصة و معتقداتك .. مرحبا بك في دنيا الفانتازيا سيدي ..



أتمنى أن أكون قد أوضحت لكم ما أريد .. و أتمنى أن تكونوا قد غيرتم رأيكم بهذا الفن الذي لن أصفه سوى بأنه من أعقد الفنون الأدبية , لكنه ليس أعقدها بالطبع ..



تحياتي ..

الساحر .