الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الهادى الأمين وعلى آله وصحبه وسلم ,أما بعد.
أكتب هذا الموضوع راجيا من الله القبول وأن تعم الفائدة على الجميع وان لا تنسونى من الدعاء الصالح وأن تسامحونى فى تقصيرى.
الأستاذ خالد مشعل....قمةالأدب فى كلمات من ذهب.
لست مجانبا للحقيقة ان زعمت أن معظم الفلسطينيين, سواء كانوا من معسكر الاستسلام أو من معسكر الممانعة, قد تابعوا لقاء الأستاذ خالد مشعل على قناة العربية فى برنامج
"بصراحة" .
ولست مجانبا لها ان زعمت أن معظم أولئك قد تأثر ايجابا بهذا اللقاء.
لست مجانبا لها أيضا ان وصفت هذا اللقاء بقمة الأدب, دون أن أبخس المقدم حقه فى اضفاء جو من الاحترام والأدب.
لكنى سأجانبها ان وصفت معدن الكلام بغير الذهب, أو قلت
"بصراحة" هذه قد أمعنت (بضم الألف) ضبابية وسحب.
و سأجانبها ان قلت أنها, أي المقابلة, كأي صلاة وقتها قد ذهب, أو قلت أنها مسكرا ظاهره عنبا وباطنه لهب.
و سأجانبها أيضا ان رأيت فيها غير العجب, أو تركتها مرت علي دون تدبر وتفكر ومقارنة لسبب بسبب.
لا شك أن اختيار التوقيت لها كان صعبا, اذ أن الأحداث تتدارك بعضها دون ملل أو تعب.
لا شك ان تذكرتها انتابنى شعور بالأمل وشعور بالغضب, شعور بالعزيمة وشعور بالتعب ,شعور بالرضى وشعور بالعتب.
تابعت هذه المقابلة بشغف شديد وانتباه عنيد ,أردت منها الجديد فوجدتنى لا أمتلك القديم ,فكيف بى ان صعقت آذانى بجديد؟
لا أطيل عليكم فلا شك تعرفون ما أريد, لا بل تفقهون التالى ويزيد.
ان انتقال الحوار فى هذا اللقاء, وفى هذا الوقت الصعب, من محطة لأخرى واثراء كل محطة بما يليق بها ,لا بل تأمينها من كل عبث ,ليبعث على الطمأنينة ويوحى بأن أمة الحبيب بخير وأن ما قيل عن قادة الاسلام وعظمائه لم يكن أساطيرا تحكى أو أباطيلا تسرد, لا بل هو من حين لآخر فى قائد يتجسد وان رحل تجده فى آخر قد تجسد.
لقد كان ما قال الأستاذ أبو الوليد هو فتح من الله.
لقد انتقل مقدم البرنامج بلباقة من سؤال لآخر وأصبحت ترى الجواب فى عينيه قبل أن يسمعه, وكأن هالة من التأثير قد أحاطته أو جملا من العزة قد سحرته أو مصابيحا من جب عميق قد أذهلته أو مكارم أخلاق للتو أسرته أو تواضعا أو.....أو...
لا أدرى, لكنه بدى أمامى كأن طلقة الرحمة قد باغتته.
أما عن الكلمات والتنظير والاستشراف والتحليل والنفي والاثبات والحجة والبرهان فى حديث الأستاذ أبو الوليد ففيه ما يعجز القارئ من كثرته ويستنفذ طاقاته لقراءته ويستعيدها لعذوبته, وسأوجز ان شاء الله ما استطعت لذلك سبيلا.
أولا: على الصعيد الداخلى فقد أوضح أن الحوار مطلب وطنى, لكن اثقاله بالشروط هو غير ذلك, ان لم يكن نقيده, وأن شرط حماس أن لا شروط.
كما ان اعادة الأمور الى ما كانت عليه ينقسم الى ماهو شرعى وما هو غير ذلك وما هو وطني وما هو غير ذلك وما هوواقعي وما هو غير ذلك.
فشرعي أن يعود عباس لمقره, لكن غير الشرعي أن يحتكر الشرعية لنفسه وفى شخصه.
وما هو وطني أن تكون مؤسسات الدولة للوطن والمواطن وحماية له ولأملاكه ومنجزاته وتاريخه ومقاومته ودماء شهدائه وتضحيات فئاته ,وغير وطني أن تكون تلك المؤسسات هي لحزب بعينه أو لأحزاب ,سمها ما شئت,بعينها أو لأمراء حرب أو اقطاعيين أو قراصنة أو أن تكون لحماية العدو ,ضاربة بعرض الحائط كل الثوابت والقيم والمحرمات. وواقعي أن تبذل الجهود لذلك على أساس الاتفاقات الداخلية, كالقاهرة ووثيقة الاتفاق الوطنى ومكة وما سيترتب عليها من حوار, لكن غير الواقعى أن يرتكز ذلك لغير الارادة الفلسطينية, أو أن يكون رهن اشارة من عصى موسى.
ثانيا: على الصعيد الخارجى فان من المستحيل بمكان أن يكون المفاوض الفلسطينى أقوى من ذى قبل, اذ أنه يحتاج للارتكاز لوحدته الوطنية التى يفتقدها ولأوراق ضغط وقوة هو لا يمتلكها (أو قل لا يجيد التعامل بها كغيرها من الأوراق, كالأخضر منها أو ما شابه), كما أن الحقوق لا تسترد بالاستجداء ,بل بالايمان بها أولا, ثم دعم سقفها ورفعه اذا ما لزم الأمر أو توسيعه اذا ما احتجنا لظل, كما أن العلاقات لا تبنى على أساس القبلات أو تبادل الابتسامات و هز الكفوف أمام الكاميرات.. لا.. انما تبنى على أساس العقيدة والمصلحة الوطنية والتوازن والمرحلية واعتراف الآخر بالحقوق والثوابت والتضحيات وعلى الندية فى التعامل, لا بل الفوقية, ان احتاج الأمر, لاجباره على ما سبق.
كما أن العمق الاستراتيجى شئ يجب التمسك به والسعي له وربط أواصره , وليس التنكر له تارة ,و الوقوع تحت سيطرته وقبول املاءاته فى الباطل تارة أخرى ,أو السعي فى تحجيمه وتقزيمه فى دولة ونصف.
كما أن التفويض للمنظمة فى مسألة المفاوضات قد زال عن المشهد بزوال المسبب , أي وثيقة الاتفاق الوطنى, بل ان العمل به كمن تيمم بوجود الماء دون وازع اضطرار.
ثالثا: على صعيد الحركة ,فان شعبيتها لا تقاس حسب الظروف وتبعاتها ,انما تقاس حسب المعطيات وتأصيلاتها ,على أن يتسم القياس بالحيادية والصدق; وأهم من ذلك كله هو معرفة هذا الشعب بعقيدته وتطلعاته واطلاعه على ما يدور من حوله و معرفته صديقه من عدوه وتقديره لتضحياته فهو شعب لا يستنشق الا الصمود والتحدى من زنزانته ولايشبع الا عزة وشموخا على خلو معدته ;لله در هذا الشعب.
كما أن الحركة لا ترتبط بمحاور على غرار ما كان من غيرها , ولكنها ترتبط بعمقها الاستراتيجى العقدى التاريخى الاصيل دون الخضوع لاملاءات أحد, وما زمان الاردن عنا ببعيد, وأن هذا كله من باب "رمتنى بدائها وانسلت".
رابعا وأخيرا: العلاقة مع العدو هى علاقة صاحب الحق بسالبه والسجين بجلاده والمظلوم بظالمه والمؤمن بالله بمشركه والعدو بقاتله.. وان بعد حين.
فلا تفاوض سرا ولا علنا ولا تفريط ولا اعتراف ولا استسلام ولا تسليم بأمر الواقع.. وان فرض بالقوة , بل مقاومة ذلك وان اختلت موازين القوى, فان ما خبث لا يخرج الا نكدا.
وانهم يألمون كما نألم ونرجوا من الله ما لا يرجون.
ولأن العقل يقول "أنا أقاوم اذا أنا موجود, وأنا أساوم اذا أنا مرفوض".
وان غدا لناظره قريب.
لله در أبا الوليد.
أردت الاستفاضة فى كثير من الأمور لكنى أخاف الاطالة عليكم وأرجوا حسن الظن منكم.
اللهم أنى أحب الأستاذ خالد مشعل فيك ,فاجمعنى واياه تحت ظلك يوم لا ظل الا ظلك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
احم احم
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة chris
