ياسر الزعاترة 4/2/1429
10/02/2008




يوم الخميس الماضي حطت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس وبصحبتها، زميلها وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند، الرحال في أفغانستان، في زيارة مفاجئة تعكس حجم المأزق الذي تواجهه قوات حلف الأطلسي في ذلك البلد الذي مضى على احتلاله أكثر من ست سنوات من دون أن يتمكن الغزاة أو "المحررون"، بحسب رأيهم، من وضعه على سكة الأمن والاستقرار.



مع نهاية العام الماضي، أي قبل أسابيع، كان الزعماء الغربيون قد رحلوا واحدًا تلو الآخر إلى كابول من أجل تلمُّس المعضلة عن قرب، وشملت قائمة الزوار (رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون، والرئيس الفرنسي ساركوزي، ورئيس الوزراء الأسترالي كيفن رود، ورئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي).


كان رئيس الوزراء البريطاني قد تحدث عن ضرورة الحوار مع حركة طالبان، الأمر الذي تراجع عنه تحت ضغط واشنطن التي تبدي حساسية حيال نزوعه نحو الخروج من عباءة بلير في سياق التدخلات الخارجية التي تستثير الرفض الداخلي، من دون أن يعني ذلك تغييرًا جديًا في طبيعة التحالف الأنجلوساكسوني المزمن بين واشنطن ولندن.


الأزمة الجديدة الناشبة فيما يتصل بالملف الأفغاني هي تلك المتعلقة بالعلاقات الداخلية بين شركاء حلف الناتو على خلفية مطالبة الولايات المتحدة لهم بزيادة عدد قواتهم على أمل النجاح في لجم "التمرد" الذي تقوده حركة طالبان (على حد وصفهم) في مواجهة قواتهم وعسكر الحكومة الدمية في كابول.

هنا برز موقف ألمانيا الذي أثار حفيظة واشنطن على نحو استثنائي؛ هي التي تدرك مخاطر أن تكر مسبحة الحلفاء إذا جرى التسامح مع انسحاب أحدهم، إذ رفض وزير الدفاع الألماني زيادة عدد قواته على النحو الذي تطالب به الولايات المتحدة، كما رفض نقل مهماتها من الشمال المستقر إلى الجنوب الذي تشعله طالبان نارًا تحت أقدام جنود الناتو.


ويأتي الموقف الألماني بعد مواقف مشابهة لم تثر الكثير من الضجيج في حينه تمثلت في رفض العديد من دول الناتو من بينها فرنسا وإسبانيا وتركيا وإيطاليا نقل قواتها إلى الجنوب للمشاركة في العمليات القتالية ضد طالبان، لاسيما وهي تسمع كل يوم عن الخسائر التي تمنى بها تلك القوات.


كل ذلك فرض على الأمريكان الذين يدركون أكثر من غيرهم معنى الفشل في أفغانستان، فرض عليهم إرسال 3200 من قوات المارينز، من دون أن يقلل ذلك من حدة هجمتهم على المتخلفين عن إرسال قواتهم إلى مناطق القتال، إذ قال وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس: إن حلف شمال الأطلسي سيكون في خطر؛ بسبب الخلاف حول الموقف في أفغانستان. وتحدث عن قلقه من بروز جناحين في الحلف، أحدهما مستعد "للقتال والموت لحماية أمن الشعوب"، بينما الآخر غير مستعد لذلك، الأمر الذي "يلقي بظلال من الغموض على مستقبل الحلف".


ومعلوم أن العبء الأساسي في القتال ما زال يقع على القوات الأمريكية والكندية والبريطانية والهولندية، والتي خسرت الكثير من عناصرها خلال الأعوام الأخيرة، بينما لا تتوفر مؤشرات على تحسن الظروف الأمنية في ظل المزيد من تطور القوة لدى حركة طالبان وتواصل مددها من باكستان رغم محاولة برويز مشرف الاستجابة لضغوط واشنطن على هذا الصعيد.


يحدث ذلك بينما تقول معظم التقديرات أن حركة طالبان لم تتراجع رغم شراسة المعركة، بل إن وضعها يتقدم بالتدريج، فهنا ثمة مدد لا يتوقف من الرجال، وهنا ثمة حاضنة شعبية توفرها قبائل البشتون الأفغانية، بينما تتكفل شقيقتها الباكستانية بتوفير المدد الضروري لاستمرار القتال، أما الحكومة الدمية في كابول فليس بوسع رئيسها مغادرة قصره من دون الحماية الأمريكية، الأمر الذي سيتواصل ما دامت الحماية للرئيس هي كل ما تقدمه واشنطن للشعب الأفغاني المنكوب رغم وعود المساعدات الضخمة.

http://www.islamtoday.net/albasheer/show_articles_content.cfm?id=72&catid=79&artid=11620