هاجس التنشيط يهدد ملاعبنا ونجومنا العرب وتقارير تؤكد ارتفاع نسبة المتعاطين * هل تبدأ اتحادات كرة القدم العربية اقتحام ملاعبها لكشف تعاطي المنشطات * متخصصون يؤكدون أن أسماء كروية عربية ستسقط لو بدأ الكشف عن المنشطات * الجهل وعدم وجود كوادر طبية متخصصة يهددان مصداقية التنافس في ما بين المحيط والخليج * خبراء عرب: نسبة تعاطي المنشطات عربيا تفوق معدلاتها عالميا.. واعتبارات اخلاقية خلف تأخر كشفها
الرياض: مساعد أحمد العصيمي
تسابقت دول عربية كثيرة لها باع في عالم كرة القدم للإعلان عن حملة ضد المنشطات وكل منها أشار وحسب ما يخصه الى كيفية تنفيذ ذلك محليا، لكن ظل القاسم المشترك في إعلانها هو الولوج إلى ملاعب كرة القدم لأجل ضبط المتلبسين بذلك العمل المشين صحياً وأخلاقياً، وحتى يتم فرض منافسة عادلة في كل مقوماتها.
تلك التوطئة اعلاه أعلنت عن أمر خطير يهدد كرة العرب لا سيما ان المنافسة المحلية الكروية في كل الدول العربية وحتى وقت قريب تخلو تماما من عملية ضبط أو فحص المنشطات، وسط إشارة أخصائيين طبيين الى أن استخدام المنشطات لا يجد حرجاً ولا صعوبة في ظل غياب الرقيب في عالمنا العربي.
الدلائل قائمة وملموسة وتمت الإشارة إليها بخجل عبر أكثر من مناسبة في الدول العربية حتى إن بعضها قد رمى إلى ذلك مباشرة مستدل على العطاء القوي لأسماء معروفة خلال المنافسات المحلية والهبوط الشديد لنفس تلك الأسماء في المشاركات الدولية مع منتخبات بلادها خلال البطولات التي تفرض اختبارات عشوائية للمنشطات.
ولنكن أكثر وضوحاً فالشكوك والإشارات الخجولة إلى المنشطات قد ترددت في أكثر من بلد عربي كالسعودية والإمارات ومصر ولبنان وسورية مما أوجد صوتاً قوياً داخل كل منها ينادي بتسريع اتخاذ الإجراءات الطبية التي تكفل منافسات نزيهة، حفاظاً على المكتسبات البشرية.
وقبل الغوص في رأي المختصين حول المنشطات كان من الضروري أن نشير الى ما يعنيه مصطلح مكافحة المنشطات.
ـ في المفهوم العام المنشطات طريق غير شرعي لزيادة القدرة وبناء الجسم باستخدام وسائل صناعية لرفع الكفاءة في مجال المنافسات او التدريب الرياضي، وهو ما قد يؤدي لحدوث ضرر صحي اضافة الى خروج الرياضة بعيداً عن منطق المنافسة الشريفة. أوروبا تلمست خطر ذلك وتعمل كل ما في وسعها لإيقاف وطرد والتشهير بمن يثبت تعاطيه للمنشطات أثناء المنافسات الرياضية. لكن ماذا عن عالمنا العربي، الأمر يبدو أكثر تشاؤماً وسط إشارات طبية بأن اللجوء إلى المنشطات قد بات منتشراً في ظل غياب الرقيب الطبي ناهيك عن الكلفة العالية للكشف عن ذلك، لذلك يتوجب علينا أن نكون أكثر قدرة في استيعاب هذا الخطر الذي طال رياضيينا وتزداد رقعته تزداد يوماً بعد آخر لعدم وجود من يستطيع المساهمة في منع ذلك. لقد تألم العرب لسحب الميدالية الفضية من الجزائري علي سياف في سباق 5 الاف متر أثناء بطولة العلم لألعاب القوى في ادمنتون بكندا اغسطس (آب) الماضي بسبب المنشطات، ولم نحسب انه ضحية الاستهانة بهذا الخطر، الذي بدأ ينكشف عربياً بعد اعتماد فحص المنشطات بالدورة العربية ببيروت عام .1997 الخطر محدق ويلقي بظلاله ودول عربية بدأت تستشعر ذلك، فباتت تونس أول دولة عربية تنشئ مختبراً معتمداً للكشف عن المنشطات والسعودية عبر لجنتها الاولمبية تواصل مساعيها لإنشاء مختبر مماثل والكويت اعلنت عبر الهيئة العامة للشباب والرياضة البدء بالكشف من الموسم الرياضي الجاري، وهناك توجه قوي في مصر لمنع انتشار هذا الوباء.
الجانب الأهم في موضوع المنشطات أنه اصبح يؤخذ بجدية صارمة وهو في مقدمة برنامج رئيس اللجنة الاولمبية الجديد البلجيكي جاك روج، الذي قال: «يجب أن نصرف الأموال من أجل البحث العلمي في مجال اكتشاف المنشطات والعمل على منعها ويجب أن نوحد القوانين بشأن ذلك في كافة الدول»، وأضاف «لن نربح الحرب ضد جريمة المنشطات والمخدرات بشكل عام لكن يجب أن نربح كثيرا من المعارك وعلينا أن نتحد في ذلك». كما اهتم ليونارت يوهانسن رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بنفس القضية وجعلها من اولوياته.
* لماذا ملاعب كرة القدم
* حينما نشير إلى ملاعب كرة القدم العربية فلان ملامح قد ظهرت على بعض اللاعبين من اهمها تباين عطائهم وقوتهم وجهدهم بين مشاركتهم محلياً ودولياً وثانياً للجهل بماهية بعض انواع المنشطات والدأب على استخدامها. وكما ذكرنا فان الاتحاد العربي للالعاب الرياضية قد استشعر الخطر فانطلق منذ عام 1997 وخلال الدورة العربية في بيروت إلى اعتماد كشف المنشطات رغم تكاليفه العالية واوجد لجنة مستقلة من اطباء متخصصين وكانت المفاجأة غير السارة سقوط اسماء لابطال كثر اما جهلاً أو بحثاً عن إنجازات بطرق غير شريفة، ومثل ذلك حدث في الدورة العربية في الاردن عام .1999 ولم يستثن ذلك لاعبي كرة القدم لكن ظلت الكلفة العالية لا تسمح باتساع دائرة الكشف عربياً. وبدأ ان تساقط أسماء عالمية كبيرة من جراء تناول المنشطات قد افضى ايضاً إلى التسابق العربي لاقتحام ملاعب كرة القدم (محلياً) وكشف المتعاطين وكأن سقوط ثلاثة من اعمدة منتخب هولندا ضحية للمنشطات هم فرانك ديبور وادغار ديفيس والمدافع العملاق ياب ستام هو النذير بالاقدام على ذلك، فكانت الصدمة التي شابهت في صداها ما حدث عام 1988 حينما كشفت الاختبارات تعاطي الكندي بن جونسون للمنشطات التي ساهمت في تحطيمه لرقم 100 متر عدوا في الألعاب الاولمبية في العاصمة الكورية سيول.
ومن النجم مارادونا وطرده من كأس العالم 1994 في أميركا بسبب المنشطات إلى ما قامت به الاسماء الكثيرة التي سقطت وتسقط تباعاً في ميادين كرة القدم.
* رأي المتخصصين
* «الشرق الأوسط» التقت عددا من المتخصصين في مجال مكافحة المنشطات وعلم النفس الرياضي، ولم يفتها أن تواجه أحدا ممن اتهموا و عوقبوا بتناول المنشط وهو أحد الرياضيين المتفوقين عربياً، وخرجت بكثير من الرؤى على النحو التالي: الدكتور رضا كاظم رئيس لجنة مكافحة المنشطات في الاتحاد العربي للالعاب الرياضية أكد انه يمكن اعتبار نتائج الكشف الذي اجري أثناء الألعاب العربية الثامنة في لبنان 1997 والتاسعة في الاردن عام 1999 مؤشراً قوياً على حجم انتشار المنشطات عربياً. واضاف: اوضحت تلك النتائج أن معدل تعاطي المنشطات في اوساط الرياضيين العرب هو 12 حالة في لبنان و 8 حالات في الاردن وهي نتائج تفوق المعدل العالمي. ورأى انه ليس هناك ما يشير عالمياً أو عربياً (رغم محدودية الأخيرة) وعبر نتائج الكشف عن المنشطات الى أن ملاعب كرة القدم هي الموطن الاكبر للمنشطات. واستطرد قائلاً: بكل تأكيد ان ملاعب كرة القدم ليست خالية من المنشطات.. و لو تسنى كشف عشوائي أثناء المنافسات المحلية العربية لوضحت الرؤيا. وتطرق إلى أن بعض المنشطات لا يتم كشفها بالتحليل المخبري، ومن هو قريب ومتابع للرياضي قد يكشف تعاطيه من خلال نشاطات غير عادية ومفاجئة تظهر عليه. وشدد رئيس لجنة المنشطات في الاتحاد العربي للالعاب الرياضية على تطوير وتعزيز البرامج الوطنية للوقاية من المنشطات مؤكداً أن التوعية ضرورية، مع وضع قواعد قانونية للتعامل مع الظاهرة على المستوى المحلي، وفتح ابواب البحث العلمي مع تأسيس مختبرات متخصصة في هذا المجال. ويقول دكتور عبد الله الجوهر الأمين العام للجنة السعودية للوقاية من المنشطات: العالم العربي لا يطبق في رياضاته المحلية أي نظام للرقابة على المنشطات إلا في حالات استثنائية نادرة، وجهود الاتحاد العربي للالعاب الرياضية كانت رائعة في ما يخص فرض رقابة على المنشطات في الدورتين العربيتين السابقتين في بيروت وعمان وهو ما لفت انتباه العرب لزيادة الحرص في هذا المجال.
واشار الجوهر إلى أن هناك تعاط لمنشطات في ميادين كرة القدم لكن حسابات ذلك وقياساته تبدو متدنية قياساً برياضات العاب القوى ورفع الاثقال وكمال الاجسام.
واشار الأمين العام للجنة السعودية الى أن اعتماد كشف المنشطات في ملاعب كرة القدم العربية سيؤدي إلى تساقط رؤوس كثيرة مثلما حدث في أوروبا، معللاً ذلك بعدم وجود الرادع في المقام الأول وبالجهل بكثير من الأمور المتعلقة بالمنشطات المحظورة في المقام الثاني. واضاف: ذلك سيحدث في بادئ الأمر لكنني اعتقد ان وجود حالات ايجابية سيتناقص تدريجياً وهو ما يهدف إليه المنادون والقائمون على خطط الرقابة على المنشطات. ورأى أن برامج التوعية باضرار ومخاطر المنشطات وان كانت إحدى الخطوات الصحيحة على درب الوقاية من المنشطات إلا أنها ليست كافية لوحدها وان اعتماد تتابع الفحص واستمرارية التثقيف والتوعية جميعها مهمة للقضاء على المنشطات. وطالب بأن يتم الاخذ عربياً بما توجه به الوكالة الدولية للكشف عن المنشطات من خطط التركيز على الكشف عن المنشطات خارج المنافسات الرياضية. وفسر دكتور صلاح السقاء، أستاذ علم النفس الرياضي في جامعة الملك سعود في الرياض، لاعب الكرة الدولي السابق العامل داخل فرق كرة القدم ادارياً ومشرفاً نفسياً، تنامي انتشار المنشطات من جانب نفسي بان حاجة الرياضي الملحة للانجاز والتفوق والتركيز على الكسب والاستمرار في الابداع بأي ثمن من أهم مصادر الضغوط المؤدية لتعاطي المنشطات. واوضح أن مصادر الضغط المؤدية الى تعاطي المنشطات هي: المدرب والرفاق والإعلام، وعادة ما يكون تناولها منطلقاً من سببين: لتحسين الاداء أو القضاء عل الالم. واشار إلى أن شك الرياضي في قدرته من جراء الضغوط يدفعه نحو المنشطات. وشدد على أن القصور العربي في الكشف عن المنشطات ينطلق من حساسيتها ورفض الاعتراف باستخدامها من قبل رياضييها وذلك لاعتبارات شرعية قانونية أو اخلاقية. وقال يجب أن لا نركن إلى برامج التوعية فقط لان نسبة نجاحها منفردة ضئيلة جداً. وأكد على أن اتساع دائرة الكشف عن المنشطات عربياً امر يجب الاخذ به بعد أن ثبت ارتفاع نسبة المتعاطين عن المعدل العالمي. ورأى أن الطريقة المثلى للقضاء على استخدام المنشطات لابد أن تشتمل على وضع البرامج البديلة التي تساعد الرياضي للوصول لافضل أداء ممكن من الناحية البدنية أو المهارية وايجاد التغذية السليمة ومتابعته صحياً من قبل الطبيب. وحمل المدرب الدور الأهم في طريق دفع اللاعب للسيطرة والتحكم في سلوكه وتصرفاته فهو المعني بمنح اللاعب الثقة بما يسهم بشكل كبير في القضاء على شيوع تعاطي المنشطات، واكد ان المدرب يعرف متغيرات لاعبه وما يحتاجه. ولمح إلى وجوب تعليم اللاعبين بعض المهارات النفسية التي تمكنهم من التعامل مع الضغوط النفسية التي يتعرضون اليها أثناء التدريب والمنافسة.