اللغط الكثير والمتشابك حول القمة العربية التي تستضيفها سوريا هذه الأيام،يشبه جبال الجليد ذات الحجم الهائل في المحيطات الضخمة،فما يبدو منها أقل مرات ومرات من الجزء المخفيّ.
ما يستخلصه المتلقي من الجدل الساخن،يوحي بأن المشكلة طارئة وعابرة،وأنها تكاد تنحصر في منافسات واختلافات في الرؤية بين عدة بلدان عربية ،تتمحور حولها المواقف المعلنة وغير المعلنة لسائر الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية.أما الحقيقة التي لا يود كثير من الأطراف الاعتراف بها،فيمكن إيجازها بالقول:إن مأزق العمل العربي المشترك مزمن ومستمر،لأنه نابع من خلل بنيوي،وإن ما لاح من تضامن عربي رسمي في بعض الفترات(مثل حرب رمضان 1393"1973م")،ليس سوى استثناءات تؤكد القاعدة ولا تنفيها.
قد يرى بعض المفكرين أن الجامعة باعتبار نشأتها برعاية بريطانيا"العظمى"عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية(1939-1945م)،كانت وليدا شائها،استولد بعملية قيصرية،وفي ذلك شيء من الوجاهة كواقعة تأريخية لا أكثر،لأن ستة عقود من عمر الجامعة،معظمها انقضى بعد انحسار الدور الإنجليزي،لا تشفع لتفسير الغثاء الذي ظل السمة السائدة لهذه المسيرة المعوقة.
لقد بدأت جامعة الدول العربية وهي تحمل جرثومة الشكلية انطلاقا من تسميتها نفسها،فهي تجمع الدول بمعنى النظم السياسية،وليست الدول بمعناها الاستراتيجي المؤسسي،حيث يكون للشعوب كلمة حاسمة في بلورة الصورة النهائية للجهد المشترك.ولم يكن متوقعا أن تتعاون حقا عدة نظم سياسية متنافرة،ولا يثق بعضها في بعض،بل يتربص بعضها ببعض،أو يتآمر عليه لإزاحته بالقوة المسلحة،ومن خلال المؤامرات الاستخبارية،بصرف النظر عن الشعارات التي تتدثر بها تلك الخطط التآمرية،المدعومة من هذا البلد الأجنبي أو ذاك،تبعا لمصالح الفئة الحاكمة وولاءاتها الخارجية.
من هنا ظلت القمم العربية منتدى شكليا،وملتقى خطابيا للمزايدات السياسية والتجارة بقضايا الأمة،حيث تنتهي الاجتماعات ببيانات إنشائية لا محل لها من الإعراب في التطبيق العملي،حتى إن بعض الصحافيين العرب خفيفي الظل،نشروا ذات مرة مقررات قمة عربية قبل اختتام أعمالها،لتأتي المقررات بعد ذلك متطابقة مع ما نُشِرَ بصورة شبه حرفية،ما عدا تقديم جملة هنا،وتأخير جملة هناك!!
ولو كان للشعوب أدنى تأثير في ما يتم إعلانه باسمها،فهل كان الغزو العراقي لدولة الكويت ليقع؟ولو وقع فهل كان سيجد من يناصره؟وهل كانت غزة تُحاصر والعرب يتفرجون من بعيد؟
وهل كان أعداء الله من قتلة الأنبياء يتابعون تهويد القدس،ونحن نلهث وراء سراب اللجنة الرباعية الدولية؟وهل .. وهل .. وهل..
بل هل كان سوء معاملة العرب على منافذ الحدود العربية ليكون بهذا الشكل المُزري؟
وهل كانت رؤوس الأموال العربية ستهرب من ديار العرب بسبب الأنانية واللامبالاة من جانب،وخشية التأميم الظالم من جانب آخر؟
أليس مما يفضح أكذوبة التضامن العربي عقد مقارنة بين نتائجه الوخيمة وتقدم أوربا نحو التوحد،بالرغم من الحروب الدموية الوحشية التي سيطرت على علاقاتها بعضها ببعض على مدى قرون؟ومع أنه تختلف في اللغات والدين والتاريخ؟
كل ذلك يصدق قول الشاعر:
تعجبين من سقمي صحّتي هي العجبُ
أما الطامة الكبرى فتتمثل في إقصاء أكثر الزعامات العربية المستبدة دين الأمة،الذي لم يعرف العرب طعم العزة في تاريخهم إلا في ظله!!فما يؤلم أن العمل العربي المشترك فاشل حتى بالمقاييس الوضعية الغربية!!
لذلك لا يأمل عاقل في رؤية ما يسر فؤاده ولا يطمح مؤمن إلى ما يشفي صدره،ما لم يُعالج الخلل الجوهري الناتج عن تنحية الإسلام،ثم عن الاستئثار بالقرار بلا اكتراث بما تود الشعوب أن تفعله في حاضرها ومستقبلها،الأمر الذي جاء علاجه في كتاب الله جل وعلا بسنّة إلهية لا تتخلف:"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".



http://www.almoslim.net/node/90907