السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..
جعله الله في ميزان حسناتك.. و أسأله سبحانه أن يرزقنا حُسن الخاتمة كي نُبعث بين يديه و هو راض عنا.. آمين.
هذا هو الموضوع الذي يُرعبني كلما تفكرت فيه قليلا.. يا ترى ما هي الصورة التي سأموت عليها ؟.. ما هو مشهد النهاية ؟..
خصوصا لما أسمع عن بعض (الصالحين) و قد خُتم لهم بالسوء و العياذ بالله، و يشاء سبحانه أن يقبض أرواحهم في معصية.. فإنا لله و إنا إليه راجعون.
و لأغني الموضوع سأسرد هنا بعجالة أربع قصص.. اثنان منها لسوء الخاتمة و الأخريان عن حسنها.. و أنا لن أنقلها من مصدرها كما هي لكني لن أضيف شيئا من عندي، أما عن مصدرها فهي أشرطة لشيوخ أحبهم في الله و أسأل الله أن يجمعني معهم في جنته.. و إياكم إن شاء الله.
* * *
القصة الأولى
شاب التزم بعد أن كان مع رفقة سيئة فأراد المسكين أن يدعو رفقائه عسى أن يهديهم الله كما هداه.. و لكن للأسف، كما يقول الله في آية كريمة أن الإنسان لا يهدي من يحبب و لكن الله يهدي من يشاء.. ذهب عندهم و يا ليته ما ذهب.. ذهب و بدأ يحدثهم عن الضلال الذي يعيشون فيه و عن بعدهم عن الله و دعاهم للاستقامة مثله لكنهم، التافهين، سخروا منه و استهزئوا به و بسذاجته و هذا التزمت الذي يتكلم عنه.. ثم زادوا عن هذا أن ذكّروه بلياليهم الحمراء التي شاركهم فيها.. و الأغاني و كؤوس الخمر و البغايا و.. حتى ذهب و قد احمرت أذناه غضبا و قلبه يئن مما سمع، و شياطين الدنيا تضج حوله محاولة إقناعه بأنهم على حق و هو في ضلالة..
مرت الأيام فجاءه أحدهم.. أخبره أنهم ينوون الهداية و أنهم مسافرين إلى مدينة ما و هم يحتاجون شابا ملتزما مثله كي يعلمهم صلاة السفر و يعلمهم من أمور الدين.. طار صاحبنا فرحا و قبل على الفور. ذهبوا، و لما وصلوا هناك اتجهوا إلى فندق و اتخذوا لهم غرفة.. طلبوا من صاحبنا البقاء في الغرفة و خرجوا هم يتضاحكون.. فقد أوقعوا به في الفخ !..
تشاوروا و تعاونوا على الإثم حتى يوقعوا المسكين في الفاحشة.. ذهبوا عند باغية و أغروها بثمن باهظ و شرطوا عليها أن تغري (صاحبهم) كما لم تغر امرأة رجلا و تدفعه لشرب الخمر و للزنا و للرقص و كل الموبقات فوافقت و برقت عيناها و وعدتهم.
دخلت عليه، و لكم أن تتخيلوا دهشته و قلبه الذي قفز من صدره.. بدأت تتلوى كالثعبان المسموم.. و ما أدراك ما النساء !.. و الله إن كيدهن عظيم.. تمنع، رفض، تهرب، حاول، حاول و حاول و لكن... وقع بعد أن طفت شخصيته التي أقبرها منذ أيام فقط و تهدّم ذلك الصرح الطري الذي تعب و جاهد حتى شيده. و وقع ذليلا، مخذولا.. كأس، اثنان، ثلاثة... و زنى... موسيقى صاخبة تصم آذان الشياطين و... لا حول و لا قوة إلا بالله.
في الصباح جاء شياطين الإنس يتهامسون و يتضاحكون، فرحين.. فرحين أن أوقعوا بصديقهم في شراك الرذيلة.. طرقوا الباب، طرقوا.. أحدهم قادم ليفتح.. و فُتح الباب، إنها الباغية و هي عارية، عليها لعنة الله، سألوها و اللهفة تقفز من عيونهم.. هاتينا الخبر، إلينا بالبشرى ؟..طمأنتهم و بادلتهم الضحكات.. اطمئنوا لقد فعل كل شيء و أكثر.. شرب و زنى و رقص و نام و هو الآن راقد على سريره عريان !!..
دخلوا ليرحبوا به من جديد في حزب الشيطان.. تكالبوا عليه حول السرير.. هذا يضرب على ظهره بشدة و الآخر يصرخ و هذا يناديه باسمه.. يريدون تهنئته أو (الشماتة) به لنكون أكثر دقة !.. فلان، يا فلان.. مبروك عليك الهداية.. فلااااان... لا تعلم حجم فرحتنا... فلاااان... لكن ما به لا يجيب ؟.. حركوه، قلبوه فإذا هو جسد بلا روح ! ! !..
الله أكبر... فاضت روحه و هو سكران، زان، عريان ؟... هو الذي جاء يعلمهم الصلاة و القرآن ؟..
إنا لله و إنا إليه راجعون.
* * *
القصة الثانية
و هذه قصة شهيرة، ربما أغلبكم يعلمها.. لكن.. ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
مؤذن كهل مرت عليه سنوات و هو يصدح باسم الله...
ذات يوم من الأيام، كان فوق سطح المسجد يؤذن، إذ أنه لم تكن حينها مكبرات الصوت، فكان المؤذنين يصعدون إلى فوق و يصرخون كي ينتشر الصوت في أكبر رقعة ممكنة..
في ذلك اليوم، و هو يؤذن رأى شيئا شد انتباهه.. شد انتباهه إلى درجة أنه ترك الآذان !.. ذلك أنه أتبع النظرة بالنظرة.. طبعا هي فتاة !... فإذا بسُمّ تلك النظرة يسري في شرايينه.. ما أجملها ؟..
ترك الآذان و نزل مهرولا إلى الشارع.. قد رآها تدخل أحد البيوت.. طرق باب ذلك المنزل طرقا.. نظرت من ثقب فطالعها وجهه المتلهف.. (ماذا تريد يا هذا ؟).. (أريدك أنت..).. (ماذا تريد مني ؟).. (أريد الزواج منك).. (هل جننت ؟.. أنت تعلم أني نصرانية و أنت مسلم، و لن يكون قران بيني و بين مسلم).. (و إن تنصّرتُ تقبلين بي ؟!)..
و تنصّر المؤذن المسلم و ذهب عند أبيها ليطلب يدها.. وافق.. و لأسباب ما صعد إلى سطح ما فسقط على رأسه و مات !..
مات و هو نصراني، مشرك !.. و طالما قال بل صرخ ( حي على الصلاة، حي على الفلاح، لا إله إلا الله ).
إن لله و إنا إليه راجعون.
* * *
القصة الثالثة
كات ستيفنس.. و من منا لا يعرفه ؟.. مغني الروك الأشهر، الذي أمضى شبابه في ترف ليس بعده ترف و كان يركض وراء الشهوات مغترا بنفسه و بهذه الدنيا.. و كانت النساء (الغبيات) يلتصقن به كالباعوض ما زاده غرورا و أنفة..
و شاء الله أن يدخل مرة إحدى المستشفيات و قد أنهكه مرض ما.. و هناك، يقول ستيفنس، بدأ يرى بعض الأشياء التي غابت عن فكره و تحليله.. قال مع نفسه: هل هذه هي حياتي.. أمتع هذا الجسد فإذا مرض سقطت في غياهب الكآبة و الهم.. لمَ لمْ أفكر يوما في إسعاد هذه الروح المعذبة.. كفاني خداعا.. لست بسعيد.
و خرج من المشفى و لكنه عاد للغناء.. لكن هذه المرة بمواضيع أدهشت جمهوره.. مواضيع مقتبسة من نفسيته الجديدة، الحائرة و الباحثة عن الحقيقة..
يقول أنه بعد ذلك جرب كل شيء.. من البوذية إلى الكف عن أكل اللحوم ثم النصرانية التي ورثها عن أبويه لم تكن تشبع ذلك روحه الجائعة، كما قال أنه لم يكن مقتنعا البتة بثلاثية الإله.. و العياذ بالله.
و هكذا أهداه أحدهم نسخة من المصحف الشريف، مترجمة.. قرأ فيه.. تصفحه، فإذا بالنور يضيء قلبه الكئيب... الله أكبر، وجد الحق ثم انطلق يبحث و يسأل عن هذا الدين العظيم.. و أسلم بفضل الله.
و هو الآن داعية و منشد معروف (إسلام يوسف).. تشعر بالخشوع إذا ما رأيت وجهه المتوج بتلك اللحية الوقورة.. نسأل الله له حسن الخاتمة و المغفرة.
* * *
القصة الرابعة
هذه قصة أخرى تتحدث عن مؤذن لكن ليس كالمؤذن.. إنه رجل صدح باسم الجلالة و عرف حقه.. و لا نزكي على الله أحدا.. قال لا إله إلا الله فخشي هذا الإله العظيم و جعل اسمه الجليل عنوانا لحياته..
قصة هذا الرجل الكريم أنه كان مؤذنا لم يترك الآذان طيلة حياته حتى دفعه الدهر إلى آخر الرواق.. إلى الشيخوخة و شيئا فشيئا تناقصت تلك الطاقة بين جنبيه و التي يضيعها الشباب خالصة، طرية فيما يغضب الله.. إلا من رحم ربي..
لم يعد يقوى على النهوض.. هو الذي أضنى رجليه ذهابا و إيابا من المسجد.. أصبح طريح الفراش يعد أنفاسه.. و المفروض أن يسعد و يهنأ إذ أنه أمضى حياته في مرضاة الله.. فما أسعده..
لكنه الحب يا إخواني.. الحب الذي يقود الإنسان إلى الخروج عن (المفروض) هذا..
رفض الشيخ الطيب أن يظل طريح الفراش و انتفض لما سمع الآذان يُرفع بالمساجد المجاورة.. أراد النهوض، فمنعه أبنائه و أهله.. غفر الله لك يا حبيبنا.. لا تستطيع ذلك ارحم نفسك.. لا يكلف الله نفسا إلى وسعها.. و انفضّوا من حوله.. أراه بعين الخيال و هو شارد يتأمل السقف و ربما ذرف دمعة أسيفة، حارة.. كيف يتوقف عن قول الله أكبر ؟.. ثم تحرك في مكانه و الآذان قد انتهى للتو.. لابد أن يؤذن !.. وقف على الفراش بصعوبة بالغة.. رفع تلك اليدين المباركتين إلى منكبيه و ارتفع صوته بالغرفة.. الله أكبر.. الله أكبر.. كان قلبه من يؤذن و ليس فيه.. حي على الصلاة.. كم أحب هذا النداء، فقد جعله الله قرة عينه في هذه الدنيا.... الله أكبر.. الله أكبر... لا إله إلا الله...
و سقط فوق فراشه و قد فاضت روحه.. ممزوجة بلا إله إلا الله.
فإنا لله و إنا إليه راجعون.
* * *
أسأل الله لنا جميعنا حسن الخاتمة.. أسأله سبحانه أن يأخذنا إليه أخذا جميلا.. هو مولانا و نعم النصير.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.