النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: فتاة وضلال بقلم منير المنيري

  1. #1
    التسجيل
    15-07-2008
    المشاركات
    7

    فتاة وضلال بقلم منير المنيري

    فتاة وضلال


    قصة قصيرة

    نسرين؛ كلمة أو كلمتان من مديح المعجبين المارين بها، وسط الساحة المزدحمة لم تستطع إطفاء البراكين الملتهبة داخل جوانحها المتكسرة، بفعل تلكما الشفتين اللتين انفرجتا لها قبل بضعة أيام، تحت تلك الشجرة العاتية التي اجتثت قبل أن تبلغ عامها الخمسين.
    بالأمس بوزرتها المدرسية وقسمات وجهها الخافتة ، واليوم بقفطانها الوردي، الذي صور جسمها النحيل المتزن وأظهر مالم تظهره جميع ملابسها، وعوضها عن جلبابها الفضفاض الذي أخفى عجزيتها وخصرها اللذين هزمت بهما صديقاتها أو على الأصح غريماتها، في هذا اليوم الذي يتبادلن فيه التحايا والقبلات والمغازلات، بمناسبة ذلك العيد الذي شغل عواطفهن وعقولهن وجيوب آبائهن و....
    اتجهت نحو قسمها وهي تدير بين الفينة والأخرى رأسها يمينا وشمالا علها تلمح صاحب الابتسامة المنغرسة في فؤادها، لكنها لم تحس حتى جلست في مقعدها المحاذي للنافذة، المطلة على باب المؤسسة وعلى تلك الشجرة المجثتة الراسخة بفروعها وأوراقها في ذهنها، الأنظار تتجه لها من كل زاوية؛ الفتيان والفتيات الطلبة الصغار والكبار خليط انصهرت معه مذ أن وطئت قدماها الثانوية الأصيلة. رغم ما سببه لها هذا الأخير من مضايقات جعلتها في كثير من الأحيان تفقد سيطرتها على إحساسها المرهف، إلا أنها فطنت في الأخير إلى أنها هي التي ضايقت عواطفهم الجياشة ونظراتهم الشهوانية ،التي لم تألف مثل جسمها البارز،الفاتن في القرى والمدارس العتيقة التي قدموا منها . ربما هم أنسب لها كثيرا لأنهم لم يملكوا لها سوى الكلام المعسول بطرائف من الغزل، بعكس زملاء إعداديتها القديمة الذين هاجموها ببنانهم غير ما مرة.
    نشرت كراستها بعدما استوت على مقعدها بجانب صديقتها زينب، التي داع اسمها بين الكثير من طلاب العلم والأجساد، لا لجمالها الفائق ولا لتفوقها في الدراسة ولكن لأنها لا تفارق خفيفة الظل نسرين، إلى درجة أن الاسمين أصبحا اسما واحدا على لسان كل المراهقين المتقدمين و المتأخرين "نسرين زينب"
    بدأت تتابع أستاذها بعينيها اللوزتين، مصغية إلى شرحه مشاركتا في درسه لكن سرعان ما فترت عيناها فاتجهت بهما إلى أكوام الحطب التي غطت نصف ثرى الساحة و صاحت تمازح صديقتها زينب :
    - هل ستحول المراحيض حمامات أم أن كل شيء تغير بدخولنا ؟
    فأجابتها زينب وهي تسند رأسها على راحتها اليسرى:
    - ربما .. وربما الميزانية نفدت.
    وسكتت قليلا ثم تابعت تقول:
    - المهم أن الظلال سوف تتبدل حرا فوق رؤوسنا.
    - رؤوسكم أنتم ،أما أنا فوجدت أشجارا تظلني بأغصانها التي لا تحتاج للرياح كي يسمع حفيفها.
    - ماذا تقصدين؟
    فأجابت نسرين وقد رسم احمرار على وجنتيها:
    - أديري وجهك الأستاذ يرمقنا لم يبق إلا نصف ساعة ونأخذ راحتنا في الحديث.
    ثم بدأت تنسخ ما خطه أستاذها في السبورة ،التي بدت عليها علامات القدم كلوحة فنية كانت مهجورة على دفترها الذي لم يبق فيه إلا قصاصات من الأوراق البالية...
    * * *
    وقفت بعدما اهتز جسمها إلى الأعلى وكأن تيارا جارفا لمسه بعد شرود مع رنين جرس العاشرة، الذي أعلن على نهاية حصتها الأولى في اليوم والأخيرة قبل الظهيرة، ثم خرجت من القسم بعدما دست دفترها بجانب هاتفها الخلوي وقنينة العطر و المرآة في حقيبتها الصغيرة المثبتة على أثبها وهي تسير في خطوات متواثبة مع صديقتها زينب، حتى وصلتا قرب الفسيلة التي غرست مكان شجرة الكلبتوس وبدأتا تنظران للداخلين والخارجين وبعد هنيهة قالت نسرين لزينب وقد علق نظرها على صاحب الابتسامة الذي تراءى لها من بعيد:
    - اليوم كل يرتدي الأحمر والوردي إلا أنت ألك عالمك وأعيادك وحدك؟
    - مفاجئتي أجلتها إلى الزوال عندما يدفئ الجو وتزول الغيوم.
    - أهي إلى الركبتين أم إلى الكعبين؟
    - لاهي إلى الركبتين ولا إلى الكعبين.
    - إذن هي بينهما؟
    - ومن قال لكي؟
    - أنا أعرف ذوقك أنت دائما بين وبين.
    ثم قهقهتا حتى ترامت عليهما الأنظار في ازدراء وواصلت نسرين الحديث وقد اختفى عليها صاحب الابتسامة.
    - ستذهبين الآن؟
    - لماذا؟
    - سأنجز موضوعا في الخزانة طلبتني إياه أختي.
    - هل ستكفيك ساعة: أنتظرك ؟
    - لا أظن لأن الموضوع صعب ويحتاج إلي وقت وجهد كبيرين.
    - إذن إلى الثانية.
    - حضري مفاجأتك للزوال جيدا
    ثم تبادلا القبلات وركبت زينب دراجتها وانطلقت مع الشارع الطويل تاركة صديقتها متجهتا إلى الخزانة، وقد علقت أمالها للقاء صاحب الابتسامة خلال الساعتين المتبقيتين.
    * * *
    فتحت "مجر"القصص والروايات وشرعت تبحث عما تسلي به نفسها الثكلى: دعاء الكروان، الفضيلة،الشطار، العواصف.....ثم توقفت أناملها " اثنا عشر رجلا لا شك قصة رومانسية شبيهة لما قرأته للسباعي "
    تناولت القصة وانكبت عليها في شبه غثيان، لما وجدته من تشويق في أحداثها وسلاسة أسلوبها التي زادت حطبا للنار المتوقدة في داخلها. أتمت "رجل وظلال" وقد أعجبتها تضحيته وعفته وقرأت "رجل قرير" وقد أعجبت بكده وقناعته ،وهكذا دواليك حتى أيقظها من هواجسها وأحلامها تصفيق القيم ،إعلانا على انتهاء الحصة الصباحية.
    خرجت من الخزانة وهي تنظر إلى ساعتها: "الثانية عشرة إلا الربع، أأنتظر قرب موقف الدراجات أم أبقى في الساحة؟"
    جلست القرفصاء بقرب الفسيلة التي افترقت بقربها مع صديقتها زينب، تصفف شعرها وتوشي قفطانها حتى سمعت وقع أقدام وصوتين مترنمين ضاحكين وراءها فما كادت أن تستدير حتى سلما عليها ؛جسمين يمسكان بعضهما البعض صديقتها زينب التي تخلصت منها وصاحب الابتسامة الذي انتظرته على أحر من الجمر؛فتى ولا كل الفتيان،فتى اختلط واقعه بخياله بشكل عجيب، كما اختلط بياض رأسه بسواده رغم حداثة سنه،فتى لم يترك للعارفين بعشق نسرين له،إلا ترديد المثل الشعبي "هو القلب وما يريد".



  2. #2
    التسجيل
    03-01-2005
    المشاركات
    1,964

    رد: فتاة وضلال بقلم منير المنيري

    امم كنت أظنها ستذهب وراءه .. عموما جميلة , خاصة أنها استطاعت نقل صورة نسرين الداخلية والخارجية بنفس الوقت , وأبقتنا بحالة توتر وترقب حتى النهاية ..

    شكرا لك ..

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •