النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: وسادة الجلد (قصه قصيره)

  1. #1
    التسجيل
    23-03-2009
    المشاركات
    7

    Thumbs up وسادة الجلد (قصه قصيره)

    بسم الله الرحمن الرحيم

    تحية طيبه لجميع زوار وأعضاء وإدارة منتدى المنتدى الكرام يسعدني ويشرفني إنضمامي إلى هذا الصرح الثقافي والمعرفي كما آمل أن أفيد وأستفيد .

    هذه القصه القصيره هي أول قصه كتبتها وأول موضوع أيضا أشارك به ...

    لذا ارجو أن تكون بالمستوى المطلوب حتى أستحق ردودكم وتعليقاتكم

    لا أطيل عليكم وأترككم مع القصه
    .

    وِسَــادَةُ الجِــلدْ
    عندما تتحول "لو" إلى "ولولات"
    أقف أو بالأحرى انتصب كنصل مدبب من سقف جليدي ، أُقلِبُ عَيني في الفراغ أَخَالُ حركتهما تصدر صوتاً في هذا الليل الأَصَمْ ، أعجز عن التفكير، عقلي ركنته تحت وسادة الجلد التي اسودت من فَرْطِ ما دَعَكها وجهي الرمادي الذي امتص أصباغها الملونة و أَظْمَرها تاركاً إياها سوداءَ عجفاءَ، رَسْمُها يذكرني بالوجه الذي أراه على صفحة الماء عندما أَهِمُ بالشرب من البحيرة مع تلك المخلوقات.
    طيفه سرعان ما يتلاشى على شكل تَمَوجاتٍ مُزعجه ، صورته المتموجة تذكرني بوجه أبي يتهلل فرحا وهو يقف مع إحدى تلك الفضفاضات عند مقدمي عليه مع تلك المخلوقات تجرني خلفها وسط سحابة من الغبار .
    أظن أن اغْتِرافَ يديَ النهمتين للماء اللتان تحبان الإكثار من كل شيء كانتا السبب في تلاشي طيفه، لكن ما تلبث صورته أن تعودَ... أتأملها ...
    أكره ذاك الطيف عندما يبتسم يجعلني أشعر بالشفقة عليه رغم ابتسامتي المصطنعة له ... نظراته... تُنْكِرُنِي، تجعلني أكرههُ أكثر، ملامحه كوسادة الجلد لا حياة فيهما غير أن الأخيرةَ تمتازُ عنه بأنها تُصدر صَفِيراً متسخاً كُلما أُلقِي عليها بِكُتلةِ رأسي المُجوف، تَلسَعُنِي برودتها لأدفئها بأنفاسي المتلاحقة.
    هذا أقل ما أفعله لها مقابل احتضانها لعقلي غسق كل يوم مقمر! على أن أعود كل ليلة لأسترده منها وأدفئها بأنفاسي المكبوتة طيلة اليوم، أسترده منها لأفكر في كلمات "إعويلي" أقصد "عالي" بعد أن انتصب اسمه بشموخ من بعد عودته من "انواكشوط" حيث تَحَمْلقَتْ حوله خشب القرية وهو يتصنع الحكمة في كل حرف يقوله رغم أني لا أنسى أنه كان أحد تلك الخشب المسندة خلفي!
    ·انواكشوط لا يعرف أحد فيها الآخر، والفقر فيها إما أن تقبره أو يقبرك.
    لا أعلم لماذا ألقت جملته الأولى الأمان في قلبي، لكن ما أعلمه هو أن ما تبقى من كلماته تحولت حروفها إلى حراب انغرست متتالية في رأسي على شكل أسئلة لا أجد لها أجوبه بل تجد الشيطان "لو" في انتظارها وسرعان ما تتضاعف "لو"إلى"ولولات" كولولة أمي عندما يبدأ شقيق أبي التوأم بتنظيف " لِمْرَاحْ " مرتع تلك المخلوقات القذرة سابقا في تلك الأيام الغابرة ... تُرى ما هي مشكلة أمي في هذا ؟ لكن عندما أستردُ عقلي من وسادة الجلد حَسْبَ الاتفاقية أجدُ أن المشكلة أني حينها المكنسة أو الخرقة الباليه التي يستعملها في التنظيفِ بعصبيه وكلمات نابيه ! لا أدري إن كان يقصدني بها لأنه حينها يجتمع حولنا الكثير من الأشخاص الذين يرقبونني باشمئزاز.
    ... لماذا ؟ ....
    بعد " لو " وتبعاتها أجد أن وسادة الجلد قد ابتلت بالدموع من عيني الوحيدتان اللتين لم تكبرا معي، أقصد لم تزدادا في الحجم كجسمي عكس أترابي، رغم أعوامي الثمانية عشر! إذا لم تخن والدتي الذاكرة حالي حال وسادة الجلد !
    أهرب بهما مثقلتين من الدموع وأنا صغير عندما ينتابني ذاك الإحساس الأهوج، فأنا لا أريد لأحد أن يطلع على سَحْنَتِي وأنا أعتصر عَيْنَي بتقاسيم وجهي الأشخم لأني حينها أزداد قبحاً، هذا ما كانت تقوله لي خالتي وهي تَتَبرأُ مني بنظراتها .
    ·تباً لك ما أقبحك وما أكثر بكائك، أن قبيح بطبيعتك فما بالك وأنت تبكي !
    وسيلة دفاعي الوحيدة ضد كل تلك الأسئلة التي انغرست في رأسي تباعا هي مبادلتها بالأسئلة بما أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم .
    إذا كان الفقر جزء من مشكلتي التي أقف هنا وحيداً في هذا الليل محاولاً حلها أو بالأحْرىَ الهروبِ منها فكيف سأتغلبُ على الفقر وهو أقوى مني ؟ فلقد خَبِرْتُهُ وأنا أعرف، كيف سأدفنه وأنا لا أقوى على حَفرِ قبره ؟ بل كيف ستطاوعني نفسي أن أُهِيلَ عليه التراب ولقد عايشته كل هذه السنين ؟! لكن السؤال الذي أتَفَنَنُ في إجابته هو لماذا لا أحتاج لعقلي ؟ الجواب بسيط ببساطة وقفة البليدةِ هذه هو أني لا أحتاج إليه طيلة اليوم! فهناك فضفاضات تَبْرُقُ من ثناياها البيضاء، بَرْق لغيوم بيضاءَ ! سرعان ما تُرْعِدُ علي أوامراً أقصد أفكاراً لِي فَلِما أُتْعِبُ عقلي بالتفكير؟ ، فأنا أحتاج لأذني فقط حتى أستوعب الفكرة وأَهْرَعَ أَتَخَبَطُ أنفذها في استعجال، أحيانا أَجعلُ من رأسي أذنا كبيرة لهُا هَزاتٍ متتالية.
    لذاك الرعد طَنين مُتَسَلِطْ يَظَلُ يتذبذب في رأسي يشعرني بالدونية، صداهُ يمسي ويصبح يتخبط بجنبات رأسي المُجوف يَحرصُ على أن يُعرفَني مَكانتي .
    صيحاتي المَوتُورة أَهُشُ بها تلك المخلوقات العظيمة فأنا أحرص على أن تنتفخ بطونها وأن تظل أعدادها في ازدياد كل هذا وأنا آمل أن لا يَنبت لها عقل فجأة وتفكر في غزو العالم !
    حاسة السمع لدي قويه جدا أظن أن أذني ثقبتا أخيرا ، مُتَمَطِطَتَانِ كثيراً يذكرانني بوالدتي وهي تَشُدُهما في يأس مني، تريد تولي مهمة تربيتي مكان شقيق أبي التوأم والنقيض الذي تخافه أن يقتلني .
    ·لم تنفع فيك الدراسه، ولم ينفع فيك الضرب، ولا تسمع الكلام أيضاً.
    لكن توأم أبي دوما ما يرفض ذلك فيشاركها متعة تأنيبي وهو يأخذ بثأره الأزَلِي من الكأس الممتلئ بسائل أحمر أسطوري، يُدخل شاربه المُعشَوشِبْ داخل الكأس الذي يختفي هناك ساعةً يَسمعُ خلالها أهلُ القرية أصواتَ شَدٍ وجَذبْ مُقَزِزَه، ثم يُخرج الكأْسَ كما ولدته أمُه اقصد كما أحضرته من الدكان بعد أن وسمني البائع وعائلتي بألقاب جَعلت أصحاب الدكاكين الأخرى يغمسون أصابعهم في الأرض .
    تسرق عيني ابتسامه من شفاه الأطفال الذين يرقبونني من هناك حيث للطفولة مرتعها الآمن وأنا أخال الإبريقَ يهدد الكؤوس قائلا :
    ·هذا ما يحدث لمن لا يسمع الكلام .
    بدأت الابتسامة المسروقة تتسلل ببطء من عيني إلى شفتاي، لكنها سرعان ما انطمست كالخافت من الحقيقة وسط أسارِيرِ وجهي الذي يَعلوهُ حُزن مُتعب إِبانَ دَقِ نَاقُوسِ الخطرِ بداخلي بالتزامُنِ مع اصطِكاكِ الكأسِ المُفْرَغِ من حُلَتِهِ الحمراء والبيضاء بطاولة الشاي مَرْتَعُهُ الجميل وسط أوراق النعناع لِيَكْتَسِيَ بِحُله جديدة .
    بدأ وجهي يَتَنَمَلُ بشده يرْتقبُ كتله ما سَتُهشمهُ في أيةِ لحظه وأتمني أن تكون تلكَ الكتلة هي رغيفُ خبرٍ ساخنْ، أحياناً أتعجبُ منْ نفسي كيف أفكرُ بأشياءَ كهذهِ في هكذا مواقفْ، أظنُ أن الحاجةَ أقوى منْ كُلِ ذلكَ، أفلتَتْ أمي أُذُنَيَ وهي تَرْقُبُ توأم أبي النقض بخوف، دَحرجتُ عيني للأعلى وأنا أتطاول بِهما لرؤية محياها حتى أرتشِفَ منه بعض الحنان المُتَرَهِلْ قبل أن أودع ... عندها سمعت صوتَ اصطكاك متتالي لعظم بحجر فتفاجئت في قرارةِ نفسي لأني لم أَعْتَدْ سماعَ هذا الصوت في هكذا مواقف فتشجعت لأول مره وألتفت إليه بعد أن ارتويت من رِيقي فإذا به قد أخرج "الشروط" عدة تدخينه يُلْقِمُ عَظْمَ تدخينه بتبغٍ رَديء وأخذ جمرة من تحتِ الإبريق الذي يتربع على الجمر.
    يستعد ليكوي قلبه ويسمم المكان ... ثم قال ببروده وكأن الأمر لا يعنيه بعد أن أطلق سلكاً من الدخان .
    ·دعيه عنكِ هو أحمق وضيع، لو كان له عقل حين قام بفعلته لا يأتينا وهو يترنح يذكي بذلك غضبنا عليه، لكن ما يفكر به لن يحدث وسيبقى طول عمره راعيا للإبل.
    لم يكلف نفسه عناء الإلتفاتِ إليَ بل اكتفى أن يَغرِسَ نظرته في صدري من الطرف الحاد لعينه، عندها توقف إدراكي لما حولي وأنا أرى وجوها منفعلة وأيادي تصفعُ الهواءَ وتضربه بقسوة وكأن كلامهُ ذكرهم بمصيبة ما لا يريدون نسيانها كل هذا اللغطِ حولي لم أسمع له صوتا وأنا أرقبه بجرأة لم أعهدها لنفسي.
    أتسائل من هذا الرجل الذي لم أعد أعرفه فمنذ ذلك اليوم الذي تملكني به إحساس بالسعادة والخوف حيث عدت إلى القرية وحيداً أحملُ معي صَكَ حُريتي من تلك المخلوقات الغبية التي تركتها هناك في طريق ألا عودة اختفى أبي الذي يَتهللُ فرحا لعودتي وحل محله شقيقه التوأم والنقيض الذي يعمل جاهدا على حَصْدِ كل الذكريات السعيدة التي زرعها أخوه ليزرع محلها أخرى كئيبة ولكن المصيبة أني لم أعد أعرفه أيضا فأي كائن سيخرج من الجحيم ليحل محله ومن هؤلاء الأشخاص الذين يلوكونني بأعينهم، هل كل هذا بحد ذاته أسلوب حياة؟ الخطأ فيه يعني نهاية كل شيء أم أني في الحقيقة شخص منبوذ؟ يقف في الظلام وحيدا يشهد نهاية عالمه الخاص دون أن يحرك ساكنا ، هل الدنيا تغير الأشخاص لدرجة أنك لا تستطيع التعرف عليهم ؟
    أغلي بداخلي وقد بدأت سحابة بخار ساخن تغطي عيني ويتوجب علي التفكير أين سأمطرها وبالتأكيد ليس هنا لأني أريد لهذا الصيف أن يطول بقدر ما تَطَالُنِي تلك النظرات، لا أريد لتلك المخلوقات اللعينة التي يتوعدني بها محل سابقتها أن تعود، أظنها عظيمة في نفعها لكني أكره شموخ رأسها وتعاليها علي وكأنها أفضل مني، لكني عندما أعود وأسترد عقلي من تحت وسادة الجلد سيبدأ إحساسي بالواقع يَلْكِزُنِي بإصبعه الضخمة على صدري ويقول بصوت ناعق :
    ·تلك المخلوقات اللعينة أفضل منك، فأنت لست سوى مجرد خادم وضيع لها وستظل كذلك .
    نظراتها النصف مفتوحة تخترقني من أعلى قوسها العاجِي وأنا أجلس تحت رجليها أستجديها قطرة لبن على مَضَضْ والخشب المسندة خلفي رؤوسها يتعالى منها دخان كثيف لها ضحكات قميئة لك حركة أقوم بها .
    ·ألم أخبركم أنه قد جُن.
    ·من اليوم الذي قام فيه بفعلته وهو بهذه الحالة ..
    ·أنظر... أنظر ... ماذا يفعل هذا الأحمق
    ·هههه.. هههههه ... هاهاهاه ..
    حينها تمنيت "لو" أكون أحد البَقِ الملتصقِ بالمشكلة أمامي فأمتص دمائهم أو "لو" أكون طائرا أفقأ أعينهم بمخالبي وأضرب بجناحي بعيداً أو "لو" يتلاشى كل ما حولي لأجد نفسي أمسكُ رغيفَ خبزٍ ساخن بيد وكأسا أسخنَ ممتلئة بذاك السائل الأحمر العجيب باليد الأخرى، ولكن سرعان ما تتكاثر "لو" فإذا بها "ولولات" امتلأ لها القَدحُ بماء مالحَ يَغلي مكان قطرةَ اللبن التي أحاول بيدي و رجلي أن أعتصرها دون فائدة، عندما أتأمل مسكت أصابعي للضرع أجدني أقْرُصُهُ بدلَ حلبهِ رغم أني كنتُ أحلبهُ جيدا قبل ذلك اليوم أما بعده فقد تبدلت مسكتي لكل الأشياء فأنا أقرصُها غيظاً وحراً وكذلك نظرتي، فأصبحت أرى الذل والألم في كل ما تقع عليه عيني أو تمارسه يدي !
    لكني الآن لا زلت هنا ... أقف وحيداً أو بالأحرَ ألعبُ دور البطولة في فلم فرنسي لا يحدث به شيء، جسمي قام أحدهم بحقنه ببرميل مخدر! ، أسناني تعزفُ لحناً مؤلماً وقد تكنز لحمي يحتضن بعضهُ بعضاً أو بالأحرَ يودعُ بعضه بعضاً، كل هذا مراحل تحضيريه لبداية تحولي لعمود جليدي ، أظن أني أهذي ولكنَ هذا الأمر يبرد/يسعد قلبي لأني الآن بِتُ أعرفُ مستقبلي القريب أما البعيد فقد بصق عليه كل من يعرفني ولم أعد أعرفهم، ما أعرفه هو أني لا أريد أن أتخضب مجددا بسوائلهم اللزجة والكريهة .
    أتمنى " لو " كانت هذه حالي عندما كان ذاك الرجل الذي لم أعد أعرفه أول مره يعمل جاهدا على تسويتي بالأرض بعد عودتي ذاك اليوم وأنا أحمل معي ابتسامتي رغم رغبتي في الضحك، لكن الهواء المتبقي في رئتي لا يكفي لذالك، لأني حينها بجسمي المخدر هذا والمتجمدِ لن أشعر بشيء وسأظلُ أضحكُ وأضحكُ وعندما أتوقف عن الضحكِ سأنظر إلى تعابير وجهه المنهكةِ واليائسةِ وريقهُ الذي يتطايرُ على وجهي بكلمات لم أَعِيهَا جيداً .
    ·لقد أضعت إبل السيد أيها الوضيع وأدخلتنا بذلك مشكله كبيرة، وأنت لا تبالي بكل، هذا بل وتأتيني وأنت تضحك !
    لأضحكَ وأضحكَ و أضحكَ، وعندما أتوقف عن الضحكِ مجدداً سأستسلم لقفزاته الثائرة بكلتى قدميه تدغدغني في بطني لأضحكَ وأضحكَ و أضحكَ و أضحكْ .... آه ... لقد كدْتُ أنسى كيف أُقوِسُ عضلات وجهي للأعلى وأنا أَذْرِفُ الدموع بسعادةٍ من سخرية اللحظة .
    لا زلت أقف وحيدا في هذا الظلام وأنا أحتضن وسادة الجلد .... ماذا؟ .... وسادة الجلد ؟!!!....
    لا أعلم أين كانت لكني سعيد بها رغم أنها تذكرني بأني الطفل الوحيد من أبناء القرية السعداء الذي يُبَلِلُ وسادتهُ بَدَلَ فراشهِ، أنا سعيد لأنها معي لأني لا أريدهم أن يشتموا رائحة الضعف في وسادتي المبتلة بدموعي !
    أحيانا أتمنى "لو" أمسكُ أطراف القرية بقبضتي النحيلتين وأرميها خلف ظهري وأنا أقف بثبات القادة وشموخ الأقوياء منتصبا كاسم "عالي" تكون وقفةً ليست كوقفتي هذه .
    لازالَ المخرجُ الفرنسيُ يصرُ علي أن أقفَ ... و أقفَ ... و أقفَ.
    أقف وقد بدا كل شيء هامدا جامدا لا حياة فيه ... لكن فجأة بدأت حدقتا عيني بالارتجاف وخواطر الماضي كالنحل الطنان يحيط برأسي يتبعني رغم أني أقفُ متجمدا، أَهُشُه دون فائدة بأطرافي الأربعة، لكنه ما تلبثُ أن تَلسعني أحداها بخاطر جديد تنغلق له عيني بقوه وينتفخُ له قلبي بشده يكاد ينفجر وينقبضُ يكاد يسحبُ كامل جسمي لداخلهِ، و دقات ناقوس الخطر بالتزامن مع نبضات قلبي، ترتجف لها كامل كتلتي الجليدية ...
    الذكريات أمر مؤلم ليس من الجيد أن تكون للإنسان ذاكره فما أجمل أن تعيش كل يوم وكأنه يوم جديد لا تحمل فيه آلاماً ولا ضغائنَ ولا أحقادَ تَرى الوجوه وتبتسم لها وكأنك تراها لأول مره .
    مَلَلْتُ حتمية الوقوفِ التي أفرضُها على نفسي! لذلك بدأتُ أحاول أن أفكر أو أتذكر أمورا تساعدني فيما أنا فيه من حيرةٍ وطولِ وقوفْ أبحثُ عن حلٍ لمشكلةٍ لا أعرفها أنتظر معجزةً أن تحدثْ، فتأتي نحلة متصعلكة تلسعني، فأجدني أتذكرُ الجملةَ الأولى من كلام "إعويلي" الجملة التي ألقت الأمان في قلبي أول مره .
    ·انواكشوط لا يعرف أحد فيها الآخر.
    ويظلُ المقطع الأخير (لا يعرف أحد فيها الآخر) يتكررُ آلياً ويتخبطُ في جنبات رأسي وكأنهُ يبحث عن منفذٍ يخرجُ منه، لكني لا أريدُ له ذلك لأنه بدأ يقودني لحقيقة ما بدأ يقودني ... و يقودني ... ويقودني ... وأنا أتململ من الحيرة ...
    فإذا بي أنفجر بسعادة قائلاً :
    ·الحمد لله ... الحمد لله ...
    أصيحُ بها بأعلى صوتي لأن المعجزة التي انتظرتها تحققت أخيرا في زمن لا تحدثُ به المعجزات .
    اكتشفت أني لم أكن أقف بل كنت أركضُ ... وأركضُ ... وأركضْ، أقصد أهربُ ... وأهربُ ... وأهرب من الوحشِ الرابضِ خلفي.
    هربتُ أخيرا من القرية أقصد تحررت ... لا أريد الآن أن أفكر في عواقب هربي لأن ذلك يستدعي وقفتاً أخرى وأنا مللتُ الوقوف !
    بعد هربي من القرية أصبح عقلي كالماء المضطرب، الصور التي يعكسها ليست واضحة تتراقصُ كَمَا الأشباح لكن الآن بعدما تخلصتُ من كل تلكَ الخواطرِ و الذكريات التي عكرتْ صفوهُ، هدأَ واستكانَ كسطحِ المرآة وأستطاعَ أن يعكسَ لي الصورة بوضوح .
    فحينما كنت أظن أني أقفُ وحيداً في الظلامْ، كنتُ فقط حينها أنظرُ بداخلي لذلك الطفلِ الذي يقف وحيداً متجمداً عاجزاً تلسعهُ آلام الحاضر والماضي فيمسكُ قرني الشيطانِ "لو" يهزُه في يأسٍ يبحثُ عن حلٍ سحري، فيجدُ نفسهُ يبللُ وسادته الجلديةَ بدموع طمستْ تدريجياً بريق الطفولة في عينيه .
    بينما جسمي المسكين قادته غريزتهُ البحتة أن يهرب من مصدر الخطر دون أن يكتفي بالوقوف كما فعل عقلي !
    الآن لحظة الحقيقة التي كادت أن تضيع في دهاليز عقلي البدائي، وبعد أن امتلأ رأسي المجوف بعقلي، وأنا أفتح عيني على أقصى اتساع لهما...
    أرى فيما يرى الهارب المتفائل بالغد أن الليل ينسدل من حولي كستارة سوداء مزركشةٍ بلآلئ بيضاء بديعة، يبزغُ من خلفها ضوء ضَارِب بالحمرة شحيح يكبرُ ويكبرُ يكادُ يلتهمُ الأفق...
    وأن كتلة الجليد تتصدع من حولي محررتا همتي وعقلي بالكامل ...
    وأني أرمي بالنص على وجه المخرج الفرنسي فأنا لا أريد أن أقف ... و أقف ... دون فعل شيء يغير حياتي وحياة من حولي ...
    وأن النحل الطنان ينقشع من حولي وهو يجر أذيال الهزيمة إذ لم يجد له مسكننا يُعَشِشُ به في رأسي ...
    وأني أطلب من "أبي الحروف " أن يبدل "واو" "لو" "ألفا"... لأستدعي بذلك الماردَ "لا" في وجه كل من يحاول تحقيري أو يولدَ الشعور بالدونية في قلبي...
    وأني أضرمُ النار بوسادة الجلد، رمزِ انكساري وضعفي لأني لا أريد أن أكون مثلها يتقاذفني الجميع متى دعت الحاجة لي، أُطْوَى أُثْنَى حتى أكون مَسْنداً مريحاً لرؤوسهم، التي تقتلني تحتَ وطأتِ كتلتها بما تحملهُ من أوامرَ وهموم....
    وإلا فأنزوي هناك مهملا حيث تنتحب كل ذكرى جميله ....
    وأني................................................................................................ .................................................................................................... ......................................
    لأني بِتُ أوقن أني لا أريد لأحد أن يعرفني ولا أن أعرف أحداً، هذا ما أوحتْ به لي أخيراً جملة " عالي " التي أغلقتُ عليها رأسي للأبد.
    بل ما أريد معرفته قبل كل شيء هو أن أعرف نفسي أن أعرف ذاك الطفل الذي أرى طيفه يسبح على وجه الحياة يتراقص معها ... يختفي وسط موجها العاتي، لكنه ما يلبثُ أن يعود .
    لأني بِتُ الآن أعرف ماذا أريد وأنا أرى الليل يرفع ستارته السوداء عن فصل جديد من فصول حياتي فصل لا توجد به وسادة الجلد !

    **************النهاية***************
    سيف الدين مولاي عبد الله
    -لا تتوقع أن ترى الجمال في كل ما تقع عليه عيناك، بل حاول أن تصنع الجمال في كل ما تقع عليه يداك.
    30/07/2008
    لا تتوقع أن ترى الجمال في كل ما تقع عليه عيناك ...
    بل حاول أن تصنع الجمال في كل ما تقع عليه يداك .

  2. #2
    الصورة الرمزية رفعت خالد
    رفعت خالد غير متصل عضو قدير ومراقب سابق
    قصصي متميز
    متهم يرجو العفو من الملك
    التسجيل
    22-12-2004
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    966

    رد: وسادة الجلد (قصه قصيره)

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..

    أظنك موريتاني مما ذكرته عن (انواكشوط) و الحياة في موريتانيا !

    أسلوب متمكن و تشبيهات كثيفة ، معقدة أحيانا.. ومؤاخذتي هي هذه.. التعقيد.

    كنت أميل إلى هذا الأسلوب أول ما حملت القلم ، إذ أني كنت أرى الكتابة إبهارا للقارئ أولا و أخيرا و زاد تأكيدا لنظريتي بعض كتاب القصة القصيرة الذين ينهجون نفس المنهج. لكني ، و بعد أن اكتشفت كتابا آخرين قد عبرت أسماءهم القارات و بلغت شهرتهم كل بقاع الأرض تغير اعتقادي و بت أرى أن الكتابة هي في الأصل نقل للفكرة بطريقة أدبية ، فنية.

    اعذرني ، فربما أنت تخالفني ، لكنه رأيي و أحببت أن أشاركك به.. فكلما زاد تعقيد النص فرّ القارئ منه طلبا لنص دافئ يفهمه و يجول بأمان بين كلماته.

    و هذه إحدى الزلات..

    "الجواب بسيط ببساطة وقفة البليدة" (وقفتي)

    و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.


  3. #3
    التسجيل
    27-05-2009
    الدولة
    kuwait
    المشاركات
    19

    رد: وسادة الجلد (قصه قصيره)

    مشكوور على القصه






الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •