من الأسئلة التي لم تطرح حول خطاب أوباما إلى العالم الإسلامي هو بأي صفة أدلى أوباما بهذا الخطاب ومن الذي دعاه إلى إلقائه.

من الواضح أن أحدًا لم يدعو أوباما بصفة رسمية لإلقاء هذا الخطاب بل إذا جاز التعبير هو الذي دعا نفسه وقام به دون انتظار لدعوة أو حتى إذن من أحد، أما السؤال الأهم فهو ما هي الصفة التي تخول لأوباما إلقاء خطاب وتوجيهه إلى العالم الإسلامي، إننا إذا بحثنا عن هذه الصفة فلن نجدها ويا للغرابة، أن أوباما بصفته رئيسًا للولايات المتحدة هو رئيس لدولة يفترض أن دستورها يفصل بين الدين والدولة، ولذا فلا يحق لهذا الرئيس أن يتوجه بخطاب إلى مجموعة دينية معينة دون مجموعة أخرى، أما إذا قيل أن أوباما له جذور إسلامية من نوع ما من ناحية والده تحتم عليه أن يلقي مثل هذا الخطاب ولو على سبيل المجاملة، فالإجابة هي أن أوباما نفسه هو الذي سعى وبكل الطرق خلال حملته الانتخابية إلى نفي الصفة الإسلامية عن نفسه وحرص على القول إحدى المرات أن أباه كان ملحدًا أي أنه لم يكن مسلمًا ملتزمًا على الأقل، وأوباما فوق هذا وذاك ليس هو الرئيس الأعلى للغرب حتى يسمح لنفسه بأن يلقى خطابًا باسم الغرب موجهًا إلى الأمة الإسلامية كما أنه بالتأكيد ليس زعيمًا للمسيحية الغربية أو لليهودية الغربية حتى يلقي مثل هذا الخطاب إلى العالم الإسلامي.


وإذا بعدنا عن مسألة الصفة التي تخول لأوباما أن يلقي هذا الخطاب فإننا ننتقل إلى نقطة أعجب من هذه بكثير، فأوباما يعلن أن خطابه موجه إلى العالم الإسلامي بينما الحقيقة التي يعرفها الجميع هي أن الغرب في شتى دوله وفي شتى قواه كان يسعى ومنذ نهاية القرن الثامن عشر وامتدادًا إلى القرن التاسع عشر والعشرين إلى إلغاء وتفكيك أي كيان يمكن أن يسمى بالعالم الإسلامي ولا أقصد هنا فحسب عمليات التنصير أو عمليات "الاستعمار" بأشكاله الاستيطانية والإمبريالية بل أقصد عملية تفكيك الدولة أو الأمة الإسلامية الواحدة سواء بإسقاط الخلافة أو الدولة العثمانية أو بتمزيق الشعوب الإسلامية على محاور طائفية ومذهبية وإقليمية وعرقية ولغوية وثقافية.


هذا هو النشاط الأكبر وربما الأوحد الذي قام به الغرب في بلاد المسلمين على مدى القرنين الماضيين، حتى وصلنا إلى وضع ظهرت فيه أسباب النزاع والفرقة بين المسلمين، ليس داخل ما كان يعرف بالوطن الإسلامي الكبير الممتد من المحيط الهادي إلى المحيط الأطلنطي ومن شمال شرق أوروبا إلى جنوب أفريقيا بل حتى داخل الأقطار الإسلامية المصطنعة منذ أواخر أو أواسط القرن التاسع عشر ذاتها على نفس الأسس المذهبية أو الجهوية أو اللغوية وغير ذلك، وعندما يأتي أوباما الآن ليقول إنه يقدم خطابًا موجهًا إلى الأمة الإسلامية أو إلى العالم الإسلامي فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو أين هو هذا العالم وقد قام الغرب وفي رأسه أخيرًا الولايات المتحدة بأقصى الجهود لمحاولة زعزعة وهدم هذا الكيان، ويجر هذا إلى استنتاج أن أوباما جاء في الحقيقة لا ليخاطب الأمة الإسلامية أو العالم الإسلامي الذي تسعى حكومته وحكومات حلفاءه الغربيين إلى تدميرهما تمامًا، بل هو جاء بكل وضوح ليؤدي مهمة سياسية ملحة على إدارته ألا وهي مهمة تقبل الدول الإسلامية جميعها وليس فقط الدول العربية وليس فقط بعض الدول العربية المحدودة والتي توصف بالمعتدلة للخطة التي اتفق عليها مع الكيان الصهيوني، وتقضي بتوحيد شتات من بعض الدول العربية مع الدولة الصهيونية ضد أعداء وهميين يلوحون في الداخل أو في الخارج من أجل تجاوز وتجاهل القضية الفلسطينية والقضاء عليها تمامًا لقاء الاستقرار الدائم والقوة والمنعة للدولة الصهيونية ولقاء بعض جوائز محدودة ووقتية تمنح لأبرز المشاركين من الجانب العربي في هذه الخطة الجديدة.



وبصرف النظر عن هذه الخطة فإن الذين رحبوا بزيارة أوباما واعتبروها من الفتوحات التي حدثت في الفترة الأخيرة لأسباب مختلفة سواء أكانت سياسية أم علمانية عليهم أن يسألوا ضيفهم الذي رحبوا به حول موقف بلاده مما يحدث الآن من تمزيق وتخريب وإبادة في العالم الإسلامي ولعل أبرزها ما يحدث مؤخرًا في باكستان من تحويل الجيش الباكستاني من جيش يدافع عن البلاد ضد العدو الهندي الرابض على الحدود إلى جيش يضرب الشعب الباكستاني نفسه تحت حجة محاربة الإرهاب أو محاربة الطالبان مما يؤدي إلى عمل غير مسبوق في تاريخ الباكستان منذ نشأتها ألا وهو تهجير أربعة ملايين نسمة نقلوا إلى معسكرات كالمشردين جائعين محطمين كي يخلو الجو للجيش ليقوم بعملياته ضد من يسميهم بالإرهابيين أو الطالبان، فعن أي عالم إسلامي الآن يتحدث أوباما وأي رسالة يوجهها إلى هذا العالم ومن يا ترى سوف يهتم أو يستمع لهذه الرسالة.


http://almoslim.net/node/112866