كلب ظل الأيادي
لما كان أصيل الأربعاء إستأذنتْ شمس آب قُبة الشيخ مخلفة فوضى ألوان بريشة إله , وبدت سماء آب حُبلى بالمُعصرات , تساقط المطر كقهقهات عابث وإتخذ أديم قريتي شكل حلوى البلح , إنطفأت أنوار قريتي الكهربائية فأوقدتْ فوانيس الكيروسين , كان ظِل أمي هائلاً حين ترقص أمي رقصة العَشاء ورائحة (الشعيرية) تنثر ألقاً فوضوياً , وعلى ضوء فانوس الكيروسين جلستُ أشكلُ على حائط الفرندة أشكالاً شبحية مستحيلة , أثني رسغي ومرفقي لتتشكل بجعة ثم أبسط أنامل يمناي ليتشكل كلب !!
بدا كلب ظل يدي ككلب حقيقي , له وجه كلب حقيقي , ورأس نبيل وفراء كمعطف أميرة في الحكايا , وخطى ملك , ظللتُ أمجده تمجيداً لائقاً وأمي منشغلة بإعداد (الشعيرية) والمطر في نهايته يئن كصوت ثاكلة تحمله نسمات آب , ولأن المكان معتم كقبر والأديم كحلوى البلح مُنعتُ من رقصة المطر , وصوت أطفال قريتي يتناثر كصوت فتاة في الأحلام !!
تركتني أمي بقرب فانوس الكيروسين أعبثُ بكلب ظل يدي , كان كلبُ ظل يدي أليفاً خالياً من الروح , وتشكل كلباً في ذاكرتي فقط , أناديه فيأتي , أمسح علي فراءه كمعطف أميرة الحكايا فيهتز ذيله كعصا الخيزران , وحين سمعتُ صوته في أذني أنْبتني أمي وأمرتني أن أبتعد عن فانوس الكيروسين !!
ولما إنقضتْ مراسم العَشاء خمد صوت أطفال قريتي وإنقطع صوت المطر وأمسى أديم قريتي كحلوى البلح ولأن فانوس الكيروسين كان وحيداً , تركتُ كلب ظل يدي في ذاكرتي , وبدا صوته في أذني لتتشكل ملامح كلب ظل يدي برأسه النبيل وفراءه كمعطف أميرة الحكايا , كان صوت أمي بعيداً كرؤيا , ولكني أذكر صوت كلب ظل يدي وكلمات أمي حين تمنتْ لي أمنية !!
وبعد عشرين عاماً لم يعُد كلب ظل يدي علي حائط الفرندة , ظل وحيداً كقلب يائس في ذاكرتي , عادتْ أمطار آب وأديم القرية كحلوى البلح , وحين إنطفأت أنوار قريتي الكهربائية أنارت أمي مصباحها اليدوي بفعالية شحن الكهرباء , لم يكن ظِل أمي عظيماً ولم تفح رائحة (الشعيرية) وحين بسطتُ أنامل يمناي لم يتشكل كلب ظل يدي , كان ظل يدي مماثلاً لأي ظل يد أخرى , حينها أدركتُ إن كلب ظل يدي لن يعود ولكني أيقنتْ إن وفاء الظل لا يقارن بكلب !!