۞ الآثار الصحية والنفسية لوسائل تحديد النسل ۞
" لقد ظهرت الدعوة لتحديد النسل لأول مرة في أوربا عام 1798م علي يد الاقتصادي الشهير " مالتوس " ؛ لما لمسه من زيادة سكان انجلترا في ذلك الوقت بصورة غير عادية ، وخوفه من أن تؤدي الزيادة المستمرة إلي مشاكل اقتصادية .
وفي عام 1833م قام في أمريكا طبيب مشهور هو :" تشارلس نورتون " ، فأخرج أول كتاب في العالم فيه شرح تفصيلي للتدابير الطبية لمنع الحمل ، وأشاد فيه بذكر منافعها من الوجهة الاقتصادية ."
وبعد ذلك عقدت مؤتمرات دولية عديدة لتعميم هذه الفكرة ، وبخاصة في العالم الإسلامي .
وفي الوقت الذي غير فيه الغرب موقفه من حركة تحديد النسل ـ لما أسفرت عنه من كثرة الفواحش ، والأمراض الخبيثة ، وضياع نظام الأسرة ، وكثرة الطلاق ، وقلة المواليد ـ وأصبح يشجع بكل الوسائل علي زيادة النسل حتى ولو كان من طريق الحرام ، نجد أن هناك جهوداً جبارة ، وأموالاً طائلة تصرف اليوم بكل سخاء لنشر حركة تحديد النسل أو تنظيمه في البلاد الشرقية عامة ، وفي العالم الإسلامي خاصة .
" وفي الوقت الذي أصبحت فيه الصيدليات في بلاد الغرب تمتنع عن توزيع وسائل منع الحمل إلا بتذكرة طبيب يتبين فيها : الحالة الصحية ، واسم صاحبها ، وسبب حاجته إلى منع الحمــل ، نجـد تلك الوسائل توزع جزافاً في صيدليات العالم الإسلامي ."
ولم يفت أعداء الإسلام أن يجندوا جنوداً من المسلمين ـ خاصة الذين في مواقع القدوة ـ يرجفون في البـلاد بأنها وشيكة الضيق والمجاعـة ، إذا استمر نمو السكان باطراد !!!، وأن تحديد النسل ضرورة اقتصادية .... إلخ .
كل هذا يحدث في إطار مخطط مدروس للقضاء علي الثروة البشرية للمسلمين ، تلك الثروة التي تعتبر من أهم عناصر القوة ، والتي تحمي الأمة الإسلامية من أعدائها الذين يتربصون بها الدوائر .
"وفي الماضي استخدمت عدة وسائل لتحديد النسل ، كالعزل ، والإجهاض ( إسقاط الحمل ) ، وقتل الأولاد ، وكبت النفس بالعزوبة أو بالابتعاد عن الاتصال الجنسي.
أما في الزمن الحاضر فقد أصبح الناس لا يزاولون الوسيلتين الأخيرتين ، وإنما الوسيلة التي اخترعوها مكانها هي أن يقدموا علي الاتصال الجنسي ، ولكن مع الحيلولة دون وقوع الحمل ، وذلك بالآلات والعقاقير المانعة للحمل .
لا شك أن وسيلة الإجهاض لا يزال لها رواج كبير في أوربا وأمريكا ولكن الوسيلة التي تؤكدها حركة تحديد النسل ،وتقوم بالدعاية لها ، وتعمل علي ترغيب الناس فيها أكثر استعمالاً من كل وسيلة ، وتهيئ أسبابها وآلاتها بحيث لا يبقي في المجتمع رجل ولا امرأة لا تعرفها أو لا تستطيع الاستفادة منها ."
وفي هذا المقام أذكر بعض الآثار الصحية والنفسية التي أثبتت الأبحاث الطبية أنها تنجم عن وسائل تحديد النسل ، تلك الوسائل التي روَّج لها غزاة الفكر وأذنابهم في بلاد المسلمين .
أولاً : الآثار الصحية لوسائل تحديد النسل :
أثبت العلم وشهد الأطباء الأمناء بأن كل وسائل تحديد النسل من الحبوب ، واللولب ، والعازل ، والتعقيم للرجال ، تؤدي إلى إلحاق الضرر بالرجل والمرأة معاً ، وكذلك الأطفال الذين يُنجبون بعد التوقف عن هذه الوسائل :
1-أما بالنسبة للرجل :فيقول تقرير لجنة نسبة الولادة القومية في بريطانيا :" إنه من الممكن باستخدام الوسائل المانعة للحمل أن ينشأ الاضطراب والاختلال في نظام الرجل الجسماني ، كما أنه من الممكن أن ينشأ به الضعف في قوته التناسلية أو تنعدم فيه هذه القوة بتاتاً ، ومما يجوز القول به علي وجه عام : إن هذه الوسائل وإن كانت تحدث في صحة الرجل مؤثرات سيئة جداً ، إلا أن الذي يخشى دائماً أن الرجل عندما لا تشبع غريزته الجنسية بعلاقته الزوجية ، يعتريه التبرم والانقباض شيئاً فشيئاً في حياته العائلية ، ولابد إذاً أن يحاول إشباع غريزته الجنسية بوسائل أخرى تفسد عليه صحته ، بل قد تعرضه للأمراض الخبيثة ."
2-أما المـــرأة :فإن استخدام وسائل تحديد النسل لفترة طويلة يصيبها بـ "ضعف القلب ، ونقص الدورة الدموية ، وشلل اليدين والرجلين ، والتهاب الجسد ، واضطراب العادة الشهرية ، وسقوط الرحم .
زد علي ذلك أن المرأة عندما لا تلد إلي مدة ، قد تحدث في أعضائها التناسلية تغيرات تتأثر بها أهليتها للتوليد ، وأنها عندما تحمل بعد ذلك تعاني ألماً شديداً أثناء الحمل والوضع ."
كما أثبت المركز العلمي للبحوث الجنائية والاجتماعية بمصر " أن تعقيم المرأة يضرها أبلغ الضرر ، ويعرضها لأخبث الأمراض ومنها : السرطان ."
" وأضف إلي ذلك ما تصاب به المرأة من التضخم ، وامتلاء جسمها بالماء ، والضعف العام ، وغير ذلك من الظواهر الملموسة للعيان ."
3-وأما بالنسبة للأطفال :" فقد تسبب حبوب منع الحمل في ولادة مئات من الأطفال المشوهين ، وفي رفع القضايا العديدة ضد الشركات المنتجة لهذه الحبوب من أسر الأطفال المشوهين للمطالبة بتعويضات عن الأضرار التي أصابت أبناءهم نتيجة تناول الأمهات لهذه الحبوب ."
ثانياً : الآثار النفسية لوسائل تحديد النسل :
" من الحقائق الثابتة أن إنجاب الأطفال شهوة لم ينج منها أحد في القديم أو الحديث ، وقد تمر علي الشباب الحـديث فترة يحسب فيها ـ بدافع الأنانية وحب الراحة ـ أنه قد تخلص من شهوة النسل ، أو قد تؤثر الأحوال الاقتصادية علي هذه الرغبة فتقف في طريقها إلى حد ما .
ولكن هذا الشباب تمر عليه فترة أخرى فيحس بالفراغ الهائل في نفسه وحياته كلها ، فراغ لا تملؤه إلا صيحة طفل ، ويشعر بالندم علي ما ضيع من عمره خاوياً من نسل يمد من عمره القصير علي ظهر الأرض ، ويوهمه بالخلود !
وقد يجد الرجل أحياناً عملاً أو فكرة يغرق فيها نفسه ، ليسكت في ضميره هذا الهاتف الملح ، والحنين الملهوف ، ولكن المرأة ما أقسى حياتها وما أشقاها بغير طفل ! إن الطفل جزء من المرأة حقاً ومجازاً ، جزء من جسدها تحمله وتغذيه من دمائها ثم من لبنها وهو خلاصة الدماء ، وجزء كذلك من كيانها النفسي بحيث تشعر أنها معطلة أو ناقصة أو عاجزة إذا لم تأت بنسل !!."
وفي سياق الحديث عن أهمية الحمــل بالنسبة للمرأة ، يقول د/ ألكسيس كاريل " إن النساء اللائي لم يلدن لسن متزنات توازناً كاملاً كالوالدات ، فضلاً عن أنهن يصبحن أكثر عصبية منهن ."
وتبين الدكتورة / ميري شارليب ، بعض الآثار النفسية لوسائل تحديد النسل فتقول :"إن وسائل تحديد النسل ـ سواء أكانت هي اللولبيات المعدنية أم الأقراص والعقاقير القاتلة للحيوانات المنوية أو حواجز المطاط وغيرها ـ وإن كانت المرأة لا تتعرض باستخدامها لضرر فوري ظاهري ، ولكنها إذا ظلت تستخدمها لمدة من الزمان ، فلابد أن يصيبها الانهيار العصبي قبل أن تبلغ سن الكهولة ، ومن النتائج اللازمة لاستخدام هذه الوسائل التبرم والتذمر والقلق ، والأرق ، وتوتر الأعصاب ، وتشويش الفكر ، وهجوم الأحزان ."
" بل إن هذه الوسائل كثيراً ما تسبب المراق ( الوسواس ) ، وفساد الذاكرة ، والجنون ، وما إليها من العلل الخطيرة الأخرى ."
وتفادياً لأضرار تلك الوسائل يجب عدم اللجوء إليها إلا في حالة الضرورة القصوى ، وتحت إشراف الأطباء .
وهنا يكون التساؤل :" كم تدفع الدولة من إمكانياتها الاقتصادية لعلاج آثار وسائل منع الحمل ؟ وإذا فهي خسارة اقتصادية جديدة !!لأن الدولة لو وجهت ما تنفقه من ملايين الدولارات علي إعلانات ووسائل منع الحمل وعلاج الآثار الضارة التي تنتج عن استخدام وسائل منع الحمل ، لو وجهت كل هذا إلي مشاريع التنمية لكانت الفائدة أعم ، ولكن هل يسمح الذين يرسلون إلينا هذه الدولارات بذلك ؟؟!!
الحل الصحيح للزيادة السكانية في العالم الإسلامي :
"إن مشاكل التنمية في العالم الإسلامي لا يمكن أن تحل بتحديد النسل ، فهو ليس حلاً ، وإنما هو تعقيد لمشاكل العـالم الإسلامي ، فهو في أشد الحاجة إلى المحافظة على نسله ، لأنه يعيش صراعاً مع قوي عالمية .
وأما حلول المشكلات السكانية فهي كثيرة ، نذكر منها :
1-زيادة وسائل المعيشة وتنمية الموارد .
2-تنظيم الهجرات داخل العالم الإسلامي بشكل يحقق التوازن والتناسب بين الثروات البشرية والثروات الطبيعية .
3-عدالة توزيع الثروات .
4-عدم تبديد طاقات الناس فيما لا ينفع .
إذاً فلو طبق النظام الإسلامي تطبيقاً صحيحاً لما كانت هناك مشكلة قلة الإنتاج أو قلة الموارد ، ولما كانت هناك حاجة للدعوة إلي تحديد النسل الذي يخلق للمسلمين مشكلات كبري ، ويهدد طاقاتهم البشرية الهائلة ."
وفي ختام الحديث عن هذا الموضوع لابد من إطلالة علي موقف الإسلام من تحديد النسل .
موقف الإسلام من تحديد النسل :
بعيداً عن التعمق الفقهي في هذا الموضوع ، أذكر موقف الإسلام من تحديد النسل من خلال مؤتمرين إسلاميين جمعاً بين خيرة علماء المسلمين في الأرض .
أولهما:" مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية المنعقد عام 1965م بمصر ، والذي جمع أكثر من مائتي عالم من مختلف الدول الإسلامية ، وقد قرر المؤتمر فيما يتعلق بموضوع تحديد النسل ما يلي :
1-أن الإسلام رغب في زيادة النسل وتكثيره ، لأن كثرة النسل تقوِّي الأمة الإسلامية اجتماعياً ، واقتصادياً ، وتزيدها عزة ومنعة .
2-إذا كانت هناك ضرورة شخصية تحتم تنظيم النسل ، فللزوجين أن يتصرفا طبقاً لما تقتضيه الضرورة ، وتقدير هذه الضرورة متروك لضمير الفرد ودينه .
3-لا يصح شرعاً وضع قوانين تجبر الناس علي تحديد النسل بأي وجه من الوجوه.
4-إن الإجهاض بقصد تحديد النسل ، أو استعمال الوسائل التي تؤدي إلي العقم لهذا الغرض أمر لا تجوز ممارسته شرعاً للزوجين أو لغيرهما ."
وثانيهما :المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة المنعقد بمكة المكرمة عام 1977م ، وقد قرر ما يلي :
" تحذير المسلمين من الدعوة المشبوهة التي روجها أعداء الإسلام لتحديد النسل ، واستنكار ما تقوم به بعض الحكومات من إجبار المسلمين علي تحديد تسلهم بطريق التعقيم الإجباري ."
هذه قرارات خيرة علماء المسلمين في الأرض كلها ، فاعتبروا يا أولي الأبصار ، وتنبهوا لما يدبر لكم من كيد الكائدين ومكر أعداء الدين .