النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: حقيبة الرحلة الأخيرة ؟! - قصة قصيرة

  1. #1
    التسجيل
    03-11-2009
    الدولة
    مصري مقيم بالسعودية - أبها
    المشاركات
    32

    حقيبة الرحلة الأخيرة ؟! - قصة قصيرة

    حقيبة الرحلة الأخيرة ؟!
    قصة قصيرة
    كتبها : أحمد كمال
    علا صفير مكابح القطار ، ودوى نفير قاطرته ، وراح الركاب ينزلون الواحد تلو الآخر ، ضوضاء ، غوغائية ، ومكبرات الصوت تنادي :
    - على السادة ركاب قطار الرحلة الأخيرة إحضار حقائب أمتعتهم .
    تلفت حولي وأنا لا أكاد أرى شيئاً ، أبحث عن حقيبة أمتعتي ، وإذا بها محفوظة على أحد الأرفف ، كانت ثقيلة ، ثقيلة ، وثيابي تعيقني عن الحركة ، بقسوة شديدة ، شديدة ، وبالرغم من ذلك تمكنت من الهبوط إلى الرصيف .
    ضوء خافت ، في ظلام حالك ، وزحام شديد ، أفواج ، وأفواج من البشر حشدت ، هبطت كلها من القطار ، وتتدافع في كتلة بشرية واحدة ، كموج متلاطم في أعالي البحار ، أشفقت على نفسي من ذلك الزحام ، ورحت أتلفت يميناً ويساراً أبحث عن مخرج ، بلا جدوى ، فألقيت بجسدي الهزيل ، وسط الحشد المهيب ، وأنا أجر حقيبة أمتعتي ، على أطراف، أطراف أصابعي كانت خطواتي ، ومن ثقب إبرة كانت تأتي أنفاسي ، دارت الدنيا من حولي ، وتفصد جسدي عرقاً غزيراً ، وكدت أن أغوص وسط الحشود ، لولا أني رأيت نهاية الرصيف على مرمى مني .
    في نفس الضوء المريض ، جلست أمام أحد المستقبلين ، أعطاني ورقة بها خمسة أسئلة ، أمسكت بالورقة ، قلبتها ذات اليسار ، وذات اليمين ، وأجبت على الأسئلة ، ويملأني استغراب شديد ، حتى أشار لي بالمرور عبر البوابة ، وأنا أحمل حقيبة أمتعتي ، وأتجه نحو باب عظيم ، وتتداعى إلى أذني ، تأوهات الندم ، وصيحات الخوف ، وصرخات الألم ، لم أستطع أن ألتفت ، ولا حتى فكرت في ذلك ، فالمستقبلين غلاظاً ، شدادا .
    وبينما الفرحة تملأني لأنني أوشكت أن أجتاز البوابة ، إذا بأصوات مبحوحة تنادي علي ، وتلح في النداء ، هذه الأصوات تألفها أذني ، أدرت رأسي يميناً ويساراً أبحث عن من ينادي ، فإذا بهما أبي ،وأمي ، اقتربت ، ازددت اقترابا ، وأنا مندهش ، ألم يموتا ؟ لقد دفنتهما بيدي، وصببت على قبريهما الماء ، وزرعت لهما النخل والزيتون ، والصبار ، هل عادا إلى الحياة ؟ ولكن كيف ؟
    تعانقنا باشتياق ، وضمتني أمي إلى صدرها ، والدموع تفيض من عينيها وتصيح :
    - ما خيبت ظني يا ولدي ؟ وصدقت تربيتي لك
    بينما والدي يمسح بيده على رأسي قائلاً :
    - أنجيتنا بطهارة قلبك يا ولد ، وكنت أنا لها من الساخرين ، زهدت ، فعلوت يا ولدي .
    وكان السؤال يلح علي طيلة الرحلة ومن غير أبي يجيب عليه :
    - أين نحن يا أبي ؟ وكيف عدتما للحياة ؟
    ضحك ضحكة مجلجلة ، هزت أركان المحطة ، وفاضت الدموع من عينيه ، وهو يقهقه ، حتى قال:
    - نحن هنا يا ولدي ؟
    اتسعت حدقتا عيني مستغرباً ، فواصلت أمي :
    - نحن لم نعد للحياة ؟
    ونادى المنادي بمرور الركاب عبر بوابة الزمن الخلفية ، وأنا أتأمل والديا متسائلاً :
    - ألن تأتيا معي ؟
    فقالا في صوت واحد :
    - لقاء قريب !!
    وتلاشى الاثنين معاً ، بعيداً ، بعيداً ، وأنا شارد الذهن ، مشتت ، لا أستطيع أن أقبل بالحقيقة ؟!
    وركضت نحو بوابة الزمن الخلفية ، وأنا أحمل حقيبة أمتعتي الثقيلة ، حتى مررت من تحتها ، ساعة في حجم القمر ، وعقاربها كناطحات السحاب ، ولكن زمنها لا يتقدم ، ولا يتأخر ، وليس بها أرقام ، بها صفر كبير، عملاق ، وفور عبور البوابة أمسك بي الحراس ، شدوا وثاقي ، ووضعوا حقيبتي الثقيلة على الميزان ، فاضت دموع عيني كالأطفال ، أهاب النتيجة ، أخشى العاقبة ، أحاول أن أتخلص من قيدي بدون فائدة ، وطبت كفة الميزان تحمل حقيبتي ، فصحت مهللاً ، لقد نجوت من أصعب امتحان ، ونظر الحراس صوبي مستغربين فرحتي ، وهم يشيرون لي بأن أهدأ ، دون جدوى ، حتى جاء حشد عظيم ، وأنا أتفحصهم ، أحاول أن أشخصهم ، هذا أبي ، وتلك أمي ، وهؤلاء إخواني ، وأخواتي ، أصدقائي ، صديقاتي ، أبنائي ، وبناتي ، وآخرون لا أعرفهم ، ولكنهم يعرفونني ، فتحوا حقيبتي ، سلبوا أمتعتي ، القطعة تلو الأخرى ، اقتسموا ما في حقيبتي من خيرات ، وأنا أصيح فيهم :
    - أتركوا أمتعتي ، أنتم لستم بأهلي ، أنا بريء منكم
    وبدون أي فائدة ، أتعبت حالي ، وفرغت حقيبتي ، وتبقى من الحشد قليل ، دسوا في حقيبتي قمامتهم ، ونقل الحراس حقيبتي إلى أقصى اليسار بدلاً من أقصى اليمين ، وأنا أدرك أنني ضائع ، هالك لا محالة وتدلى رأسي على صدري ، وتملكني يأس عظيم ، وقد تداعي إلى أنفي رائحة شواء ملايين الأطنان من اللحوم ، فصحت في الحراس متوسلاً :
    - فكوا وثاقي فأن لي في البيت أمتعة سوف أحضرها !!
    نظر كبير الحرس وقال بصوت لا رحمة فيه :
    - لا عودة من هنا !!
    وبقيت أنا أصيح ، واصرخ مستغيث ، وإذا بمن يهزني من كتفي قائلاً :
    -أستيقظ يا رجل ، فالقطار على وشك المجيء ؟!!
    انتهى

  2. #2
    التسجيل
    08-12-2003
    المشاركات
    794

    رد: حقيبة الرحلة الأخيرة ؟! - قصة قصيرة

    ما شاء الله كاتب متمكن استمتع بقصتك

  3. #3
    التسجيل
    03-11-2009
    الدولة
    مصري مقيم بالسعودية - أبها
    المشاركات
    32

    رد: حقيبة الرحلة الأخيرة ؟! - قصة قصيرة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الذئب العربي مشاهدة المشاركة
    ما شاء الله كاتب متمكن استمتع بقصتك
    شكراً لمرورك الكريم
    وتعليقك الرقيق
    تقبل مودتي

المواضيع المتشابهه

  1. فتاوى الرحمة - للشيخ محمد حسان - 9 ربيع الأول 1429 هـ - بعنوان نبي الرحمة .
    بواسطة : bucbouc , في الصوتيات و المرئيات الإسلامية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 18-03-2008, 09:03 PM
  2. مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 09-10-2003, 03:57 PM
  3. عالم المرأة الرحلة الأخيرة !!!!
    بواسطة : الروح , في الأسرة و الحياة الزوجية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 24-08-2002, 11:30 PM
  4. مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 28-06-2002, 08:07 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •