Public opinion</SPAN>الرأي العام
يمكننا فهم "الرأي العام" كمفهوم اجتماعي يعبر عن تشكل اتجاهات التفكير واتخاذ المواقف والتعبير، وأيضا كمفهوم سياسي يعكس علاقة المجتمع والدولة.
ويمكن فهم الرأي العام من خلال اقترابين:
الأول: تمييز مفهوم "الرأي العام" عن المفاهيم المقاربة والمشابهة والمتداخلة مثل: الميول السياسية، والاتجاه السياسي، الموقف السياسي، الحكم السياسي، الحشد العام. وبالتمييز بين "الرأي العام" و"الاتجاهات أو الميول" و"الفعل السياسي" أو السلوك، والأحكام؛ فالرأي العام يختلف عن الاتجاه والميل؛ ففي حين يكون الأول معلنا ومعبرا عنه نجد أن الثاني استجابة داخلية مبكرة. والرأي دليل على وجود الاتجاه أو الميل، ولكن العكس ليس حتميا؛ فالميل لا يشترط أن يتحول إلى رأي يتم الإفصاح عنه؛ فما يميز الرأي العام عن الرأي الشخصي هو درجة العمق والاستقرار، والتراكم الجمعي، ثم العلانية.
ووصف "العام" يعني أنه يقوم على أساس قضية معينة تخضع للنقاش العقلاني، في حين أن مفهوم الحشد الجماهيري يتميز بوحدة التجربة الوجدانية، لكنها قد تكون ظرفية وعشوائية، أو تكون من جهة أخرى موجهة وغير حرة أو عقلانية؛ كما في نماذج "التعبئة السياسية" في النظم السياسية السلطوية، ويصبح السؤال هو: كيف يمكن ضمان استقلال الرأي العام عبر عملية تشكلٍّ مدنية ترتبط بنمو الحركات الاجتماعية وفاعليتها؟ وعبر توظيف ما تقدمه ثورة الاتصالات والمعلوماتية والاستفادة منها في فهم ما يجري في السياسات العالمية، وأيضا استكشاف كيف يمكن -رغم هذه الإمكانات الاتصالية- أن تفلح دولة ما في خلق نوع من "الحشد الجماهيري" لتأييد العمل العسكري في السياسة الخارجية كأسلوب للتعامل مع الأزمات ولزيادة التأييد السياسي، وزيادة فرص الفوز في الانتخابات، في حين يتسم النظام السياسي بالليبرالية، وهي من تحديات فهم كيفية تطور وتشكل الرأي العام بشكل معقد ومركب.
ويمكن القول: إن المعايير التي يمكن من خلالها التمييز بين "العام" و"الخاص" قد غدت أكثر غموضا وهلامية؛ وأن هناك اتجاها متزايدا نحو "تعميم" الخاص النابع من الحضارة السائدة والمهيمنة؛ بحيث يكون عاما لجميع الثقافات والمجتمعات الأخرى المتميزة عنها والمختلفة معها، ويتزامن هذا مع تفكك العمومية وتشرذم الجماهير لتنوع قنوات الاتصال وتعددها واختلافها.
الثاني: كشف العناصر والمكونات الداخلية فيه؛ فالوحدة التحليلية هي "الأغلبية" بوصفها المجموع العددي أو الرقمي للأفراد المكونين لهذه الأغلبية التي يمكن قياسها والتي تمارس الحكم باسم هذه الأغلبية؛ لكن هناك تقسيمات داخلية للظاهرة على أساس معايير اجتماعية، واقتصادية، ومتغيرات مثل: الريف/ الحضر وأيضا العمر، وفي إطار هذا التركيب هناك مفهوم "قادة الرأي العام" بوصفه إطارا تحليليا متسعا يشمل أولئك الذين في مقدرتهم التأثير في آراء الآخرين أو تغيير رؤيتهم للقضايا المختلفة باعتبارها عملية تتكون من عدة مراحل متواصلة يكمل بعضها البعض الآخر: (المشكلة، والاقتراحات والحلول)، ومراحل تتطور من "الرأي" حتى نصل إلى القرار السياسي الذي هو محط اهتمام التحليلات السياسية باعتباره أرقى أشكال التعبير السياسي الجماهيري.

التطورات المنهجية في مجال دراسة الرأي العام
يمكننا تقسيم التطورات المنهجية في مجال دراسة ظاهرة الرأي العام في عدة مراحل متتابعة؛ فمنذ منتصف القرن التاسع عشر كانت الدراسات فيه "معيارية فلسفية"، ثم انتقلت إلى حقل "النظرية السياسية" مع صعود النظرية الديمقراطية، ومع نهاية القرن تزايد الاهتمام بالتحليل النظمي والطرق الأمبريقية الاختبارية في دراسات الرأي العام، وفي القرن العشرين ركزت دراسات الرأي العام على الجوانب السيكولوجية والاجتماعية أكثر من النواحي السياسية والفلسفية، وتحول الاهتمام إلى وظيفة وقوة في المجتمع، والوسائل التي يمكن بها تعديله أو التحكم فيه، وأهمية العوامل الوجدانية والنفسية في تشكيله؛ وفي نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين عاد الاهتمام مجددا إلى التركيز على الأبعاد السياسية والفلسفية. وفي الواقع الراهن يمكننا عند النظر لدراسات الرأي العام أن نجد موضوعين على درجة من الأهمية:
(أ) عودة الاهتمام والتركيز مجددا على الأبعاد السياسية والفلسفية في دراسات الرأي العام؛ خاصة تلك المتعلقة بالعملية السياسية (كالمشاركة، والتصويت، وعلاقة السلطة الحاكمة بالرأي العام)، وفي هذا الإطار راجعت هذه الدراسات التفرقةَ المستقرة بين خصائص الرأي العام في البلدان المتقدمة وبلدان العالم الثالث المتخلفة؛ في إطار مراجعة وإعادة النظر في مقولات عصر التنوير بصدد عقلانية ورشادة الرأي العام، والاهتمام بخصائص؛ من قبيل: طغيان الأغلبية، القابلية للاستهواء، سيطرة النخبة... إلخ.
(ب) تزايد إسهامات علماء السياسة والنفس والاجتماع خاصة، ورغم أنه كان لهذه العلوم إسهاماتها الواضحة في بناء نظرية الرأي العام خلال النصف الأخير من القرن العشرين، فإن دراسات الرأي العام عادت إلى بؤرة اهتمامات هذه العلوم مرة أخرى. وفهم ظاهرة الرأي العام يستلزم الاستعانة بالعلوم الإنسانية والتي لن تستطيع بدورها تفسير العديد من الظواهر التي تتناولها دون الرجوع إلى عملية الرأي العام ذاتها.