الطائرة الهلالية
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
تهيأت ثلث البشرية ، لاستقبال طائرة الضيف الكريم الهلالية ، فرحت أغتسل بجسدي الفاتر ، من ماء نهر الأردن ، عسى أن تذوب فيه ذنوبي مع قطرات ماءه العابد ، ثم ارتديت ثوباً صنع من قطن سوري فاخر ، وصبغ أبيضاً من ثلج جبل لبنان الآسر ، مقاسه بحجم آمال كل البشرية ، وأعددت التمر من الجزيرة العربية ، وكوب الحليب من بلاد الرافدين الأبية ، وآخر من ماء نيل معتق ينبع من جنة غير مرئية ، وعبق بخور نافذ ، من بلاد مغربية .
لكن أمام أجهزة الرصد لم تظهر الطائرة الهلالية ، ولم يتصل أي منتظر ليستعلم عن سبب تأخر طائرة الضيف الكريم ، غزتني نوبات قلق قوية ، فرحت أجيء وأذهب في غرفة الرصد الكونية ، حتى ومضت نقطة وضاءة ، مع صفير خافت ، إيذاناً بقدوم ضيف ثلث البشرية ، وكما الطفل الصغير رحت أتقافز ، وألوح بيدي، مرحباً ، ومهللا . وإذا بجهاز الإشارة يبث رسالة صوتية :
- لقد اختطفنا الطائرة الهلالية !!
جلست على الكرسي ، وأنا لا أصدق أذني ، وتواصل البث :
- نحن نجوم النجوم البشرية ، لا نقبل أن ينافسنا ضيف ثلث البشرية ، ولسوف نقتل أبناءه ، وبناته ، صيام ، وألف شهر ، ورحمة ، ومغفرة ، وعتق ، ثم لسوف ننسفاً الطائرة الهلالية .
أسرعت وأنا أرتعش ، أرسل لكل قادتي ، من المحيط إلى المحيط ، لينقذوا الطائرة الهلالية .
استمعوا ولا تعقيب ، حتى انقطع إرسال إشارة البث الفضائية ، وبشر فرعون ، ونمرود ، وكثيراً مثلهما، ببهجة اصطناعية :
- لقد وصل الضيف الكبير ، وهو الآن في قصر الراحة الأبدية ؟!!
وأدرك لبي أن هناك مؤامرة خفية ، تستهدف ضيف ثلث البشرية ، فخرجت أحذر كل من ألتقي ، فلا أجد لي أي آذان مصغية ، وتعجبت من بطون الناس التي تكورت ، في أجساد تقعرت ، وأفواه ثغرة ، وبالدخان نفثت ، وجلسات تجمعت ، وبالنميمة أعملت ، فجثوت علي ركبتي ، وبقيت أهمس ، ثم أصيح ، ثم أصرخ مستغيث
- أنقذوا ضيفكم وأبناءه في الطائرة الهلالية ، من نجوم النجوم البشرية .
لا أحد ينتبه ، لا أحد يستجيب ، فصرت أنتحب ، ودموعي على خدي تفيض ، فأغمضت عيني، ورميت بنفسي في بحر النفس البشرية ، وغصت ، وغصت ، وأنا أكتم أنفاسي ، حتى انتفخت أوداجي ، حتى وصلت إلى البقعة الضوئية ، فأخذت منها شحنات نقية ، طهرت بها قلبي من هوى النفس البشرية ، وعدت أدراجي وأنا أطفوا ، وأطفوا ، ولا يكاد هواء صدري يكفيني ، ولا زلت أحبس أنفاسي ، حتى طفوت فوق الماء ، فرحت ألتقط أنفاسي ، وجسدي يرتعش رعشة عزاً قوية ، وإذا بجهاز إشارتي يبث رسالة خفية :
- أنا قائد الطائرة الهلالية ، لقد حررنا الطائرة من نجوم النجوم البشرية ، وعدلنا مسار رحلتنا ؟!
فأسرعت عائداً إلى غرفة الرصد الكونية ، أستفسر عن مسار الرحلة الهلالية ، فإذا بضيف ثلث البشرية يجيبني بإجابة خفية :
- سوف نهبط على يمين مجرة نفسك البشرية ، في عمق هالتك الإيمانية ، من أمام مجموعة عقلك الضوئية ، وعلى ميناء غلاف قلبك العامر ، الاستعداد لاستقبالنا
انتهى