تفتيش


قصة قصيرة







رآهم يدورون فى المكان ..يفتشون كل مايلقونه امامهم خاصة ملامح الوجوه..ارجلهم قصيرة وسريعة..جذوعهم مكتنزة . احداقهم زجاجية ..مدربين على الحركة والنشاط ..وهو وسط الردهة..اولاده وزوجته معه.. ملامحهم فى خلاياها الرعب..والعيون فئران مذعورة تدور بلا اتجاه ..يتابعونهم وهم يدورون ، وكبيرهم يقف واضعا
يديه فى جيبى بنطاله المموه ،كثير الجيوب ،ولسانه يتدلى ساكبا اغنية مشهورة عن الحرية! ..توجه اليه بالسؤال :-
- من انتم ؟ ماذا تريدون ؟
حدجة بنظرات من زجاج عينيه ..الزجاج يتلو ن حسب الضوء ، وان كان اصلا لا لون له ..مد يده ببطاقة هويته ..حدق فى الكلمات المكتوبة ..ارتعد ..تراجع خطوة واحنى رأسه ملتزما الصمت..لكزته امرأته فى جنبه ..عاد ورفع رقبة بلا مفاصل ونطق بالكاد :-
- ما الجرم الذى ارتكبناه ؟
اخرج يده الثانية من جيب بنطاله ..ضم قبضتها وبالاصبع السبابة اشار اليه بالتقدم ..لاحظ ان الاصبع يشبه مخلب القطط ..انكر ملاحظته وتقدم ..مد يد اليه بورقة زرقاء مطوية بعناية ..طلب منه قراءة مافيها ..فتحها بسرعة ..اجرى عليها عينيه مهرولة عبر الحروف البيضاء....مع ارتطام نظراته بالحرف الاخير سمع صوته يزحف بطيئا الى اذنيه ..:- املأها بمحض ارادتك .
مدت زوجته عينيها اليها ..وسط السطر كتب ..( استبيان )..تحتها اسئلة متدرجة ..سؤال ثم فراغ للأجابة وهكذا ..قرأت السؤال الاول :- فسر ..لماذا يتم تفتيش بيتك الآن ؟
عرجت على الثانى :- اذا لم تكن مجرما وتستحق المساءلة ..فماذا تكون ؟
هرولت نظراتها الى الثالث :- ماهو الدور الاجرامى الذى قمت به بحجة انك مظلوم ومضطهد ومهمش ؟
رأت يد زوجها تمتد الى ظلام الحروف استعدادا للجواب ..صرخت فيه :-
حذار ..قد يكون كمين !
رفع يدا مرتعدة ..حدجه الاخر بقسوة..خفض عينيه هربا منه ..سمع صوته الزاحف يعاود الانسلال الى اذنيه :-
- من الاجراءات الديموقراطية ان نترك للمتهم الحرية - فى الاختيار
وجد صوته بالكاد فاستخدمه مضطرا :- اى اختيار ؟
قدم اليه ورقة جديدة طالبا منه أن يقرأها ..القى بنظرات حائرة على سطورها التالية
مستند اختيار
أ - اذا كنت واثقا من برائتك ولم تذنب فى شىء ، ادفع فورا رسوم مذكرة تظلم ، لتتقدم بها الى لجنة التظلمات ، لفحص شكواك .
ب - اذا كنت مذنبا وتريد التوبة حقا وفعلا ، يمكنك اعلان توبتك ونحن سنقبلها ، وسوف نعطيك صكا بالعفو وذلك مقابل رسم اعلان توبة تقوم بدفعه الى لجنة التوبات
ج- اذا كنت ترفض الاشتراك فى هذا النظام فأن عليك ان تطلب استكمال التحقيق الجارى الآن وفى حالة حدوث اهانة لك او لأحد افراد اسرتك اتصل فورا برقم ( 00 0900 ) علما بأن الدقيقة بمبلغ ( )
انتبه لصوت الرجل ناعما ينسل فى زحفه الثعبانى الى اذنيه هامسا :_ انتهيت من القراءة ؟
رفع عينيه نظراتهما منخفضة اليه :- وصلت للبند ج
قال :- هذا يكفى ..هل حددت البند الذى تريد ؟
عادت زوجته تصرخ :- حذار من التعامل معهم ..انت لاتدرى مدى شرهم .
استدار الرجل اليها بنظراته الذئبية سائلا :- هل تعاملنا معكم بعنف ؟
اندفعت تواجهه :- وماذا تسمى مانحن فيه ؟
قال وهو يدور بعينيه عبر تقاطيع وتقاسيم وجهها هابطا بنظرات سريعة مدربة الى سائر فرعها :-
- اسميه تفتيش للأشتباه وبطريقة ديموقراطية
- وهل من الديموقراطية ان تروعّنا ؟
- وماذا تقترحين فى هذا الشأن ؟
- على الأقل نعرف سبب التفتيش
- هذا من حقكم تماما ..يمكنك دفع رسم ايضاح حالة ..وبعده نقول لك ماتريدين
- هل نستلم ايصالا بالدفع ؟
- طبعا .
واخرج دفترا ازرق الون ..وقع على ايصال ابيض بحروف سوداء ..قطعه بعناية ورفق ، ومده اليها مع ابتسامة سائلة بلا لون ..نظرات فيه .ارتجفت يدها بقوة ..سألها زوجها وهوبين دفتى التردد:- مابك ؟
رفعت عينيها اليه بنظرات الذهول :- انظر
استطاع مد يده واخذ الايصال ..حدق فيه ..اصابته عدوى الارتجاف :- كل هذا المبلغ ..رسم اضاح حاله ؟؟!
حدجه بنظرة صارمة كقيد :- انه سعر رسمى يطبق فى انحاء البلاد .
همس :- لكننى لا املك كل هذا المبلغ .
سأله :- كم معك ؟
قال :- النصف
تفكر قليلا ثم عاد اليه ..حدق في عينيه وهو يصب كلماته بطيئة فى اذنيه :- بالنصف الآخر يمكنك بيع حاستى الشم والسمع.
لم يفهم شيئا ..وان كانت اعماقه قد امتلأت بقلق ..رمى بنظرات لا لون لها الى محدثه ..فاتحا فمه ومكتفيا بارتجافة خفيفة تهز جسده هامسا :- كيف ؟
وضع الآخر يده على كتفه مطّمئنا :- لاتقلق ..انها اجراءات روتينية ..شكلية .. للحفاظ على المواطن.
وطلب النقود ..بعدها بدأ يشرح اسباب الاشتباه فيهم ..قاطعت الزوجة كلامه فى هستيريا :-
- كفى ..كفى ..هل هذا يديننا . ؟ رد بهدوء وهو يعاود تفحصها :-
- لم تتم الادانة بعد ..لكنه اشتباه ..والآن بما انك رفضت التعاون معنا فليس امامنا الا اتباع اجراء جديد معكم ..فهل تسمح لنا ؟
وهو يوجه كلامه للزوج ..بينما عيناه على الزوجة ..التى اشار لها بالاقتراب وهو يكمل حديثه معه :-
- المفروض ان نغتصب زوجتك امامك لنجبرك على الاعتراف ..امامك امران لتمنع هذا :-
الاول ان تعترف وتنقذها ..والثانى ان تدفع رسما يسمى رسم شرف لايقاف التنفيذ .
صرخ دون تفكير :-
:- ادفع
مد يده اليه بايصال جديد ..نظر الى المبلغ ..صعق ..:- لكننى لا أملك هذا المبلغ !!
قال بذات حروفه الزاحفة :- فى تلك الحالة امامك طريقان ..الاول ان نستكمل عملنا ..الثانى ان تبيع لنا شقتك
لاشعوريا فتح فمه الى اخره ،واتسعت عيناه لأقصى ماتملك من اتساع ..رأى نظراته الزجاجية تجابهه .. احنى رأسه قائلا :- اخترت البند الثانى .
دار فى المكان دورة سريعة معاينا وعاد اليه :- المكان لايساوى المبلغ المطلوب .
ارتعدت خلايا وجه الزوج ..رأه يقترب ..زاد ارتعاده ..سمعه من واد سحيق يهمس وهو يقرب وجهه منه قائلا :-
- يمكنك بيع حواس التذوق والابصار واللمس
هز رأسه يمينا وشمالا دون ان ينبس بحرف ..عاد الآخر يضع يده على كتفه بود :-
- انها كما قلت لك اجراءات شكلية
حاول ان يتمكن من الحروف ..سأل بالكاد :- ومن يضمن لى هذا ؟
قال بقوة :- انا
بعدها عاد يدق مسامير نظراته فى عنينه قائلا :-
- الان جاء الدور عليك ..اما ان تعترف او نستعمل معك الطريقة ( س )
واشار الى عصا غليظة مع احدهم لها جسم اسطوانى اسود ينتهى بسن مدبب طويل .
اعترض الاخر فزعا :- ستضربنى بها ..وامام اولادى ؟؟!!
هز الآخر رأسه ببطء شديد سلبا واقترب منه ..كاد ان يلصق وجهه فى ملامحه المرتعدة وهو يقول له :-
- هذه لاتستعمل فى الضرب
ونظر الى ظهرة الاسفل نظرة ذات معنى .. هوى الزوج ارضا ..جلس الآخر قبالته مكملا :-
- امامك طريقان ..الاول ان تدفع رسم مصالحة ..الثانى الا تدفع وفى تلك الحالة سنستعمل العصا .
. همس بلا وعى:-
..: - اخترت الاول ..لكننى لا املك نقودا
اتسعت ملامح وجهه لابتسامة ذات لون باهت وهو يقول :- اذن نشترى شهوة الكلام لديك .
عاد يلقى اليه بنظرة بلهاء ..كبطة عرجاء لاتدرى لم القى بذراعيه الى جانبه مسلما. صمت قليلا ثم تذكرانه يجب ان ينطق بشىء ..سأل :- هل فى هذا اعباء جديدة ؟
وضع الاخر يده على كتفه قائلا :- لا اعباء
فوجىء الاثنان بمن يدفعهما معا من الخلف ..دفعة لم تعط لأيهما فرصة لتوازن او محاولة استقامة من جديد ..ارتطمت الوجوه بالحائط ، ومن الحائط هوت ارضا ..استدارا سريعا من وضع الانبطاح ارضا على وجهيهما استكشافا للآمر ..وجدا الاولاد بيد كل منهم سلاحا يصرخون :-
- تلك الاتفاقيات كلها ..نرفضها
وجه الاثنان من موقعهما على الارض نظرات مليئة بالسخط اليهم !!