النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: سلسلة من الأحداث المؤسفة لـ ليموني سنيكيت

  1. #1
    التسجيل
    06-08-2004
    الدولة
    مصر , الإسكندرية
    المشاركات
    374

    سلسلة من الأحداث المؤسفة لـ ليموني سنيكيت

    سلسلة من الأحداث المؤسفة لـ ليموني سنيكيت
    الكتاب الأول : البداية السيئة
    الإهداء : إلى بياتريس العزيزة , الغالية , المتوفاة
    الفصل الأول
    لو كنتَ مهتما بالقصص ذات النهايات السعيدة فمن الأفضل لك أن تقرأ كتابا آخر. فهذا الكتاب لا يفتقر فقط لنهاية سعيدة بل للبداية السعيدة أيضا, هذا غير أن القليل جدا من الأشياء السعيدة تحدث في المنتصف. وهذا عائد لأن القليل من الأشياء السعيدة قد وقعت في حياة أبناء بودلير الثلاثة. فيوليت وكلاوس وصني هم أطفال أذكياء فاتنين متنورين لهم وجوه سمحة. لكنهم على درجة كبيرة من سوء الحظ وأغلب ما حدث لهم كان حافلا بالبؤس واليأس والألم. أنا آسف لأن أخبرك بهذا لكن هكذا هي القصة.
    محنتهم بدأت يوما ما على شاطئ البحر. فبالقرب من هذا الشاطئ عاش الأطفال الثلاثة مع والديهم في قصر ضخم يقع في قلب مدينة متسخة ومشغولة دائما. ومن وقت لآخر كان والداهم يسمحان لهم باستقلال حافلة مترنحة – كلمة مترنحة هنا تعني, كما لابد وأنك تعلم, غير ثابتة أو ميالة للسقوط – إلى ساحل البحر بمفردهم حيث يقضون النهار في نوع من النزهة طالما يعودون للمنزل في وقت العشاء. هذا الصباح بالذات كان رماديا وغائما وإن لم يضايق هذا أبناء بودلير الصغار في أقل القليل. لأنه عندما يكون الجو حارا ومشمسا يزدحم الشاطئ بالسياح ويستحيل أن تجد مكانا جيدا تضع فيه دثارك على الأرض لتجلس. في الأيام الرمادية والغائمة يستحوز الأطفال الثلاثة على الشاطئ كله لأنفسهم.
    فيوليت بودلير , الأخت الكبرى, كانت تحب أن تقذف الحجارة في الماء. وكأغلب من هم في سن الرابعة عشر كانت فيوليت تستخدم يدها اليمنى لذا كانت الأحجار تقفز أبعد على السطح الداكن للماء عندما تستعمل يمناها أكثر مما لو استعملت يسراها. وفيما هي تقذف الأحجار كانت تنظر للأفق وتفكر في اختراع تريد أن تبنيه. كل من يعرف فيوليت كان سيعرف أنها تفكر بقوة لأن شعرها الطويل كان مربوطا بشريط ليبعده عن عينيها. كان لدى فيوليت موهبة في اختراع وبناء الأجهزة الغريبة لذا كان عقلها غالبا مملوءا بصور البكرات والروافع والتروس ولذا لم ترد أبدا أن يتشتت انتباهها بشيء هامشي كشعرها. هذا الصباح كانت تفكر في كيف تنشئ جهازا يستعيد الحجارة بعد أن تكون قد قذفتها للمحيط.
    كلاوس بودلير , الابن الأوسط , والولد الوحيد كان يحب أن يفحص المخلوقات الموجودة في حفر على الشاطئ. كلاوس أكبر من الثانية عشر بقليل ويرتدي النظارات مما جعله يبدو ذكيا. وفي الحقيقة هو كان فعلا ذكيا. فوالدا الأطفال كان عندهما مكتبة ضخمة داخل القصر. غرفة مشغولة بآلاف الكتب عن تقريبا كل موضوع ممكن. ولأنه كان فقط في الثانية عشر فكلاوس بالطبع لم يقرأ كل الكتب في المكتبة لكنه قرأ الكثير والكثير منها واحتفظ في ذاكرته بالعديد من المعلومات من تلك القراءات. كان يعرف كيف يفرق مثلا بين التمساح العادي وتمساح القاطور الأمريكي. كان يعرف من قتل يوليوس قيصر وكان يعرف الكثير عن المخلوقات البحرية الصغيرة التي توجد على شواطئ المحيطات والتي كان الآن يفحص بعضها.
    صني بودلير, الصغرى, كانت تحب أن تقضم الأشياء. كانت رضيعة وصغيرة بالنسبة لسنها, أكبر بالكاد من فردة حذاء "بوط". لكن ما فقدته في الحجم عوضته بحجم وحدة أسنانها الأربعة. صني كانت في عمر حيث يتكلم المرء غالبا بسلسلة من الصيحات غير المفهومة. وباستثناء بضعة كلمات حقيقية يحويها قاموس مرادفاتها مثل "زجاجة" و "ماما" و"أعض" فغالبية الناس كانوا يواجهون صعوبة في فهم ما تقوله صني. فهذا الصباح على سبيل المثال كانت تصيح "جاكو!" مرة بعد الأخرى مما من المحتمل أن يعني "انظروا لهذا الشخص الغامض القادم في الضباب!"
    وبالفعل, على البعد على الساحل الضبابي للشاطئ كان يمكن أن يُرى شخص طويل يخطو خطوات واسعة نحو الأطفال. صاحت وأشارت صني ناحية الشخص لفترة قبل أن يرفع كلاوس بصره عن حيوان السرطان الشوكي الذي كان يفحصه ويرى هو أيضا الشخص. مد يده ولمس ذراع فيوليت معيدا إياها من أفكارها الاختراعية.
    قال كلاوس "انظري لهذا" وأشار ناحية الشخص الذي كان يقترب مما أتاح للأطفال أن يتبينوا بضعة تفاصيل. كان في حجم رجل بالغ ما عدا الرأس التي كانت طويلة ومربعة بعض الشيء.
    سألت فيولت "ماذا تعتقد أن يكون هذا ؟". "لا أدري" أجاب كلاوس مدققا النظر " لكن يبدو أنه متجه صوبنا"
    قالت فيوليت بشيء من العصبية " نحن بمفردنا على الشاطئ , لا يوجد أحد آخر يمكن أن يتجه إليه" تحسست الصخرة الضئيلة في يدها اليسرى والتي كانت على وشك أن تقذفها لأبعد ما تستطيع. مرت بها فكرة خاطفة أن ترميها على الشخص لأنه كان يبدو مرعبا للغاية.
    قال كلاوس وكأنه قرأ أفكار أخته "إنه فقط يبدو مرعبا بسبب كل الضباب"
    وكان هذا صحيحا لأنه إذ وصل إليهم الشخص تبين للأطفال في ارتياح أنه لم يكن شيئا مخيفا على الإطلاق بل شخصا يعرفونه , السيد بو. السيد بو كان صديقا للسيد والسيدة بودلير وقابله الأطفال العديد من المرات في حفلات العشاء. واحد من الأشياء التي أحبها فيوليت وكلاوس وصني في والديهم هي أنهما لا يبعدان أبنائهما عندما تأتي صحبة للزيارة بل يسمحان لهم بالانضمام لطاولة العشاء مع الكبار والمشاركة في المحادثة طالما ساعدوا في رفع الأطباق. تذكر الأطفال السيد بو لأنه كان دائما مصابا بزكام وكثيرا ما اعتذر وقام عن المائدة ليدخل في نوبة سعال في الحجرة المجاورة.
    رفع السيد بو قبعته العالية التي كانت تجعل رأسه يبدو كبيرا ومربعا في الضباب ووقف للحظة يسعل بقوة في منديل أبيض. فيوليت وكلاوس تقدما ليصافحاه ويرحبا به.
    قالت فيوليت "كيف حالك؟"
    وقال كلاوس "كيف حالك؟"
    وقالت صني "كفا هالوك؟"
    قال السيد بو "بصحة جيدة. شكرا" لكنه بدا حزينا للغاية. لثوان لم يقل أحد شيئا وتساءل الأطفال ما الذي أتى بالسيد بو للشاطئ حين أنه من المفترض أن يكون بعمله بالبنك في المدينة. هذا بالإضافة أنه لم يكن مرتديا ملابس مناسبة للشاطئ.
    قالت فيوليت محاولة بدء محادثة "إنه يوم جميل". صني أصدرت صوتا يشبه طائرا غاضبا فرفعها كلاوس وأمسكها.
    قال السيد بو في شرود ناظرا للشاطئ الفارغ "نعم .. إنه يوم جميل. لكن أخشى أنني أحمل لكم بعض الأخبار السيئة للغاية أيها الأطفال". نظر الثلاثة إليه. فيوليت تحسست في بعض الإحراج الصخرة في يدها اليسرى وسعدت لأنها لم تقذفها عليه.
    قال السيد بو "والداكما .. توفيا في حريق مروع".
    لم ينطق الأطفال ببنت شفه.
    " لقد توفيا في حريق جاء على المنزل كله. أنا آسف للغاية أن أخبركم بهذا يا أعزائي"
    فيوليت رفعت عينيها عن السيد بو وحملقت في المحيط. السيد بو لم يدعهم بـ"أعزائي" من قبل. فهمت الكلمات التي نطق بها لكن فكرت أنه لا بد أن يكون مازحا. مزحة رهيبة يلعبها عليها وعلى أخيها وأختها.
    قال السيد بو " توفيا تعني ماتا". قال كلاوس في استهجان "نحن نعلم ماذا تعني كلمة توفيا". كان يعلم ماذا تعني "توفى" لكنه مع ذلك كان يواجه صعوبة في فهم ما قاله السيد بو بالضبط. بدا له أن السيد بو لا بد وقد أخطأ في الحديث.
    "قسم الإطفاء حضر بالطبع, لكنهم وصلوا متأخرين جدا. المنزل بأكمله كان محاطا بالنيران وقد احترق للأساسات"
    تصور كلاوس كل الكتب في المكتبة وقد اشتعل فيها اللهب. الآن لن يقرأ كلاً منها أبدا.
    سعل السيد بو عدة مرات في منديله قبل أن يكمل "أنا تم إرسالي لإحضاركم من هنا وأخذكم لمنزلي حيث ستقيمون بعض الوقت إلى أن ندبر الأمور. أنا الوصي على ممتلكات والديكم وهذا يعني أنني سأشرف على ثروتهم الضخمة وعن تدبير أين ستسكنون. عندما تصل فيوليت لسن الرشد ستكون الثروة من نصيبكم لكن إلى أن يأتي هذا الحين سيكون البنك مسئولا عنها".
    على الرغم من قوله أنه الوصي شعرت فيوليت كما لو أنه الجلاد. لقد مشى إليهم ببساطة وغير حياتهم للأبد.
    قال السيد بو وهو يمد يده "تعالوا معي", ولتمسك بها اضطرت فيوليت لإلقاء الصخرة التي كانت تمسك بها. كلاوس أمسك يد فيوليت الأخرى وصني أمسكت يد كلاوس الحرة, وبهذه الطريقة ابتعد أبناء بودلير – أيتام بودلير الآن – عن الشاطئ , وعن حياتهم الماضية.
    mando2u2003 @ yahoo . com

  2. #2
    التسجيل
    06-08-2004
    الدولة
    مصر , الإسكندرية
    المشاركات
    374

    رد: سلسلة من الأحداث المؤسفة لـ ليموني سنيكيت

    الفصل الثاني
    لا جدوى عندي في أن أصف لك مدى السوء الذي شعر به فيوليت وكلاوس وحتى صني في الوقت الذي تلا هذه الأحداث. لو كنت فقدت يوما شخصا غاليا عليك للغاية إذن فأنت تعرف بالفعل شعورهم, أما إن لم تكن فمن المستحيل عليك تصور الشعور. كان الأمر بالطبع رهيبا على نحو خاص على أبناء بودلير لأنهم فقدوا كلا والديهم في الوقت نفسه لذا صاروا لعدة أيام في حالة شديدة السوء لدرجة استطاعوا معها بالكاد القيام من السرير. كلاوس وجد أنه لم يعد يهتم بالكتب. التروس في عقل فيوليت المحب للاختراع توقفت عن الحركة. وحتى صني التي كانت بالطبع أصغر من أن تفهم تماما هول ما حدث صارت تعض الأشياء بحماسة أقل.
    بالطبع لم ييسر عليهم الأمر أنهم فقدوا منزلهم أيضا وكل ممتلكاتهم. فكما أظنك تعرف, أن يكون المرء في غرفته الخاصة وسريره الخاص يخفف غالبا من سوداوية أي موقف, لكن أَسِرَّة (جمع سرير) أيتام بودلير تحولت إلى بقايا متفحمة. أخذهم السيد بو لما بقى من القصر ليروا إن ظل شيء ما سالما وكان المنظر رهيبا. ميكروسكوب فيوليت التحم في بعضه من أثر حرارة النيران, وقلم كلاوس المفضل تحول إلى رماد, وكل ألعاب صني التي تعض عليها قد انصهرت. هنا وهناك استطاع الأطفال أن يروا آثارا من المنزل الضخم الذي أحبوه, شظايا من البيانو الكبير, الزجاجة الأنيقة التي كان السيد بودلير يحتفظ فيها بالشراب, وسادة كرسي النافذة المحروقة حيث كانت أمهم تحب أن تجلس لتقرأ.
    ولأن منزلهم تدمر وجب على الأطفال أن يتعافوا من خسارتهم الفادحة في منزل السيد بو مما كان بعيدا عن المقبول. السيد بو نادرا ما كان بالمنزل لأنه كان مشغولا للغاية بالاعتناء بشؤون الأطفال وعندما كان يأتي كان غالبا ما يسعل بشدة بطريقة يصعب معها القيام بمحادثة. اشترى لهم السيد بو ملابس لكنها كانت متنافرة الألوان وتصيب بالحكة. وابنا السيد بو – إدجار وألبرت -كانا صاخبين وبغيضين واضطر أطفال بودلير أن يشاركاهما حجرة صغيرة كانت لها رائحة مريعة.
    لكن مع كل هذا اختلفت مشاعر الأطفال عندما أخبرهم السيد بو على غداء فاتر مكون من الدجاج المسلوق والبطاطس المسلوقة والفاصوليا المغلية – كلمة مغلية هنا تعني أيضا مسلوقة! – أنهم سيغادرون المنزل في الصباح الباكر.
    قال ألبرت الذي كانت لديه قطعة بطاطس محشورة بين أسنانه "جيد.. الآن يمكننا أن نستعيد حجرتنا, فقد تعبت من المشاركة فيها. فيوليت وكلاوس متجهمان دائما وغير مرحين على الإطلاق"
    قال إدجار "والرضيعة تعض" قاذفا عظمة دجاج على الأرض كما لو أنه حيوان في حديقة الحيوانات وليس ابنا لموظف بنكي محترم.
    سألت فيوليت في عصبية "إلى أين سنذهب". فتح السيد بو فمه ليتكلم لكن قاطعته نوبة قصيرة من السعال ثم قال أخيرا "لقد قمت بالتحضيرات اللازمة ليتكفل بكم قريب بعيد يعيش في الجهة الأخرى من البلدة. اسمه هو الكونت أولاف"
    نظر فيوليت وكلاوس وصني لبعضهم غير متأكدين كيف يشعرون. فهم من ناحية لا يريدون أن يعيشوا مع عائلة السيد بو أكثر من هذا, وهم من ناحية أخرى لم يسمعوا إطلاقا بكونت أولاف ولا يعرفون كيف سيكون.
    قال السيد بو "وصية والديكم تشير إلى أن تتم تربيتكم بأفضل طريقة ممكنة. هنا في المدينة ستكونون معتادين على الوسط المحيط وهذا المدعو كونت أولاف هو الوحيد من أقاربكم الذي يعيش ضمن حدود المدينة"
    فكر كلاوس في هذا لدقيقة وهو يبتلع بعض الفاصوليا "لكنْ والدانا لم يذكروا لنا كونت أولاف على الإطلاق. كيف يقرب لنا على وجه الدقة ؟". تنهد السيد بو ونظر لصني التي كانت تعض على شوكة وتستمع باهتمام "هو إما ابن عم خالة والديكم أو ابن خالة عمتهم, ومع أنه ليس أقرب شخص بحسب شجرة العائلة إلا أنه الأقرب مكانيا, ولهذا.. "
    قاطعته فيوليت قائلة "إن كان يعيش في المدينة فلماذا لم يدعه أهلنا أبدا للزيارة ؟"
    قال السيد بو "محتمل لكونه مشغولا للغاية. فمهنته ممثل وغالبا ما يسافر للخارج مع مختلف الفرق المسرحية"
    قال كلاوس "ظننت من قولك أنه كونت". قال السيد بو "إنه كونت وممثل في نفس الوقت. والآن عذرا على قطعي الغداء لكن يجب عليكم أيها الأطفال أن تحزموا حاجياتكم ويجب عليّ أنا أن أعود للبنك لأقوم بالمزيد من العمل, فأنا - مثل الوصي القانوني الجديد عليكم – مشغول أيضا للغاية"
    كان لدى الثلاثة المزيد من الأسئلة لكن السيد بو كان قد نهض بالفعل من أمام المائدة وبتلويحة بسيطة من يده غادر الغرفة. سمعوا سعاله في منديله ثم صرير الباب وهو يغلق خلفه.
    قالت السيدة بو "حسنا.. من الأفضل أن تبدؤوا أنتم الثلاثة في حزم الحقائب. وأنت يا إدجار ويا ألبرت ساعداني في تنظيف المائدة "
    دخل أيتام بودلير الغرفة وراحوا بكآبة يحزمون مقتنياتهم القليلة. نظر كلاوس باشمئزاز لكل قميص قبيح اشترته له السيدة بو وهو يطويهم ويضعهم في حقيبة صغيرة. نظرت فيوليت في أنحاء الغرفة الضيقة ذات الرائحة التي كانوا يعيشون فيها. وراحت صني تزحف على الأرض وتعض كل واحد من أحذية إدجار وألبرت تاركة آثار أسنان صغيرة عليها حتى لا ينساها أحد. من وقت لآخر كان الأطفال ينظر بعضهم لبعض لكن بمستقبل غامض كمستقبلهم لم يجدوا شيئا ليقولوه. عند وقت النوم تقلبوا طول الليل غير قادرين على النوم ما بين غطيط إدجار وألبرت العالي وبين أفكارهم القلقة. وأخيرا دق السيد بو على الباب وأطل برأسه على الغرفة وقال "استيقظوا وتنبهوا أيها الأطفال. فقد حان الوقت لتذهبوا لبيت الكونت أولاف"
    نظرت فيوليت حولها في الغرفة المزدحمة وعلى الرغم من أنها لم تعجبها شعرت ببعض الاضطراب بخصوص المغادرة. سألتْ "هل يجب أن نذهب حالا في هذه اللحظة ؟"
    فتح السيد بو فمه ليتكلم لكنه سعل عدة مرات قبل أن يبدأ "نعم, حالا. سأوصلكم في طريقي للبنك لذا يجب أن نغادر بأسرع ما يمكن" ثم قال بحدة"من فضلكم انهضوا من الأسرة وارتدوا ملابسكم", كلمة بحدة هنا تعني سريعا وبشيء من العنف, كما لو أنه يدفعهم خارج المنزل.
    ترك الأطفال المنزل. زمجرت بهم سيارة السيد بو على طريق المدينة المليء بالحصى متجهة صوب المكان الذي يعيش فيه الكونت أولاف. مروا بعربات تجرها الأحصنة ودراجا بخارية في "شارع الركود". مروا بالنافورة المتقلبة وهي نُصُب منحوت يرش في بعض الأحيان مياه يلعب فيها الأطفال الصغار. مروا بكومة هائلة من التراب حيث وُجدت يوما الحدائق الملكية. وبعد قليل من الوقت قاد السيد بو سيارته في طريق ضيق مرصوص على جانبيه بمنازل بنيت من حجارة باهتة وتوقف في منتصفه.
    قال في صوت يحاول أن يكون مرحا "ها قد وصلنا. منزلكم الجديد"
    نظر الأطفال وشاهدوا أمامهم أجمل منزل في المكان. الأحجار كانت قد تم تنظيفها بعناية, ومن النوافذ الواسعة المفتوحة يمكن للمرء أن يرى تشكيلة من النباتات المعتنى بها. في مدخل البيت كانت تقف امرأة كبيرة السن ترتدي ملابس أنيقة يدها على المقبض النحاسي للباب وتبتسم للأطفال. كانت تحمل في يدها أصيصا به زهور.
    صاحت "أهلا!.. أنتم بالتأكيد الأطفال الذين تبناهم الكونت أولاف"
    فتحت فيوليت باب السيارة وخرجت لتصافح يد المرأة. كانت يدها قوية ودافئة ولأول مرة منذ زمن طويل شعرت فيوليت كما لو أن حياتها وحياة أخويها ستتحسن بعد كل شيء.
    قالت "نعم.. نحن هم. أنا فيوليت بودلير وهذان أخي كلاوس وأختي صني. وهذا السيد بو الذي يدبر أمورنا منذ أن مات والدانا"
    قالت المرأة بعد أن رحب الجميع ببعضهم "أجل. لقد سمعت عن الحادث. أنا قاضية شتراوس"
    علق كلاوس قائلا "هذا اسم غير معتاد"
    وضحت هي قائلة "إنه لقبي وليس اسمي الأول. فأنا أعمل قاضية في المحكمة العليا"
    قالت فيوليت "جميل للغاية. وهل أنت متزوجة من الكونت أولاف ؟"
    قالت القاضية شتراوس "يا إلهي! بالطبع لا. أنا في الحقيقة لا أعرفه معرفة جيدة. إنه جاري المجاور لي"
    نظر الأطفال من منزل القاضية شتراوس النظيف للمنزل المتهدم المجاور. الأحجار كانت ملطخة بالسخام وكان هناك نافذتان صغيرتان مغلقتان ومسدلة ستائرهما على الرغم من اليوم كان جميلا. وفوق النوافذ ارتفع برج طويل وقذر ومائل قليلا ناحية اليسار. الباب الأمامي كان محتاجا للدهان, ومحفورة في منتصفه كانت صورة عين. المنزل بأكمله كان مرتخيا على جانبه كسن ملوية.
    قالت صني "أوه!" وكل منهم عرف ما الذي كانت تعنيه.كانت تعني "يا له من منزل بغيض. أنا لا أريد أن أعيش هنا على الإطلاق"
    قالت فيوليت للقاضية شتراوس "حسنا.. كان جميلا أن نتعرف إليك"
    قالت القاضية شتراوس مشيرة نحو الأصيص "أجل.. ربما يوما ما يمكن أن تأتوا وتساعدوني في حديقتي"
    قالت فيوليت في حزن "سيكون هذا طيبا للغاية". إنه سيكون بالطبع طيبا للغاية بالفعل أن يساعدوا القاضية شتراوس في حديقتها. لكن فيوليت لم تملك إلا أن تفكر في أنه سيكون أفضل لو عاشوا في بيت القاضية بدلا من بيت الكونت أولاف. تساءلت فيوليت, أي نوع من البشر يحفر صورة عين على بابه الأمامي.
    رفع السيد بو قبعته للقاضية شتراوس التي ابتسمت للأطفال ثم اختفت داخل بيتها الجميل. تقدم كلاوس ودق باب الكونت أولاف, مفاصل أصابعه في منتصف العين المحفورة. بعد هنيهة انفتح الباب بصرير ورأى الأطفال كونت أولاف للمرة الأولى.
    قال الكونت أولاف في صوت هامس مصفّر"يا هلا.. يا هلا.. يا هلا !". كان طويل جدا ورفيعا جدا, مرتديا بذلة رمادية عليها العديد من البقع السوداء. وجهه كان غير حليق, وبدلا من حاجبين كباقي البشر كان لديه حاجب واحد طويل. عيناه كانتا متألقتين لامعتين مما جعله يشبه انسانا غاضبا وجائعا معا. "أهلا يا أبنائي. من فضلكم ادخلوا بيتكم الجديد وامسحوا أقدامكم في الخارج حتى لا يدخل أي طين"
    إذ دخلوا المنزل وخلفهم السيد بو أدرك أيتام بودلير مدى سخف ما قاله الكونت الآن. الحجرة التي وجدوا أنفسهم فيها كانت أقذر ما شاهدوا في حياتهم, وبعض الطين من الخارج ما كان ليصنع فرقا كبيرا. حتى على الضوء الشحيح القادم من المصباح الوحيد المعلق من السقف أمكن للثلاثة أن يروا أن كل شيء بالحجرة كان قذرا, بداية من رأس الأسد المحنطة والمدقوقة على الحائط ونهاية بسلطانية بقايا التفاح الموجودة على منضدة خشبية صغيرة.كلاوس غالب في نفسه البكاء عندما نظر حوله.
    قال السيد بو متأملا حوله في الظلام "هذه الغرفة يبدو عليها أنها تحتاج القليل من الإصلاح"
    قال كونت أولاف "أنا أدرك أن منزلي المتواضع ليس في أناقة قصر بودلير. لكن ربما بالقليل من أموالكم يمكننا أن نحسنه قليلا"
    اتسعت عينا السيد بو في دهشة وتردد صدى سعاله في الغرفة المظلمة قبل أن يتكلم.
    قال بحزم "ثروة بودلير لن تستخدم لأشياء كهذه. في الحقيقة أنها لن تستخدم على الإطلاق حتى تبلغ فيوليت سن الرشد"
    تحول الكونت أولاف للسيد بو بلمعان في عينه ككلب غاضب. وللحظة ظنت فيوليت أنه سيلطم السيد بو على وجهه لكنه ابتلع ريقه – رأى الأطفال تفاحة آدم تتحرك في عنقه النحيف – وهز كتفيه المرقعين.
    قال "حسنا إذن. سيان بالنسبة لي. شكرا لك يا سيد بو على إحضارهم إلى هنا. يا أطفال, الآن سأريكم حجرتكم"
    قال السيد بو وهو يخرج من الباب الأمامي "وداعا يا فيوليت ويا كلاوس ويا صني. أتمنى أن تكونوا سعداء هنا. سأستمر في رؤيتكم من حين لآخر ويمكن أن تروني في البنك إن كانت لديكم أية أسئلة"
    قال كلاوس "لكننا لا نعرف حتى أين يقع البنك"
    قال أولاف "أنا لدي خريطة للمدينة. وداعا يا سيد بو" ومال ليغلق الباب.
    ول على الأطفال حزن شديد إذ لم يلقوا نظرة أخيرة علي السيد بو. تمنوا الآن لو بقوا في منزل بو على الرغم من رائحته. بدلا من أن ينظروا للباب نظروا للأسفل ورأوا أنه على الرغم من أن أولاف كان مرتديا حذاءين إلا أنه لم يكن مرتديا أية جوارب. واستطاعوا أن يروا في المنطقة العارية بين أطراف سرواله الممزق وحذاءه الأسود أنه كان لدى الكونت أولاف صورة عين موشومة على كاحله تطابق العين على بابه الأمامي. تساءلوا كم عين أخرى توجد في بيت أولاف وإن كانوا سيشعرون لبقية حياتهم كما لو أن كونت أولاف يراقبهم حتى عندما لا يكون قريبا.
    mando2u2003 @ yahoo . com

المواضيع المتشابهه

  1. أهل السنة ومواجهة الأحداث :
    بواسطة : أيمن المسلم , في المنتدى العام
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 25-11-2007, 09:48 AM
  2. أخبار سياسية الكتلة الإسلامية في جامعة الأقصى تصدر بياناً توضيحيّاً حول الأحداث المؤسفة
    بواسطة : سهم الاسلام , في أخبار اليوم
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 23-05-2005, 11:17 PM
  3. سلسلة ( فتاوى العلماء في الأحداث ) الصوتية
    بواسطة : قلم دبلوماسي , في المنتدى العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 18-07-2004, 01:29 PM
  4. أخبار سياسية صدى الأحداث
    بواسطة : sohil , في أخبار اليوم
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-01-2002, 01:53 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •