النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: التــــآكل

  1. #1
    التسجيل
    11-04-2010
    المشاركات
    8

    التــــآكل


    التــــآكل





    سوف يستغرق الأمر وقتًا طويلاً جدًا قبل أن يعرف الناس من أين جاء التآكل..

    خمسون يومًا لا أكثر، لكن قد يتبدل العالم ويتغير كل شيء.. وأنا أجلس هنا في هذا الوكر الضيق أنتظر النهاية ولا أعرف إن كانت ستأتي حقًا، ومن أية جهة؟.. وبأية طريقة؟..

    أعتقد أن كل شيء بدأ في يوم جمعة هادئ عندما كان الناس عائدين لبيوتهم لتناول الغداء، وقد انتهت صلاة الجمعة منذ ساعة.. لابد أن أول الضحايا كان ذلك البقال العجوز. كان الزبائن يتزاحمون عنده ويكلمونه وفجأة بدأ وجهه يتآكل.. وبدأت عظامه تبرز للعيان.. ثم هوى على الأرض وثمة شيء كأنه بخار أخضر ينبعث منه، وفي اللحظة التالية أدرك الزبائن المذعورون أنهم ينظرون إلى هيكل عظمي تكسوه الثياب..

    لم يصدق أحد ما حدث حتى تهاوت الضحية الثانية خلال ثلث ساعة.. ثم الضحية الرابعة..
    هرع الناس إلى أجهزة المذياع والتلفزيون يبحثون عن أنباء.. يبدو أن هناك حوادث مماثلة في أكثر من مكان بالقاهرة.. ثمة شيء غير مفهوم..

    يبدو أن فريقًا من منظمة الصحة العالمية جاء إلى مصر على وجه السرعة. بعد يوم وجد العلماء أن هناك حمضًا نوويًا وجزئ بروتين يملأ الأنسجة الباقية من الضحايا، وقد استطاعوا نقل العدوى لحيوانات التجارب بحقنها بهذا الجسم المبهم.. وخلال ساعات كان العالم قد عرف أن هناك فيروسًا مجهولاً جاء من مكان ما.. فيروسًا يقضي على ضحاياه خلال دقائق، وهذا عن طريق إذابة الأنسجة العضوية كلها..

    ما كان يحتاج إلى أعوام في الماضي صار يحتاج إلى دقائق في عصر أجهزة الكمبيوتر الجديدة وكل ما صرنا نعرفه عن الهندسة الجينية.. لقد وجدوا الفيروس واستطاعوا تتبع تركيبه الجيني الذي يحوي قواعد لم يعرفها العلم من قبل.. قواعد غير أرضية.. وتذكر الجميع ما تنبأ به العلماء منذ دهر أن اللقاء الأول مع الكائنات الفضائية لن يكون لقاء مع كائن أخضر له هوائي على رأسه، بل هو على الأرجح سيكون مع كائنات وحيدة الخلية كالبكتريا أو لا خلايا على الإطلاق كالفيروسات.. وسرعان ما صار اسم الفيروس الجديد هو Erosion أي (فيروس التآكل)..

    من أين جاء؟.. كيف هبط على كوكب الأرض؟.. لا أحد يدري..




    فقط عرف الناس أنه سريع جدًا.. ينتقل بسرعة جهنمية محدثًا نتائج وخيمة. يبدو أنه ينتقل بكل السبل المعروفة.. بالفم.. باللمس.. بالاستنشاق.. بالنشاط الجنسي.. بالحقن.. بلدغ الحشرات.. حتى قال أحدهم مازحًا إنه ينتقل بالنكات البذيئة. قال هذا طبعًا قبل أن يسقط ميتًا ويذوب..

    التآكل في كل مكان.. إنه يزحف قادمًا من قلب المدينة.. يجتاح أحياء بأكملها.. هناك شقق كاملة صارت مغلقة بلا أحياء بعد ما ذاب قاطنوها.. حافلات توقفت في وسط المدينة؛ لأن السائقين لاقوا نهايتهم.. مدارس لم يعد فيها أحياء.. لقد ضرب الفيروس بسرعة شديدة جدًا قبل أن تضع أية جهة سياسة لمقاومته..

    أنا حي.. لا أعرف السبب ولا لماذا لم أمت، لكن يصعب أن أقول إنني سعيد الحظ، عندما أنظر من الشرفة فأرى كل هذه الهياكل العظمية المغطاة بالثياب ملقاة في كل مكان.. عندما أتذكر أن زوجتي لم تعد من العمل.. لم تعد بعد ثلاثة أيام.. وعندما ذهبت إلى هناك لم أرَ إلا هياكل عظمية ترتمي على المكاتب.

    ازداد الأمر سوءًا عندما انقطع إرسال المذياع والتلفزيون فالهاتف.. صرت معزولاً بالكامل، وعرفت أن ذات السيناريو يحدث في أرجاء القاهرة.. من يدري؟.. ربما أنا الشخص الوحيد الحي، لكن تصور هذا صعب طبعًا.. لسنا في فيلم سينمائي هنا، وبالتأكيد هناك أحياء في أماكن أخرى لكن كيف أجدهم؟

    إن مَن ماتوا سعداء الحظ بالتأكيد.. لم يعرفوا أنهم يموتون، بينما أنا أرتقب وأرتجف ذعرًا وأنتظر الموت دقيقة بدقيقة.. والسؤال الأهم الذي يساوي الملايين هو: لماذا ظللت حيًا حتى الآن؟.. شيء ما حماني طيلة هذا الوقت، وعليَّ أن أحافظ عليه..


    أنا هنا في تلك الشقة الضيقة التي وجدت بابها مواربًا.. لماذا لم أظل في بيتي؟.. لأن زوجتي وأولادي أصيبوا بالعدوى على الأرجح، ولا أضمن ألا يكون السبب هو أن هناك مصدرًا للعدوى في شقتي..

    هذه الشقة في بناية مجاورة لبيتي.. لا توجد فيها أجهزة تكييف، والنوافذ مغلقة، كما أن الحمام لم يستعمل منذ دهور.. شقة معقمة جدًا خالية من البشر تمامًا منذ زمن.. يمكن أن تكون هذه نقطة بداية صحيحة.. هناك صراصير حية وأنا أعتقد أن الصراصير بدأت تهلك في الخارج نتيجة الوباء. هذه علامة صحية أخرى.. أذكر العصافير حبيسة الأقفاص التي يحملها الناس قرب مواقع التسرب النووي باعتبارها عدادات (جايجر) بيولوجية فائقة الحساسية.. لو انقلب العصفور ومات فأنت في خطر..

    فلأُبقِ عيني على الصراصير.. فلألحظها جيدًا....

    لديَّ مخزون من الطعام المحفوظ ولا أظن هذا خطرًا.. قمت بمغامرة نزلت فيها إلى سوبر ماركت في قمة الشارع وتحسست طريقي وسط الهياكل العظمية المتناثرة وأنا أكتم أنفي بمنديل، وحصلت على خزين من المعلبات مع زجاجات ماء معدني كثيرة.. أعتقد أنها قد عبئت قبل أن يبدأ الوباء... لا شك أن مياه الصنبور خطرة فعلاً..

    الآن يمكني أن أحاول فهم سبب نجاتي..

    تعلمت منذ زمن أن أبدأ يومي بملعقة من العسل الأبيض وابتلاع فصي ثوم.. هذه العادة قد تكون مسئولة عن نجاتي.. ربما كان الحل في العسل الأبيض أو الثوم؟.. لكن لا.. تصور هذا صعب؛ لأن هناك الكثيرين يمارسون ذات العادة..

    أنا مصاب بزيادة في حموضة المعدة.. أذكر قصة ذلك الطبيب الذي تحدى "روبرت كوخ" عندما زعم الأخير أنه وجد البكتريا الواوية المسببة للكوليرا.. تحداه لدرجة أنه شرب مزرعة كاملة من البكتريا فلم يصب سوى بعسر هضم بسيط!.. هكذا وجد "كوخ" نفسه في موقف كريه فعلاً.. فيما بعد قال المفسرون إن الطبيب الذي شرب المزرعة كان يعاني من زيادة في حموضة المعدة وهذه قتلت بكتيريا الكوليرا على الفور.. ربما تحميني حموضتي من الموت؟.. لا أدري..




    هناك ألعاب مناعية لا يمكن فهمها.. لماذا يسعل مريض الدرن في وجه رجلين فيصاب الأول بالدرن وينجو الثاني؟.. لا أعرف..
    على كل حال يمكنني أن أواظب على العسل الأبيض، فلا سبيل للحصول على الثوم الآن..

    كم سأبقى هنا؟.. لا أعرف..
    كنت أجلس في الظلام خالي الذهن كعادتي مؤخرًا.. أتعامل مع العالم بشيء من الغباء سببه عدم وجود منبهات حسية من أي نوع.. هنا شعرت بذلك الفم الدافئ يلعق قدمي.. صرخت ووثبت في الهواء مترًا، ثم أدركت أن هذا القادم قط صغير.. قط أضناه البحث عن طعام أو بشر.. من دون ناس يصعب أن يجد فضلات يأكل منها..
    تعاملت معه بحذر وخوف في البداية؛ لأنني خشيت أن ينقل لي العدوى، ثم تذكرت أن المرض قاتل سريع الفتك.. على الأرجح كل من هو حي مأمون كذلك.. سوف يعيدني هذا القط العزيز إلى عالم الأحياء وسوف أكلمه طيلة اليوم..
    هكذا تركته في الشقة وركضت ركضًا حتى ذلك السوبر ماركت والكمامة على أنفي.. من الصعب أن أجد لبنًا صالحًا بعد خمسين يومًا، لكن القطط لا تبالي بهذه الأمور .. هكذا جلبت له عدة أكياس من اللبن وعلبًا من اللحم المحفوظ..

    عدت إلى البيت ركضًا لكنه لم يكن هناك.. لقد تركت الباب مواربًا ومن الواضح أنه فر. بحثت بدقة أكثر فوجدته على بعد ثلاثة أمتار من فتحة الباب.. كان ميتًا.. الفيروس قد قضى عليه فصار هيكلاً عظميًا...
    وجدت مكنسة بالشقة فأخذتها ودفعته دفعًا حتى تدحرج من فوق الدرج. لقد صار خطرًا الآن وصار من الوارد أن يقضي عليَّ في أية لحظة..
    كتب عليَّ أن أعود إلى الوحدة، لكن (نرمين) كانت قادمة.. ومع (نرمين) تغير كل شيء..



    كانت لحظة مرعبة لنا معًا.. لقد رأيت ذلك الشبح المُلثَّم يقف في بئر السلم، ورأتني فصرخت.. شبح ملثم له صوت أنثوي؟.. هذا غريب...

    للحظات سادت كوميديا الموقف المكان.. بين ذعر وصراخ وأنا أكرر أنني سليم وعليها ألاّ تقلق.. تدنو مني فأتراجع خوفًا؛ خشية أن تكون مصابة.. تصرخ مؤكدة أنها سليمة.. وهكذا..
    في النهاية دخلتْ الشقة وراحت تلهث.. كانت في الثلاثين من عمرها، لها وجه جذاب وإن كان غيرَ جميل، ولها عينان ذكيتان حساستان..
    كانت تقول:
    ـ حسبت أنني آخر الأحياء.. حمدًا لله!... لقد قضيت عشرين يومًا مذعورة كالفأر.. نسيت الكلام منذ انقطع الإرسال.. لا أعرف ما يحدث بالخارج.. خارج القاهرة.. هل تجيد قيادة السيارات؟.. لا؟.. أنا لا أجيد.. هناك ألف سيارة ملقاة في الشوارع لكن لا أنا ولا أنت نستطيع القيادة.. لا وسائل مواصلات.. علينا أن نبقى هنا..
    كانت تتكلم بلا توقف فدسست في يدها قطعة من البسكويت كي تأكل وتخرس قليلاً..
    ملأت فمها بالبسكويت.. لم تكن جائعة طبعًا لأن الطعام في كل مكان، لكنها جائعة للصحبة البشرية.. الطعام الذي تأكله وأنت البشري الوحيد يكون طعمه كالسم.. رحت أحكي لها قصتي.. أحكي لها عن زوجتي.. عن القط.. عن أولادي... كل شيء ما عدا اسمي....
    لما انتهت من الطعام سألتها عن عملها واسمها فقالت وهي تجلس على الأرض:
    ـ (نرمين محمود).. طبيبة مختصة بعلم الميكروبات.. أعمل في مركز بحوث (.....).. وأنت؟
    ـ (أسامة الشرقاوي).. معلم.. إذن أنتِ تعرفين بعض الشيء عن هذا الفيروس اللعين.. هل جاء من الفضاء فعلاً؟
    قالت وهي تنهض:
    ـ لا أعرف إلا أعراضه.. مهمتنا أن نبقى أحياء.. هذا هو الشيء الرئيس

    ثم وقفت في وسط الصالة الضيقة تنظر للأرض وقالت:
    ـ هو يفتك بالصراصير أيضًا..

    نهضت مسرعًا وقد أصابني الذعر.. نظرت لأجد خمسة صراصير مقلوبة على ظهورها جوار جدار وقد أشعلت عود ثقاب ودنوت منها، فوجدت أنها متآكلة فعلاً.. لا شك في هذا..



    قلت في رعب:

    ـ كانت حية.. كانت حية حتى وقت قريب جدًا.. إن هذا الكابوس يزحف بلا توقف.. لقد حسبت أنني سأنجو ما دامت الصراصير حية ترزق
    قالت وهي تدفن وجهها بين كفيها:
    ـ كانت هناك فئران في القبو الذي تواريت فيه، وكنت أشعر بذعر شديد.. لكن ظللت أتمنى أن تبقى حية حتى النهاية فلا أجد جثثها المتآكلة.. هذا ما حدث لحسن الحظ
    الموت الأحمر يدنو منا.. فقط لن نتوارى منه في قصر حجراته ملونة كما فعل أبطال (إدجار آلان بو).. نحن هنا في هذه الشقة المظلمة مذعورين خائفين..
    كنت أفكر في قلق.. هناك وقائع كثيرة يكون فيها الشخص حاملاً للعدوى ولا يصاب بها.. هذا وارد جدًا.. لماذا هلكت الصراصير الآن فقط؟.. بعد ما دخلت هي الشقة؟... شيء جديد قد طرأ وهو ظهور (نرمين) هذه.. هل أنا في خطر؟
    بعد قليل قالت لي دون أن ترفع وجهها:
    ـ هل خطر ببالك أن مهمة إعادة الحياة تقع على عاتقنا؟... رجل وامرأة.. يبدو أننا سنتزوج لا محالة!
    نظرت لها في دهشة.. هذا آخر شيء فكرت فيه.. لكن من قال إننا البشريان الوحيدان الناجيان؟.. قد نكون آخر بشريين في القاهرة لكن بالتأكيد يعج العالم بالبشر في الخارج.. لا شك أن هناك مئات المتوارين في أرجاء القاهرة مثلنا كذلك.. ما تفكر هي فيه أكثر درامية مما تتحمله الأمور..
    قلت لها ضاحكًا:
    ـ لا أقصد أن أهينك.. لكن أعتقد أن الأمور ليست بهذا السوء بعد..
    ثم سألتها لأغير مجرى الكلام:
    ـ هل لديكِ نظرية تفسر بقاءَك سليمة حتى اللحظة؟
    ـ عندما اشتد الوباء تعاطيت وزوجي جرعات من عقار الأمانتادين وحقن الإنترفيرون على سبيل الوقاية لا العلاج.. خطر لي أننا لن نخسر شيئًا..
    ـ وهل نجح هذا الابتكار؟
    ـ مات زوجي بالوباء بعد ساعات.. كان يهذي بلا توقف لأن الفيروس قد يسبب هلاوس وحالة من الجنون الوقتي قرب النهاية، بينما نجوت أنا.. لا أملك تفسيرًا أفضل من أن هذه التجربة الخرقاء أفلحت معي.. وماذا عنك؟
    لم أرد لأنني كنت أنظر إلى وجنتها.. هل أنا أهذي أم أن هناك رقعة عارية يبرز العظم منها؟
    قلت لها بصوت مبحوح:
    ـ أنتِ.. لست منيعة تمامًا.."ـ"عمَّ تتكلم بالضبط؟
    قلت وأنا أتراجع للخلف:
    ـ الوباء.. التآكل.. يبدو أن دورك قد حان!
    مدت يدها لتتحسس جبهتها، وهنا فوجِئتْ بأنها ترى سلاميات أصابعها العظمية.. شهقت ونهضت.. حقًا كان كل شيء يدور بسرعة جهنمية.. البخار الأخضر اللعين الناجم عن عمليات التحلل العضوية يتصاعد..
    لكنها ظلت قادرة على الكلام.. ويبدو أن العلاج الذي جرّبته وزوجها لم يقدم لها أكثر من هذا.. قالت وهي تستند على الجدار:
    ـ لكن كيف؟.. لقد مررت بكل شيء.. هلك كثيرون أمامي ولم يحدث لي شيء..
    ثم لم تقدر على أن تقف على قدميها أكثر فسقطت على الأرض، ولكنها رفعت نحوي وجهها المُشوّه وقالت بصوت كالفحيح:
    ـ الآن فهمت.. فهمت.... الوباء هو أ.. أ... .....
    ثم نفدت الحياة من جسدها.. لم أجرؤ على النظر إلى ما صارت إليه... لقد رأيت هذا المشهد مرارً.. لا أتحمل أكثر.. لن أتحمل أكثر..



    سقطت على الأرض والعرق يغمرني لكني كنت أتأرجح بين الوعي واللا وعي.. أرى بعين الخيال البقال العجوز يكلمني بعد صلاة الجمعة ويضحك.. أرى نفسي وسط المصلين.. أرى نفسي في مترو الأنفاق.. في الحافلة.. أرى نفسي جالسًا في مطعم.. أمزح مع زوجتي...

    هناك من هلكوا بسرعة وهناك من تأخروا كثيرًا لأسباب غير مفهومة.. لكن النهاية واحدة..
    أرى بعين الخيال نفسي راقدًا على ظهري في مكان مظلم من الصحراء... أنظر للسماء -حيث تنتثر النجوم- عاجزًا عن الحركة.. أرى كائنين غريبين قريبين بالبشر لكن لا وجه لهما يجثمان فوق صدري.. أداة غريبة تغرس إبرة في ذراعي.. أعرف أن الشيء يسري في دمي..أعرف من أفكارهما أنني لن أموت...لن أموت..
    لكني سأكون الموت!
    لماذا أنا في الصحراء؟.. لا أذكر.. لكن هذا كان منذ خمسين يومًا. أعرف يقينًا أنه كان منذ خمسين يومًا.. لن أموت.. لن أموت...
    نهضت من غيبوبتي فجلست على أرض الشقة في الظلام.. أنظر إلى الهيكل العظمي الذي سقط بقربي.. لقد كان كابوسًا مفزعًا لكنه لم يكن كابوسًا بالضبط.. ربما هو ذكرى، نسيت كل شيء عنها وعادت... لا أعرف...
    ـ الآن فهمت.. فهمت.... الوباء هو أ.. أ... .....
    قالتها -نرمين- قبل أن تموت.. كانت قد اقتربت من الشفافية وعرفت كل شيء.. أرادت أن تقول: الوباء هو أنت!
    لماذا هلك القط بمجرد أن داعبته قليلاً؟.. لماذا هلكت الفتاة؟... الصراصير تتحمل أكثر من سواها لذا عاشت معي طويلاً لكنها ماتت في النهاية... ولماذا لم أمرض أنا؟



    حامل العدوى قد لا يصاب بها، ولهذا هو خطر داهم لأنه لا يبدو مريضًا ولا أحد يتجنبه. لقد ذهبت لكل مكان وتعاملت مع الجميع وأكلت في كل المطاعم.. لو أردت أن أنشر هذا الوباء الغريب فما كنت لأفعل أكثر من هذا..

    هل هي تجربة ما؟.. هل نلعب دور فئران المختبر في تجربة كونية لا نفهمها؟.. هل هو سلاح بيولوجي ابتكره سكان عالم آخر وأرادوا معرفة تأثيره على سكان مدينة؟.. لا أدري.. لكني أعرف شيئًا واحدًا.. أنا السبب في كل ما حدث من فظائع..
    أصعد في الدرج ثلاثة طوابق إلى سطح البناية وأقف لاهثًا هناك على حافة السور.. أنظر إلى الشارع البعيد من تحتي حيث تناثرت الهياكل العظمية بكامل ثيابها، وتبعثرت السيارات.. آخذ شهيقًا عميقًا..
    هناك طريقة مؤكدة للقضاء على وباء التآكل وأنا أعرفها.. يجب إبادة مصدر العدوى بأية طريقة كانت.. النار تبدو حلاً أكثر منطقية لكني لا أجرؤ على أن أفعل ذلك...
    وداعًا.. أرجو أن يتأخروا في العثور على جثتي فترة كافية لتجف وتفنى العدوى..
    أغمضت عيني ووثبت..لم تعد هناك أرض تحت قدمي...هنا سمعت في ذاكرتي صوت -نرمين- يقول:
    ـ الفيروس يسبب هلاوس وحالة من الجنون الوقتي قرب النهاية!
    ماذا لو كانت نظرية الوباء الحي هذه هذيانًا؟.. ماذا لو كان كلامها صادقًا؟.. ربما تسرعت أكثر من اللـــ...................

    - تمت -
    منقووول
    د. أحمد خالد توفيق


  2. #2
    الصورة الرمزية ياسمين الشام
    ياسمين الشام غير متصل عضوة قديرة ومراقبة سابقة
    .•||• . زهرة المنتدى. •||•
    التسجيل
    25-03-2006
    الدولة
    في قلب الشآم..
    المشاركات
    1,674

    رد: التــــآكل

    شكراً لإضافتك قصة للدكتور أحمد خالد هنا..لكن...
    تنقل إلى قسم الرواية والقصة والقصيرة المنقولة..

    أهلاً بك دائماً..

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •