المشــــــيب
وقفت اليوم أمام المرآة كعادتي لأتملى ملامح وجهي ،
التي تعجبني وأستمتع في كل مناسبة بتمعنها وتدبر قسماتها .
لازلت في عداد زمرة الشباب رغم أني تجاوزت السنة الأربعين بقليل ،
أخفي هذه الحقيقة عن كل الذينهم حولي بمقر عملي ،
أدعي أني لا أتجاوز السنة الخامسة والعشرين من عمري .
اليوم زارتني طلائع الشيب ، حيث ابيضت شعيرات بناظري الأيمن .
ما هذا ؟
الشيب في وقت مبكر ؟
اقتلعت الشعيرات من جذورها ، ومحوت أي أثر دال على تقدمي في السن .
وبعد يومين تناثرت البقع البيضاء بأنحاء من رأسي . فاجأني تواجدها .
واحترت في طريقة التخلص منها .
نصحتني إحدى الزميلات بتلوين شعر رأسي أو ستره بمايدعى الحجاب .
استحسنت الرأيين . فصبغت رأسي وأعلنت أني غدوت من المتحجبات .
حجابي كان ضرورة أملته مخافة افتضاح عيبي بين الناس .
أخد العديد من زميلاتي يباركن التزامي وتوبتي .
أجيبهن بإيماءة غامضة . وأتجنب الخوض في أية تفاصيل .
طفقت أعيش ازدواجية مملة تفرض علي الحرص على تكييف السلوك والتصرف والقول مع ما أدعيه .
في حين أنطلق وأتحرر لما أخلو بنفسي من كل قيد .
بعد شهرين سقطت أمي مغشيا عليها . وخلال فترة انتظار الكشف عليها بالمستشفى ،
جلست إلى جانبها وتوقعت هلاكها .
فتوجهت إلى ربي متضرعة مستنجدة طالبة اللطف والرحمة والشفاء .
فخاطبني هامس من أعماقي :
كيف يعينك وأنت تعيشين حالات غفلة وصدود ونفاق مقيتة ،
تستخفين بشرع الله ، وتظهرين ما لاتخفين ،
ألا تخشين بطش ربك ؟
ارتعشت فرائصي
واضطربت جوانحي
واقشعرت ذاتي ،
وتوجهت إلى ربي طالبة قبول توبتي والصفح عما بدر مني في فترات طيشي وحماقتي .
وقررت الالتزام بتعاليم ديني الحنيف ظاهرا وباطنا .
محمد الطيب
AMINWALID