رحلة في الأماكن الخاوية
بقلم هاجر لعريبي
انطلقت الحافلة كانت المقاعد شبه خاوية عدا بعض الأشخاص و أنا.
الانطلاقة دائما تكون بطيئة ، صعبة بعض الشيء تجر معها خيوطا رفيعة ، سارت الحافلة و اتخذت مسارها، الطريق نفسه كل يوم ... والمحطات نفسها في كل مرة.
لا شيء يتغير غير وجوه العابرين في تلك الرحلة القصيرة ذات الوجهة المعلومة لا شيء يحدث التغيير غير تلك المحطات التي تحوي الوجوه الكثيرة العابسة منها و الفرحة و لاشيء يعمر الأماكن غير رائحة الأجساد و طبع النفوس ولا شيء يفنيها غير الوقت ...
في كل محطة تتوقف الحافلة عندها تنسحب وجوه و تلج أخرى و هكذا تنتهي حكايات لتبدأ أخرى، أما المحطات فهي وحدها القادرة على غلق الأبواب وفتحها من جديد ... كنت بدوري واحدة من منهم و أشكل جزءا من حكاياتهم التي تتشابه كثيرا تلتقي عند الزوايا لتتفرق بعد ذلك عبر المنعرجات و تنتهي كل واحدة على حدا ، ودائما هي المحطات التي تجلب معها المفاجآت و ترسم اللقاءات ، ولا يهم إن كانت سارة أم لا فهي تفرض عليك بحكم الوقت والطريق الذي لا تخلو محطاته من الصدف ...
ما من قوة كانت تأسر الأماكن ، لم تذهب ولم يستطع احد أخذها معه بعيدا ، بقيت كما هي ثابتة ، كبيرة كانت أم صغيرة فهي تأخذك في رحلات قصيرة دائما هكذا ينتهي كل شيء الجمال ،الفرح ، الوجع و الحكايات ....وكل ما شاهدته في تلك الرحلة وذلك الطريق ...
لا مفر من المطبات و لا مهرب من الوصل إلى النهاية فعليك أن تحكي حكايتك قبل أن يخونك الوقت ، كانت الحافلة تسير وتمحي في عبورها كل أثر للطريق مرت به أو شارع قصدته، وكنت أنتظر الصدفة التي ستجلب لي الحظ أو أي شيء يمكن أن يكسر الملل أو يعمر وحدتي و لو للحظات ...
الوجوه العابرة لا تحمل معها غير الملامح و ما عساها تقدم لك غير ابتسامة مشرقة و أخرى تبدو كذلك تفرضها عليها اللباقة أكثر من الإحساس نفسه أو الرغبة في العطاء و هل تملك أنت غير الانطباع الأخير لكل شخص قابلته في تلك الرحلة القصيرة وما تركه من بصمات شكلت جزءا من حكايتك، تفرحك أم تحزنك لا يهم...شئت أم أبيت فهي تسكن ذاكرتك لأنها سكنت ماضيك يوما.
غريب أمر هذا الطريق لا يتغير مساره لكنه في كل يوم يأتي بالجديد و تتغير فيه الوجوه والحكايات...
فجأة شعرت بأن الحافلة توقفت الكل يغادر، إنها المحطة الأخيرة على أن أنزل أنا كذلك ، فقط هي الأماكن التي بقيت خاوية ...