النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: وليمة

  1. #1
    التسجيل
    26-04-2009
    المشاركات
    69

    وليمة


    وليـــــمة




    أقامت سعاد حفل ختان ابنها البكر . دعت لحضوره عددا من الجيران والأصدقاء .
    تقيم مع زوجها بديار المهجر منذ سنوات .
    اصطحبت أختها فاطمة الزهراء وبنتها ليقضيا معها فترة علاج ونقاهة .
    فاطمة امراة مسنة واجمة ساهية باستمرار .
    حضر الحفل عدد من الرجال والنساء المدعوين .
    كما تعلمت سعاد من والديها وأهلها بالغت في إكرام ضيوفها وإظهار الحفاوة والغبطة بحضورهم .
    حرصت على إعداد أختها فاطمة باللباس اللائق والمظهر المناسب لتشارك في الحفل .
    أخذت فاطمة مكانا في واجهة البيت . إلاأنها لا ترد التحية ولا تبادر بالسلام على أحد .
    استغرب حالها بعض من احتك بها وحاول التودد إليها بعبارات التهنئة والمجاملة . لا تأبه بهذا ولا تلوي على ذاك .

    رقت لحالها إحدى السيدات ، فاقتربت منها وحاولت استمالتها ، فاستجابت فاطمة وتجاوبت ، فقبلت كوب مشروب غازي ، ثم قطعة حلوى ، وردت على الهدية بابتسامة خافتة ونظرة حنان ذابلة . أصرت السيدة على سبر أغوارها الغريبة ، للكشف عن معاناتها . فاطمة لا تستطيع الرد وتكتفي بابتسامات خفيفة ونظرات حزينة تتوالى الواحدة تلو الأخرى .
    مجرد مجاملة لجارة أختها .
    استعانت السيدة ببنت فاطمة لتستفسرها عن حال أمها .
    - هل هي على هاته الحال منذ زمن بعيد ؟
    - نعم ... منذ كنت صبية في السنة السادسة من عمري .
    - أتدرين متى انتابها هذا الوجوم والاكتئاب ؟ وما أسبابه ؟
    - كنا نسكن مدينة مغربية جميلة ، تطل على البحر الأبيض المتوسط .
    ننعم بالهدوء والراحة والطمأنينة والرخاء .
    نشكل أسرة صغيرة متحابة متآلفة ، يرأسها أب ميسور الحال يوفر لأهله : أمه ، وأمي زوجته ، وأبنائه إخوتي الأربعة ، عيشا رغيدا واستقرارا سعيدا .
    لا أعرف لحد الآن ماذا حدث ولا كيف حدث . كل الذي أذكره أني أفقت من النوم فوجدتني في حضن أمي ، الظلام مطبق ، والغبار خانق ، أمي تتألم وتئن ، ولا تتكلم ،
    أفتح عيني ثم أغمضها ، وأفتحها ولا أرى شيئا . سألت أمي فلم تجب ، وتساءلت مع نفسي .
    لعلنا دفنا أحياء .
    تذكرت ما كان أبي يقصه علينا أحيانا من سير العرب في العصر الجاهلي الذين كانوا يئدون البنات خوفا من العار ، فتوهمت أني وئدت مثلهن .
    أنا وأمي في قبر من قبور الأموات .
    حاولت الجلوس فلطمتني عارضة اسمنتية متكئة على جدار البيت ، أمي ممددة لا تتحرك ، خلتها فارقت الحياة ، أخذت أناديها وأحركها بعنف فمدت يدها وطمأنتني .
    أشعر بهواء لافح يتسلل من إحدى جنبات القبر .
    لا أدري كم قضينا . شعرت بتعب شديد . حاولت الانفلات من حضن أمي . أبحث عن مصدر الهواء .
    تلمست شظايا الأسقف بيدي . إنها أعمدة حديد وهياكل إسمنت وبقايا جدار مبلط . إلى أن غارت يدي في فوهة سحيقة ، إنه مسلك الهواء . وضعت رأسي في الفوهة دون أن أجرأ على اختراقها . لاح لي شعاع الضوء في مكان سحيق .
    أخذت أصيح :
    أنقذونا ... أنقذونا ... نحن هنا أنا وأمي ...
    رددتها مرارا وصوتي يتموج في فراغ ، تحفه أشباح جدران عملاقة .
    ولا من يجيب ...
    في فترة هدوء توهمت أني أسمع من يستغيث : أنا هنا ... هل من مجيب ؟
    أسرعت مرة أخرى إلى الفوهة لأتبين مصدر الصوت ..لكن لا أحد . وبعد مدة يئست من الحياة .
    بح صوتي . جفت حنجرتي ، وطفقت أتضور جوعا ، فاستسلمت ، وتمددت إلى جانب أمي أتتبع أنفاسها وأعد نبضات قلبها . وخلال غفوة انتهى إلى مسمعي صوت بعيد عبر مكبر يبشرنا :
    نحن قادمون ... اصمدوا ولا تستسلموا ...

    عمت فرائصي قشعريرة الأمل في النجاة . أخذت أتنقل بين مكان أمي أطمئنها وأطمئن عليها وبين الفوهة لأتأكد من مصدر البشرى .
    تيقنت الآن بأن بيتنا انهار وتهدم فوق رؤوسنا . تذكرت أبي وجدتي وإخوتي . ناديتهم باسمائهم ... ولا مجيب ...
    بعد مدة أخذ زئير آلة ضخمة يقترب منا ، وصوت ينادي :
    - من هنا ؟
    - أنا هنا مع أمي ... أمي مصابة لا تستطيع الحركة ولا النطق .
    - لقد حددنا مكانكما
    - هل تستطيعين النفاذ من النافذة التي تتكلمين منها ؟
    - نعم أستطيع ...
    عدت إلى مرقد أمي وأخبرتها ، فأمسكت بيدي إشارة إلى سماعها ما بشرتها به .
    نفذ ضوء قوي إلى مرقدنا فوجدت أمي مستلقية على سريرها .مدرجة في دمائها .
    أمسكت يدها كتلة إسمنتية ضخمة .
    غير قادرة على الحركة أو الانفلات .
    انطفأ الضوء هنيهة ثم أومض ، وأطل برأسه أحد المنقذين وأمرني بالتمسك به ، فأحطت ذراعي بعنقه ونزلنا .
    التقطني المسعفون وسالني أحدهم :
    - من معك ؟
    - أمي عالقة لا تستطيع الحركة ولا التكلم .
    - سنتدبر أمرها .
    فقلت في نفسي :
    - ليتني مكثت إلى جانب أمي حتى ننجو معا .
    إصاباتي خفيفة وجروحي غير غائرة . أستطيع مغادرة السرير لتقديم خدمات شرب ماء أو تقريب حاجة للأطفال العاجزين عن الحركة .
    السيدة جارة خالتي سعاد تأثرت كثيرا فانهمرت دموعها وقالت : هل سألت عن أمك وأبيك وجدتك وإخوانك ؟
    - بمجرد تضميد جروحي وتنظيف جسمي وملابسي انطلقت أتجول عبر قاعات المصابين ، فعثرت على أمي تعاني من كسور بيدها ورجلها ، وجروح برأسها ووجهها .
    يبدو أنها تلقت الصدمات عني .
    لفتني بجسدها وجنبتني التعرض لاي أذى .
    وجدتها تئن بصوت غائر وتتألم في صمت .
    كلمتها ففتحت عينين حمراوتين ورسمت ابتسامة عريضة تهنئني بسلامتي .
    كفكفت دمعي وابتلعت حسرتي وخرجت باحثة عن باقي أفراد أسرتي .

    طفت المراقد كلها وأخبرني أحدهم :

    - السكن الذي كنتم به انهار عن آخره ولم ينج أحد من سكانه ، إلا أمك وأنت وأحد جيرانكم .
    - لك أن تسالي عن أقاربك بقسم الوفيات .
    - فارقوا الحياة تحت الركام وأقبروا في قبور جماعية .
    طلبت بعض النقود ، وكلمت خالتي سعاد التي وصلها نبأ الفاجعة المدمرة في وقته ، وزارت مكان بيتنا فأخبروها بهلاك الجميع . أقامت مأتما وتلقت العزاء في كل أهلها وعادت منكسرة مكلومة .
    فاجأتها اليوم بخبر نجاتي ، ووجود أمي بقسم الرعاية المركزة داخل المستشفى .
    عادت توا إلى أرض الوطن .والتحقت بالمستشفى . لم تتمالك دموعها ولا تحكمت في عويلها .
    تبكي حال أختها التي كانت لها أما وأختا وصديقة حبيبة . وتتألم لفراق أبي وجدتي وإخوتي.
    ساهم زوجها وبعض عمال المستشفى في تهدئتها .
    وأعدت العدة لاصطحابنا معها لإتمام العلاج هنا بأرض المهجر .
    مسكينة هذه الأسرة المنكوبة . قالت السيدة .
    - وما ذا قال الطبيب المعالج ؟
    - إن أمي تعرضت لصدمة عنيفة أثرت على العديد من الأجهزة بجسمها . ومع المدة ستعافى وستتماثل للشفاء تدريجيا ...
    انتهت مراسيم الحفل . أخذ المدعوون يودعون وينصرفون . التفتت سعد إلى إحدى زوايا القاعة فلفت انتباهها عناق حار بين جارتها وابنة أختها ، اقتربت منهما وسألت السيدة .

    - هل تعرفينها؟
    - عرفتها الآن ، واكتشفت أنها من أقاربي . ستزورني أمي بعد أسبوع وهي التي ستستطيع تحديد مرتبة القرابة بيننا .أتمنى لأختك الشفاء العاجل . وإلى اللقاء .

  2. #2
    التسجيل
    01-08-2010
    المشاركات
    250

    رد: وليمة

    مشكوووور اخوي ع القصة الجميلة

    قصة الشر المقيم : هانك والاسرار
    http://www.montada.com/showthread.ph...11#post6910111

  3. #3
    التسجيل
    26-04-2009
    المشاركات
    69

    رد: وليمة

    قناص المانيا

    مشكور على الاهتمام والتتبع

  4. #4
    التسجيل
    01-08-2010
    المشاركات
    250

    رد: وليمة

    اخوي وين نشاطك في الروايات نبي نشوف بصمتك

    قصة الشر المقيم : هانك والاسرار
    http://www.montada.com/showthread.ph...11#post6910111

  5. #5
    التسجيل
    26-04-2009
    المشاركات
    69

    رد: وليمة

    قناص ألمانيا

    لك تبجيلي على

    تشجيعك وتوجيهك

  6. #6
    التسجيل
    10-11-2011
    المشاركات
    402

    رد: وليمة

    قصة رائعة
    جزاك الله كل خير
    تحيات amal dhibi







    عدت

  7. #7
    التسجيل
    26-04-2009
    المشاركات
    69

    رد: وليمة

    الفاضلة امال الذيبي

    مشكورة على الاهتمام والتتبع

    مقدرة على القراءة والتشجيع

    لك مودتي


المواضيع المتشابهه

  1. حكاية من الف ليلة وليلة..............
    بواسطة : اسد سوس , في الرواية و القصة القصيرة المنقولة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-11-2008, 09:16 PM
  2. NO WAY OUT.... وليلة من دماء
    بواسطة : THE MAIN EVENT , في مواضيع المصارعة المميزة
    مشاركات: 23
    آخر مشاركة: 01-03-2008, 10:45 PM
  3. °ˆ~*¤®§(*§ ألف ليلة وليلة §*)§®¤*~ˆ°
    بواسطة : S.W.A.T._911 , في المواضيع المميزة للمنتدى العام
    مشاركات: 74
    آخر مشاركة: 04-08-2007, 05:00 AM
  4. الف ليلة وليلة
    بواسطة : walah , في منتدى الكتب العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-12-2004, 12:34 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •