المقـامَــة الأفغانـيّــــة .... للشيخ عائض القرني حفظه الله
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ(

تأخرت استبقي الحياة فلم أجــد *** لنفسـي حياة مثل أن أتـقدما

وليس على الأعتاب تدمى كلومنا *** ولكن على أقدامنا تقطر الدما

لما دخلنا أفغانستان ، سألنا عن حدودها ، فقيل يحدها باكستان ، وطاجكستان ، وحولها بلوشستان ، وهي قريبة من كردستان ، وأسفل منها عربستان ، ووراءها تركمانستان ، ووجدنا شباباً من قحطانستان ، وزهرانستان ، وشهرانستان ، وشمرانستان ، ولما وصلتها وحدت جند الرمن ، وكتيبة الإيمان .

ووجدنا الموت يصنع هنا الحتوف ، تعلنه كل وقت الكلاشنكوف ، من شركة إسلام أوف ، ليقتل بها كل ملحد أوف ، وملعون أوف ، من قائمة خرتشوف ، وغرباتشوف .

ويل لمن قاتل الأفغان ، أين عقله كيف يمازح الأسد وهو غضبان ، الأفغاني يأتي المعركة كأنه يأتي العرس ، ويصب دمه كأنه يسكب حبراً على طرس ، عنق الباكستاني أربع أصابع ، لأن آخر من قتل من أجداده الجد السابع . وعنق الأفغاني سبع أصابع ، لأنه لا يموت إلا في المعركة بسيف قاطع .

الأفغاني في الغالب لا يسمع الأغاني ، ولا تلهه الغواني ، لأنه مشغول بالمثاني ، واستنباط المعاني . وجدنا في أفغانستان رجالاً كالأسود ، وكتائب كالسدود ، أرضهم للملاحدة لحود ، ورصاصهم لبلادهم حدود . الأفغاني قليل الدعابة ، ظاهر المهابة ، غزير النجابة ، كأنه ليث غابة . الأفغاني إذا غضب أحرق مزاجه ، ورمى علاجه ، وذبح الرجال كذبح الدجاجة .

أخرجت لنا شوارع سميرا ميس ، فاتنات في الحرير تميس ، وشباباً من أتباع انطون وجرجيس ، وأخرجت لنا جبال الكندوش ، تلك الجيوش ، فهذا الأصلي وذاك المغشوش .كبّلت كابل أعداء الدين ، وقهرت قندهار الملحدين ، وأخرجت جلال أباد المجاهدين . دخل شعب الأفغان الدين وأسلم ، على يد قتيبة بن مسلم ، وصاح شاعر الأفغان ، محتجاً على الطغيان ، إذ يقول وهو يقاتل في الميدان :

نامني نزام شرقيا *** نامني نزام غربيا
مصطفى مجتبـي *** حبيبيا محمّـدا

ومعنى أبياته أي أرفض النظام الشرقي ، والنظام الغربي ، وأريد نظام حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم المصطفى المجتبى .

العجم أهل مبالغة في الأحكام ، إذا قالوا لك عن أحد هذا مولانا شيخ الإسلام ، وعالم الأنام ، فاعلم أنه يحفظ ثلاثة أحاديث من بلوغ المرام ، وإذا قالوا عن عابد: هذا بركة الزمان ، ونور الأكوان ، وولي الرحمن ، فاعلم أنه لا يزيد على صيام رمضان .

أبو إسماعيل الهروى الأنصاري أفغاني ، وهو العالم الرباني ، وقد أحيا الشاعر محمد إقبال الأفغانِ ، في ديوانه المثاني . الأفغان شجعان ، في الليل رهبان، وفي النهار فرسان ، لو أن في أفغانستان ، طالب واحد لسلم من الخلاف الإخوان ، ولكن في أفغانستان ، طالبان اثنان . قبل القتال كان في أفغانستان ، عابدان ، أي عابدون ، وفي الحرب جاء مجاهدان ، أي مجاهدون ، وبعد الحرب ظهر طالبان ، أي طلبة متعلمون ، فهم في السلم عباد أولياء، وفي الحرب مجاهدون أشداء ، وبعد النصر علماء حكماء .

المثنى عند الأفغان ، جمع مذكر سالم عند العرب أهل اللسان ، لأن واحدهم بعشرة في الميزان ، تستورد الهند وباكستان ، من أفغانستان ، القادة والزعماء ، وتصدران لها الرسّامين والشعراء ، الأفغاني يفهم إشارة العينين ، وبعض الناس لابد في إفهامه من حركة اليدين ، والبعض لا يفهم إلا باليدين والرجلين . احتل أفغانستان الروس ، فرجعوا جثثاً بلا رؤوس ، لأن عند الأفغان مثل : ( اقطع من الوردة رأسها ، واترك أساسها ) .

الأفغاني تريد الإتمام به وهو يريد القصر ، قل له أجمل الدنيا الشام، يقول لك أجمل منها مصر ، إذا وقفت جلس ، وإذا قمت نعس ، وإذا تثاءبت عطس ، وافق الأفغاني إلا في الحرام ، وأظهر له الحب والاحترام ، يكن في يدك كالحسام ، وفي نصرتك كالغلام .

غضبُ بعضهم في بطنه ، إذا غضب أكل أكْل الدواب ، وغَضبُ البعض الآخر في لسانه إذا غضب ملأ الدنيا بالسباب، وغضب الأفغاني في يده إذا غضب حوّل كل شيء إلى خراب ، لا تكلم الأفغاني وهو غضبان ، ولا تمازحه وهو تعبان ، ولا تصافحه وهو جوعان .

يا أيها الأفغان ، أطيعوا الرحمان ، سوّوا صفوفكم ، واغمدوا فيما بينكم سيوفكم ، وسدّوا الفُرَجْ ، وانتظروا من الله الفَرَج ، ولكم منا تحية إجلال ، على حسن الفعال ، ولن ننسى لكم تلك البطولات ، وهذه التضحيات ، والحسنات يذهبن السيئات .

واعلموا أنَّ الوفاق والاتفاق ، هو الطريق لحمل الميثاق . وأن الافتراق ، هو باب الإخفاق .