النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: ثقافة القتل.. ومدرسة القتل للقتل [ العقلية الإبليسية لغريزة سفك الدماء وتصدير الكراهي

  1. #1
    التسجيل
    30-06-2011
    المشاركات
    814

    ثقافة القتل.. ومدرسة القتل للقتل [ العقلية الإبليسية لغريزة سفك الدماء وتصدير الكراهي


    [ العقلية الإبليسية لغريزة سفك الدماء وتصدير الكراهية للغرب العنصري]

    ثقافة القتل.. ومدرسة القتل للقتل


    بقلم: د. خير الدين عبد الرحمن
    اعتبر المؤرخ العسكري الأمريكي فيكتور ديفيز هانسون، أستاذ الدراسات الكلاسيكية في جامعة كاليفورنيا، في كتابه الموسوم: (المذبحة والثقافة: معارك بارزة في صعود القوة الغربية)، أن السبب الحاسم والأكثر أهمية في تحقيق الهيمنة الغربية على سائر شعوب العالم هو "ما يتمتع الغرب به من موهبة في القتل"(1) مشددا على تفوق الغرب في ممارسة قتل خصومه من الشعوب الأخرى ببراعة فريدة وفتك شديد وتدمير كبير، دون اعتبار لوازع أخلاقي أو اعتبارات أخلاقية أو دينية، إذ إن قيود الأخلاق والدين وسواها من المعوقات التي تحد من شمول القتل وشدته تظل بعيدة عن الذهن الغربي لدى صياغة وتنفيذ أساليب القتال، ليبقى القرار للاحتياجات العسكرية دون غيرها. مضى هانسون أبعد من ذلك بتأكيده أن التفوق الثقافي لأمة أو جنس معين يتجسد في المعارك والحروب التي تخوضها، فالمنظومات الأكثر براعة وتقدما وموهبة في ممارسة القتل تحقق النصر وتحسم نتائج الحروب لصالحها.
    شدد هانسون كذلك على أن النصر الثقافي النهائي والشامل والكامل للحضارة الغربية مرتبط ارتباطا وثيقا بالانتصارات العسكرية التي حققها الغرب عبر ممارسة القتل ببراعة، والتوسع في إقامة المذابح على نطاق واسع لضمان دحر الأعداء... ورأى هانسون أن هذا بالضبط هو سر هيمنة الأفكار والقيم الغربية على الكرة الأرضية على نحو لم تبلغه أية أفكار أو قيم أخرى، وسر انتصار النظريات الاقتصادية والتنظيمية والأيديولوجيات السياسية والمنظومات الثقافية الغربية طوال القرون الخمسة الأخيرة.

    وهكذا لم يأت قول الجنرال البروسي كلاوتزفيتز، أبرز استراتيجيي أوربا في العصور الحديثة من فراغ عندما جزم بأن: "دبلوماسية الجثث أكثر جدوى من دبلوماسية الورود". إنه نفس المنطق الذي جعل جورج كليمنصو G.Clemenceau، رئيس الوزراء الفرنسي أثناء الحرب العالمية الأولى يمهد علنا لغدر الحلفاء بالعرب، ولتمزيق وطنهم على نحو ما فعلت بريطانيا وفرنسا وفق اتفاقية سايكس- بيكو المتكاملة مع تعهد بلفور، وزير الخارجية البريطاني، بتسهيل تهجير يهود أوربا إلى فلسطين وتمكينهم من اغتصابها ليقوموا باستنزاف العرب والإبقاء على انقسامهم وضعفهم وتخلفهم، حفاظا على المصالح الغربية في أرضهم. كان من أوجه التمهيد الذي مارسه كليمنصو قوله في العام 1914: "إن قطرة النفط أغلى من قطرة الدم".

    كان يمكن المرور بتشديد هانسون على اعتبار أن "موهبة ممارسة القتل والمذابح" بحق الآخرين سبيل الغرب لفرض هيمنته الثقافية والاقتصادية والسياسية على العالم بما يستحقه كوجهة نظر، دون تهويل من شأنها أو تهوين، لو أنه صدر عن مفكر أو باحث يتخذ موقفا معارضا، من الحضارة الغربية أو سياساتها الراهنة، مثل المفكر الفرنسي روجيه جارودي أو المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، أو يتخذ موقفا نقديا منها لسبب ما، حتى لو كان صاحب هذا الموقف من أبرز منظري ومنفذي تلك السياسات المعاصرين، مثل زبيغنو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر.

    لكن المشكلة في موقف هانسون كامنة في تباهيه وتفاخره بما اعتبره تفوقا وموهبة فريدة في ممارسة الغرب للقتل الجماعي والمذابح والتدمير وحتى الإبادة بحق الشعوب الأخرى سبيلا للتحكم بمساراتها وثرواتها وإنتاجها واستهلاكها وسلوكها وتفكيرها وفرض هيمنته عليها في كل مجال.

    وما هو أكثر إثارة للدهشة هو هذا الربط الشديد بين القتل والثقافة، بين البراعة في ممارسة المذابح من ناحية واستحقاق الهيمنة الثقافية. بل إن هذا المؤرخ الذي يمثل التيار الأكثر نفوذا وانتشارا في الولايات المتحدة والغرب عموما، جعل من القتل الجماعي بحد ذاته ثقافة، وكاد يبشر بمدرسة في ثقافة القتل تروج لممارسة القتل للقتل، على نحو ما كان من أمر مدرسة الفن للفن، التي انطلقت من الغرب داعية لإطلاق حرية الإبداع الفني وممارسته دون تقييده بهدف أو قصد مسبق أو بأي وازع أو قيد أخلاقي أو ديني أو مجتمعي.

    فسر نعوم تشومسكي تطور ثقافة القتل التي تجعل الحرب ستارا لها أحيانا، بينما لا تحتاج إلى ستار في كثير من الأحيان، بأننا نتراشق بالشتائم، ثم بالحجارة، ثم بالسكاكين، ثم بالصواريخ، إلى أن نكتشف اختفاء الإنسان ذاته من هذه القرية الكونية، بعدما صارت القوة تستخدم بديلا للعدالة من أجل بث نوع من الخوف الكوني في سياق إنتاج العنف تعبيرا عن تكوين ثقافي وتربوي جعلنا نحمل في اللاوعي قرارا بالحلول محل الآخر. إن طغيان اللحظة الاقتصادية التي تبرر الفوضى وتطارد الإنسان وتستبيح كل شيء، كرس وجها قبيحا للتاريخ الذي تعب من ذاته، وفرخ حروبا مفتعلة شديدة البطش تنتج ثقافات جديدة ورؤى جديدة وأمزجة جديدة، خلاصتها فوضى وهباء ونحر العدالة.

    كذلك تحدث الفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا ليوار بهلع عن الغد القريب وهو يعيش أولى سنوات القرن الحادي والعشرين، وربما أواخر سنوات عمره، فقال في مقابلة صحفية أثارت اهتماما كبيرا: "لقد منحنا القرنان التاسع عشر والعشرون من الإرهاب قدر ما نتحمل. لقد دفعنا ثمنا باهظا للحنين للكل وللواحد، للمصالحة بين المفهوم والمحسوس، بين الخبرة الشفافة والخبرة القابلة للتوصيل. وتحت المطلب العام للنضوب والتهدئة، يمكننا أن نسمع دمدمة الرغبة في العودة إلى الإرهاب، في تحقيق الوهم للإمساك بالواقع، والإجابة هي: لشن حرب على الكلية Totality. لنكن شهودا على ما يستعصي على التقديم، لننشط الاختلافات وننقذ شرف الاسم".

    طبيعي أن الإرهاب الذي رأى ليوار أنه أرهق الإنسانية وجعلها تواجه تحدي إنقاذ شرف اسمها عبر رفض وحدانية الهيمنة المؤسسة على إلغاء الآخرين- ولو عبر القتل الجماعي- يختلف عن التعريف الأمريكي الرائج للإرهاب الذي تنشط مساعي فرضه حاليا لإخفاء الإرهاب الحقيقي الذي تجري ممارسته بحق غالبية الأمم.

    رأى زبيغنو بريجنسكي بدوره، قبل عشر سنوات، مع المفاجأة التي عاشتها الولايات المتحدة بتفردها على قمة الهيمنة على العالم دون منافس أو خصم يوازنها، وفي أعقاب حرب الخليج الثانية التي خططت لها دوائر أمريكية لتجعل نتيجتها درسا رادعا لكل أمم العالم، بل ونشرت بعض التفاصيل عن مسار تلك الحرب وموعدها وأسلحتها وتكتيكاتها قبل عشر سنوات من اندلاعها ... رأى أن "القرن العشرين - هذا القرن الحافل بالأساطير الخارقة والموت المريع- أفرز مفاهيم خاطئة عن التسلط الكلي مستمدة من روح الغطرسة الكامنة في مزاعم التحلي بالفضيلة المطلقة والانفراد بمعرفة الصواب دون الآخرين كلهم.

    وفي غضون هذا القرن انحرفت تلك الرؤى إلى أفدح ممارسة للعجرفة والاستهتار السياسي في تاريخ الجنس البشري.. القوة الأمريكية في حد ذاتها لن تكفي لفرض المفهوم الأمريكي في تصور نظام عالمي جديد.. ولا يمكن للمجتمع الأمريكي أن يكون نموذجا للعالم - سواء من الناحية المعنوية ومن ناحية النظام الاقتصادي عمليا - مادام جوهر هذا المجتمع يتحدد أخلاقيا بنظرة الجشع المادي الغالبة عليه..."(2).

    رد بريجنسكي السلوك الجمعي الأمريكي في عديد من جذوره إلى الأصول الأوربية للاستيطان الأبيض فيما صار يعرف بالقارة الأمريكية، بقوله إن "اللامبالاة الأنانية كانت الصفة المميزة لسلوك الأوربيين الغربيين إزاء المعاناة التي يخوضها إخوانهم الشرقيون".

    لكن المفكر الفرنسي البارز سيرج لاتوش كان أكثر تحديدا ووضوحا وجذرية إذ رد المسألة إلى كون "التغريب مشروعا متجددا لاستعباد العالم، آخر دعاواه النموذج الحضاري العالمي، وتأليه العلم والتقنية، وتغذية النزعة الجنونية الجامحة للامتلاك والاستهلاك باسم حرية السوق والاقتصاد، ومن ثم الغزو الثقافي عبر آلة جهنمية تحتكر سوق الإعلام والمعارف والاتصال وتسحق البشر والثقافات من أجل أهداف جنونية. ولا تتهيب من خلال قيامها على قاعدة الفكرة الصهيونية- التوراتية القائلة بالوعي بالذات- أي بالأنا الفاعل، لفرض التبعية على الآخر وصولا إلى كون ذي بعد واحد- أن تستبيح الآخر وتسوغ لذاتها الإبادة الإثنية الجمعية لأمم وشعوب وحضارات، ضمن نظام اغتصاب متكامل لايتورع عن اجتثاث الآخر من جذوره" (3).

    لاحظ لاتوش أن "الصليبية المتهودة، في سعيها المعاصر إلى إخضاع باقي العالم واستيعابه استيعاباً إلحاقيا، ليست قادرة على استيعاب أوربا نفسها في كيانها الديني الذي عمل اليهود فيه تحويرا وتزويرا وتحريفا وتشويها على مدى قرون، بحيث باتت المسيحية نفسها مستوعبةداخل مشروع اقتصادي استعبادي كوني".

    التقى لاتوش بهذا مع المشددين على دور الصهيونية المسيحية الخطير الراهن في توجيه الولايات المتحدة الأمريكية، وهي مزيج مشوه من العقائد البروتستانتية والخرافات التلمودية والتفسيرات التوراتية المزورة حول نهاية العالم بعد معركة هرمجدّون (في فلسطين) التي تعقب حربا نووية يموت فيها ثلاثة مليارات من البشر، بعد اكتمال تجمع كل يهود العالم في "إسرائيل الكبرى فيما بين النيل والفرات".

    تؤمن (1200) جماعة مسيحية تضم أكثر من ستين مليونا من الأتباع في الولايات المتحدة بمزيج ساذج من الخرافة والهوس التلمودي. أليس هذا متسقا مع خروج روبرت كور، مستشار رئيس الحكومة البريطانية توني بلير للسياسة الخارجية، بمقالته العاصفة التي نشرها في صحيفة الأوبزرفر بعنوان "لماذا لا نزال بحاجة إلى إمبراطوريات"، داعيا علنا إلى التسليم بالراية للامبراطورية الأمريكية لكي تقوم بتجديد الاستعمار والامبريالية، إذ لا غنى للعالم عنهما برأيه؟

    أليس هذا متسقا كذلك مع دعوة المفكر الأمريكي ألفين توفلر، الذي جرى إشهاره كأبرز عالم مستقبليات، إلى أن تتجاوز البلدان الفقيرة مشاعرها الوطنيةالقديمة المعادية للاستعمار، لعلها تدعو بهذا بعض ما قد ينقذها من الاستثمارات الموجودة لدى الدول الاستعمارية، دون أن تظل واقعة تحت تأثير الشعور بأن تلك الاستثمارات تجديد للغزو الاستعماري (4).

    إن توفلر الذي تحدث في كتابه الأخير المعنون "الحرب ومقارعتها"، بالاشتراك مع زوجته هايدي، عن ظاهرة جديدة هي "حضارة الحرب" صارت فيها أدوات الحضارة الحديثة ومخترعاتها التي انتشرت أفقيا وعموديا على نحو هائل، قابلة للتحول إلى أسلحة حربية خطيرة بذاتها أو باستخدامها في صنع أسلحة حربية، في ظل مفهوم جديد للقوة يتجاوز العناصر التقليدية من عنف وثروة مادية إلى المعارف المكتسبة حول المعرفة، بما يشكل تحولا خطيرا وجوهريا للعلاقات وموازين القوى في عصر التمايز الرقمي، يتخلى هو عن الكثير من عناصر رؤيته المستقبلية السابقة ليجعل من نصيحته للدول الفقيرة بالرضوخ عمليا لمستعمريها السابقين واستجدائهم بعض الاستثمارات علاجا لمشكلة الفقر، بما يلزم الشعوب المستباحة عمليا التماهي Identify مع قيم قاهريها والانسلاخ عن ذاتها تأكيدا لقابليتها للتكيف Adaptability مع شروط قاهريها المهيمنين، على أمل أن يحسن إليها قاهرها بمنحها بعض مقومات البقاء والحياة!

    أعاد المفكر البريطاني دوغلاس ريد، في آخر كتبه الموسوم "جدل حول صهيون" معظم مشاكل عالمنا المعاصر وأزماته إلى أن اللاويين، ومن بعدهم الفريسيين، قد علموا أتباعهم اليهود منذ أيام المسيح ابن مريم عليه السلام أن المطلب الرئيسي لإلههم "يهوه" هو إبادة جميع الغرباء، أي غير اليهود، "ومن ثم فإن اليهود قد تحولوا إلى الشعب الوحيد في التاريخ الذي كانت مهمته التخريب بحد ذاته... وكانت النية واضحة بقدر ما، لتنظيم قوى فاعلة تخريبية دائمة". (5)

    بكلمة أخرى: حملت أسطورة شعب الله المختار في أحشائها رفضا مسبقا واحتقارا تلقائيا للتسامح مع الآخرين، وللمساواة بين الأمم، حيث إنها زَعْمٌ يحصر البناء الإيجابي باليهود دون سواهم، ويدعوهم إلى اغتصاب ثروات الآخرين واستباحة حقوقهم وإبادتهم. فكانت كل الحركات العنصرية وتجارب الإبادة الشاملة لأمم من أجل سلب أراضيها وثرواتها تتمثل زعما باصطفاء إلهي ومهمة رسالية لأصحابها، تقليدا لزعم "الشعب المختار".

    هذا ما رآه الكاتب الفرنسي ميشال بوغنون - موردا مثلا في كتابه "أمريكا التوليتارية" المنشور سنة 1997 إذ رأى أن "التفكير الجمعي الأمريكي يقوم على قاعدة أيديولوجية راسخة محورها أن الولايات المتحدة قامت كمجتمع ودولة أصلا لأنها مكلفة برسالة سامية، وبناء على هذا الإيمان يركن التفكير الجمعي الأمريكي إلى يقين راسخ بأن أداء هذه الرسالة يفرض استخدام كل الوسائل دون تحريم أو تردد. هذه العناصر مكونات رئيسية في جوهر الولايات المتحدة كدولة، وفي مواقفها وإسقاطاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية بالنسبة لباقي العالم".

    لكن المؤرخ البريطاني البارز إرنولد توينبي لم يتردد في فضح تستر المحتلين والمستعمرين ومغتصبي أوطان وثروات الأمم الأخرى برسالة سامية وتفرد بتكليف أو اصطفاء إلهي قناعا لتحقيق أغراضهم وإشباع شهوة القتل والنهب لديهم، إذ قال: "كنت دائما أخشى القول بأن القراصنة -لا العباقرة- هم الذين يصنعون التاريخ الذي هو في حالته الراهنة الابن غير الشرعي للجغرافيا".

    على نفس النهج، جاء المؤرخ الأمريكي هوارد زين، أستاذ التاريخ في جامعة بوسطن، لينقض التاريخ الرسمي المتداول الذي صاغه المنتصرون وأصحاب النفوذ ليوافق أهواءهم ومصالحهم، وساعدهم كتبتهم في تزويره، وهكذا قدم ما أسماه التاريخ المضاد، تاريخ المقهورين والضحايا، عبر كتابه الضخم "تاريخ شعبي للولايات المتحدة الأمريكية من عام 1492 حتى الآن". تعمد الكاتب أن يجعل نقطة بدء تأريخه الشعبي للولايات المتحدة وصول كرستوفر كولومبوس ورجاله إلى الأرض التي اكتشفوا لاحقا أنها ليست الهند، مقصدهم الأصلي، وإن كانت أكثر ثراء وأسهل نهبا لثرواتها من الهند، الأرض التي أسموها لاحقا أمريكا، والتي كرس الأوربيون أن كولومبوس قد اكتشفها، وكأن حياة عشرات الأمم والشعوب والقبائل من سكانها الأصليين لآلاف السنين فيها قبل ذلك الحين لا يدخل في حساب الحياة الإنسانية مادام الأوربيون لم يكونوا قد عرفوها بعد.

    وهكذا شدد هوارد زين في الفصل الأول المعنون "كولومبوس والهنود والتقدم الإنساني"، من خلال الرجوع إلى يوميات كولومبوس نفسه ووثائق أخرى، على أن الدافع إلى الرحلة أصلا كان جشع كولومبوس وشغفه بغرف أكبر كميات ممكنة من الذهب والتوابل.

    قبل أن نسترسل في وصف كولومبوس كيف مارس هو ورجاله القتل الجماعي والإبادة الشاملة بحق أهل تلك البلاد، نقرأ سريعا من واقع يوميات كولومبوس نفسه، وفقا لمصدر آخر، أنه ختم صلاته لدى بدء رحلته الأولى بقوله: "فليساعدني المولى برحمته على أن أحظى بهذا الذهب.." (6)، أما الغرض الذي أراد توظيف ما طمع بجلبه من ذهب لتحقيقه فأوضحه بجلاء إذ حدد غاية رحلته إلى الهند بقوله: "كان ذلك بنية الذهاب إلى مولانا الملك ومولاتنا الملكة للتوسل إليهما من أجل أن يتخذا قرارا بإنفاق العائدات التي يمكن أن يجنياها من الهند لاستعادة القدس" (7)!..

    ركز هوارد زين على استهجان كولومبوس ورجاله للاستقبال الودود الدمث الذي استقبلهم السكان الأصليون به لدى وصول سفنهم شاطئ الأرض التي أطلق عليها لاحقا اسم أمريكا. اعتبر كولومبوس أن تدافع هؤلاء السكان إلى السفن حاملين الهدايا يقدمونها للغرباء الذين يرونهم للمرة الأولى بمثابة سذاجة. وكرر مرارا التعبير عن دهشته لتخلي هؤلاء السكان عن الذهب وممتلكات أخرى للغرباء بلا مقابل، بل واستجابتهم مبتسمين لكل ما طلب الغرباء منهم تقديمه.

    تباهى كولومبوس بأن رجاله قد أخضعوا هؤلاء "السذج" لقهر شديد واستغلال موغل في البشاعة، ونقلوا بعضهم قسرا إلى اسبانيا عبيدا، وأعملوا سيوفهم في رقاب من تردد أو تلكأ، كما كان رجال كولومبوس يستمتعون بتعذيب هؤلاء وقتلهم ببطء لتبديد الضجر وتمضية الوقت والتغلب على السأم. ومع اشتداد وطأة هذه التجربة على السكان الأصليين راح الآباء فيهم يقتلون أبناءهم بأيديهم لإنقاذهم من عذاب الموت تحت التعذيب السادي على أيدي الغزاة الأوربيين. بعد وقت قصير سادت ظاهرة الانتحار الجمعي بين السكان الأصليين، واضمحلت أممهم وقبائلهم سنة بعد أخرى حتى اختفت تماما بعد بضع عشرات من السنين، وأخذ الغزاة الأوربيون أوطانهم، بعدما نهبوا ذهبهم وثرواتهم ومزارعهم.

    أكد هوارد زين عبر الوثائق أن الإبادة الجماعية التي مورست بحق السكان الأصليين للقارة الأمريكية قد كانت سياسة مخططة مبرمجة تم تنفيذها بدقة شديدة. ولكنه بينما اعتبر وصول الغزو الأوربي إلى تلك القارة نقطة البدء في إبادة الأمم، ونقطة البدء في تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية، فإننا نعتبر ذلك الوصول بداية مرحلة سبقتها مراحل أخرى ترتبط بها. قرأنا مثلا عبر مصادر كثيرة أن الصليبيين أعملوا قتلا في سكان القدس، فذبحوا منهم سبعين ألفا في يومين، معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، عندما دخلوها يوم 15-7-1099م الموافق 22 شعبان 492ه، بعد حصار خانق دام أربعين يوما (8). دخل فارس نورماندي اسمه تانكريد حرم المسجد الأقصى بعد صلاة الجمعة مباشرة في ذلك اليوم على رأس مجموعة من جنود الغزاة المدججين بالسلاح، وبدأوا سرقة المصابيح الذهبية والفضية من مسجد الصخرة والمسجد الأقصى، ليكتشفوا بعد حين أن ثلاثة آلاف من المصلين قد احتموا بالمسجد الأقصى، طلب منهم تانكريد الاستسلام فاستسلموا وهم أصلا جاؤوا للصلاة وليس لديهم سلاح، لكن تانكريد طلب فدية كبيرة ليضمن حياتهم، فأرسلوا بعضهم لإحضار الفدية، وما إن توفرت تلك الفدية واستلمها تانكريد في اليوم التالي وبعد أن نصب رايته على المسجد الأقصى دليل منح الملتجئين إليه حمايته، حتى نقض الصليبيون عهدهم وذبحوا كل الثلاثة آلاف الذين كانوا في المسجد، ووصف أحد الغزاة الصليبيين المذبحة مؤكدا أنه خاض في دماء المصلين وجثثهم إلى ركبتيه (9).

    قبل ذلك، وفي طريق جيوش الغزاة الصليبيين إلى القدس، تم اجتياح العديد من المدن وإبادة معظم سكانها. نقرأ مثلا اعتراف المؤرخ الفرنسي ألبير دكس أنه كان ضمن القوات الصليبية التي غزت معرة النعمان، بلدة أبي العلاء المعري، فجر يوم 12-12-1098، أي بعد أربعين سنة من وفاة شاعرها وفيلسوفها أبي العلاء المعري، مؤكدا مارواه مؤرخ فرنسي آخر هو راؤول دي كين من أن مفاوضات أعقبت حصار البلدة قد انتهت إلى تعهد قائد الجيش الصليبي بوموند بمنح سكان البلدة الأمان إن هم استسلموا، فوافق السكان ورفعوا الأعلام البيضاء على أسوار مدينتهم ومداخلها ومبانيها، لكن الغزاة اقتحموها بعد ساعات وأعملوا في سكانها ذبحا حتى قتلوا مئة ألف شخص، ثم أحرقوا كل بيوتها وهدموا ما بقي من أطلال الجدران بعد الحريق، فلم يبق حجر فوق حجر في المدينة.

    قال دي كين: "كان جماعتنا يغلون مسلمين بالغين في القدور، ويشوون الأولاد في سفافيد ويلتهمونهم مشويين" (10). بينما أكد ألبير دكس الواقعة، كما أكدها مؤرخ آخر هو رادلف نقلا عن تانكريد النورماندي من أسرة دي هوتفيل، وشدد راؤول دي كين على القول: "لم تكن جماعتنا لتأنف وحسب من أكل قتلى العرب والأتراك، بل كانت تأكل الكلاب أيضا". عانى تانكريد أزمة نفسية وإيمانية فلجأ إلى بابا روما أوربان الثاني لينقذه من أزمته، فقال البابا: القتل ليس خطيئة بالضرورة، فالمسألة تتوقف على من هو الذي تقتله. فإذا قتلت أعداء المسيح، على نحو ما تفعل لتخليص القدس من الكفرة، لا تحتاج إلى التكفير، فالذبح المقدس يجلب المغفرة مثل الصلاة والصوم والحج..(11).

    تفرض الدهشة نفسها علينا من مدى خضوع المجتمعات الغربية وامتداداتها لشهوة القتل على نحو غير إنساني عندما نقرأ للكاتبين الأمريكيين إدموند ستيلمان ووليم بفاف في كتابهما "سياسة الهستريا" الصادر سنة 1964 تفسيرا لراهن عالمنا في ظل الهيمنة الغربية يعود إلى نفس تلك الغزوات الصليبية التي اجتاحت كلا من المشرق العربي والمغرب العربي أيضا، فقد نقلا عن المؤرخ الفرنسي فرديناند نيل أن الصليبيين زحفوا من مدينة مونبيلييه يوم 20-7-1209، وبلغت قواتهم أسوار مدينة بيريه، فتوسط رجال الكنيسة في المدينة لمنع القتال، لكن الصليبيين اشترطوا تسليمهم كل الهراطقة (الكاثار) في المدينة، ولما حاول أهل المدينة تجاوز هذا الشرط، فرض الجيش الصليبي الحصار، فسعى أهل المدينة إلى التسلل والهرب، لكن الصليبيين ردوهم واقتحموا المدينة، فبدأت مذبحة أفزعت مقدماتها السكان فاحتموا بالكنائس وطمأنهم الرهبان بالصلاة وقرع الأجراس، لكن الجيش الصليبي اقتحم الكنائس واحدة بعد الأخرى وذبح الملتجئين إليها. تم ذبح سبعة آلاف في كنيسة واحدة ثم إحراقها، وتكرر الأمر في باقي الكنائس، ظل الصليبيون يعملون ذبحا ونهبا وحرقا حتى احترقت المدينة بأسرها بعد يومين، وقتل مئة ألف من سكانها. ربما بولغ في هذا الرقم بحيث يكون الثلاثين ألف قتيل هو الرقم الصحيح، لكن المؤكد أنه قد تم قتل كل أهل المدينة. وقد سئل راعي أبرشية (سيتو) في هذا الغزو عن الوسيلة الكفيلة بتمييز الكاثوليك عن الهراطقة فأجاب: "احرقوهم جميعا، وبعد ذلك سوف يعرف الله جماعته"!

    أشار الكاتبان الأمريكيان في هذا الكتاب إلى انخفاض عدد سكان ألمانيا والنمسا في حرب الثلاثين عاما الدينية (1618 - 1648) من واحد وعشرين مليون نسمة إلى ثلاثة عشر مليونا فقط، وانخفض عدد سكان بوهيميا - بؤرة تلك الحرب- من مليونين إلى سبعمائة ألف نسمة، وبقي من أصل خمسة وثلاثين ألف مدينة وبلدة وقرية فيها تسعة وعشرون ألفا فقط.

    نقل الكتاب وصف المؤرخ البلجيكي هنري بيرنيه مشاهداته أثناء تلك الحرب: "بات عرفا لدى الجميع أن يذبح كل من يرفض الاستسلام في تلك الحرب، وقد شعر الجنود أن المدنيين أهداف مشروعة، ولذلك كانوا يطلقون النار على أقدام المارة المدنيين في الشوارع للتسلية، وكثيرا ما راحوا يصادرون العديد من هؤلاء المدنيين باعتبارهم خدما، ويخطفون أطفالهم طلبا للفدية، ويحرقون كنائسهم للاستمتاع. لقد قطعوا أطراف رجل دين بروتستانتي لأنه قاوم تدمير كنيسته، وربطوا القساوسة تحت عجلات العربات وأرغموهم على الزحف على أربع حتى الإغماء... وفي الألزاس، كانوا يقطعون جثث المشنوقين ويلقونها للراغبين في أكلها، وفي بلاد الراين كانت جثث الموتى تخرج من قبورها لمقايضتها بالطعام، وفي زوبريكن اعترفت امرأة بأنها أكلت ولدها!!

    قبل أن ننتقل مع الكاتبين الأمريكيين إلى ملاحظاتهما على تطور "مواهب القتل" وتصاعد "شهوة القتل للقتل" في القرن العشرين، نتساءل إزاء شهادات المؤرخين الأوربيين عن حروب إبادة وحشية خاضها مسيحيون ضد مسيحيين على هذا النحو: هل جاء في نفس السياق ما وصفه المؤرخون بالموت الأسود الذي أباد ربع سكان أوربا في العامين 1347 و1348 نتيجة جريمة جماعية ارتكبها اليهود عندما قاموا بتسميم منظم لآبار الشرب وينابيع المياه، أم أن اليهود قد نافسوا الصليبيين إمعانا في القتل الجماعي وتطبيقا لتعاليم مثل ما جاء في سفر التثنية - الإصحاح 20 (13): فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وفي سفر يشوع: الإصحاح 6 (121): وحرموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير، بحد السيف، وفي سفر الملوك: الإصحاح 3(19): وتقطعون كل شجرة طيبة، وتطمرون جميع عيون الماء، وتفسدون كل حقل جيد. ألم يزوّر أحبارهم هذه التعاليم مثلما زوروا إلها لهم أسموه (يهوه) جعلوه يحرض أتباعه على قتل الكنعانيين في فلسطين، بكل نسائهم وأطفالهم وشيوخهم؟

    لئن عرف القرن العشرون تجديد هذا النزوع اليهودي الجامح إلى ممارسة القتل الجماعي عبر مجازر متلاحقة شملت سكان عشرات المدن والقرى الفلسطينية، ثم العديد من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين أيضا بعدما استطاعت الغزوة الصهيونية اغتصاب معظم أرض فلسطين واقتلاع معظم شعبها وتشريده في المنافي سنة 1948، كما تلاحقت المجازر الجماعية التي نفذها الصهاينة في بلدان عربية أخرى فإن تلك المجازر التي أصبح العديد من قادتها أو من المشرفين عليها رؤساء حكومة في الكيان الصهيوني (مناحيم بيجن، إسحاق شامير، إسحاق رابين، شمعون بيريز، إيهود باراك، بنيامين نتنياهو، أريئيل شارون) تلتقي في جذورها مع مذابح أخرى مارسها المستوطنون الأوربيون في مناطق أخرى من العالم.

    تلتقي مجازر الغزاة الصهاينة في دير ياسين والطنطورة وناصر الدين والدوايمة وكفر قاسم وخان يونس ورفح وقبية والقدس والخليل وغزة وجنين ونابلس وغيرها من المواقع الفلسطينية، وكذلك في مدرسة بحر البقر الابتدائية المصرية ومصانع أبو زعبل قرب القاهرة ومخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت وحمام الشط في تونس وقانا في جنوب لبنان، مع المذابح التي تمت عبرها الإبادة الشاملة لشعوب المايا والإنكا والإزتيك وسواها من السكان الأصليين للقارة التي صار اسمها أمريكا على أيدي المستوطنين الأوربيين، والإبادة الشاملة التي مارسها المستوطنون البريطانيون بحق الأبوريجيين، السكان الأصليين للأرض التي أسماها غزاتها البريطانيون أستراليا، والعديد من المذابح التي شهدتها الصين والهند وبلدان أفريقية كثيرة.

    قال الكاتبان الأمريكيان ستيلمان وبفاف في كتابهما "سياسة الهستيريا":

    إن القرن العشرين قد شهد نزعة طاغية إلى تكريس سلوك جمعي غربي راسخ توارثته الأجيال هو ممارسة القتل باسم الله! هذا السلوك "هو الذي جعل بريطانيا تستخدم ما أسمته عاصفة النار في غارتها ليلة 27 يناير 1945 على مدينة هامبورغ الألمانية فأحرقت المدينة بكاملها"، وبين 24-7 و 29-7 زاد عدد القتلى في هامبورغ وحدها على اثنين وأربعين ألف قتيل، ويزيد بعضهم العدد إلى مئة ألف، وفي مدينة كاسل مات سبعون في المئة من القتلى اختناقا.

    أما الهجوم الوحشي غير المبرر على مدينة درسدن بغارات جوية أمريكية وألمانية فقد حصد بقنابله مئة وخمسة وثلاثين ألف ضحية في ليلة واحدة، ليلة 13-2-1945م. وثبت لاحقا للباحثين على نحو قاطع أن درسدن لم تكن فيها قوات عسكرية ألمانية أو أهداف حيوية أو مصانع عسكرية تستدعي مثل تلك الغارات، وإنما كان معروفا تماما للقيادتين الأمريكية والبريطانية أن القصف سيصيب المدنيين فقط، وأن نصف هؤلاء المدنيين من الفلاحين وسكان المدن القريبة الذين لجأوا إلى درسدن في الأسابيع الأخيرة التي سبقت قصفها متوقعين أن تكون أكثر أمانا لخلوها تماما من الأهداف العسكرية التي تشكل إغراء بالقصف.

    لقد بلغ هذا العدد من القتلى في درسدن وحدها ضعف مجموع القتلى البريطانيين الذين حصدتهم الغارات الألمانية طوال سنوات الحرب العالمية الثانية. ذلك أن التبرير الأمريكي - البريطاني لتلك الغارات كان الانتقام لضحايا غارات الطائرات الألمانية قبل سنوات على مدن بريطانية. أكثر من هذا، تبين أن قيادة الحلفاء كانت على علم أكيد قبيل تلك الغارة بانهيار هتلر ونظامه وقرب استسلام جيشه، بحيث لم يكن لتلك الغارات التي قتلت ذلك العدد الهائل من المدنيين أي تأثير على مسار الحرب وميزان القوة العسكرية.

    إنه نفس ما حدث في شهر آب (أغسطس) من العام 1945 على الجبهة اليابانية. فعلى الرغم من رسائل رسمية وجهتها الحكومة اليابانية للحكومة الأمريكية عارضة استعداد اليابان للاستسلام وإنهاء الحرب، أصرت القيادة الأمريكية على استخدام السلاح النووي للمرة الأولى في تاريخ البشرية ضد مدينة هيروشيما اليابانية، مع يقينها بأن المدنيين فقط سيدفعون الثمن باهظا لأداة القتل الجماعي الرهيبة تلك، وأن تدمير هيروشيما تماما وقتل مئتي ألف من سكانها لم يكن ليؤثر على مسار العمليات الحربية ولا على تطور القتال، وإنما هو رسالة إلى باقي أمم العالم تظل حية لعقود طويلة، تثير الهلع والفزع والرعب على امتداد العالم، إذ تذكّر كل من يختلف مع الولايات المتحدة أو يعترض على هيمنتها بأن الذين دمروا هيروشيما وأبادوا سكانها في لحظات يستطيعون تكرار استخدام نفس سلاح التدمير الشامل والإبادة الجماعية ضد أي خصم آخر، متى شاؤوا!

    لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد من إرهاب العالم بأسره، فبعد ثلاثة أيام من رصد نتائج ذلك التفجير النووي فوق هيروشيما، وبينما العالم في ذهول غير مسبوق، ألقت الطائرات الأمريكية قنبلة نووية ثانية أكبر حجما وأشد تدميرا على مدينة ناغازاكي اليابانية، على الرغم من أنها، شأن هيروشيما، لم تكن تضم أهدافا عسكرية يابانية تغري بتدميرها. لحسن الحظ -نسبيا- كانت الخسائر الناجمة عن القنبلة الثانية الأكبر حجما المسماة "الرجل البدين" أقل من الخسائر الناجمة عن القنبلة الأصغر المسماة "الولد الصغير" بسبب الطبيعة الجغرافية والتضاريسية لمدينة ناغازاكي التي حدّت من تأثيرات الانفجار المباشرة والإشعاع الناجم عنه لاحقا.

    لقد تصور كثير من البشر أن الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين تسببتا في مقتل خمسة وستين مليونا من البشر وجرح مئة وعشرة ملايين، قد أفرغتا من الحقد المخزون والشهوة الجامحة للقتل ما يسمح للبشرية بتوقع قرن كامل أو عدة قرون من الهدوء والسلام في العالم. لكن الحروب الإقليمية والمحلية سرعان ما تلاحقت بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، حرب في فلسطين وأخرى بين الهند وباكستان عقب استقلالهما، وحرب كبرى في كوريا ثم في فيتنام، إلى أن تجاوز عدد الحروب التي شهدها العالم في النصف الثاني من القرن العشرين المئة حرب، كان أكثرها مفتعلا ومبرمجا من قبل دول كبرى وشركات صنع أسلحة وأصحاب مصالح كبرى.

    رأى روجيه جارودي -شأن كثيرين- أن صناعة السلاح أساسا هي التي جعلت الولايات المتحدة الأمريكية القوة الأولى في العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وجعلتها تملك نصف ثروة العالم بعد الحرب العالمية الثانية التي جاءت حلا نهائيا للأزمة الاقتصادية التي عصفت بالولايات المتحدة منذ العام 1929. كذلك جددت الحرب الكورية الازدهار الاقتصادي في الولايات المتحدة، تماما مثلما فعلت الحرب ضد العراق، مع ارتفاع مستمر في إنتاج وبيع الأسلحة الأمريكية (12).

    خلص جارودي، في تحليل لَحَظَ، مع أمور أخرى، هذا الدور المحوري لصناعة السلاح الأمريكي ومبيعاته وما تقتضيه من افتعال حروب وتغذيتها على امتداد العالم، إلى القول بأن "انحطاط الثقافة الذي يلعب دورا منظما في حياة المجتمع الأمريكي إنما ينحدر من طبيعة تاريخ الولايات المتحدة" (13)، إذ قام مجتمعها أصلا نتيجة غزو بلاد الآخرين، والإبادة الجماعية الشاملة لأصحاب تلك البلاد، والإلغاء المعنوي لملايين الأفارقة الذين تم اقتلاعهم من قارتهم بالقوة وإحضارهم عبيدا أرقاء إلى القارة الأمريكية لخدمة المستوطنين الأوربيين. وهنا يلتقي كثير من المفكرين العنصريين مع صمويل هنتنجتون، داعية صدام الحضارات الذي بات أحد أهم مستشاري الرئيس جورج بوش الابن، إذ اعتبر "الأسلحة المتطورة العنصر الرئيسي للتمييز بين الغرب والأمم التي تعاديه، فالغرب من حقه امتلاك ما لديه من أسلحة متطورة مهما كانت رهيبة التدمير لأنه عاقل ومتحضر، بينما الأمم الأخرى ليست جديرة بالثقة لأنها ليست عاقلة ولا متحضرة، وبالتالي لا يجوز السماح لها بامتلاك أسلحة متطورة".

    كذلك رأى نعوم تشومسكي أن الهيمنة على العالم سياسة ثابتة للولايات المتحدة مكرسة لخدمة مصالح المهيمنين على الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الأمريكية من أرباب الصناعة والتجارة الذين يرسمون استراتيجيات كونية لإحكام السيطرة على العالم. وهذا ما يؤكده د. محمد عابد الجابري في مقالة عنوانها "الغرب مصالح ولا شيء غير المصالح"(14) مستشهدا بمقالة جراهام فوللر التي نشرها في مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية ردا على مقولة هنتنجتون حول صراع الحضارات، إذ قال إن الصدام الحضاري ليس صداما حول المسيح أو كونفوشيوس أو النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بقدر ما هو صراع سببه التوزيع غير العادل للقوة والثروة والنفوذ، والازدراء التاريخي الذي تنظر به الدول والشعوب الكبرى إلى الصغرى.

    ولكن حتى لو أخذنا بوجاهة هذه النظرة، فهل يكفي التفسير الاقتصادي أو المصلحي لظاهرة ممارسة القتل الجماعي إلى حد الإبادة الشاملة، ولانتشار مدرسة راسخة يمارس أتباعها القتل للقتل بذاته، أو للاستمتاع بالقتل؟! ألم يرفع الصهاينة وأنصارهم في الولايات المتحدة شعار "ادفع دولارا تقتل عربيا" على امتداد الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، بحيث انتشر شعارهم على جدران الشوارع والمقاهي والمطاعم وفي الحافلات والقطارات دون أن تشكل هذه الدعوة العنصرية العلنية المفتوحة للقتل مدعاة قلق للضمير الفردي والجمعي الغربي؟!

    ألم يكرر العديد من قادة الكيان الصهيوني شعارهم الدنيء "العربي الجيد هو العربي الميت"، دون أن يحتج سدنة حقوق الإنسان في الغرب؟ ألم يكرر هنري كسينجر مرارا وهو يتولى الخارجية الأمريكية القول بسخرية وحقد: اليهود وحدهم يفهمون العرب، إنهم يقتلونهم لكي يفهموهم"، جاعلا من قتل الآخر وسيلة لفهمه؟!

    أليس هذا هو ما ذهب إليه اليهودي الآخر وولف ويتز، نائب وزير الدفاع الأمريكي، مستخفا عندما توقع صحفي احتجاجا عربيا على إيغال الإدارة الأمريكية بدعم وحماية ما ترتكبه إسرائيل، إذ قال: "الموتى لا يتكلمون" معتبرا ثلاثمئة مليون من العرب مجرد موتى برداء أحياء، أو أحياء مرشحين للموت؟

    إنه نفس الالتزام بالقتل الجماعي فلسفة وسبيلا إلى تحقيق الذات وضمان مصالحها الذي جعل جون كيلي مساعد وزير الخارجية الأمريكي يدعو بلاده فور انتهاء حرب الخليج الثانية إلى "نشر الجثث الإقليمية (دولا وشعوبا) على امتداد العالم إذا أرادت الولايات المتحدة أن تنقذ نفسها من المصير الذي آلت إليه كل الامبراطوريات السابقة عندما أصيبت بفيروس اسمه التاريخ".
    الهوامش:
    (1) Victor Davis Hanson Carnage and Culture Landmark Battles in the Rise of Western Power.
    (2) زبيجنو بريجنسكي، القوة والبعد الأخلاقي، المجلة، لندن ، 2-4-1993، ص 52.

    (3) سيرج لاتوش، تغريب العالم، ترجمة خليل كلفت، لندن، دار العالم الثالث، 1984. انظر أيضاً عرض سعيد الكفراوي للكتاب في مجلة العربي، الكويت، العدد 430، أيلول- سبتمبر 1994، ص 197- 201.

    (4) الاتحاد، أبو ظبي، 17-5-2002، ص 30.

    (5) دو غلاس ريد، جدل حول صهيون، ترجمة غياث كنعو، دار الحصاد، دمشق، ط2، 1998، ص 114.

    (6) من كتاب البحاثة تزفيتان تودوروف الموسوم "غزو أمريكا: مسألة الآخر"، ص 16، نشرت مجلة " الوحدة"، الشهرية الصادرة في الرباط، ترجمة الكتاب التي أنجزها د. عبدالكريم حسن و د. سميرة بن عمو في عدد سبتمبر 1992، ص 130.

    (7) المصدر السابق، ص19.

    (8) فهمي جدعان، أسس التقدم عند مفكري الإسلام، دار الشروق، عمان، 1988، ص 81.

    (9) Terry Jones Alan Ereira, Crusades, B. B. C., London,

    (10) أمين معلوف، الحروب الصليبية، ترجمة د. عفيف دمشقية، دار الفارابي، بيروت، ط2، 1993، ص61، نقلا عن عدة مصادر أوربية موثقة.

    (1) Terry Jones Alan EReira, Crusades

    (12) روجيه جارودي، الولايات المتحدة طليعة الانحطاط، ترجمة مروان حموي، دار الكاتب، دمشق، 1998، ص 27- 29.


  2. #2
    التسجيل
    03-09-2011
    الدولة
    الطاايف
    المشاركات
    2

    العقائد والتشريعات الوضعية التي اطلق عليها اسم أديان

    [التعريف :

    هي فلسفة وضعية انتحلت الصبغة الدينية ، وقد ظهرت في النهد بعد الديانة البرهمية الهندوسية في القرن الخامس قبل الميلاد ، وكانت في البداية تناهض الهندوسية وتتجه إلى العناية بالإنسان ، كما أن فيها دعوة إلى التصوف والخشونة ونبذ الترف والمناداة بالمحبة والتسامح وفعل الخير . وبعد موت مؤسسها تحولت إلى معتقدات باطلة ، ذات طابع وثني ، ولقد غالى أتباعها في مؤسسها حتى ألهوه .

    وهي تعتبر نظاماً أخلاقياً ومذهباً فكرياً مبنياً على نظريات فلسفية ، وتعاليمها ليست وحياً ، وإنما هي آراء وعقائد في إطار ديني . وتختلف البوذية القديمة عن البوذية الجديدة في أن الأولى صبغتها أخلاقية في حين أن البوذية الجديدة هي تعاليم بوذا مختلطة بآراء فلسفية وقياسية عقلية عن الكون والحياة
    .


    التأسيس وأبرز الشخصيات :

    · أسسها سدهارتا جوتاما الملقب ببوذا 560-480ق.م وبوذا تعني العالم ويلقب أيضاً بسكيا موني ومعناه المعتكف . وقد نشأ بوذا في بلدة على حدود نيبال ، وكان أميراً فشب مترفاً في النعيم وتزوج في التاسعة عشرة من عمره ولما بلغ السادسة والعشرين هجر زوجته منصرفاً إلى الزهد والتقشف والخشونة في المعيشة والتأمل في الكون ورياضة النفس وعزم على أن يعمل على تخليص الإنسان من آلامه التي منبعها الشهوات ثم دعا إلى تبني وجهة نظره حيث تبعه أناس كثيرون .

    - اجتمع أتباع بوذا بعد وفاته في مؤتمر كبير في قرية راجاجواها عام 483 ق.م لإزالة الخلاف بين أتباع المذهب ولتدوين تعاليم بوذا خشية ضياع أصولها وعهدوا بذلك إلى ثلاثة رهبان هم :

    1- كاشيابا وقد اهتم بالمسائل العقلية .

    2- أويالي وقد اهتم بقواعد تطهير النفس .

    3- أناندا وقد دون جميع الأمثال والمحاورات .

    الأفكار والمعتقدات :

    · يعتقد البوذيون أن بوذا هو ابن الله ، وهو المخلص للبشرية من مآسيها وآلامها وأنه يتحمل عنهم جميع خطاياهم .

    · يعتقدون أن تجسد بوذا قد تم بواسطة حلول روح القدس على العذراء مايا .

    · ويقولون إنه قد دل على ولادة بوذا نجم ظهر في أفق السماء ويدعونه نجم بوذا .

    · ويقولون أيضاً إنه لما ولد فرحت جنود السماء ورتلت الملائكة أناشيد المحبة للمولود المبارك .

    · وقد قالوا : لقد عرف الحكماء بوذا وأدركو أسرار لاهوته . ولم يمض يوم واحد على ولادته حتى حياه الناس ، وقد قال بوذا لأمه وهو طفل إنه أعظم الناس جميعاً .

    · وقالوا : دخل بوذا مرة أحد الهياكل فسجدت له الأصنام . وقد حاول الشيطان إغواءه فلم يفلح .

    · ويعتقد البوذيون أن هيئة بوذا تغيرت في آخر أيامه ، وقد نزل عليه نور أحاط برأسه . وأضاء من جسده نور عظيم فقال الذين رأوه : ما هذا بشراً إن هو إلا إله عظيم .

    · يصلي البوذيون لبوذا ويعتقدون أنه سيدخلهم الجنة . والصلاة عندهم تؤدى في اجتماعات يحضرها عدد كبير من الأتباع .

    · لما مات بوذا قال أتباعه : صعد إلى السماء بجسده بعد أن أكمل مهمته على الأرض .

    · يؤمنون برجعة بوذا ثانية إلى الأرض ليعيد السلام والبركة إليها .

    · يعتقدون أن بوذا هو الكائن العظيم الواحد الأزلي وهو عندهم ذات من نور غير طبيعية ، وأنه سيحاسب الأموات على أعمالهم .

    · يعتقدون أن بوذا ترك فرائض ملزمة للبشرية إلى يوم القيامة ، ويقولون إن بوذا أسس مملكة دينية على الأرض .

    · قال بعض الباحثين إن بوذا أنكر الألوهية والنفس الإنسانية وأنه كان يقول بالتناسخ .



    THANK YOU FOR LISTEN TO ME

  3. #3
    التسجيل
    03-09-2011
    الدولة
    الطاايف
    المشاركات
    2

    رد: العقائد والتشريعات الوضعية التي اطلق عليها اسم أديان

    ضع الماوس على المربع وإسحب إلى النجمة
    #سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته*

  4. #4
    التسجيل
    01-01-2009
    الدولة
    الموصل
    المشاركات
    5,067

    رد: ثقافة القتل.. ومدرسة القتل للقتل [ العقلية الإبليسية لغريزة سفك الدماء وتصدير الك

    السلام عليكم

    على طاري بوذا

    انا اغلب ايامي في تايلند يعني بالسنه اقعد 8 شهور في تايلند ومثل ماانت عارف ان التايلنديين بوذيين

    كل فندق اشوفه او مجمع تجاري او اغلب منازلهم تشوف بالخارج حاطين مثل البيت الصغير مبني على الطريقه الاسيويه وداخله بوذا صغير

    وعنده بعض الفواكه والمشروبات , بطل فانتا او كوكاكولا

    سألت احد الاصدقاء التايلنديين عن السبب , قال بوذا يطير من مكان الى مكان وكل شوي يتواجد في احد هذه التماثيل واحنا بدورنا نضع الفواكه والمشروبات له

    قلت طيب الفواكه تخيس ومحد اكلها والرز ياكلونا الطيور والمشروبات تتبدل كل مره بدون احد يشربها

    قال هذا من طيب بوذا , لان بوذا لا يأكل ولكن يشتم الطعام وياخذ البروتينات والفوائد من الطعام من خلال الشم ويترك الباقي للطيور والحيوانات تأكلها لأن بوذا طيب

    قلت مالك حل , لازم تبررون معتقدكم بأشياء خرافيه

    قال شنو قلت ؟

    قلت شرايك نركب طقطاقي ؟

    قال فكره جيده

    --

    للعلم ان عندهم عنصريه ولا يرضون الغلط على بوذا , يعني هذا اللي اكلمه صاحبي من 10 سنين ولو فهمني غلط على بوذا و حسب اني اقلل من شأنه يذبحني ولا يقول هذا صديقي

    في بوذا ثاني يكون متين وكله منسدح ويضحك , اشوفه مذهب ودايم بالفنادق يحطونه عند الاستقبال , سألت مديره الفندق وهذي المديره اعرفها من 5 سنوات وبيننا اعمال وتستقبل مني كل شي حتى اذا تكلمت في بوذا وقلت هذي سوالف خرابيط

    المهم قلت هذا ليش متين عكس اللي اشوفهم بره يكون ضعيف و شكله من بلاد سيام مو نفس هذا متين وشكله صيني ؟
    قالت لان هذا بوذا الصين

    يعتقدون ان شكله جذي

    احد الاصدقاء التايلنديين قالي كلام ثاني , يقول هذا المتين واللي تشوفه يضحك ويمسك بكأس كأنه سكران و مفرفش ويضحك لأن هذا بوذا لما صعد للجنه

    وبالجنه صعدها بعد حياة الزهد بالارض لما كان ضعيف , والحين متين و سكران لأن بالجنه كل شي مباح

    شفت تمثال رجل برأس اسد , قالوا هذا بوذا تحول اسد


    معتقدهم لما تسمعه تقول 100% هذا خرافي , ولكن الصحيح ان بوذا كان رجل صالح

    يعتقد بعض العلماء ان كان نبي , لأن كان يدعوا للخير والبعد عن المحرمات وكان يدعوا لعباده اله واحد

    وكل افعاله ماتختلف عن الانبياء

    ولكن اتباعه من بعده حرفوا تعاليمه و جعلوا بوذا اهو أله يعبد من دون الله سبحانه

  5. #5
    التسجيل
    30-06-2011
    المشاركات
    814

    رد: ثقافة القتل.. ومدرسة القتل للقتل [ العقلية الإبليسية لغريزة سفك الدماء وتصدير الك

    [ العقلية الإبليسية لغريزة سفك الدماء وتصدير الكراهية لدى الغرب العنصري ]

    كتاب نفيس ذو صلة وثيقة :


    "عدوانية الغرب: غريزة سفك الدم وتصدير الكراهية"
    كتاب جديد لعامر عبد المنعم

    العرب نيوز : يكشف الكتاب الجديد للكاتب الاسلامي عامر عبد المنعم بعنوان "عدوانية الغرب: غريزة سفك الدم وتصدير الكراهية" عن الجذور الفكرية والعقدية وراء الرغبة في العدوان وابادة الآخرين في العقلية الغربية عبر الحقب التاريخية المختلفة وحتى اليوم.
    يتناول الكتاب الذي صدر عن مكتبة "مدبولي الصغير" تشريح الغرب بشكل علمي ويثبت أن الغربيين لا يعرفون الحوار وهم من يرفض التعايش بعدالة مع باقي الشعوب، وأدمنوا سفك الدم وسحق الآخرين، ويقدم الكتاب حقائق موثقة تساهم في دراسة الغرب بشكل صحيح لتحسين قدرة الأمة على التعامل معه بما يحفظ الحقوق ويوقف العدوان. يتكون الكتاب من ثلاثة فصول. الأول عن غريزة العدوان في الفكر الغربي التي تجعل الغربيين ينزعون دائما إلى الاعتداء وإبادة الآخرين ويرصد الحقائق حول هذا النهج العدواني على مدار التاريخ، قبل اعتناق المسيحية وبعدها عندما غير الأوربيون المسيحية وحولوها من رسالة محبة للسلام إلى ديانة محاربة واخترعوا ما يسمى بنظرية الحرب العادلة . وفي الفصل الثاني يشرح الكتاب التقسيمات الدينية ويقدم بالاحصاءات الخريطة المذهبية في الغرب وكيف تنعكس هذه التقسيمات على العالم الاسلامي. وفي الفصل الثالث يتناول الكتاب دور الدين في أوربا وأمريكا وتأثيره على القرار السياسي والتحالفات الاستراتيجية. مقدمة الكتاب لا يمكن بناء علاقة سليمة مع الدول الغربية تحقق مصالح الأمة بدون دراسة حقيقية للغرب. وبسبب غياب مثل هذه الدراسات لا يستطيع المسلمون وضع استراتيجية ناجحة للتعامل مع هذا الكيان الذي يعادي الأمة في مجمله. ولهذا السبب لا تؤتي الجهود المتناثرة للنهضة في العالم الإسلامي ثمارها إذ يتم إجهاضها أولا بأول. إن أي جهد لاستكشاف الغرب يقابل بجهد مضاد خارجيا وداخليا يفشله، للإبقاء علي صورة الغرب الإيجابية، وإبعاد الأنظار عن وضع تصور حقيقي للغرب يساهم في فهمه على أسس سليمة. ما يخشاه الغرب أن تتمكن الأمة الاسلامية من استعادة قدرتها علي إدارة علاقاتها مع الدول الغربية بناء علي علم ودراية بما يحفظ مصالحها ويعيد التوازن ويصحح العلاقة المختلة بين الطرفين. إن الأمة الإسلامية تعاني من حروب متواصلة، واجتياحات لا تتوقف من قِبَل الغرب. وأصبح الصدام والعداء هو الأصل في تعامل الغرب مع الإسلام. هذه العلاقة المختلة لم تستقم منذ غياب الخلافة الإسلامية، وحتى الآن. فالغرب يتوحد في اعتداءات متكررة ضد المسلمين، وفي المقابل تَسَبَّبَ التمزق والانقسام وغياب الوحدة الإسلامية في إضعاف العالم الإسلامي وخضوعه للهيمنة الغربية. لقد رفض الغرب كل المبادرات لإقامة علاقة متوازنة، وفشلت كل محاولات التعايش التي سعى إليها بعض المسلمين، بسبب تغيُّر ميزان القوة بين الجانبين. اختار الغربيون -دوماً- الحرب، أو التلويح بها كوسيلة مفضلة للسيطرة على الشعوب المسلمة، وارتكبوا كل الفظائع لاستمرار الهيمنة على الجسد الإسلامي الذي مزقوا وحدته، وقسموه عشرات الأجزاء. استطاع الغرب أن يحقق أهدافه باستغلال نقاط الضعف في الأمة، عبر دراسة كل ما يتعلق بها بشكل دقيق، منذ ظهور الحكم الإسلامي وحتى الآن، وهذه المعرفة ساهمت في إدارة الغرب للصراع مع المسلمين بنجاح؛ لكونها بُنيت على علم ودراية. في المقابل فإن المسلمين لم يقوموا بدراسة الغرب دراسة حقيقية تساعد على وضع استراتيجيات قائمة على أسس واقعية وعلمية وشرعية لتوجيه الأمة نحو تصور شامل لهذا الكيان. المتابع لتاريخ العلاقة بين الغرب والإسلام يجد أن دراسات الاستشراق وما قبلها من محاولات التعرف على العالم الإسلامي ليست مجرد مبادرات فكرية فردية معزولة ارتبطت بظروف تاريخية محددة، أو أنها توقفت عند مرحلة زمنية معينة، فهذا التوجه نحو اكتشافنا والوقوف على أدق التفاصيل في مجتمعاتنا مستمر حتى اليوم، وهو جزء من منظومة شاملة لمواجهتنا بأساليب متنوعة وتحت مسميات متعددة لمنع عودة الوحدة الإسلامية مرة أخرى. أجيال تسلم أجيالاً ؛ كل هدفها عدم قيام دولة المسلمين. ومن أجل استمرار الهيمنة علي المسلمين يوجد في الغرب وفي بلادنا آلاف المراكز والهيئات الحكومية وغير الحكومية لدراسة العالم الإسلامي، ولم تتوقف طوابير الباحثين والخبراء عن التدفق على المدن والقرى لتشريحنا، ودراسة كل ما يتعلق بالإنسان المسلم والمجتمعات الإسلامية. إنهم يتعاملون معنا بناء على خطط مرسومة وموضوعة سلفاً، قائمة على قواعد بيانات تم جمعها عبر مئات السنين. وبسبب جهلنا بالغرب فإن المسلمين -بسبب الفرقة، ولغياب الرأس الواحدة- لم يجتمعوا على أسباب الخلل في العلاقة بين الجانبين. فإذا سألت عشرة أشخاص في أي دولة سؤالاً واحداً، عن سبب الحروب التي يشنها الغرب على المسلمين، ستكون هناك عشر إجابات وليست إجابة واحدة، وستجد أشخاصاً لهم توجه فكري واحد يختلفون في التشخيص، بل ستجد من يرى أن المسلمين هم الطرف المدان والجاني وليس الدائن والمجني عليه، رغم ما يُفعل بهم من قتل وإبادة. هذا الكتاب محاولة لفهم الغرب، ودراسة المنطلقات الفكرية والحضارية والعقدية التي تحكم تحرك الدول الغربية تجاه العالم الإسلامي، وهو مجرد مقدمة تفتح الباب علي ساحة مهمة تحتاج إلى المزيد من الجهد والبحث. هذا الكتاب محاولة بحثية لكشف بعض الحقائق التي ربما تغيب عن الكثيرين، وتفيد في توسيع دائرة الرؤية لباطن الأحداث وليس ظاهرها، وتعميق الفهم حول جذورالعداء وليس نتائجه، لتبصير الأمة بطبيعة خصم يذيقها الويلات منذ أكثر من قرنين من الزمان.


    الفهرس

    مقدمة ..................................................
    الفصل الأول: الأصول الفكرية لغريزة العدوان ...........................
    أولا: الغرب وفكرة الصراع ............................................
    1 - الإغريق وصراع الأرض والسماء........................
    2- الرومان وعقيدة الصراع ............................................

    3 – الصراع والمسيحية المحرفة........................................... .
    ثانياً: التعارك مع الأشقاء واستنزاف الذات............................................
    ثالثاً: انتقال عقلية الصراع إلى العالم الجديد............................................

    1 – تطور فكر الإبادة ............................................

    2 - الحرب الأهلية الأمريكية......................................... ...
    3 – الصراع والفنون........................................... .
    4 - الرياضة وتفريغ العنف............................................

    رابعاً: المستقبل وسيادة فكرة الصراع............................................

    خامساً : العلاقة مع الإسلام...........................................
    سادساً: تصدير الصراع............................................
    1 - الحملات الصليبية ............................................

    2 – الاستعمار......................................... ...

    3- الحروب الاستباقية ............................................
    أ- الدول المارقة ............................................
    ب- مطاردة الإسلاميين ............................
    ج- منع تكون نواة إسلامية ..............................
    د- صعود البروتستانتية والحروب......................
    سابعاً : حصد الكراهية وظاهرة الانتحار..............................
    ثامناً : الغرب ومرض الصراع....................................
    مقترحات للتعامل مع عقدة الصراع.............................
    الفصل الثاني: التقسيمات الدينية في الغرب .......................
    أولا: الخريطة المذهبية للنصرانية الغربية ..................
    1- النسبة لسكان العالم ...................................
    2- اللغة .........................................
    ثانيا: التأثير الديني علي التوجهات السياسية ................
    1- الإلتزام الديني .................................
    2- نسبة الإرتداد عن الدين .....................
    3- التحول لدين آخر ............................
    4- نسبة الإنتشار بين المذاهب النصرانية الأخرى ..........
    5- نسبة الإنتشار عالميا (التبشير) .....................
    6- الموقف من الإسلام ............................
    7- طبيعة الخصومة مع الإسلام ...............
    ثالثا: التأثير الديني علي السياسة الخارجية ..........
    1- تأثير الدين علي العمل السياسي ............
    2- التحرك العالمي .......................................
    3- الرغبة في الغزو العسكري .........................
    رابعا: خطورة الصليبية المعاصرة ...................................
    خامسا: كيف يستفيد المسلمون من الخلافات المذهبية الغربية؟ .........
    الفصل الثالث: الصعود الديني في الغرب وتأثيره علي العلاقة مع العالم الإسلامي ........
    أولاً : تأثير الصعود الديني الغربي علي العلاقة مع العالم الإسلامي ..........
    ثانيا: الدين وتشكيل أوربا ...........................................

    ثالثا: البروتستانتية وتأسيس أمريكا .....................

    رابعا: أسطورة الشعب المختار ........................

    خامسا: علاقة الدين بالأحلاف العسكرية .............

    سادسا: التعاون الاستخباري وأثر المذهب الديني ...............
    سابعا: كيف نتعامل مع ظاهرة الصعود الديني في الغرب ...........

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •