كانت الإدارة الأمريكية تعلم جيداً أن شعبها الذى لم ينس هزيمة فيتنام الأليمة لم يكن ليتقبل الزج ببلده فى صراعات ليس لها آخر على الغاز والنفط والنفوذ بدون مبرر قوى يُشعره بأنه مُهدد فى عقر داره، فكان الحل الأمثل هو ضربة قوية تكمم أفواه المعارضين لتدَخُّل الولايات المتحدة فى شئون العالم.. وجاءت 11 سبتمبر لتكون الفانوس السحرى الذى يفتح جميع الأبواب المغلقة أمام الحكومة الأمريكية ويمنحها أصبع إتهام طويل إسمه "إنعدام الولاء للوطن" يُشار به الى كل من تسول له نفسه من أعضاء الكُنجرس أو السياسيين الكلام ضد جرائم الحرب أو التحفظ على إغراق ميزانية الدولة فى الديون لسداد فاتورة الدماء.
لكن الفانوس فتح أيضاً رغماً عنها باب التكهنات والتساؤلات عن الواقفين وراء الهجوم بعدما بدا للعالم تخَبط الرواية الرسمية القائلة بمسؤولية منظمة صغيرة أُسست فى أواخر الثمانينات وإشتُهرت بقتل المدنيين المسلمين إسمها "القاعدة"، وزعيمها رجل مريض بالفشل الكلوى قابع بين الجبال وكان من أكبر حلفاء أمريكا ومخابراتها إبان غزو السوفْيِت لأفغانستان إضافةً الى صداقته مع الأمير ترك بن فيصل الرئيس السابق لجهاز المخابرات السعودى، كما تربط عائلته الثرية المتأمركة روابط وثيقة بآل بُش. والأمر اللافت الذى لا يعرفه الكثيرون هو أن إسم المنظمة -بحسب إعتراف وزير الخارجية البريطانى السابق رُبِن كُك- مشتق من "قاعدة بيانات" السى آى ايه لأسماء المجنَّدين لمحاربة السوفْيِت[1]، فهى لم تؤسَّس لتكون منظمة إرهابية أصلاً بل لتكون مجرد قائمة بأسماء للمتعاونين مع المخابرات الأمريكية -عن علم أو عن جهل- فى طرد الروس! (ومن عجائب القدر أن الأمريكان غضوا الطرف عن تصدير المخدرات الأفغانية للغرب فى الثمانينات كى يتم تمويل المجاهدين من أرباحها[2]، مؤْثِرين تدمير صحة شبابهم على الإنهزام فى الحرب الباردة).
وأغلب الظن أن أحداث سبتمبر كان مخططاً لها أو لمثلها منذ سنوات طويلة من قِبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة وليست خطة حديثة.. فقد رفض بِل كلنتن عرضاً سودانياً فى 1996 لتسليم بن لادن لأمريكا "على طبق من ذهب"[3]، وشكا مايك شيور رئيس "وحدة بن لادن" مراراً من تمكنه من رصد مكان أسامة قبل 2001 أكثر من عشرة مرات إلا أن رئيس السى آى إيه جورج تِنِت لم يكن يأذن له بالتحرك لإعتقاله أو قتله أبداً[4]. وفى 1999 تخلصت السى آى إيه من شيور برفده، ويبدو أن السبب كان أنه لم يفهم اللعبة جيداً إذ أنه كان مصراً على القيام بعمله وأزعج قيادات السى آى ايه كثيراً بإلحاحه على تعقب بن لادن ومحاولة قتله رغم أن هذا هو صميم وظيفته! وبعد هجمات سبتمبر عاد شيور لمنصبه إلا أنه شكا مرة أخرى أنه كان منصباً إسمياً بلا صلاحيات.. فقد كانت الإدارة الأمريكية حريصة كل الحرص على الظهور بمظهر الصياد لإبن لادن إلا أنها لم تكن تحاول القبض عليه بتاتاً لأنها كانت تعد لإستخدامه فى مهمة كبرى كما سنرى لاحقاً.
لكن بالرغم من كل علامات الإستفهام تلك جَنت الحكومة الامريكية محصولاً وفيراً من وراء الهجمات.. فبجانب إلتهام البلدين الضعيفتين، تم إتخاذها كذريعة للتجسس على المواطنين وقمع الحريات المدنية ومنْح رئيس الجمهورية صلاحيات لم يكن ليحلم بها هناك. كما شُنت الحروب التى تضخ الدماء فى عروق الاقتصاد الأمريكى وتُعتبر قلبه النابض الذى بدونه تغلق مصانع السلاح التى تبيع لوازم الحرب، وتفلس البنوك التى تُقرض الحكومة لتمويل الحرب، وتخسر شركات النفط التى تُمنح عقود من الدول المحتلة، وتعانى شركات إعادة الإعمار التى تستنزف أموال الدول التى دمرتها أمريكا، وبالتالى فبدلاً من أن يجد تجّار الموت والجنود والمرابين أنفسهم بلا عمل فيضطرون للعيش على المعونات أو السرقات يأكل الجميع لقمة عيش سائغة، هذا فضلاً عن نفوذ أرباب تلك القطاعات الهائل فى عمليات إتخاذ القرار والذى بموجبه يدفعون دفة السياسات الأمريكية دائماً تجاه الحروب.
كما إستفادت أمريكا سياسياً من الإطاحة بطالبان، وهى حكومة كانت تطبق الشريعة الإسلامية ولا تخضع للغرب ليس لها مثيل إلا فى إيران. وفوق كل ذلك تم ضمان عدم سيطرة الإسلاميين من حلفاء طالبان على مقاليد الحكم فى باكستان النووية. كما تحولت القاعدة الى فزاعة أو "بعبع" تتحجج أمريكا بتواجده فى أى دولة فى العالم لتبرير ضربها أو إقامة قواعد عسكرية بها بدون أن يحق لأحد أن يعترض وإلا واجه العقوبات والتحريضات بصفته "متواطىء مع الإرهاب"[5].
وكمصالح شخصية نجد أن دِك تشينى نائب بُش كان يمتلك أسهماً فى شركة هَلِبرتن النفطية قفز سعرها من حوالى ربع مليون دولار قبل الحرب الى 8 ملايين بعدها بسبب منحها عقوداً بقيمة عشرة مليارات دولار للعمل فى العراق، ونجد أن جورج بُش المسيحى المتطرف الذى إعترف بوجود حملة صليبية جديدة كان متحمساً لغزو العراق "للقضاء على يأجوج ومأجوج" هناك[6]، ونجد أن العنصريين المهووسين بسيطرة الجنس الأبيض إكتشفوا متنفساً جديداً إسمه "المسلمون" يصبون عليه جام غضبهم بدلاً من الزنوج الذين لم يعد بوسعهم المساس بهم والحط من شأنهم مما يساعد فى توحد الطوائف الأمريكية المختلفة مرة أخرى ضد عدو وهمى جديد بعد إنهيار المعسكر الشيوعى.. ففى الثمانينات أكد جُن ستكْوِل -أحد قادة السى آى ايه السابقين- أنه "لو إختفى الإتحاد السفيتى من على سطح الخريطة ستبحث الولايات المتحدة سريعاً عن أعداء جدد لتبرير مجمعها التصنيعى الحربى"[7]، كما أوضح فى كتابه المسمى "بحثاً عن أعداء" أن حرب الولايات المتحدة الباردة لم تكن ضد الشيوعية أصلاً وإنما كانت ضد النظم والحركات التى تعارضت مصالحها مع مصالح الشركات والبنوك الأمريكية العملاقة.
حسناً.. كل ما سردناه حتى الآن هو عن دوافع الإدارة الأمريكية المحتملة للوقوف وراء الهجمات طبقاً للمبدأ التحقيقى فى أى جريمة "إبحث عن المستفيد".. لكن ماذا عن الأدلة الفعلية؟
حسام حربى
http://ubser.wordpress.com
المصادر
[1]http://www.thetruthseeker.co.uk/article.asp?ID=3836
[2]http://www.globalresearch.ca/index.php?context=va&aid=3198
[3]http://archive.newsmax.com/archives/ic/2006/9/10/181819.shtml?s=ic
[4]http://www.historycommons.org/entity.jsp?entity=michael_scheuer
[5]http://almesryoon.com/news.aspx?id=58678
[6]http://www.arabtimes.com/portal/news_display.cfm?Action=&Preview=No&nid=3631&a=1
[7]http://www.infowars.com/why-conspiracy-theorists-think-al-qaeda-did-911/