سياسة المملكة العربيه السعوديه
تدار بالخفاء وليست مسرحيات استعراض ..
بقلم الكاتب السوري (مجاهد مأمون ديرانيه)

بسم الله الرحمن الرحيم

إخواني الكرام، هذه صفحات عامة وليس كل ما يُعلَم يمكن أن يقال فيها، ولكن أستطيع أن أقدم بعض المعلومات التي ستساعد على نشر روح التفاؤل والأمل، والتي لا يضر كشفها لأنها صارت معروفة الآن في محافل كثيرة في الداخل والخارج.

سأبدأ بمسألة الحملة التي تم وقفها أمس. أنتم تعلمون (أو يجب أن تعلموا) أن السياسة السعودية لها طبيعة خاصة لا يعرفها إلا من عرفها مطوّلاً، وهي تتسم بالصمت والحركة وراء الكواليس، ومن أندر النادر أن تظهر للملأ، وهو أمر حصل في أحداث الثورة السورية ثلاث مرات حتى الآن على الأقل: الأولى في رسالة الملك
إلى السوريين في رمضان، والثانية في موقف وزير الخارجية في تونس على هامش اجتماع أصدقاء سوريا الأول، والثالث الخطاب الموجز الذي وجهه الملك إلى الرئيس اللبناني أخيراً.

ألم تلاحظوا كيف تغير الوضع الميداني في طرابلس والشمال اللبناني بصورة مفاجئة وحاسمة بعد ذلك الخطاب؟ ذلك لأن الجزء العلني من الاتصال يأتي على رأس ترتيبات وإجراءات عميقة خفية لا تستطيع الدولة اللبنانية إغفالها أبداً. عندما نسمع تصريحاً صريحاً عن مسؤول سعودي كبير يكون ذلك عادة هو رأس جبل الجليد، وفي حالات كثيرة يكون الجبل كله مختفياً ولا يظهر منه شيء أصلاً. أعني أن عدم الإعلان عن مشروعات وعن تحركات لا يعني أبداً أنها غير موجودة. هذه لعبة سياسية خطيرة وليست مسلسلاً تلفزيونياً ساذجاً!

إخواني، ثقوا أن الحملات ستبدأ قريباً على أعلى المستويات، ولكن هذه الحملات لن تمثل سوى جزء صغير من مشروع الإسناد الذي بدأ تحريكه منذ بعض الوقت دون أن يحسّ أحد. لقد مضى وقت طويل على مطالبة وزير الخارجية بتسليح الجيش الحر. لعلكم تذكرون أن وزيرة الخارجية الأميركية جاءت تركض إلى الرياض بعد ذلك التصريح بيومين، وأن الملك رفض استقبال اتصال من الرئيس الروسي قبله بأيام. في تلك اللحظة التي تسربلت بالجِدّ الصارم من لحظات التاريخ اضطر اللاعب الأكبر أن يغير موقفه، أعني أميركا. لقد كان العائق الأكبر لتسليح الجيش الحر هو الإدارة الأميركية، ولم تكن الفيتوات الروسية والصينية سوى رتوش وديكورات على المسرح، في حين أصرت الإدارة الأميركية على إطالة المعركة ونفخ الروح في الجسد الميت للنظام، لماذا؟ حتى تفرغ من تهيئة وصناعة البديل.
خلال الشهرين الماضيين وبعدما أطلق السعوديون الصافرة بدأ جهد محموم على الأرض السورية لتجميع و"لملمة" الكتائب المسلحة، وهي بالمئات، وصولاً إلى تشكيل المجالس العسكرية التي عرفتم بخبرها. تنظيم الوضع الميداني على الأرض كان شرطاً مسبقاً لأي تسليح، وقد اضطرت الإدارة الأميركية إلى الموافقة على خطة التسليح بشرط أن تنفَّذ ضمن تشكيلات معروفة وأن يكون التعامل مع جهات يمكن الوثوق بها.
النتيجة التي وصلنا إليها بعد ذلك كله هي: لقد بدأ السلاح يتدفق على سوريا مثل المطر، ومن ضمنه "أسلحة نوعية". نعم، وبلا تفصيلات: أسلحة نوعية نستطيع أن نفسر على ضوئها التحول الدراماتيكي في ميزان القوة والخسائر الهائلة التي بدأت تصيب جيش الاحتلال الأسدي خلال الأسبوعين الأخيرين. ألا تلاحظون أن الدبابات تتهاوى مثل الذباب؟ هل أحصيتم عدد الطائرات العمودية التي أُسقطت خلال الأسبوع الأخير؟ جبل الأكراد، الأتارب، إدلب، المريعية، البوعمر، موحسن. بالإضافة إلى ما ورد اليوم عن كتيبه الأبابيل بشأن ضرب مطار منغ وتدمير 4 طائرات (ويبدو أنها ضُربت وهي على الأرض، ربما بمضادات الدروع).عمليات عسكرية كاسحة في كل مكان، سوريا الغاضبة تمور كالبركان، ضرب خلية الأزمة، دمشق وحلب في أوج تفاعلهما والإضراب الكبير يعم دمشق لليوم الثاني،
التفاعل العربي والعالمي مع الحدث يصل إلى درجات غير مسبوقة، حملة دولية ضد النظام من خلال قطع العلاقات وطرد السفراء (14 دولة حتى الآن)... لقد بدأ الفصل الأخير والله أعلم. ولكنّ كونه فصلاً أخيراً لا يعني أنه قصير، فلا أحد يعلم طوله إلا الله، قد يكون شهراً وقد يكون سنة كاملة، وفي كل الأحوال سيكون صعباً مثقلاً بالآلام والتضحيات الجِسام.الحرية غالية، وقد جاد شعب سوريا العظيم بالثمن الغالي حتى اليوم، ولسوف يكمل الطريق بإذن الله مهما عظمت التضحيات، والله خير حافظاً وهو الغالب على أمره ولو بعد حين.