من الامور التي يطالب الاسلام، الانسان بها، ان يبدأ بطرح اخطائه حينما يخطىء في تعامله مع الآخرين، او حينما يريد انتقاد طرف ما لارتكابه خطأ ما. إذ أن الاعتراف بالخطأ اسلوب تربوي حسن للنفس، بالاضافة الى انه يريح المتكلم، والطرف الآخر، ويؤدي به الى تقبل النقد.
ان هناك قسما من الناس يسيطر عليهم حب الذات، وحينما يخطئون يبعدون انفسهم عن ذكر اخطائهم، وربما تأخذهم العزة بأخطائهم، فيتصلبون لها، ولا يبدون أي تنازل، او اعتراف بها.

يقول احد الكتّاب:
تركت ابنة عمي "ج.ك." بينها وقدمت لتعمل سكرتيرة لي. وكانت اذ ذاك في التاسعة عشرة من عمرها، وقد أتمت دراستها قبل ذاك بثلاثة اعوام، وكانت تجاربها في الحياة تزيد بقليل على العدم! ولكنها اليوم احدى السكرتيرات البارعات المحنكات!
وفي ذات يوم اوشكت ان انتقد مسلكا لها، ولكني سكت فجأة، وقلت لنفس: لحظة واحدة يا فلان! لحظة واحدة! إن سنك ضعف سن "ج.ك."، ولك من تجاربك في الحياة اضعاف اضعاف ما لها، فكيف تتوقع ان يكون لها مثل وجهة نظرك، وحكمك، ومقدرتك، مهما كانت هذه متواضعة؟ ولحظة يا فلان! ماذا كنت تعمل، وأنت في التاسعة عشرة من عمرك؟ أتذكر الاخطاء الفاضحة، والحماقات المتكررة التي كنت تأتيها؟ أتذكر الوقت الذي فعلت فيه كذا وكذا، وكيت، وكيت!
فلما قلبت الامر على اوجهه في نزاهة وتجرد، انتهيت الى ان "ج."، وهي في التاسعة عشرة من عمرها، افضل بكثير مما كنت وانا في مثل سنها! ولم يكن هذا - للاسف! - من قبل ادخال السرور على قلب "ج."!!
وبعد تلك المرة صرت كلما اردت ان ألفت نظر "ج." الى خطأ أتته ابدأ بقولي: لقد أتيت يا "ج." خطأ، ولكن الله يعلم أنه ليس شرا من كثير مما أتيت أنا! فأنت لم تولدي ولك صدق الحكم على الاشياء، بل يأتي هذا عن طريق التجربة وحدها، وأنتٍ افضل مما كنت انا في مثل سنك. إنني احمل شيئا كبير من الاخطاء السخيفة، حتى انه لا تجدوني اقل الرغبة في ان أنتقدك أنت، وسواك، ولكن… ألا ترين انه يكون من الاصوب لو فعلت كذا وكذا؟

وتعاملنا مع الآخرين يجب أن لا يكون على أساس أننا وهم اجزاء من آلة لا يقع فيها الخطأ، بل حتى الآلة فإن أجزاءها تخطىء في بعض الاحيان. بل يجب ان نضع في اعتبارنا ان الطبيعة البشرية تصيب، وتخطىء، وهي ليست معصومة من الخطأ.
كذلك من الامور الهامة في التعامل مع الاخطاء ان لا نكبرها، وان نعطيها حجمها الطبيعي، وأن لا نتغافل عنها، وأن لا نتعود على اخطاء النفس، وممارسة اخطاء الآخرين. وان نتعامل مع الأخطاء باعتبارها أمور محتملة الوقوع، وقابلة للعلاج في نفس الوقت.
فإذا كنت أنمت المخطىء بحق الآخرين، سواء كان في الآراء والافكار، أو في مجالات التعامل الاخرى، ففي هذه الحالة لا بد ان تكون صريحا مع نفسك، ومع الآخرين، لا ان تبرر اخطاءك، بل لا بد ان نتهم انفسنا قبل ان نتهم الآخرين، وان نبصر عيوبنا قبل ان نبصر عيوب الآخرين، وأن نعترف بأخطائنا امام انفسنا دائما.

يقال ان سقراط كان جالسا - ذات يوم - مع احد تلاميذه على حافة بركة فيها ماء راكد، فقال سقراط لتلميذه: ما هذه البركة؟
قال التلميذ: إنه الماء.
الا ان سقراط بدأ يستدل له ان ذلك ليس ماء، وأورد عشرات الأدلة على ما ذهب اليه. واستسلم التلميذ لأستاذه رغم قناعته بعكس ما قال. غير ان سقراط مدّ يده الى البركة، واغترف كفا من الماء، ثم رماه في البركة، وقال لتلميذه: هذه الحقيقة اكبر دليل لك على انه ماء، وأن ما ذهبت اليه ليس صحيحا.

وإذا أخطأ الآخرون، بحقك فالمطلوب ان تبدأ بأخطائك أولا قبل ان تنتقدهم.
وفي نقدك لهم يجب ان تكون اخلاقيا، بحيث يشجعهم النقد على الاعتراف بأخطائهم والاقلاع عنها، وليس المطلوب ان تهينهم وتجرح مشاعرهم، وتجعلهم يتعنتون لأخطائهم.
وللتعامل مع اخطاء الآخرين، هناك ثلاث خطوات:
الأولى: ان لا نتتبع عثراتهم، وأخطاءهم.
الثانية: ان نحملها على الخير، لا الشر.
الثالثة: ان لا نجرح كبرياءهم اذا ارتكبوا خطأ.
وقد يتساءل السائل: هل المطلوب - إذن - ان نسكت عن اخطاء الناس، او ان نبررها؟
والجواب:
ان الاخطاء على قسمين:
1/ صغيرة، وهذه قد لا تستحق الذكر ويمكن تحملها.
2/ كبيرة. وهذه تبين بشكل اخلاقي وفنّي.
بل ان الاسلام الحنيف فيما يرتبط بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والذي من ضمنه توجيه الآخرين الى الاقلاع عن اخطائهم، وضع مسألة احتمال التأثير، فإذا كان هذا الاحتمال ضئيلا، لا يجب الامر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
إذن:
في تعاملك مع الاخطاء، ابدأ بأخطائك قبل ان تبين اخطاء الآخرين، واذا ما كانوا هم المخطئين، فاجعل نقدك مشجعا لهم على تلافي اخطائهم,