النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: حافظ مش فاهم.. المبالغة فى المبادىء النبيلة تخلق أصناما فكرية

  1. #1
    التسجيل
    11-09-2011
    المشاركات
    95

    Post حافظ مش فاهم.. المبالغة فى المبادىء النبيلة تخلق أصناما فكرية



    أحد أهم الفوارق المميِّزة للإنسان عن سائر المخلوقات هى قدرته على سَن قواعد معقدة تحكم سلوكه. والمقصود هنا بـ"معقدة" أنها ليست فطرية ولا بديهية، فلا يمكن تخيّل قيام الحيوان ولا حتى قيام طفل بها إلا إن رأى الكبار يفعلونها فيقلدهم. فمثلاً إن قررْت المواظبة على نظام تخسيس فستبدأ بالنفور بشدة من الحلوى لدرجة رفضك لملعقة سكر صغيرة توضَع فى كوب الشاى. أنت تعلم عقلياً أن تلك الملعقة لن تزيد من وزنك، لكنك برمجت نفسك على تجنب أى سكريات كى لا تضطر لأخْذ قرار جديد كلما سنحت لك فرصة تناولها مما يهدد بانهيار نظام التخسيس. كذا فى حالة قراءتك عن ضرر المضادات الحيوية مثلاً.. قد تبرمج نفسك على عدم أخذها مهما بلغ بك المرض والألم.

    وتأخذ هذه البرمجة صوراً شتى فى مختلف المجالات على مستوى الأفراد والجماعات مما يساعد فى تبسيط الحياة، ففى الغرب مثلاً عندما تكون الإشارة حمراء لا يُسمح للسائق بالمرور حتى لو كان الشارع المقابل خالياً من السيارات والمارة. وهذا قانون جيّد لاستحالة وضْع شُرطى عند كل تقاطع ولذا وضعوا قاعدة موحدة -يعترفون بنقصها- لكنها فى المُجمل تنفع أكثر مما تضر. لكن المشاكل تبدأ يا عزيزى القارىء عند التمادى فى وضْع القواعد على مستوى العقل البشرى (وليس على مستوى التطبيقات العملية كإشارات المرور)، فتغدو بعض تلك القواعد مبادىء مقدسة لا يمكن المساس بها وتعلو فوق كل شىء مهما بلغت أهميته وقويت حجته. ولنضرب على ذلك مثالاً..

    فى أواخر العام الماضى قامت اشتباكات بين معتصمى مجلس الوزراء وقوات من الجيش احترق أثناءها المجمع العلمى الذى بناه نابليون وهو ما أفقدنا كتباً أثرية نادرة لا تعوّض بثمن، وكانت الشبهات تدور حول بعض أطفال الشوارع والذين تم تصويرهم يقومون بإشعاله. تم توجيه إتهامات عديدة لأصابع خفية ما بين جهات داخلية وخارجية كان لها مصلحة فى توجيه الأحداث وتصعيد الموقف بما فى ذلك قتل المتظاهرين بهدف توريط الجيش. وفى حديثى اليوم سأعرض تماماً عن التحليل السياسى للواقعة من أجل تسليط الضوء على نموذج مرعب لحالة التقديس والمبالغة التى نتحدث عنها. فما حدث كان اعتقال بعض هؤلاء الأطفال واستجوابهم بخصوص الواقف وراء الجريمة والتمويل ثم تم عرض شهاداتهم فى التلفزيون. وسنتأمل فى السطور التالية رد فعل شبكتَى حقوق إنسان:

    "أدانت الشبكة العربية عرض فيديوهات لبعض الأطفال القصر كشهود، بما يشكل انتهاكا لحقهم فى حرمة الحياة الخاصة والحماية التى يجب أن يتمتع بها الأطفال ضحايا الجريمة والشهود عليها أثناء التحقيقات. وذكرت الشبكة العربية أنه كان من الأولى بالسلطات احترام المبادئ التوجيهية للمجلس الاقتصادى وأدنى معايير حقوق الطفل العالمية فى حماية المعلومات المتعلقة بمشاركة الأطفال فى تحقيق العدالة، حيث كان يجب عليهم بذل جهد فى عدم الكشف عن هويتهم لما قد يشكله هذا من أضرار نفسية ومعنوية تهدد مستقبل القُصر وحالتهم النفسية على المدى القريب والبعيد."

    وفى بيان لمنظمة أخرى..

    أدانت المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة اتهام الأطفال بأنهم مرتزقة مأجورين، وكذلك عرض شهاداتهم على وسائل الإعلام قبل البدء فى التحقيقات. وذكرت في بيان لها أن ما حدث من عرض أطفال يعترفون على أنفسهم يعد “استمرارا لتعريض أطفالنا فى الشارع للعديد من أشكال العنف الذى يتعرضون له من قبل المجتمع والدولة على السواء”. وأضافت أن تلك الممارسات “تزيد وتعمق من ظاهرة العنف المتبادل بين هذه الفئة من أطفالنا والمجتمع الذى مازال يلفظهم ويتجاهل قضاياهم التى هي مسئولية المجتمع ككل بمؤسساته المعنية سواء الحكومية أو المدنية”... وأكدت أن ما حدث مخالف لكافة المواثيق والاتفاقيات الدولية وكذلك لقانون الطفل المصرى.

    سأحاول تخطى شعورى بالذهول وعدم التصديق لأصل بالقارىء لغاية المرام. لدينا هنا فتنة تمزق وطناً بأكمله.. لا نتحدث عن الكتب والآثار التى احترقت فالإنسان أهم من الكتاب، لكن عندنا أيضاً شهداء ومصابون سقطوا بالرصاص الحى واتهامات متبادلة وتربص خارجى وداخلى ومأزق تاريخى تقع فيه البلاد. وفى خضم كل هذا عندنا مراهقون نظن أن بحوزتهم بعض المعلومات عن الواقف وراء تلك الفتن ونأمل أن تمنحنا شهادتهم بصيص ضوء نرى منه الحقيقة أو بعضها. ثم تأتى شبكات حقوق الإنسان فى وسط كل هذا لتعترض على ماذا؟ على قتل الناس؟ على رد فعل الحكومة العنيف؟ على ما تردد حول تعذيب المعتقلين؟ لا.. كل هذا لا يهم. إنها تعترض على إذاعة شهادات هؤلاء المراهقين فى التلفزيون! طيب وهل للشهادة أى مصداقية فى تلك الظروف دون عرضها على الملأ؟ فقد تعودنا للأسف على كذب الحكومة الدائم فلم يعد الناس يصدقون شيئاً يقوله وزير أو ضابط إلا إذا رأوه بأعينهم، فكانت الوسيلة الوحيدة لدرء الفتنة فى هذا الموقف هى عرض الشهادات علنا.

    وكى لا يُساء فهمنا فنؤكد أن حقوق الإنسان شىء جميل، وحقوق الطفل شىء أجمل، لكن أصحاب تلك الشبكات بتفكيرهم هذا قد خلقوا إلهاً مقدساً أسموه حقوق الطفل. ومشكلة الآلهة والمقدسات أنه لا يمكن التناقش معها.. فلو أن الإله قال شيئاً ينتهى الأمر فوراً. لا حوار ولا جدال ولا مراجعة ولا مصلحة عليا فوق أمر الإله، فحُكمه نافذ وكلمته نهائية.

    ليس هذا النموذج الوحيد للتقديس الفكرى بالطبع، فالعالم ملىء بأمثلة لا حصر لها لمبادىء مبالَغ فيها لا يقبل أصحابها المساس بها بأى شكل من الأشكال مهما بلغت التضحيات. نذكر من ضمن تلك المبادىء الشيوعية، والرأسمالية، والقومية، وحقوق الطفل، وحقوق المرأة، بل وأحياناً التعليم. عند سماعك لأحد الناس يتحدث باسم تلك المبادىء يا عزيزى القارىء فعليك بتجميد مشاعرك فوراً والبدء بتشغيل عقلك. فما أسهل حمل المرء على الإنقياد والتمادى وراء الشعارات الرنانة لينسى فى زخمها سبب تبنى تلك الشعارات بدايةً، وينسى أن يتساءل عما لو كان التمسك بها لهذا المدى يستحق التضحيات المقَدّمة.

    ويُعد تقديس المبادىء أكبر خطأ فكرى وقع فيه الغرب.. فعندهم من الآلهة الفكرية ما يجعلك تحتار فى كيفية وصفهم ببلاد حرية الإعتقاد والتعبير. فالكثير من حكومات أوربا مثلاً تُجرِّم إنكار محرقة اليهود المزعومة "الهولوكوست" حتى فى إطار البحث التاريخى والنقد العلمى بالأدلة والبراهين، والويل لمن يخالف ذلك.. يدفع غرامة كبيرة وربما دخل السجن لمدة تصل لخمس سنوات فى بلد كفرنسا أو عشرة فى بلد كالنمسا. وهناك لا يمكنك حتى إنتقاد اليهود بقول أنهم يسيطرون على الإقتصاد أو السياسة وإلا تكون "عنصرياً". طيب هل هذه المعلومات خاطئة فى حد ذاتها؟ لا.. فالإحصائيات تؤكد أن اليهود هم أساطين المال والسياسة هناك فعلاً (نصف مليارديرات أمريكا من اليهود رغم أن تعدادهم حوالى 2% من السكان). طيب لماذا لا يمكننى قول ذلك علانية فى مقال بجريدة مشهورة مثلاً؟ لأنك ستكون عنصرياً. لماذا سأكون عنصرياً مادمت أقول حقيقة؟ لأنك هكذا تضطهد اليهود. لماذا تقول أنى أضطهدهم مادمت أقول الحقيقة؟ لأنك هكذا تكون عنصرياً. إنها حالة محزنة من غسيل المخ والإفتقار الكامل للمنطق.

    نفس الشىء ينطبق على الزنوج خاصة فى الولايات المتحدة.. فكرد فعل لاضطهادهم الطويل هناك صار التحدث عنهم بغير الثناء محظوراً -من الناحية العملية- حتى إن أيُّد الكلام بألف إحصائية ودراسة. بل إن أستاذاً يابانياً بجامعة لندن يُدعى ساتوشى كنازوا نشر مقالاً علمياً يناقش أسباب عدم إنجذاب الرجال للزنجيات معتمداً على نِسَب معدلات هرمونات الأنوثة والذكورة لديهن فتم وقفه عن الكتابة المستقلة علاوة على التشهير به باعتباره عنصريا! هذه الأمثلة تجسيد واضح لعبادة صنم إسمه "مكافحة العنصرية" لا يجوز التطاول عليه أو التشكيك فى ألوهيته حتى بالمناقشة الموضوعية الهادئة. وأنظر أخيراً لأى مدى ذهب الأمريكان والسوفيت إبان حربهم الباردة التى راح ضحيتها الملايين دفاعاً عن مبدأين متناقضين يعلم أى أمّى أن خيرهما الوسط.. هذا مثال آخر واقعى ومؤلم للإندفاع فى إعلاء مبادىء معينة وصَم الآذان عن سماع وجهة النظر الاخرى مهما كانت عقلانية وموضوعية.

    وشخصياً ابتَكرْت طريقة لطيفة لضمان عدم إنجرافى وراء أحد مبادئى عند الحكم فى مسألة معينة، وهى تخيّل أنى إنسان بدائى لم ير المدنية قَط تُعرَض عليه المسألة وأنظر ماذا كان سيقول بخصوصها، فقراره سيكون الأقرب للفطرة والمصلحة دون التقيّد بمبادىء رُوّجت لأسباب سياسية أو تاريخية يبالَغ فى صونها لدرجة التقديس. والكلمة السحرية لتحقيق ذلك هو أن نسأل أنفسنا دائماً "لماذا؟" قبل إصدار حكماً على شىء.

    فمثلاً أنا ضد التعذيب لإنتزاع الإعترافات بكل تأكيد.. لكن ماذا لو تأكدنا يقيناً من اختلاس لص للملايين والمليارات ثم رفض الإفصاح عن مكان إخفائها أو عن شفرتها السرية بالبنوك السويسرية؟ لا.. فى هذه الحالة أنا مع تعذيبه حتى يعيد الحق لأصحابه المعذبين بفقدان أموالهم. أيضاً أنا مع حب الدولة التى يعيش فيها المرء والدفاع عنها.. لكن ماذا لو وجدنا تحالفات إقليمية كبرى تلتهم الدول الصغيرة التى لم تنصهر فى تكتل سياسى وعسكرى مع جيرانها؟ لا.. وقتها سأنادى بالإندماج مع الجيران حباً لبلدى وضرورةً لاستقلالها بقدر المستطاع. أنا أيضاً مع انتشار العلم والوعى وإتاحته للجميع مجاناً بل إنى لا أكتب إلا لهذا الغرض.. لكن ماذا لو ثبت لنا على مر السنين والعقود أن النظام التعليمى القائم عقيم ولا يحقق النتائج المرجوة منه ويهدر أموال الضرائب وأعمار الطلبة؟ لا.. هنا لن أتمسك به مطلقاً لأن استبداله أو حتى إلغاؤه سيكون ضرورياً للحفاظ على العلم والوعى لا العكس. أنا مع المرأة فى أخذ كافة حقوقها.. لكن ماذا لو وصل الأمر إلى حشو كافة المناصب الهامة فى الدولة بالنساء المفتقدات للكفاءة علاوة على مصادرة حقوق الأزواج والآباء تجنباً لتهمة تهميش المرأة؟ إلى آخر تلك الأمثلة التى نقرأ عنها ونشعر بها كل يوم.

    والمشترك بينها جميعاً هو تعامل الكثيرون مع تلك المبادىء -النبيلة- وكأن بينهم وبينها علاقة حب شاعرى غير مشروطة وغير قابلة للمراجعة، فإنْ حاولْت مناقشة تطبيقات تلك الأفكار فى مجتمعنا ستجد دائماً من يصرخ فى وجهك قائلاً "وماذا عن حقوق الإنسان؟! وماذا عن ولاءنا للبلد؟! وماذا عن أهمية التعليم؟! وماذا عن حقوق المرأة؟!" دون أن يدرى أصلاً سبب تمسكه بتلك الشعارات التى لُقنها من وسائل الإعلام مراراً حتى صار يكررها بلا تفكير ولا تقييم على طريقة "حافظ مش فاهم".

    ما نقترحه من هذا المقال ببساطة هو قاعدة واحدة للتمسك بأى مبدأ.. وهى تحقيقه للمصلحة. فإن تبيّن لنا عدم تحقيقه إياها فى حالة إستثنائية -أو غير استثنائية- فعلينا التخلى عنه بصورة مؤقتة أو دائمة واختيار الأصلح للوضع القائم. فهذا ما كان يفعله الإنسان الحر قبل امتلاء رأسه بقيود صارمة وتَلوثها بمقدسات باطلة تشل تفكيره وتصادر مرونته.

    حسام حربى - مدونة «أَبْصِرْ»
    https://ubser.wordpress.com

  2. #2
    الصورة الرمزية chris
    chris غير متصل مراقب منتديات رزدنت إيفيل
    ومراقب المنتدى العام
    التسجيل
    13-11-2001
    الدولة
    jordan
    المشاركات
    13,402

    Thumbs up احم احم



    شكرا لك يا اخي العزيز حسام حربى
    على هذه المقالة الجميلة و التي تحمل الكثير من الافكار المختلفة
    وقبل ان اطرح رايي سوف اورد مثال يسهل ايصال ما اريد ان اقوله
    لنفرض اننا احظرنا 4 رجال وذلك لكي يضعوا قانون يسير عليه مجتمع ما
    وكان الاول شاعر ورومنسي و الثاني رجل عسكري وجندي متمرس و الثالث عالم فيزيائي و الرابع رجل متسلط او لديه نزعة قومية
    فلنتخيل ما سوف ينتجه لنا كل شخص من هؤلاء الرجال
    سوف نلاحظ ان كل واحد منهم وضع قانون يسير وفق هواه و نظرته و عقليته وتفكيره
    وكانه يخيط بنطال على مقاسه دون ان ينظر لمن حوله او يفكر باختلاف الاخرين وان ما سوف يخيطه ويناسبه قد لا يناسب غيره
    بل سوف نجده يضع القانون وكانه يعيش لوحده
    والان ياتي وقت التنفيذ وهنا ياتي العنصر التالي وهو عنصر القوة فلو كل شخص من هؤلاء الاشخاص اخبرناه بانه قادر على فرض قانونه وان من يعارضه بامكانه ان يتخلص منه ولن يحاسبه احد

    فانه هنا يتحول بقانونه الى القدسية المطلقة

    وهذا ما يحدث هنا فنحن نتحدث عن تفكير بشري قاصر يعتمد على افكار و عقلية شخص او عدة اشخاص يضعون القوانين بناءا ً عن ما يفكروا به او يعتقدوه
    ولذلك لم يكن هناك تشريع او قانون مما ذكرته يا اخي الا كان يحمل العنصران المطلوبان عنصر التفكير الاوحادي الجانب و القوة لفرض التشريع واعطائه صفة القدسية

    طبعا نحن هنا نتحدث عن القوانين التي اخذت منحنى القدسية والتي ذكرتها يا اخي ولسنا هنا بصدد الحديث عن كل القوانين


    ولذلك يا اخي وللاسف ابتعادنا عن تحكيم شريعة الله و التوجه الى تحكيم شريعة وضعية مبنية على الفهم القاصر للبشر جعل مثل هذه التشريعات تظهر و تذيب المجتمعات
    ونحن هنا وانا سوف اتحدث عن منهجنا و شريعتنا والتي جعلت امة الاسلام تحكم العالم بعلمها وقوتها و عدالتها لقرون عديدة
    فتلك امة حكمت شرع الله في كل شبر من حياتها فوصلت الى عليا الكرامة و الحقوق و العدالة وننظر للتاريخ فنرى الابداع و العلم و ليست الاندلس من بعيد ولكن عندما توجهنا الى القوانين الوضعية و التي صاحبتها القوة السيادية و الدكتاتورية ضاع كل شيء





    سلام chris
    chris
    المحب للغير .................

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •